الإصلاحيون المعتقلون ووقفة مع القضاء!

محمد علي الهرفي

أخي الأستاذ قينان الغامدي طرح في مقالته المنشورة في (الوطن) بعض الأسئلة على سماحة الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء. الأسئلة التي طرحها قينان وغيرها مما يتعلق بالقضاء يجب أن تطرح وبكثير من الإلحاح حتى يعرف الناس كيف يسير القضاء في بلادنا، فالإجابة على ما يطرح من الأسئلة - مهما كانت - تقرب الناس من القضاء وتجعلهم يتفاعلون معه باعتبار القائمين عليه من أبرز شرائح المجتمع التي يتطلع الناس إليها باعتبارها الملجأ الأخير لكل المظلومين.

لست محتاجاً إلى القول والتأكيد على أن دول العالم كلها تفخر باستقلالية القضاء وتؤكد قوانينها على هذه الاستقلالية، لأن هذه الاستقلالية هي التي تجعل المواطن في العالم كله يطمئن إلى أنه سيجد من يحل مظلمته ويعيد إليه حقوقه.. كما أن الدول - كل الدول - تقوى وتدوم كلما كان قضاؤها نزيهاً مستقلاً عن سلطة الدولة، لأن المواطن يبقى في الغالب موالياً لدولته عندما يكون قضاؤها نزيهاً، ويخف هذا الولاء عندما تهتز ثقته بقضاء بلاده. إن كل الأسئلة يجب أن تكون مشروعة، وأن كل أخطاء القضاة يجب أن يحاسبوا عليها أسوة بغيرهم من الناس. ولعلي أبدأ بتعميق الأسئلة التي طرحها الأخ قينان؛ ليس لذات الأسئلة، ولكن لأن هناك حالات أخرى مشابهة، لها وكلها تحتاج إلى محاسبة فاعليها أو إيضاح أسبابها كي يقنع الناس بما يسمعونه.

محاكمة الثلاثة: الدكتور متروك والدكتور الحامد والأستاذ الدميني.. هذه المحاكمة التي بدأت منذ حوالي عشرة أشهر وأصحابها موقوفون ثم بعد هذه المدة الطويلة يقرر القاضي أن النظر فيها ليس من اختصاصه.. أليس من العجب أن يقف القاضي هذا الموقف غير المفهوم ولا المعقول؟ أبعد كل هذه المدة يكتشف القاضي أن الحكم في هذه المسألة ليس من اختصاصه؟ من المسؤول عما حدث ومن يتحمل وزر إبقاء الثلاثة كل هذه المدة موقوفين؟ لماذا يبطئ القاضي في إنجاز حكم الله مدة طويلة، ثم يعلن فجأة أنه ليس من اختصاصه؟ هل هذا الموقف طبيعي وهل يستحق فاعله المساءلة؟ وإذا كان هناك مبرر لما حصل فلماذا لا يشعر الناس بذلك كي لا يسيئوا الظن بالقاضي وبالقضاء؟ ثم إن هذه المسألة تحديداً يتابعها آلاف الناس في الداخل والخارج، وكلهم سيطرح مثل هذه الأسئلة، فإذا لم يجد إجابة شافية عليها اتجه لإساءة الظن في القضاء، وهذا ما لا نريده لقضائنا ولقضاتنا.

المسألة الثانية مسألة الحدود التعزيرية التي تصل أحياناً إلى آلاف الجلدات وبحيث تقسم على فترات تجعل صاحبها يلبث في السجن فترة طويلة تؤثر عليه وعلى أسرته.. السؤال: هل هذا النوع من التعزير شرعي؟ وهل له ما يبرره؟ أعلم أن كل جريمة لها حكم شرعي واضح، وأن التعزير للأشياء غير الواضحة، وأن المقصود بهذا النوع هو التأديب.. ولا أعتقد أن آلاف الجلدات وما يتبعها من البقاء في السجن لمدة طويلة يحقق الهدف المراد من عقوبة التعزير، هذا بالإضافة إلى آثاره السلبية على الأسر ذات العلاقة.

مسائل أخرى نراها تحدث في أروقة المحاكم ولا نجد لها تفسيراً معقولاً، من هذه الأشياء التأخير الواضح في إنجاز معاملات الناس فبعضها يبقى سنوات والبعض الآخر أقل من ذلك، وهذا التأخير يرفضه الناس ويشعرون أنه يعطل مصالحهم ويهدر أوقاتهم دون أن يجدوا ما يقنعهم بما يحصل لهم.

ومن الأشياء التي يكثر الحديث عنها أن بعض المتخاصمين يماطل كثيراً في الحضور لمجلس الحكم، ومع هذا ففي الغالب لا يحكم القاضي مما يؤثر على الشخص الآخر، وقد يدفعه للتنازل عن حقه من كثرة تردده على المحكمة دون أن يجد من يفصل في قضيته بالسرعة الكافية.. أعرف أن النظام المكتوب يعطي الحق للقاضي أن يتصرف وأن يحكم غيابياً على المماطلين، ولكن الواقع شيء آخر لا يريح بعض الناس. ولا يحقق لهم قضاء مصالحهم. مرة أخرى من المسؤول عن عدم تطبيق بعض الأنظمة الموجودة؟

أعرف أن هناك تذمراً في أوساط الناس من بعض الأساليب المتبعة في المحاكم، وأعرف كذلك أن هناك مسائل تضخم كثيراً وتنتشر بين الناس، وأعرف أن مثل هذه المسائل تجعل البعض يتذمر من القضاء من حيث الأساس، وهذا قد يصب بالتالي في مصلحة بعض الناس الذين يرون أن القضاء الشرعي يجب أن يستبدل بنوع آخر من القضاء الذي لا يتفق مع شرعنا وهم - كما قلت - يضخمون كل السلبيات التي يرددها الناس، ومن هنا فإني أعتقد أن هناك مسؤولية كبيرة على القضاة كلهم كي يكونوا أكثر دقة فيما يقومون به وألا يتركوا أي ثغرة في أعمالهم. كما أن رئاسة القضاة ووزارة العدل عليها أن تراقب أداء القضاة وأن تحاسبهم على تقصيرهم وأن يبذلوا طاقتهم كي يبقى القضاء في صورته الناصعة التي نتمناها جميعاً.

الوطن 28/12/2004



الصفحة السابقة