خطاب القصيم.. من يفهم الرسالة؟

كم ظلم أناس، وشربوا مرارتهم، جراء هذا التصنيف، والنبز بالألقاب، وكم حاول الذين تم تصنيفهم أن يقاوموا وحْلَ التصنيف وينفذوا بجلودهم ويتخلصوا من لزوجة الطين القابض، ولكن لا مناص: قد قيل ما قيل، إن صدقاً وإن كذبا، فما اعتذاركم من قول وقد قيلا!

مثقفون، وكتاب، وباحثون، خسرتهم الساحة السعودية، أو لم تستفد منهم كما ينبغي، بسبب خوفهم من ميليشيا التصنيف الفكري، وجنود الفرز الذين يحملون الأختام السوداء ويدورون في ظلام الأزقة بحثاً عن شخص «متلبس» بنغم مختلف، ومتوشح بلون آخر، حتى يرهبون به، وبتشويهه، «عدو الله»! وعدو الله هنا هو من يفترضه ويتخيله، وهو في الحقيقة ليس إلا عدوهم هم! أو ربما حتى ليس بعدوهم ولكنه ليس بتابع لهم، فقط!

إننا نتحدث عن داء عضال أصاب الساحة السعودية، منذ أن هيمن صوت واحد على الساحة، وصار يصنف، مثلا، من يقارب أي مسألة لها أدنى مساس أو اتصال بمجال المرأة التي هي أكثر من نصف المجتمع في السعودية، صار يصنف من يقارب هذه المسألة بالمنحل والتغريبي، وأنه يريد من المؤمنين أن يتبعوا الشهوات! ولا مجال للمتهم أن يشرح أو يزيل هذه الوصمة عنه، وكلنا يعرف كيف تتم حملات الإحراق الاجتماعي، عبر استغلال المشاركين في حملات الإحراق هذه لخطب الجمعة وأشرطة الكاسيت، والمناسبات الاجتماعية مثل الولائم والأعراس واجتماعات أهل الحارة (أو الدورية كما تسمى في بعض المدن السعودية)، فهذه المناسبات تتحول في لحظات اشتداد الحملة، واستنفار الشارع، ووصول حالة «التعبئة» الى الذروة، تتحول الى مهرجانات هجائية للشخص أو الجهة المطلوب إحراقها، وتشويهها أمام الشارع، ويجد الإنسان السعودي «العادي» غير المؤدلج، لا يميناً ولا يساراً، نفسه محاصراً بطوفان هجائي يحيط به من الجامع الى المنزل إلى بيوت الأقارب والأصدقاء، والآن منتديات الانترنت وبعض القنوات التلفزيونية الحليفة، ولا يملك هذا الانسان «العادي» الا أن يصمت أو يتأثر، ويصبح جزءاً من هذه الحملة، وهذا متوقع، من إنسان لا يملك وعياً مضاداً، إما بسبب انشغاله بمجال آخر أو بسبب ضعف قدراته، وليس المطلوب من الناس كلهم أن يشتغلوا سياسة، ولذلك فكسب هذه الشرائح المحايدة، والميالة للضمير الديني بطبيعتها، يصبح أمراً متوقعاً، آخذين في الاعتبار منع الوعي الآخر من المنازلة في نفس الميدان.

مشاري الذايدي ـ الشرق الاوسط 20/6/2006

الصفحة السابقة