بين الأمن والتجاذب الحادّ داخل الاسرة

هجوم سعودي صاعق على جماعة الأخوان

لماذا جماعة (الاخوان المسلمين)؟ ولماذا في هذا الوقت تحديداً؟ وهل ثمة بعد أمني وراء اللهجة العنيفة التي طبعت تصريح وزير الداخلية الامير نايف؟ هذه بعض أسئلة الدهشة التي أثارها المراقبون والصحافيون بل وحتى قادة الاخوان أنفسهم. المقالة التالية تحاول الاجابة على هذه الاسئلة واستكشاف ابعاد اللهجة الحادة للامير نايف في لقاء مع صحيفة (السياسة) المعروفة بميولها السديرية.

مطالعة أولية

في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي فوجئت قيادات الاخوان المسلمين وهكذا قطاع كبير من الشعوب العربية ووسائل الاعلام العربية بهجوم عنيف شنّه الامير نايف بن عبد العزيز عبر جريدة (السياسة) الكويتية على جماعة الاخوان المسلمين واصفاً اياها بـ (أصل البلاء) قائلاً: (من دون تردد أقولها ان مشكلاتنا وافرازاتنا كلها جاءت من الإخوان المسلمين)، وأضاف: (بحكم مسؤوليتي أقول ان الاخوان لما اشتدت عليهم الأمور، وعلقت لهم المشانق في دولهم، لجأوا إلى المملكة فتحملتهم وصانتهم، وحفظت حياتهم بعد الله، وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، واخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بهذا الوضع، وقالوا انه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، لكن بعد بقائهم سنوات بين ظهرانينا، وجدنا انهم يطلبون العمل، فأوجدنا لهم السبل، ففيهم مدرسون وعمداء، فتحنا أمامهم أبواب المدارس والجامعات، لكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجندون الناس، وينشؤون التيارات، وأصبحوا ضد المملكة)! ومضى الأمير نايف في نبرة حادة إلى القول: (كان عليهم ـ الأخوان ألا يؤذوا المملكة، وإذا أرادوا أن يقولوا شيئاً عندهم لا بأس، ليقولوه في الخارج، وليس في البلد الذي أكرمهم).

وقد عاب الامير نايف على أحد الاخوان البارزين وكان مقيماً في المملكة التزامه بالخط الايديولوجي للجماعة وبرمزية مؤسس الجماعة المرحوم الشيخ حسن البنا، واعتبر تمثّله الشيخ البنا (ان الرجل ملتزمُ بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي دمرت العالم العربي). ويثير هذا التصريح استغراباً مثيراً كون الامير نايف يفترض أن مجرد اقامة قيادات الاخوان في المملكة ستؤدي ضرورة الى تحوّل ايديولوجي داخل الجماعة.

الا أن ما يعتبر اشد قسوة في هجوم الامير نايف هو اتهام الإخوان المسلمين بالاساءة للمملكة، وقوله أنهم (سببوا لها مشاكل كثيرة، لقد تحملنا منهم الكثير، ولسنا وحدنا الذي تحمل، إنهم سبب المشاكل في العالم العربي وربما الإسلامي).

الحملة التي شنها الامير نايف شملت قيادات ورموز بارزة في جماعة الاخوان أمثال المرحوم الشيخ محمد الغزالي لأنه ألف كتاباً نقدياً في الملك عبد العزيز، والزعيم السوداني الشيخ حسن الترابي الذي لم يقم ـ بخلاف ما ذكره الامير ـ في المملكة ولم يعمل فيها وبالتالي فإن انقلابه على المملكة وخصوصياتها منذ وصوله الى السلطة حسب تصريح الامير نايف يصبح بلا أساس، كما طال الهجوم قيادات اخرى مثل الشيخ راشد الغنوشي وعبد الحميد الزنداني ونجم الدين أربكان، رغم ان الاخير لا ينتمي الى جماعة الاخوان وان درس في الازهر.

