العودة إلى الأسس

العلاقة الأمريكية - السعودية في عهد ترامب

* يمكن الوثوق بموالاة الطبقة الحاكمة من الناحية السياسية للولايات المتحدة إلى أقصى الحدود.

* صدرت تقارير حديثة تفيد أنّ السعودية تملك تصاميم خاصة للأسلحة النووية لمواجهة برنامج إيران النووي ناثان فيلد

استنادًا إلى التقارير الصحفية، تكلّل الاجتماع الذي انعقد مؤخرًا بين الرئيس ترامب وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي بنجاح كبير. وقد وصف السعوديون الاجتماع بأنه “نقطة تحوّل تاريخية” طبعت “تغيراً مهمًا في العلاقات في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية ككل”.

كوني أمضيت عامين في السعودية كمستشار، وراقبت ردود الفعل في أرجاء المملكة، أرى أنّ التفاؤل حقيقي. فإنّه لمن المنطقي تمامًا أن يبدأ ترامب ولايته بحكمة من خلال إحياء علاقة ذات منفعة متبادلة مع الحكومة السعودية، بعد التدهور الذي شهدته خلال إدارة أوباما، نظرًا إلى أنّ البلدين يتشاركان مصالح أساسية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.

سياسيًا: استعادة الوضع

القائم قبل عهد أوبام

السعودية هي نفسها ولم تتغير. ويمكن للولايات المتحدة أن تنتهج إحدى المقاربتين التاليتين تجاه الحكومة السعودية:

(١) فبإمكانها أن تعامل السعوديين على أنهم حليف أساسي، (٢) أو لا.

لكن لا تخطئ في هذا الشأن، فأي من الخيارين يؤدي إلى نتائج متوقعة حول كيفية تفاعل السعوديين ومدى استعداداهم لمساعدة الولايات المتحدة.

ومن خلال إحياء العلاقة التقليدية، يدرك الرئيس ترامب ما هو بديهي. المملكة هي البلد الأهم بين الدول العربية في الشرق الأوسط. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى دورها كمصدّر للنفط ونفوذها الذي يؤثّر على الاقتصاد العالمي. ويعود السبب في ذلك أيضاً إلى هيبتها الدينية وتأثيرها، نظرًا إلى أنها تسيطر على الأراضي المقدسة للإسلام، ما يجعل السعوديين قادة العالم المسلم السنّي بحكم الأمر الواقع. فضلًا عن ذلك، وفي منطقة تهيمن عليها الحروب الأهلية والاضطرابات، يمكن الوثوق بموالاة الطبقة الحاكمة من الناحية السياسية للولايات المتحدة إلى أقصى الحدود.

غير أنه خلال عهد الرئيس أوباما، في إطار مسعى إدارته إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران، اعتمدت الولايات المتحدة موقفًا معاديًا أساسًا للسعودية. فعلى سبيل المثال، خلال مقابلة مع صحيفة “ذي أتلانتيك” في مارس 2016، أدلى الرئيس الأمريكي بتعليقات رافضة حملت ازدراء علنيًا للسعودية. ورغم أنّ الولايات المتحدة حافظت مع ذلك على علاقات أمنية قوية. من وجهة نظر السعودية، تخطت هذه التعليقات إلى حدّ كبير حدود الخلافات السابقة التي تبرز لا محالة من وقت إلى آخر بين بلدين وبدت أنها تشكّك مباشرةً في مصير التزام أمريكا بالحفاظ على علاقة ثنائية قوية.

ومن خلال اعتماد مقاربة أكثر براغماتية وتقليدية، يعني موقف الرئيس ترامب الجديد أن الولايات المتحدة على استعداد تام للحصول على تعاون أكبر بكثير في مسائل أساسية تعتبرها مهمة. فعلى سبيل المثال، تُظهر المملكة أساسًا رغبة أكبر في إنشاء مناطق آمنة للاجئين السوريين وإرسال قوات خاصة إلى سوريا. ويتماشى هذا مع أجندة الرئيس ترامب “أمريكا أولًا” الرامية إلى حثّ حلفاء البلاد على تحمل جزء أكبر من الأعباء على صعيد مسائل أمنية أساسية.

