الملك وحده اللعبة في الساحة

ضجيج التغييرات بدون إصلاح سياسي

نشرت مجلة (ميدل إيست إنترناشيونال) في مجلّدها الثاني، العدد العاشر بتاريخ 19 مارس الماضي مقالاً للكاتب نيل باتريك حول الإصلاح في السعودية جاء فيه:

الاصلاح في العربية السعودية يعتير مفهوماً عكسياً: هل هو من حيث الأصل مفهوم متناقض، أو أن المبادرات الحكومية أضافت عليه تحوّلاً رئيسياً في السياسة؟ مهما تكن الإجابة عن هذا اللغز، فإن سلسلة من التطوّرات الأخيرة في المملكة قد عدّلت بصورة مؤكّدة المزاج المحلي. ولكن السلفيين المتشدّدين في البلاد يرون أملاً في الخطوات التي اتخذها حينذاك ولي العهد عبد الله بدأت قبل ثمان سنوات بتغيير إتجاه البلاد.

الأمل، كما يبدو، هي الكلمة المفتاحية. فالتغيير الجوهري غير القابل للتراجع من الصعب وضع الإصبع عليه. على أية حال، فإن المناظرة المحلية السائدة وغير المبجّلة تدار في الصحافة شبه الرسمية وعلى شبكة الإنترنت. وهذه المناظرة تستوعب أشد المحافظين وعلى نطاق واسع. وتشمل هجمات منتظمة على السلطات المحلية بفعل المعاناة الإنسانية الناجمة عن فيضانات جدة في نوفمبر الماضي. تعليقات يوتيوب، تويتر، وكثير من المواقع السعودية كانت تبث بصورة حيّة مصحوبة بغضب شعبي إزاء البنية التحتية المدقعة وعدم التخطيط الذي تسبب في وقوع ما لا يقل عن 120من سكّان جدة في حادث وصفته شخصية قيادية بـ (المطر الغزير). وهناك انتقاد أيضاً لهؤلاء العلماء الكبار في السن، الذين عارضوا التعليم المختلط، والمطاوعة، بفعل معاملتهم القاسية والمستمرة للمواطنين السعوديين.

لمواجهة تداعيات الحادث، قام الملك بتشكيل هيئة للتحقيق واعتقال عدد كبير من مسؤولي أمانة جدة. كما قام بافتتاح أول جامعة مختلطة في المملكة، وهي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست)، بكونها الرمز الدولي للتغيير في البلاد وبدأ بتطبيق إصلاحات قضائية، التي تعتبر بأنها تحسينات مشجّعة في موقع المرأة. على أية حال، يتسائل الساخرون: ماذا سيتغير فعلاً في جدة، وكيف ستمضي حقاً قرارات الملك؟ في مدينة ميناء البحر الأحمر، جزء من الواجهة البحرية الزاخرة قد تم تسييجها وحجبها عن الناس لسنوات عديدة، بما أحالها الى رسومات سياسية تكهمية. ما يراه كثير من السكّان المحليين هو نتيجة لصفقة عقارية فاسدة ويرمز الى السلوك الذي يعتبر مسؤولاً عن كارثة (المطر الغزيز) حين غطست المساكن في أودية الفيضان.

بعد افتتاح جامعة (كاوست) وفصل الملك لأحد منتقديها من العلماء الكبار، بقي التعليم المختلط ومكانة المرأة الموضوعات الأكثر تفاعلاً على شبكة الإنترنت والمجالس العامة. في فبراير الماضي، أصدر عالم آخر، ولكن أقل مرتبة في التراتبية الدينية، فتوى تحثّ على قتل أي شخص يشجّع التعليم المختلط. وقد تم تسخيفه على نطاق واسع على المستويين الرسمي والشعبي، رغم أنه، كما يبدو، لم يتم إسكاته. فالجو العام الذي صنعته مثل هذه الخطوات العملية وكذلك بفعل المناظرات التي سمح بانطلاقها قد أثّرت كما يبدو على تكتيات الحكومة بدرجة أكبر من سياستها. على سبيل المثال، طلب الملك من مجلس القضاء الأعلى بإعادة النظر في قرار محكمة الاستئناف المثيرة للجدل لإلغاء زواج على أساس شكوى إخوة إمرأة بأن زوجها كذب حول نسبه القبلي. وفيما ليس بالضرورة أن يكون الحكم ثابت كمرجعية قضائية في المستقبل في كل القضايا المماثلة، فإن مجلس القضاء الأعلى أسقط القرار. وهذا الفعل يتلائم مع بيئة واسعة حيث يخضع موقع النساء السعوديات للنقاش، سواء حول زواج الأطفال، أو ولاية الذكر أو الحق المقترح مؤخراً للنساء لتمثيل أنفسهن في المحاكم في القضايا العائلية.

وبنفس القدر، في الرياض، العاصمة في نجد المحافظة موطن آل سعود، فإن المطاوعة لم يعودوا ظاهرين في حضورهم كما كان الحال عليه سابقاً. وهذا يعتبر تغييراً في المزاج الوطني، فقد أبلغني مواطن سعودي بأنه في حال تعرّض المطاوعة له فإنه سيحارب، ما يشير إلى شعور جديد بالثقة لدى كثير من الليبراليين السعوديين في الوضع الحالي. وفي مجلس بجدة، كان مسؤول (مطوّع) رفيع يخوض مناظرة بالغة الحساسية ولكن دفاعية مع سعوديين أقل محافظة حول دور وسلوك هيئته (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). في جدة، كان حضور المطاوعة أكثر رقّة، ولكن الاحتقار الشائع في البلاد تولّد من خلال سلسلة من الحوادث التي تمّ الكلام عنها بصورة علنية في 2007ـ08 فرضت نفسها على سلوكهم. إضافة إلى ذلك، هناك عدد قليل من العلماء كانوا يناقشون بصورة علنية الطروحات التقليدية حول دور المرأة في مكان العمل، وهو حالياً يمثل الكابوس، بالنظر الى الالتصاق الوهابي بفكرة الفصل الجسدي، والحظر على سياقة المرأة للسيارة.

الفارق بين المناقشة والتقييمات الحميدة والجزر التعليمية للتقدم من جهة، والتغيير المؤسسي السياسي والقضائي من جهة أخرى، يدركه كل الإصلاحيين السعوديين.

يدرك هؤلاء بأن كثيراً من الاتجاه السائد غير قابل للنكوص، أو على الأقل قد يكون قابل للتجميد، وأن القائد المستقبلي قد يقرر فقط أن يترك العملية إلى النقطة التي وصلت اليها.

فالمناظرة على مستوى القمة قد أخّرت الجولة الثانية من انتخابات المجالس البلدية لعامين آخرين، رغم أنها ليست بالتأكيد ذات صلة بصنع السياسة. (محبط) هو ما لخّص قيادي شيعي من المنطقة الشرقية موقفه حيال السير البطيء للتغيير، ولكنه وكذلك معظم زملائه من الناشطين يدركون بأن الملك وحده اللعبة في الساحة.

الصفحة السابقة