قد يفهم هجوم الامير نايف على قيادة جماعة الاخوان المسلمين بخصوص قضية غزو العراق للكويت باعتبارها قضية اختلف على الموقف منها باختلاف الأسس المعتمدة في تشكيل الموقف، فالاخوان شأنهم في ذلك شأن قطاع واسع من الشعوب العربية عارضت بشدة التحالف الدولي ضد العراق منفصلاً عن موقفها من أصل الغزو الذي لم يُختلف على أنه كارثة انسانية سببّها الرئيس العراقي ضد دولة عربية شقيقة مسالمة. ما سر التطابق بين الرؤيتين السعودية والمصرية ازاء الاخوان المسلمين؟ ندرك خلفية أي حملة اعلامية مصرية من منطلق أمني ضد الاخوان المسلمين، ولذلك فإن القول بـ (أن الإرهاب الموجود حاليا سببه الإخوان الذين خرجوا من مصر) قابل للتأويل سياسياً بل ووضعه في سياق الصراع الداخلي في مصر وتعقيدات الاوضاع الداخلية ذات الصلة بالاستحقاق السياسي. ولكن ما يصعب ادراكه هو هذا الموقف الضاري ضد الجماعة من قبل حكومة المملكة، ومن جهة تشكل صمام الامان للدولة الا وهي وزارة الداخلية. فهل ثمة تقارير وصلت الى الامير نايف مؤخراً عن تورط أفراد او فرق على صلة حقيقية او متوهمة مع جماعة الاخوان المسلمين؟.

رد الفعل الاول

أثارت التصريحات غير المسبوقة للامير نايف والتي اخذت شكل العقاب الجماعي ضد جماعة الاخوان المسلمين، تنظيماً ورموزا، وقيادات وايديولوجية، أثارت ردود فعل متفاوتة وان كانت تلتقي عند نقطة الدهشة الصادمة.

حاول البعض التقليل من أهمية تصريحات الامير نايف، فيما اعتبر HZV المتعاطفين مع الاخوان داخل السعودية هجوم الامير نايف بأنه كبوة فارس او سقطة ناتجة عن نقص في المعلومات أو تشوّهها وفي احسن الاحوال قلة البضاعة اللغوية لدى الامير. غير ان الامير بدد في الثامن والعشرين من نوفمبر كل التوقعات في مقابلة مع جريدة (الشرق الاوسط) مؤكداً مجدداً على موقفه من الجماعة معتبراً اياها وبدون تردد (أصل البلاء في العالم العربي والاسلامي). فالامير يرد مؤكداً بأن مشكلاتنا وافرازاتنا كلها هي من الاخوان المسلمين، ثم يقوم التلفزيون السعودي وجريدة الشرق الاوسط باعادة نشر المقابلة، فبذلك يكون الامير قد حسم الجدل الدائر حول تصريحاته.

في محاولة لاستيعاب خلفية الهجوم السعودي على الاخوان المسلمين، جرت اتصالات بقيادات الجماعة حيث أعرب المرشد الجديد للاخوان مأمون الهضيبي عن دهشته ازاء الهجوم، فيما اعتبرت قيادات اخوانية اردنية الهجوم بأنه يندرج في سياق (الحملة العالمية ضد الارهاب) المكافىء الموضوعي للحملة على الاسلام.

ولعل رد الفعل المدروس من جانب جماعة الاخوان جاء في رسالة السيد مأمون الهضيبي المرشد العام الجديد للاخوان المسلمين الى الامير نايف في 28 نوفمبر الماضي أي بعد ثلاثة أيام من تصريحات الامير نايف.

فقد ذكّرت الرسالة بردود الفعل الاولى لقيادات الجماعة وهي ردود فعل كانت حسب تعبير السيد الهضيبي (صادمة، محزنة، مدهشة) لما تضمنته تصريحات الامير من (تجريح شديد واتهامات مستغربة وغير صحيحة) حسب الرسالة.

حاولت الرسالة تقديم اجابات تفصيلية ومحددة لقائمة الاتهامات الواردة في المقابلة الصحافية مع الامير نايف. فقد استغرب السيد مأمون الهضيبي تهمة الامير بأن: ( الإخوان المسلمين هم أصل مشكلاتنا جميعًا، وإفرازاتنا كلها). وفي عبارات تظهر بعض التحدي المستند على موقف دفاعي صلب، تساءل الهضيبي عن أي دور للاخوان في (المشكلات التي وقعت في المملكة) الا اذا كانت تهمة التمسك بهوية وحقيقة الانتساب للجماعة تمثل مشكلة بالنسبة للمملكة (وهذا أمر لم يكن يومًا ما خافيًا على المسئولين في المملكة العربية السعودية، ولكن هل أحد منهم أتى شيئًا ضد المملكة؟) حسب السيد الهضيبي. وقد أكد السيد الهضيبي على التزام جماعة الاخوان برد الجميل تجاه موقف حكومة المملكة من جماعة الاخوان في الستينيات.

