الهيئة تخنق أنفاس المجتمع

مجرمون حتى الموت

د. هاشم عبده هاشم

هل نحن مجتمع (فاسد) تكثر فيه اشكال الجريمة.. وتستفحل..

ويترعرع فيه الانحراف.. وتتسع دائرته..

ويمارس أفراده كل أصناف الرذيلة وأنواعها.. بل أكثرها بشاعة.. وسوءاً؟

إذا كان مجتمعنا بهذه الصورة.. فمن نلوم إذاً..؟!

هل نلوم المؤسسة التعليمية والتربوية.. التي لم تعرف كيف تعلمنا بصورة صحيحة.. وتغرس فينا ثوابت دينية قادرة على حمايتنا من الوقوع في الخطيئة..؟

أو.. هل نلوم المؤسسة الدينية التي لم تحسن توجيه مجتمعنا.. وتحافظ على قيمنا.. وتصونها من الانزلاق بعيداً عن تلك الثوابت..؟

أو.. هل نلوم البيت.. وتحديداً.. الآباء.. والأمهات.. لأنهم لم يحسنوا تربيتنا التربية الصحيحة.. وينظموا سلوكياتنا ويوجهونا التوجيه الصحيح؟!

أو هل نلوم الدولة.. لانها قصرت في تهيئة البيئة الحياتية الملائمة للحيلولة دون ترعرع هذا المواطن في بيئة (منحلة) أوقعته في بؤر الجريمة المختلفة حتى أصبح فينا الإرهابي.. والمنحرف عقائدياً.. ومدمن المخدرات..؟

أسئلة كثيرة تفرض نفسها.. ونحن نتابع الكثير من المشاهد والصور والاخبار التي تتحدث عن العديد من الاخطاء والممارسات الإجرامية العجيبة..

فأين هي الحقيقة؟!

ان مجتمعنا يجلد نفسه بالصورة التي نراها ونحياها لا بد وأن يكون مجتمعاً (مأزوماً).. وذلك يحدث في حالة من حالتين:

فإما ان يكون هذا المجتمع (منحلاً) في الأصل..

وإما ان تكون نظرتنا المبدئية لمجتمعنا وكأنه مجتمع ملائكي.. منفصل عن هذا العالم.. ولا مكان فيه للفضيلة..

وسواء أكان مجتمعنا (منحلاً) أو كنا نبالغ في تصوره وتصويره.. فإن الواقع يشير إلى أن لدينا مشكلة حقيقية.. وان هذه المشكلة لابد وان تعالج بكل الطرق الممكنة.. ولكن بعد ان نحدد بصورة علمية.. اي مجتمع نكون؟! مجتمعاً (منحلاً) او مجتمعاً طبيعياً اخرجناه من دائرة البشر.. وصنفناه في نطاق اللابشرية..؟.

وما كتب ويكتب عن هيئة الأمر بالمعروف وآخره ما نشر عن حادثة إلقاء الهيئة في المدينة المنورة القبض على شاب وزوجته.. بعد مطاردة كادت تودي بحياتهما.. لهو مثال على تجريم المجتمع بكامله.. وكان هناك حكماً مسبقاً على ان كل اثنين يمتطيان سيارة.. أو يسيران معاً في الاسواق والمحلات العامة. او يجلسان في ناحية قصية من مقهى.. وكأنهما مجرمان.. يجب إخضاعهما للاستجواب؟.

يحدث هذا لان المجتمع في نظر مؤسسة من مؤسسات الدولة يعاني من الانحلال..

ولا بد من مطاردة انفاسه.. وتقويم سلوكه المنحرف..

والقصة هذه المرة تقول: (ان شاباً وزوجته كانا يستقلان سيارتهما في حي الجرف.. وان رجلين من رجال الهيئة كانا يقومان بجولتهما الاعتيادية في المنطقة فاشتبها في تصرفاتهما.. فقاما بمطاردتهما.. الأمر الذي أدى إلى اصطدام سيارتهما بعدة سيارات قبل أن تصطدم بحاجز أوقفها).

تلك هي القصة.. فماذا قال عنها رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالمدينة المنورة الدكتور عبدالله الزهراني؟.

انه يقول: (ان الدورية طلبت من قائد المركبة التوقف عدة مرات لكنه رفض الاستجابة إلى ان اوقفوه.. وفي هذه الاثناء (يقول رئيس الهيئة) تجمع العديد من سكان الحي والأقارب حول الدورية وسيارة الشاب وحاولت الفتاة الفرار مرتين غير أن الدورية منعتها من ذلك ولكن الفتاة استطاعت الفرار من السيارة والركوب في سيارة اخرى، ليتم استبدال الفتاة بزوجة الشاب).

تصوروا!

فهل يمكن لإنسان عاقل أن يقبل بهذا التبرير..؟

لقد ذهلت وانا اقرأ هذه التصريحات لرجل نفترض فيه ان يكون على درجة من العلم ومن المعرفة ومن رجاحة العقل.. وبالتالي فإنني لم أتقبل كيف يمكن (التستر) على خطأ وقع فيه رجال الهيئة.. إلى الحد الذي نستهين فيه بعقول الناس.. ونشكك في وعيهم.. وفي سلامة تفكيرهم.. والا فكيف يمكن القبول بفكرة هرب السيدة المشبوهة.. ثم ركوبها سيارة أخرى.. أمام نظر الهيئة وسطوتها..؟

ثم كيف تم إحضار الزوجة في نفس اللحظة... لتقوم بالتغطية على الزوج (الماجن) و (المتفسخ) والمصطحب لامرأة اخرى؟!

وهل هناك زوجة في أي مكان من هذا العالم تقبل بأن تقوم بهذا الدور وهي تعرف ان زوجها قد خانها مع امرأة أخرى.. بل وتدافع عنه.. وتعمل على تبرئته؟!

وحتى لو صدقت رواية رئيس الهيئة.. فهل يمكن ان نتصور شيئاً من ذلك يحدث في نفس الوقت.. وعلى مرأى ومسمع من الناس؟!

ألم أقل لكم.. ان مجتمعنا بكليته متهم بالاجرام.. وان كل فرد فيه مجرم حتى تثبت ادانته.. وان بلداً ملائكياً كبلادنا لا يتحمل رؤية مشهد كهذا.. تداعب فيه زوجة زوجها في سيارتهما.. حتى لا يكون مصيرهما مصير هذين الزوجين؟.

إن الجريمة هنا في نظري هي في تبرير الخطيئة.. ولذلك فان انزال اشد العقوبات في من تسبب فيها لا يكفي حتى وإن فصلا من عملهما.. وسجنا مدى الحياة..

وانما الذي يجب عمله بعد كل الذي جرى هو: أن نخلص المجتمع كل المجتمع من تهمة الجريمة..

والا.. فإن المشهد سيتكرر.. ويستمر.. وسيتحول المجتمع بأكمله بعد فترة من الزمن إلى مجرمين حقيقيين في ظل استمرار عملية (الترصد) و (التنصت) و (المطاردة) لأنفاسه..

فالأمر بالمعروف الذي نريده.. وتؤكد على ضرورته.. ليس هذا الذي نرى ونسمع.. على الإطلاق..

ضمير مستتر:

الأخطر من الجريمة.. (في المجتمعات المتحضرة).. هو الكذب.. واختلاق وتلفيق تهم تدين الأبرياء.. ولو ظلماً.

الرياض، 10/10/2008

الصفحة السابقة