حول بيان 22 شيخ وهابي

كبر إساءة إلى مسلمي السنة

د. عبدالوهاب الأفندي


(1)

في الأسبوع الذي استضافت فيه المملكة العربية السعودية مؤتمراً يدعو إلى الحوار بين الأديان، طلعت علينا ثلّة ممن يسمّون أنفسهم بعلماء السنّة في (مملكة الصمت) ببيان ضاف يحذر من خطر عظيم يهدد الأمة. ولا شك أن المسلمين في السعودية وخارجها يتطلعون إلى سماع رأي علماء الدين فيما يقع في بلاد الحرمين وخارجها من مصائب وكبائر، أدناها قمع المسلمين وتكميم أفواههم والاستيلاء على موارد الأمة بالباطل وإنفاقها في غير ما يرضي الله ورسوله، بل لتمزيق الأمة ونصر أعدائها. فماذا نطق به هؤلاء العلماء الأشاوس الذين لا يخافون في الله لومة لائم؟

(2)

الخطر الذي حذر منه علماؤنا هو مؤامرات الشيعة عموماً، وحزب الله خصوصاً. فما هي الجريمة التي ارتكبها حزب الله وأحنقت هؤلاء العلماء الكرام؟ حزب الله ارتكب كبيرة أنه هزم إسرائيل مرتين، وأخرجها من لبنان تجرجر أذيال الخزي والعار، في حين كان أولياء أمور المسلمين المرتضين عند هؤلاء العلماء يخطبون ودّ إسرائيل سراً، ويتزلفون لأمريكا علناً، ويستضيفون جنودها في أرض الحرمين، وينفقون على جنود المارينز من فيء المسلمين تقرباً لله تعالى!

(3)

وبحسب العلم اللدني الذي بلغ هؤلاء العلماء الكرام، فإن محاربة حزب الله لإسرائيل ودعم إيران للمقاومة هما جزء من مؤامرة شيعية خبيثة للتغرير بالمسلمين السنّة، وذر الرماد في عيونهم، حتى يغفلوا عن مؤامرات الشيعة للتغوّل على ديار المسلمين في بلاد الحرمين وغيرها.

(4)

يبدو أن مؤامرات الشيعة على ديار المسلمين لا نهاية لها. فقد أغلقت الثورة الإسلامية سفارة إسرائيل في طهران وسلمتها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، في الوقت الذي كانت فيه عاصمة الأزهر تستعد لافتتاح أول سفارة لإسرائيل، وكان أمراء المؤمنين يتنافسون في قتل وتشريد الفلسطينيين، وتستقبل الوفود وراء الوفود من أبناء العم في داخل ديار الإسلام وخارجها. الشيعة أيضاً أخرجوا الأمريكان من لبنان، وناجزوهم في الخليج، في حين كان أولياء أمورنا السنّة ـ من سليلي المجد والحسب ـ يستضيفون الأساطيل الأمريكية، ويستدعون الطائرات الأجنبية لقصف ديار المسلمين.

(5)

إنها فعلاً سلسلة مخزية من المؤامرات، تريد أن تظهر زعماء السنّة بأنهم متخاذلون وممالئون للأعداء، في مقابل إظهار الشيعة ـ زوراً وبهتاناً بالطبع ـ بأنهم من يتصدي لمؤامرات الأعداء. وهي تشبه إلى حد بعيد مؤامرات العلمانيين من ناصريين وقوميين وماركسيين ممن أظهروا في وقت سابق أنهم على رأس من يتصدي لمقاومة الاستعمار ومطامع الصهيونية، حتى يحرجوا الأنظمة التي تدعم (صحيح العقيدة) لتظهر أنها ممالئة للاستعمار وموالية للصهاينة.

(6)

مؤامرات أعداء الإسلام عموماً والسنّة خصوصاً متشعبة وكثيرة، وهي غاية في الذكاء. أما السنّة وعلماؤهم الأبرار وأولياء أمرهم الأمناء المأمونون، فإنهم لا يتآمرون أبداً، ولا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل، ولا يردون الماء إلا عشية. فلماذا يا ترى لا يتظاهر هؤلاء كما يفعل غيرهم بمناجزة الأعداء، حتى نخدع الشيعة الروافض ونكشف بدعهم وزيفهم؟

(7)

ربما كان الأولي بعلماء (إن كان هذا هو التعبير الصحيح، لأن بعض دعوى العلم جهل) السنّة أن يسألوا أنفسهم، لماذا لم نسمع منهم نقداً للشيعة ومؤامراتهم إلا عندما تحقق الحركات الشيعية إنجازات تخجلهم وتخجل أمراءهم، بينما هم قعود عن كل مكرمة وكل إنجاز، سوى التزلف إلى حكام السوء الذين يتزلفون بدورهم لأعداء الأمة؟

(8)

نعم، هناك مؤامرة، بل مؤامرات، تستهدف المسلمين السنّة. ولكن أكبر مؤامرة وأكبر إساءة إلى مسلمي السنّة هي أن تنطق باسمهم مثل هذه الفئة التي حرمها الله العلم والفطنة، وفوق ذلك حرمها من نعمة الجرأة في قول الحق في وجه أمراء السوء وحكام البغي. إن موقف السنّة كان يكون أفضل بكثير لو أن المتحدثين باسمهم كانوا أكثر علماً وصدقاً وأقلّ نفاقاً، ولو أن حكامهم كانوا أحرص على مصالح الأمة منهم على مصالح الأعداء. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن من الخزي والعار أن يوجهوا سهامهم إلى المدافعين عن الأمة ضد أعدائها.

(9)

لا يجب أن يفهم من هذا أننا نبرئ الشيعة وكثيرا من قياداتهم من إثم الطائفية، أو نقول أنه ليس من حق علماء السنة وغيرهم انتقاد ممارساتهم الدينية والسياسية. ولكن ما يؤسف له أن هذه الفئة تنتقد المحسنين من الشيعة، ممن تبرأوا من الطائفية ونذروا أنفسهم للدفاع عن مصالح الأمة، ولا تذكر تقاعس المتقاعسين من السنّة، أو تدعو الشيعة والسنّة معاً إلى استباق الخيرات كما ندب الله تعالى المسلمين وأهل الكتاب. ثم أليس من المعيب أن تستضيف بلاد الحرمين لقاءات الحوار مع اليهود والنصارى بينما لا يتسع صدر هؤلاء العلماء لأهل القبلة والشهادة؟

عن القدس العربي، 6/6/08

الصفحة السابقة