لفتت بعض المقالات المحلية الى خطورة تحول السعوديين الى ظاهرة ارهابية تصدر الى كل العالم. لم يتحدث أحد ضد اللاعب المدبر بندر بن سلطان، بل حولت مسؤولية الجريمة الى (المحرضين الدينيين) المحليين، دون التطرق الى (المحرضين والمستثمرين السياسيين) ونقصد بهم آل سعود أنفسهم. هذه المقالة نموذج من تحميل الآخر مشكلة ال سعود التي يصدرونها للعالم. إنها تحمل سوريا أولاً، كما تحمّل السفير الوادع عبدالعزيز خوجة المسؤولية. وهكذا تتم تبرئة المتهم الحقيقي: بندر بن سلطان والجناح السديري!


هل سفارتنا في لبنان بلا عيون؟

عبدالله ناصر الفوزان

من الواضح لي على الأقل أن (شقيقتنا) سوريا قد وجهت لنا (لكمة سياسية) تحت الحزام في بيروت على طريقتها وبواسطة (ذراعها العسكرية) في لبنان فتح الانتفاضة التي (أنجبت) بعملية قيصرية ابنتها فتح الإسلام وأسكنتها في بعض الأماكن المخصصة لها هناك في مخيم نهر البارد لتواصل عن طريقها إحداث القلاقل في لبنان ولتصطاد بها عدة عصافير من ضمنها (العصفور السعودي) الذي أحضرته لـ(قفص المخيم) ربما من مخزونها داخل أراضيها، أو من مستودعاتها في الخارج هنا أو هناك، ورفعت لواء الجهاد في المخيم عن طريق الإنترنت لتصطاد به آخرين من داخل المملكة (ومن خارجها) وقد نجحت في ذلك فيما يبدو في وقت بدت فيه سفارتنا في بيروت وكأنها بلا عيون.

لقد فوجئنا كما فوجئت سفارتنا في بيروت فيما يبدو وكما فوجئت أجهزتنا الأمنية حسبما فهمت من تصريح أمني بظهور مواطنينا فجأة في مخيم نهر البارد مع عصابة فتح الإسلام بعد اندلاع الاشتباكات بينها وبين الجيش اللبناني بعد عملية الذبح العجيبة لعشرات من الجيش اللبناني وهم شبه نيام في مراكزهم القريبة من المخيم في عملية استفزازية واضحة للجيش اللبناني، لتدخل معه في معركة تزيد من فرقة المجتمع السياسي اللبناني ولتحدث المزيد من الفتن والجروح في الجسد اللبناني المتعب ليصل لمرحلة العجز الكامل.

في البداية تناقلت وكالات الأنباء خبر وجود سعودي في المخيم يتولى المفاوضات بعد اختفاء زعيم العصابة ونائبه، ثم نقلت الأخبار احتمال وجود آخرين، ثم علمنا بالقبض على واحد من مواطنينا خارج المخيم له علاقة بفتح الإسلام، وقيل بعد ذلك إن أحد مواطنينا قد استسلم للجيش اللبناني. ثم تتالى سقوط خرز المسبحة فنقلت وسائل الإعلام خبر وجود أربعة سعوديين ثم قال بعض المترددين على المخيم إن من ضمن الجثث عشراً لسعوديين تم دفنهم في المخيم، وما زال الحبل على الجرار، حتى بدا لنا الآن أن مخيم نهر البارد هو في واقع أمره كان (مفرخة) لشبابنا مليئة بعصافير لا يحسنون حتى الطيران ومع ذلك يوضعون في المقدمة كحوائط صد لأعضاء الخلايا الحقيقيين العالمين ببواطن الأمور والذين خططوا وأشعلوا النار وعلموا ويعلمون كل شيء.

