مجاهدونا يشمون رائحة الجنة في لبنان

فارس بن حزام

أقرب الظن أننا سنصمت مع إعلان الحضور السعودي في الشمال اللبناني. هذه المرة جبهة جديدة، تنتظر دعاة تحريض جدد ـ أو مجددين ـ وعناصر (إنترنتية) يافعة تدفعها إلى طرابلس وبيروت.

فصول (الجهاد) الخارجي تتلاحق، وحرفة الإنتاج والتصدير متواصلة، والصمت مطبق. ومثلما سجل تاريخنا تصدير (المقاتلين) ومن ثم 'الانتحاريينب إلى كل البقاع الإسلامية الساخنة، ها نحن نسجل أسماء سعودية في طرابلس ومخيم نهر البارد، ولا نسأل عن المحرضين.

و(الجهاد) هذه المرة بصيغة لبنانية، تتغير الأرضية ويبقى اللاعبون ذاتهم. والسعوديون الذاهبون اليوم إلى لبنان، ليسوا بالضرورة من قاصدي (السوليدير) ولا برمانة، فتشوا عنهم وسط المخيمات والفصائل المسلحة المتدثرة برداء التدين حديثاً. والموسم المحلي للتحريض إلى لبنان بدأ منذ اليوم الأول لمعركة الحكومة اللبنانية لملاحقة النسخة المشابهة لتنظيم (القاعدة). بدأوا بتصوير المعركة بين مسلمين سنة ومسيحيين، وفات عليهم أن أكثر من ثلثي قتلى الجيش اللبناني من السنة، ورئيس الحكومة سني!

من السعوديين في مخيم نهر البارد، والناشطين مع (فتح الإسلام) في طرابلس وغيرها من لبنان، شبان دفعوا مباشرة من البلاد إلى مطار بيروت، ومنهم من حول تأشيرة دخول الجنة من العراق إلى لبنان، قالوا لهم: إن رائحة الجنة تفوح من الشمال اللبناني.

والذين حولوا من العراق إلى لبنان معروف من دفعهم إلى ذلك، ومن ساعدهم ونقلهم وسهل مرورهم عبر أراضيه، حتى ألقى بهم في أحضان (معسكر صامد)، أما (الانتحاريون الجدد)، الذين تركوا أسرهم إلى حيث معسكر (فتح الإسلام)، فلا أظن أن محرضيهم مجهولون على من له السلطة والقرار، ومثلما ينال هؤلاء الانتحاريون من تشهير، فالمحرضون أولى وأحق بهذه النعمة.

وبين المفترض مقتلهم، شاب يافع لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره. غادر مدينته من أقصى الجنوب السعودي ليلقى حتفه الطبيعي في أقصى الشمال اللبناني. وقد توافرت لدي فرصة الاتصال بأحد من ذويه، فأخبرني أن محمداً اختفى عنهم قبل شهر، إلى جهة غير معلومة. توقعوا أنه ذهب إلى العراق، فإذا النبأ يأتي من لبنان.

هذا الشاب الجنوبي، سبق أن أوقف لدى المباحث العامة بعد أن راودته فكرة الرحيل إلى العراق. تمت مناصحته من قبل (لجنة المناصحة)، وأكد على تراجعه. خرج، وتشجعت أسرته على المضي به بعيداً عن المحرضين، وتأهيله بالزواج. اختاروا له زوجة، وحددوا موعد الزواج، لكنه فاجأهم بالاختفاء والرحيل، فكان النبأ من لبنان.

أسرة محمد، الشرورية، ابتليت بالمحرضين، فكان أن خسرت ابنها الذي يكبره في العراق قبل فترة، وآخرين كذلك. ويزعم أحدهم أن المحرضين اجتثوا من أرضها، لكن محمداً اختفى!.

والعجلة لن تتوقف، طالما أننا لا نستعجل الحلول، ونراهن على الحلول التقليدية. وطالما أننا لم نجب على السؤال: من أوصل محمداً من شرورة إلى طرابلس؟.

أحياناً، أشعر أنني بحاجة إلى التعامل مع قضايا التجنيد لصالح (القاعدة) وملحقاتها، بكثير من السخرية، وعدم أخذها على محمل الجد. فالسيناريو في كل مرة يتكرر. أساليب التجنيد لم تتغير كثيراً، سوى أنها تطورت وباتت عبر الانترنت، وعلى المكشوف، لكل من يرغب.

عن الرياض 29 مايو 2007

الصفحة السابقة