المسألة الأمنية

فيما يخص المسألتين الأمنيتين الأساسيتين اللتين تواجهان المنطقة، أي الإرهاب الجهادي والمقاربة العامة تجاه إيران، يبدو أن الطرفين الأمريكي والسعودي على الموجة نفسها عمومًا. فالسعوديون والأمريكيون على السواء يشكّلون أهدافًا للجماعات الجهادية على غرار “داعش” و“القاعدة”.

وحتى أن تعليقات ولي ولي العهد الأمير محمد الداعمة لسياسة حظر السفر المؤقتة التي انتهجها الرئيس ترامب لا يمكن أن تُعتبر مفاجئة. وقد أشارت القراءة السعودية للاجتماع إلى أن “الحظر لم يستهدف المسلمين”. وحتى أنه تمّ وصف الرئيس ترامب على أنه “صديق حقيقي للمسلمين، وسيخدم العالم المسلم بطريقة لا يمكن تصوّرها”. وقد قدّم الأمير المزيد من التبريرات للقرار التنفيذي بقوله إنه لدى السعودية معلومات استخبارية حول مؤامرات تنبع من الدول التي فُرض الحظر عليها.

وفي حين اعتبر بعض الأمريكيين أنّ الحظر “ضد للمسلمين”، من المنطقي ألا ينظر إليه السعوديون بالطريقة نفسها، بما أن الرياض تفرض سياسات صارمة مماثلة على الهجرة ضد مواطني بعض الدول كالصومال والسودان. وبالتالي، بناءً على هذا المنطق، لن يعتبر السعوديون أنّ القرار موجّه ضد الإسلام، أو أنّ فكرة تطبيق الولايات المتحدة له أيضًا جديرة بالاهتمام.

والأهم من ذلك، أنّ السعودية تدعم إلى حدّ كبير الرئيس ترامب لجهة موقفه من إيران. ولا شكّ في أنّ إدارة أوباما كانت مقتنعة حقًا بأنّ إبرام اتفاق مع إيران سيحمل في نهاية المطاف بعض النتائج الإيجابية للمنطقة.

غير أن عملية محاولة إبرام اتفاق مع إيران لم تساهم في الاستقرار الإقليمي. ففي الواقع، حصل عكس ذلك. أولًا، كانت الولايات المتحدة هي المصرة على إبرام الاتفاق أكثر من إيران. وقد دفع ذلك بطهران (وهي محقة) إلى الاعتقاد بأنها قادرة على تحدي حلفاء أمريكا في المنطقة من دون أن تترتب عليها عواقب كبيرة أو حتى أنها ستفلت من العقاب.

وما يكتسي الأهمية ذاتها هو أنه في سعيها إلى إبرام الاتفاق مع إيران، مالت إدارة أوباما إلى التغاضي عن مخاوف حلفائها منذ زمن بعيد، والشعور بانعدام الأمان الذي هيمن عليهم، ولا سيما إسرائيل والسعودية. وخلاصة القول إنه: إن لم تشعر دول مثل السعودية بأن الولايات المتحدة تأخذ في الحسبان مخاوفها الأمنية، فـ“سوف تسير في طريقها” متجاهلةً رأي واشنطن.

ويُعدّ اليمن المثال الأفضل على هذا، ولا يمكن فصله عن وجهة نظر السعودية المرتبطة بإهمال الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما. أما الرئيس ترامب، فيدرك أن السبيل إلى ثني بلد مثل السعودية عن شنّ حروب ذات نتائج عكسية في اليمن يتمثل بالشعور “بثقة فعلية” ومعرفة أن الولايات المتحدة تسانده.