وبخصوص موقف الاخوان المسلمين أثناء حرب الخليج فقد نفى ـ وهذا صحيح ـ أن تكون الجماعة قد ساندت النظام العراقي في احتلاله للكويت، وأن بيانات الاخوان تنفي ما ادعاه الامير نايف، وان ذلك لا يتعارض مع رفض الاخوان للوجود العسكري الاميركي في المنطقة لأنها جاءت لا لانقاد الكويت او حتى العراق البلد والشعب، بل جاءت حسب السيد الهضيبي (لاستعمار بلادنا ... بلاد المسلمين ولقهرهم وللتمكين لدولة (الكيان الصهيوني).. وكنا نطالب بعدم المسارعة في قبول تدخلها وإعطاء فرصة حقيقية للدول العربية والإسلامية التي تثق فيها المملكة وباقي دول الخليج لإيجاد قوة عسكرية منها تكون فاصلاً بين الحدود العراقية وبين حدود المملكة وباقي دول الخليج، ثم العمل على انسحاب القوات العراقية من الكويت، وسواء كان هذا الاقتراح مرفوضًا أو مقبولاً فإنه لم يصدر من أي من قيادات الإخوان المسلمين المسئولة أي كلمة فيها مساس بالمملكة العربية السعودية وحكومتها أو بشعب الكويت وحكومته الأصيلة أو أي قطر آخر من أقطار منطقة الخليج).

اما التجريحات الشخصية التي وردت في تصريحات الامير نايف وخصوصاً لقيادات بارزة في الجماعة مثل الدكتور حسن الترابي، فقد حاول السيد الهضيبي ان يرسم خطاً فاصلاً بين الجماعة وبين الدكتور الترابي على أساس ما أعلنه الترابي منذ السبعينيات من (اجتهادات فقهية لا تتلاءم مع اختيارات الإخوان المسلمين وأنه كون جماعة تخصه هو قائدها، وانفصل تمامًا عن الإخوان المسلمين، فما معنى أن يسأل الإخوان عن أقوال أو تصرفات تسند إليه بعد عشرين عامًا من تركه الجماعة).

ولم يتردد السيد الهضيبي في تقديم استعراض سريع للدور الدعوي المثمر الذي اضطلعت به جماعة الاخوان والتأثيرات الساطعة لهذه الجماعة في أرجاء البلاد العربية والاسلامية، حيث عمل الاخوان كما يقول الهضيبي (على تنمية مجتمعاتهم ورقيها وازدهارها والتزموا احترام العام). وذكّر الهضيبي الامير نايف بموقف الاخوان الثابت من المملكة وحرصهم على الابقاء على علاقة ودية ومتينة بين الطرفين. وفي نهاية الرسالة لم ينس الهضيبي تذكير الامير نايف بالقاعدة الجماهيرية العريضة في مصر التي خرجت في تشييع جنازة المرشد العام الراحل للاخوان مصطفى مشهور، هذه القاعدة التي ساءتها تصريحات الامير ولا بد انها عبّرت عن ردود فعل ساخطة ازاءه وربما امتد الغضب ليستوعب السعودية بأكملها.

عضو مجلس شوري جماعة الاخوان المسلمين جميل ابو بكر قال في تصريح لجريدة القدس العربي اللندنية في السادس والعشرين من نوفمبر ان هجوم الامير نايف على الاخوان هو رد فعل على ضغوطات خارجية.

ثمة من يرى في هجوم الامير نايف على الاخوان فاتورة حساب قديمة في العلاقة بين المملكة وجماعة الاخوان المسلمين، ورأى الامير نايف بأنه قد حان الوقت كي تدفع الجماعة هذه الفاتورة، والتي تتضمن اقامة قيادات الجماعة في المملكة والمساعدات التي تلقتها خلال اقامتها. بعض آخر يرى في تصريحات الامير بوادر مخيفة لخطة أمنية تستهدف ملاحقة اعضاء الجماعة وقياداتها داخل المملكة، ضمن التزامات مفروضة على حكومة المملكة من قبل الادارة الاميركية للمساهمة الفاعلة في حملة ما يسمى بمكافة الارهاب. ما يجدر الاشارة اليه أن هجوم الامير نايف على جماعة الاخوان جاء متزامناً مع تصريحات اميركية تضع فترة محددة امام حكومة السعودية لملاحقة الارهابيين.

