العالم يحصد ما زرعه آل سعود

مقالة أغضبت الأمراء السعوديين، نشرتها نيويورك تايمز في 27 مايو الماضي، وكانت صريحة ومباشرة ولاذعة.

كانت المقالة (افتتاحية) لاهبة ضد النظام السعودي. فهذه اول مرة في التاريخ، تقوم هذه الصحيفة المرتبطة مباشرة بالبيت الابيض بكتابة مقالة تصدر من ادارة تحريرها ضد حكام السعودية، وتنشر في أعلى الصفحة الاولى.

الاعلام الغربي يتهم النظام السعودي بالضلوع في دوامة الارهاب، وال سعود يتهمون ايران بالارهاب، والغرب لا يعرف دولة يمكن تصّنيفها بأنها دولة راعية للإرهاب سوى السعودية، التي تواصل حالة الانكار... والسبب إيران!

صبّ الاعلام السعودي جام غضبه على ايران، لأنها لم تكن الهدف التقليدي لهجوم الصحافة الغربية كما كان المأمول. فقد نشرت الصحف السعودية مثل (الشرق الأوسط) وصحيفة (سبق) الالكترونية مقالات عما سمي بـ «الغضب السعودي»، وحمّلت (سبق) ما أسمته باللوبي الايراني في الولايات المتحدة بأنه يقف وراء المقالة.

هذا نص المقالة:

لقد سببت السياسة السعودية الاحباط لدى ساسة واشنطن ولسنوات عدة، وفي الظاهر تبدو السعودية حليفاً حاسماً للولايات المتحدة والتي تقدم الاسلحة والمساعدات الامريكية بحمايتها. وقد انفقت المملكة السعودية الملايين التي لا تحصى من الدولارات لنشر مذهب الوهابية عالمياً. وهو فرع من الإسلام السني المتطرف والذى ألهم ارهابيي 11/9 وكذلك داعش.

الفصل الاخير من الحزن الطويل يشتمل على كوسوفو الصغيرة. فهذه الدولة الصغيرة التي لا يتعدى سكانها مليوني وثمانمائة الف نسمة قد ارسلت خيرة شبابها لكي يموتوا في العراق وسوريا. ومنذ عام 2012 انضم اكثر من 314 شابا كوسوفيا لداعش من بينهم انتحاريان وأكثر من 44 إمرأة و28 طفلاً. وحتى بلجيكا والتي تعد أرضاً خصبة للارهاب ولا سيما بعد هجمات باريس الارهابية.. تتخلف كثيراً وراء كوسوفو في عدد الارهابيين الذين التحقوا بداعش.

لقد وصلت كوسوفو إلى هذه الدرجة من دعم الارهاب وكما وصفه بدقة هكارلوتا غال في مقال نشره مؤخرا في التايمز أن السعودية ودولاً خليجية أخرى قامت في السنوات الماضية بانشاء المساجد وإرسال الائمة لنشر الوهابية وإقامة شبكات ومنظومات سرية. وفي الوقت الذي لا توجد فيها أدلة ظاهرية على أن أموالا قد دفعت لاقناع الشباب للسفر إلى سوريا والعراق، إلا أن كبار المسؤولين في كوسوفو أكّدوا أن أموالاً ضخمة قد أنفقت لنشر الفكر المتطرف ما بين الشباب والضعفاء. والقضية أنهم أيدوا مفكرين يدعون للعنف والجهاد للدفاع عن الاسلام. وهذا ما أكده ماكيلي، رئيس شرطة مكافحة الارهاب في كوسوفو.

لقد استثمرت وعلى نحو كبير كل من الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو في مساعدة كوسوفو لنيل استقلالها من صربيا في العام 2008 وتحقيق الديمقراطية. وإن قيام المملكة السعودية باستخدام كوسوفو وجعلها أرضاً خصبة لانتاج الارهابيين أو السماح لها بأن تستخدم من مجاميع سعودية لانتاج الارهاب، لهو مؤشر قاس للتناقض وحتى السلوك المزدوج لشركاء للولايات المتحدة في الخليج، يساعد في تفسير سبب تدهور العلاقات مع هذه الدول مؤخراً.