وهذا بالضبط ما يفعله ترامب من خلال اعتماد موقف أكثر واقعية تجاه إيران. فمن المستحيل القول إنّه لو قدّمت الولايات المتحدة دعمًا أكبر للسعوديين، ما كانوا ليشنّوا حربهم في اليمن أو لكانوا أقل عدائيةً في سوريا. غير أنّ الأمر أقل ترجيحًا بالطبع. فمن المؤكد أنّ علاقةً أوثق مع السعوديين خلال إدارة ترامب ستقلّل احتمال بروز دواعٍ مستقبلية للتدخل. كما سيتيح الانحياز الواضح والصريح للسعوديين والإماراتيين أمام الولايات المتحدة المساهمة إلى حدّ ما في إخراج السعوديين من الحرب.

ناهيك عن اليمن، ستشكّل السياسة النووية مجالًا مستقبليًا إضافيًا يحدّ فيه ربما بناء علاقة أوثق مع السعودية من جاذبية فكرة أن تسير المملكة في طريقها. وقد صدرت تقارير حالية تفيد أنّ السعودية تملك تصاميم خاصة للأسلحة النووية لمواجهة برنامج إيران النووي، وحتى وإن لم تنفذها في الوقت الراهن، فستفعل حتمًا في وقتٍ لاحق، مع الإشارة إلى أنّ آخر ما تريده الولايات المتحدة هو سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وتتمثل الطريقة الوحيدة للحرص على عدم تبلور هذا السيناريو في جعل السعوديين يرون فعلًا أنّ الولايات المتحدة تدعمهم.

العامل الاقتصادي

لقد أيّد الطرفان الأمريكي والسعودي احتمال زيادة التعاون الاقتصادي بينهما. وكما كتبت لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى العام الماضي في مقال حمل عنوان: إمكانات الإصلاحات الاقتصادية السعودية، يُعتبر التعاون في هذا المجال فرصة لتحقيق نمو حقيقي بين البلدين.  

وتعد خطة “رؤية 2030” الشغل الشاغل للحكومة السعودية على المستوى المحلي، وهي مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية (وبالتالي السياسية) الطموحة التي تهدف إلى تحديث الاقتصاد وخفض معدل البطالة وبلوغ درجة معقولة من التنوّع بعيدًا عن الاعتماد على النفط.

إنّ نجاح السعودية في تنفيذ أجندة الإصلاح مساهمةٌ في قوى الاعتدال وفي هيبة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالتالي، يُعتبر الدعم الدبلوماسي لرؤية السعودية 2030، ونجاحها، مصلحة مهمة للولايات المتحدة على المدى البعيد. ونظرًا إلى تاريخه كرجل أعمال، وليس كزعيم سياسي تقليدي، فإنّ ترامب قادرٌ على فهم ما يحاول السعوديون القيام به في أجندتهم الإصلاحية الاقتصادية، ربما أكثر من سلفه.

الخلاصة

بالطبع لن تتفق السعودية وإدارة ترامب في كلّ المسائل. فمن المستبعد أن تكون واشنطن مناهضةً لجماعة “الإخوان المسلمين” بالقدر الذي يرغب فيه السعوديون. كما أنّه من غير المتوقّع أن تحظى الرياض بالتعاون الذين تأمله في ما يخص قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (جاستا).

لكن في حال انتهجت الولايات المتحدة ببساطة موقفًا براغماتيًا حيال إيران، سيعتبر السعوديون أنّ إدارة ترامب تدعم مصالحهم بشكل أكبر من الإدارة السابقة. وفي المقابل، ستكون الولايات المتحدة مستعدةً لتعاون ومساهمات أكبر من السعوديين.

وقد بعث الرئيس ترامب برسالة واضحة مفادها أنّ سياسته في الشرق الأوسط تقوم على إحياء التحالفات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، والحدّ من خوض تجربة سنوات عهدي بوش وأوباما. بعبارة أخرى، إنها تتمحور حول التعامل مع العالم كما هو والسعي فقط إلى جعله أفضل. ولغاية الآن، يبدو أن انطلاقته في هذا المجال جيدة.

الصفحة السابقة