تحليل الحدث

تقليدياً، وفي التعامل مع تصريحات صادرة من وزير داخلية بخصوص تنظيم ديني/ سياسي محظور يتدخل البعد الامني في التحليل، وخاصة حين تحتشد سلسلة الاحداث الامنية على المستويين المحلي والدولي وتكون أصابع الاتهام جميعاً متجهة الى جماعة دينية نشأت على تخوم حركة دينية واسعة وممتدة الجذور اجتماعياً وثقافياً.

ولكن السؤال الكبير يظل: هل فعلاً هناك ما يشير الى تورط جماعة الاخوان المسلمين في أحداث عنف سواء داخل المملكة ام خارجها سواء كان ذلك في الماضي ام الحاضر؟

لجماعات راديكالية او حتى مفرخة لتنظيمات متطرفة مارست العنف ضد المجتمع والدولة في مصر. ولكن هل هذه الاجابة كفيلة باقفال ملف القضية وتسجيل التهمة ضد هذه الجماعة؟ المسألة ليست بهذه السهولة كما يبدو.

فقد شهدت جماعة الاخوان جدلاً ايديولوجياً ضارياً انتهى الى خروج الافرازات الراديكالية من جسد الجماعة منذ ان نشر المستشار حسن الهضيبي كتابه (دعاة لا قضاة) كتقرير لنزع الوصاية الدينية على المجتمع وتقويض أي اتجاه تكفيري داخل الجماعة. وتعكس الانشقاقات اللاحقة من داخل حركة الاخوان الى قدرة النبذ الفاعلة لدى الجماعة تجاه النزوعات الراديكالية.

وفيما يتصل باقامة جماعة الاخوان في المملكة منذ المواجهة بينها وبين نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإن من الضروري وضع الحدث في سياقه التاريخي. فالصراع المحتدم بين مصر عبد الناصر والعائلة المالكة في السعودية ينضم كعنصر فاعل في صراع الاخوان مع نظام عبد الناصر واضطرار قيادات الاخوان للهجرة الى المملكة والعيش فيها، وقد حافظت الجماعة على علاقة متوازنة مع حكومة المملكة ولم يعرف عن الاخوان ما يشير الى موقف عدائي او إساءة، بل اكثر الادبيات الحركية الدينية والعلمانية تحمل على جماعة الاخوان في فترة الستينيات تواطؤها مع الانظمة الرجعية الممثلة حينذاك بنظامي الحكم في السعودية والاردن، بل كانت الجماعة تتهم بمحاباة السعودية ان لم يكن العمالة لها.

وبلا شك فإن قيادات الاخوان ساهمت دون ريب في نشر ثقافة دينية وسطية ناهضة، اضافة الى المشاركة الفاعلة في وضع مناهج التعليم الديني والتدريس في الجامعات السعودية.

الاقامة في المملكة لم يتبعه تأسيس لشبكة تنظيمية تابعة للاخوان. وبصراحة لم يكن فكر الاخوان جذّاباً وسط المجتمع الديني الوهابي، باستثناء دوائر ضيقة تبنت النزعة الراديكالية في فكر السيد قطب وخصوصاً (معالم في الطريق) رغم التحفظ الكبير المثار حول كتاباته . فثمة خط في المجتمع الديني الوهابي ينزع الى تجسيد فكرة الخروج على الجاهلية العالمية الحديثة، بل أن ثمة اشارات لها في كتاب التوحيد لمؤلفه الشيخ صالح الفوازان الذي عارض ضمنياً اغراق السيد قطب العالم بأسره في بحر الجاهلية دون استثناء للمجتمع الديني الوهابي. الجدير بالاشارة أن كتب السيد قطب الممنوعة في مصر كانت حتى وقت قريب تطبع وتوزع داخل المملكة، رغم الاجراءات الصارمة المفروضة على طباعة الكتب والتي تضطر علماء كبار مثل السيد محمد علوي المالكي وغيره الى طباعة كتبه في مصر بسبب اجراءات المنع المفروضة على الكتب الدينية غير المصنفة ضمن الكتب الاسلامية/ الوهابية. بل اكثر من ذلك، أن كتب سيد قطب والاخوان المسلمين اجمالاً مثّلت الثقافة الحركية المطبوعة لدى منظمات دينية سعودية في الخارج، والتي عن طريقها جرى اجتذاب أعداد غفيرة من الشباب في الخارج. نذكر فقط بأن الندوة العالمية للشباب الاسلامي طبعت كتاب (معالم في الطريق) عدة طبعات وبلغات مختلفة باسم الندوة، وهذه الندوة تمثل جهازاً دينياً وهابياً نشطاً في خارج المملكة ويعمل بصورة رئيسية في الولايات المتحدة وبدرجة ثانية في أوروبا وتعقد اجتماعاته السنوية في الرياض.