لو كان مخيم نهر البارد في سوريا لعذرنا سفارتنا هناك وقلنا إن تيارات الرياح الشديدة المعاكسة ربما أصابتها بالرمد، ولو كان مخيم نهر البارد في العراق لقلنا إن الفتن العاتية هناك أصابت أي تواجد لنا بالعمى، ولو كان المخيم في الصومال أو أي بلد آخر مماثل لربما التمسنا لسفاراتنا الأعذار، ولكن كيف نعذر سفارتنا في لبنان. ذلك البلد التي يتجول فيه سفيرنا صباح مساء، وما من مسؤول لبناني أو غير مسؤول بمن في ذلك بعض مسؤولي المعارضة إلا ويستقبله بالأحضان، ويغسل عينيه ويكحلهما لتبدوا مثل عيني زرقاء اليمامة.

إنني بالطبع لا يمكن أن أطالب السفارة بأن تكون على علم بكل من يدخل ويخرج من لبنان من المواطنين لترعاهم وتحاول حمايتهم من المكائد، ولا يمكن أن أطالبها بمعرفة من يدخلون من مواطنينا بدون جوازات سفر أو أية وثائق عن طريق المنافذ غير الشرعية لفتح الانتفاضة وغيرها، ولا يمكن أن أطالبها بأن تكون لها عيون في السهول والجبال اللبنانية بما فيها من فنادق وأكواخ، ومساكن عادية، وقد نتسامح معها فلا نطالبها بأن يكون لها عيون مفتوحة في مختلف المخيمات الفلسطينية، ولكن لا يمكن أن أعذرها في عدم معرفتها بوجود تلك الأعداد من المواطنين السعوديين في تلك البؤر التي فاحت روائحها منذ أشهر عديدة بعد تلك الولادة القيصرية لفتح الإسلام في مخيم نهر البارد، والتي كانت وسائل الإعلام وتقارير المخابرات تشير بأصابعها الخمس لها بما في ذلك قناة العربية التي دخلت المخيم وقدمت تقريرا خطيرا منذ عدة أشهر عن مناطق فتح الإسلام فيه ونقلت عن الأطفال والأهالي فيه تسميتهم لأماكن إقامات فتح الإسلام بأنها (تورا بورا) لبنان.

إذا كان لسفارتنا عيون في لبنان والأمر كذلك ولا بد أن يكون كذلك فأول مكان كان ينبغي أن تتواجد فيه هو منطقة (تورا بورا) اللبنانية حسب نقل (العربية) وهي القناة المحسوبة علينا وبالتالي على سفارتنا... وحتى لو كانت سفارتنا بلا عيون فالمفروض بحكم علاقتنا المتميزة جداً جداً مع الحكومة وأجهزة الأمن اللبنانية أو كثير منها على الأقل أن يكون لها (أي سفارتنا) عيون لبنانية (قصدها الخير ومصلحة الشعبين) في منطقة (تورا بورا) فنعرف عن ذلك الواقع المر الذي تحول أخيرا إلى حنظل فنحاول دفع البلاء قبل وقوعه فيما يتعلق بمواطنينا على أقل تقدير.

إنني الآن مستاء مما حصل... نعم هذا صحيح... وأكتب تحت تأثير هذا الاستياء... نعم هذا صحيح... ولكني فيما أعتقد معذور إن كانت الأجهزة الأمنية عندنا قد فوجئت مثلي بوجود ذلك العدد من مواطنينا في بؤر فتح الإسلام أو على الأصح بؤر فتح الانتفاضة في مخيم نهر البارد كما فهمت من تصريح أمني عندنا... وقد أكون معذوراً لأنني بصراحة أشعر الآن بالألم الشديد بتأثير تلك الضربة القوية في خاصرتي من (أشقائي) السوريين... وإذا كنت مخطئا في تقديراتي واستنتاجاتي وبالتالي مخطئا في فهمي وكانت السفارة لها عيون أبصرت بها ما كان بداخل (تورا بورا) بالنسبة للمواطنين السعوديين ووضعت الأجهزة الأمنية المسؤولة عندنا في الصورة الكاملة فإني أقدم لها اعتذاري سلفا وأنقل عتابي للجهات المسؤولة التي علمت بالأمر ولم تفعل أو لم تستطع أن تفعل أي شيء... فما هي حقيقة الأمر يا ترى... هل كانت سفارتنا في لبنان بلا عيون؟

عن جريدة الوطن ـ 14/7/2007

الصفحة السابقة