تـديـين الأزمـة

عبدالرحمن اللاحم

بعض المواقع الأصولية نشرت فتوى منسوبة لأحد المشايخ الذي سئل عن حكم مناصرة حزب الله فحرم بشكل قاطع مناصرتهم أو الدعاء لهم ونصح المسلمين بخذلانهم وبيان خطر عقائدهم على المسلمين، هكذا دون مراعاة لشعب يباد تحت الآلة القمعية الإسرائيلية التي لا تفرق بين النساء والأطفال والشيوخ ولا بين سني ولا شيعي أو مسيحي فلم يسلم من نيرانها بشر ولا حجر ولا شجر، فكيف يمكن القول بأنه لا يجوز الدعاء لأطفال لبنان ولشعبه بالنصر ومنابرنا تضج بالدعاء لقتلة الأبرياء في العراق من جماعات (القتل) المتطرفة؟ تلك المنابر لم تنتظر فتاوى للقنوت في الصلوات المكتوبة ولم تنتظر شيخا ليؤصل لها الحرب بل بادرت من تلقاء نفسها لحشد التأييد والمناصرة اللذين كان من نتائجهما أفواج (المجاهدين) من شبابنا الذين خرجوا جراء تلك الخطب الملتهبة. وليت تلك الفتوى بعد أن حرمت الدعاء لهم (أوجبت) الدعاء على المعتدين من اليهود مع أن الدعاء على المخالف من على منابرنا أمر شائع نبذله بكل سخاء ضد بعض مواطنينا في الداخل دون أدنى حرج أو الحاجة إلى أي فتوى فتضج مكبرات الصوت بالدعاء على (العلمانيين) و(الحداثيين) وغيرهم في كل جمعة بينما صمتت المآذن نفسها عن الدعاء للمستضعفين في لبنان لأن في نصرهم نصراً لحزب الله كما يعتقدون، وهو ما لا يمكن أن يتسق ومحدداتهم العقائدية.

لقد حاولت رصد خطب الجمعة من خلال بعض المنابر التي عادة ما تكون ملتهبة في مثل هذه الظروف وتساهم في الشحن العقائدي لمرتاديها وكان معظمها يؤكد على فكرة أن ما حصل في لبنان هو عقوبة إلهية وجزاء رادع لأفواج السياح الذين ذهبوا هناك لقضاء الليالي الحمراء على حد زعمهم في تنكر سافر لأبسط المشاعر الإنسانية، وكأنهم يطالبون الناس بعدم التعاطف معهم لأنهم إذا ما فعلوا ذلك فهم يخالفون السنن الإلهية، فلا يلتفت عندها لأشلاء الأبرياء ولا إلى بكاء الأطفال وعويل النساء، فهي عقوبة وما دامت كذلك فلا يمكن مصادمتها أو التدخل فيها.

لقد أظهرت هذه الأزمة الطاحنة عمق أزمتنا الثقافية التي ضمرت فيها القيم الإنسانية المجردة لدى بعضنا، فأصبحوا لا يتعاطفون إلا مع من يشاطرنا رؤيتنا، وإن شئت فقل من يشاطرنا تفاصيل التفاصيل لعقيدتنا، ولا يريدون أن تحركنا القيم الإنسانية وحدها حين نرى شعباً يرزح تحت القهر والظلم وحين نرى أطفالا وشيوخاً ونساءً يبادون على مرأى ومسمع ومرأى من العالم وحين نرى (حلم) شعب بأكمله يتهاوى بنيران جيش همجي أرعن، فلا بد قبل التعاطف وتقديم المعونة والنصرة لهم من التأكد من عقيدتهم ومذهبهم وسلامة رايتهم وقيادتهم مما يخالف (إحدى) قواعدنا أو أيديولوجيتنا لذا فنحن غائبون تماماً عن نكبات الشعوب وكوارثه، ورضينا بأن نكون من الخوالف في القضايا التي لا تمسنا بشكل مباشر أو تمس من يقاسمنا الأيديولوجيا. نحن رضينا بالتخندق مع (قومنا) فحسب حتى وإن كان جائراً لا يراعي القيم الإنسانية في حربه كما هو الحال مع الجماعات المتطرفة في العراق التي أسست عملياتها على أسس طائفية وولغت في دماء الأبرياء ومارست انتهاكات أقل ما يقال عنها إنها (وحشية) في حق الأبرياء العزل.

عن صحيفة الوطن ـ 28/7/2006

الصفحة السابقة