كوسوفو وبعد أن تمّ إنقاذها من الظلم الصربي عبر القصف الجوي لحلف الناتو عام 1999 كانت تعرف بمجتمعها المتسامح. ولقرون عدّة اتبعت الاغلبية المسلمة في كوسوفو المذهب الحنفي المتسامح للاسلام. ومنذ بداية الحرب بات هذا التقليد يواجه التهديد بوساطة الائمة المرسلين من السعودية والذين تدفع مصاريفهم جهات سعودية، ويعملون لنشر الشريعة والفكر التكفيري والعنف الذي يجيز قتل المسلمين الاخرين بوصفهم زنادقة.

قام معظم الكوسوفيين بمقاومة هذا التبشير الوهابي. ويؤكد المسؤولون الكوسوفيون أن دعم الولايات المتحدة والغرب يبقى قوياً. الا أن الخبراء يشيرون لعدد من الاسباب التي أدّت إلى جعل كوسوفو أرضاً خصبة لانتشار الايدولوجيا المتطرفة، ووجود أعداد كبيرة من الشباب الفقراء في المناطق الريفية مع أمل ضئيل جداً للحصول على فرصة عمل، كذلك انتشار الفساد وعدم الايمان بالحكومة ووجود نظام تعليمي لا يشجّع على التفكير النقدي، كما أشار إلى ذلك تقرير صدر عام 2015 من مركز كوسوفو للدراسات الامنية .

ويبقى من غير الواضح السبب الذي جعل حكومة كوسوفو وأمريكا وكذلك الامم المتحدة والذين تعاقبوا على ادارة كوسوفو بعد الحرب، عدم التحرّك لمعالجة هذا الامر قبل الآن. فمن الممكن أن وقع الامريكيون في خطأ اعتقادهم ان المجتمع الديني المعتدل لكوسوفو من شأنه ان يقف حائلاً امام انتشار التطرف.

و قد اوضحت هجمات 11/9 هذه المخاطر، وتمّ إغلاق الكثير من المنظمات السعودية في كوسوفو. والحكومة السعودية التي خفضت حجم مساعداتها إلى كوسوفو، تدعي أنها تفرض ضوابط صارمة على عمل الجمعيات السعودية الخيرية والمساجد والتعاليم الدينية. ومع كل هذا نجد أن قطر والكويت والامارات قد زادت من تمويل المتشددين في كوسوفو مؤخراً.

ويبدو أن بعض الدول العربية لا تدرك حتى الآن مدى خطورة نسخ الاسلام المتطرفة على دولهم. وعلى الرغم من ان الحكومة السعودية تعتمد على الوهابية للحصول على الشرعية السياسية، نجد أن داعش تتهم النظام الملكي السعودي بإفساد الدين من اجل الحفاظ على سلطته الحاكمة. ومنذ العام 2014 نجد ان عدد الهجمات الارهابية داخل المملكة السعودية بلغت 20 هجمة إرهابية تبنّت معظمها جماعة داعش الارهابية.

وتعمل حكومة كوسوفو وبالتنسيق مع الولايات المتحدة من أجل محاربة التطرف عبر تبني قوانين جديدة لمكافحة الارهاب وتضييق الخناق على غسيل الاموال الذي يمول الجماعات الارهابية، والتركيز بنحو أكبر على التحقيقات التي تقوم بها الشرطة. لقد بلغ تدفق الارهابيين من كوسوفو إلى داعش في الاشهر السبعة الاخيرة صفراً، كما انخفض عدد المقاتلين الموجودين فعلاً الان في سوريا والعراق إلى 140 ارهابياً.

ومع كل ذلك يوجد على الاقل اثنين من الائمة المتطرفين لايزالون يدعون للعنف والارهاب في العاصمة برشتينا، ويجذبون أعداد كبيرة من الشباب. ومن ثم فهناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به من أجل حماية استقلال كوسوفو والمحافظة على روح التسامح، وهما أمران ناضلت كوسوفو طويلاً لتحقيقهما.

الصفحة السابقة