وعلى أية حال، فباستثناء الاشارات البعيدة التي تحاول ربط فكرة الجاهلية عند السيد قطب بالخط السلفي المتشدد في المملكة، فإن القول بوجود علاقة بين الاخوان والحركة الوهابية في السعودية مجرد دعوى لا تستند الى دليل قوي.هذا اذا ما عرفنا أن الادبيات الدينية الوهابية تشتمل على ذخيرة عنف تفوق بأضعاف كمية العنف الموجودة في ثقافة الحركات الاسلامية في الشرق الاوسط قاطبة. وبالتالي فإن القول بتورط جماعة الاخوان بوضع اسس العنف في المملكة كلام تعوزه الدقة والموضوعية، والا ماذا يعني انتشار كتبهم ولا سيما كتب الشيخ محمد الغزالي الداعية المعروف بصوت الاعتدال، ولا ننسى هنا كتاباته المناهضة للتطرف الديني المتمظهر في النزعة التكفيرية للمسلمين والتي تعد نزعة أصيلة في الفكر الديني الوهابي.

من جهة ثانية، يمكن وضع هجوم الامير نايف على جماعة الاخوان في سياق ما ألمح اليه ضياء رشوان الباحث في مركز دراسات الاهرام حول تعقيدات الوضع الداخلي، وبصورة أدق في سياق التجاذب الحاد داخل الاسرة المالكة. فمنذ اشتداد الضغوط الاميركية على المملكة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من اجل تصفية ما يسمى ببؤر الارهاب، والانشقاق يتنامى داخل الاسرة حيال هذا الموضوع في سياق بناء تحالفات مستقبلية في ظل معركة الاستحقاقات السياسية.

هناك من يرى بأن جناح الامير عبد الله يميل الى تبني خطاب اسلامي معتدل، وهو أقرب بالتالي الى جماعة الاخوان المسلمين بوصفها جماعة تميل الى الاعتدال في خطابها الديني والسياسي، وقد رعى هذا الجناح عبر المنتديات الفكرية سواء في مهرجان الجنادرية او حتى في كلمات ولي العهد المفتوحة او حتى في اللقاءات الثنائية اشاعة فكر اسلامي وسطي. في مقابل ذلك، هناك الخط السديري الذي أبدى تصلباً في موقفه ازاء صوت الاعتدال، فيما أظهر عناداً مبالغاً في تأييد مؤسسات معروفة بالتطرف والراديكالية كهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي زار مركزها أكثر من مرة الامير نايف في شهر اكتوبر الماضي وأدلى بتصريحات تأييد لنشاطات الهيئة بطريقة مثيرة للجدل. الغريب أن النداء الذي أطلقه الامير عبد الله بعنوان (خيركم خيركم لأهله) في مشروع ابقاء الاعمال الخيرية ولا سيما التبرعات في حدود المملكة، قابله الجناح الآخر بحملة مضادة تنادي بفتح ابواب التبرعات والاعمال الخيرية على الخارج على أساس الاهتمام بالامة الاسلامية كلها. هذا التعارض ليس سوى احد تمظهرات الخلاف داخل الاسرة المالكة حيث يحاول طرف اجتذاب التيار الديني في معركته القادمة، فيما يحاول الآخر ارساء اسس استقرار داخلي وهكذا ترميم لعلاقات خارجية تهدمت منذ الحادي عشر من سبتمبر.

نقل الضغط خارج السعودية

تركيز الهجوم على جماعة الاخوان المسلمين واعتبارها المسئولة عن نشوء ظاهرة الراديكالية الاسلامية في الديار السعودية يمكن قراءتها على أنها محاولة لتخفيف الضغط المتصاعد على المملكة من الولايات المتحدة ومن الغرب عموماً. فتوجيه اصابع الاتهام للاخوان يهدف الى امتصاص بعض من الضغط الاميركي على المملكة كما يشير الى احتمال اقدام السعودية على حملة تصفية لجيوب اخوانية محتملة في المملكة. وفي الوقت الذي يتجه العالم كله الى حقيقة أن السعودية أصبحت منبعاً للتطرف الطائفي والديني، يأتي اتهام الإخوان المسلمين محاولة وادعاءً لتوجيه الإنتباه الى عدو مفتعل قد تجد فيه أنظمة الإستبداد فائدة في حربها ضد الحركات الإسلامية الداخلية.

عدد من الجهاديين المصريين بما في ذلك الشخصية الثانية في شبكة القاعدة الدكتور ايمن الظواهري، اضافة الى عدد آخر من المصريين هم من بين اعضاء القاعدة وبعضهم يحتلون مناصب قيادية في التنظيم.. هؤلاء قد ينظر اليهم كأدلة إدانة على تورط جماعة الاخوان المسلمين في الشأن السعودي وفي (الاساءة) اليها كما يزعم الامير نايف. غير ان الامر لا يبدو سهلاً بالنسبة للامير الذي يشعر بتراكم الضغوط المتنامية على حكومة المملكة وتصنيفها كدولة راعية للارهاب. فالرياض وليس القاهرة تتحمل عبء وتبعات الانتقادات الاميركية التي تجمع على اتهام السعودية بالسماح لمواطنيها بل وبعض مسئوليها بتمويل مجموعات ارهابية وتنشئة التطرف داخل المملكة. ولذلك فإن تفجير الامير نايف قنبلة خلاف مفتعل في وجه الاخوان المسلمين انما هي محاولة لحرف الاهتمام المركز على السعودية بشأن الراديكالية في الشرق الاوسط الى مصر.

الولايات المتحدة بدورها تكثّف ضغوطها على المملكة من اجل اعتقال أعضاء القاعدة المشتبه بهم. ولربما جاء تقرير السي آي أيه المنشور في مجلة التايم الاميركية في الثاني من ديسمبر عن تحذيرات واشنطن للرياض ازاء تفجيرات محتملة داخل المملكة يقوم بها تنظيم القاعدة، تعيد الاهتمام الى المملكة بدل محاولات الامير الذي يحاول القذف بكرة النار خارج الحدود.

قامت الحكومة السعودية بعدة خطوات كمسعى لتحويل النقد والضغط الموجّه لها. ففي العام الماضي (2001) أعلن ولي العهد وبصورة غير متوقعة عن مبادرة مثيرة للجدل تقضي بتطبيع العلاقات العربية مع (اسرائيل) في مقابل عودة الدولة العبرية الى حدود 1967. المبادرة فسّرت على انها لا تستهدف السلام بالشرق الاوسط بقدر ما هي محاولة سعودية لتغيير اتجاه اهتمام الادارة الاميركية وكذلك وسائل الاعلام في الولايات المتحدة عن السعودية من دولة حاضنة لمجموعات ارهابية (كما هي الصورة النمطية المصنوعة عن الدولة السعودية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر) الى دولة صانعة سلام. ولكن هذه المراهنة باءت بالفشل ومرة اخرى جرى تركيز الاهتمام على ارتباط المملكة بالتطرف الديني.

وهكذا تأتي محاولة الامير نايف في تبديد حزمة الضوء المسلّطة على المملكة، تارة بالاشارة الى الزعيم السوداني الدكتور حسن الترابي الذي كان في يوم ما على علاقة وثيقة بأسامة بن لادن الذي لجأ الى السودان قادماً من الاراضي السعودية. وتارة الى جماعة الاخوان المصرية التي كانت في ما مضى مركزاً للنقد من قبل مجاميع سياسية ودول عربية عديدة، مما يسهّل المهمة على الامير نايف حين يحاول احياء معارك الماضي او استعمال ذخيرة المواجهة القديمة ضد الاخوان، فلربما مازال بعض الاسلحة صالح للاستعمال حتى الآن.

قد يتجاوز هجوم الامير نايف على الاخوان الجماعة الى الدولة نفسها أي مصر من أجل تبديل التصور المتنامي في الولايات المتحدة وربما في مناطق اخرى من العالم بأنها مركز الجاذبية بالنسبة للحركات الاسلامية الراديكالية في العالم. فكبار أفراد الاسرة المالكة يبحثون عن (كبش فداء) يتحمل اللوم بالنيابة عنهم ازاء تورط حكومتهم في احداث 11 سبتمبر كيما يتموقع الضحايا البدائل في بؤرة اهتمام قادة حملة مكافحة الارهاب بدلا منهم. ولأن البحث عن ضحايا في الداخل يثبّت التهمة ويبقي الاضواء الكاشفة مسلّطاً عليها، يكون خيار الخارج أسهل بالنسبة للامير نايف وللاسرة المالكة اجمالاً، لأن ذلك يجنّب العائلة المزيد من الارباك في وضع بات مفتوحاً على كل الاحتمالات بما في ذلك مصير الحكم نفسه.



إطبع الصفحة الصفحة السابقة