زيارة الامير عبد الله لحي الشميسي خارج السياق

مقاربة لمشكلات المواطن، أم خطوة لمحاصرة العنف

زيارة ولي العهد الامير عبد الله الى حي الشميسي بالرياض في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي تمثل مفارقة بارزة في أداء السلطة السعودية منذ نشأتها. فقد اعتاد رموز السلطة على ضخ مقولات دعائية تصوّر سكان البلد بأنهم يرفلون بنعمة النفط، وأن ثمة بئراً نفطياً منصوباً أمام كل بيت في هذا البلد.

ما يجدر الالتفات اليه ان زيارة الامير عبد الله لهذا الحي الفقير لم تعد محايدة هي الاخرى بل وضعت ضمن مسلسل العذاب السبتمبري. فحين تقرأ الزيارة في سياق التدهور الامني السعودي المترجم في اعمال عنف متزايدة، تكون الزيارة ايضاً الى احدى المناطق القابلة لتفريخ عناصر ارهابية، تماماً كما هي منطقة امبابة القاهرية التي وصفت دائماً بأنها حي الفقراء الارهابيين، أي انها كانت حاضنة لفقراء نقموا على اوضاع اقتصادية مجاورة لهم في القاهرة فانتظموا في جماعات الموت.

فالتحول الداخلي نحو ايلاء القضايا المحلية اهتمام كبير من جانب رموز السلطة قد يفسّر تفسيراً بريئاً باعتباره خطوة ضرورية لمقاربة المشكلات الجوهرية لمجتمع بات يعاني الفقر والجوع والبطالة وما يتبع ذلك من انعكاسات أمنية خطيرة، ولكن بلا شك ان خطوة الامير عبد الله لا يمكن الا أن تندرج ضمن خطة محاصرة العنف القابل للزيادة والذي ستكون المملكة الحاضنة له أحد المراكز المستهدفة من تفاقمه.

اعلان ولي العهد عن خطة الطوارىء لمكافحة الفقر هي اعلان خطة طوارىء سياسية لمكافحة العنف القابل للانفجار، ولكن هذه المرة سيكون في وجه الدولة المتسبب الاول في هذه الظاهرة.

ثمة ارتباطات او قل محركات لهذه الزيارة التاريخية كأحد تجسيدات اخفاق البرامج غير المتكافئة للتنمية، هذه المحركات يمكن تمثيلها حصراً في: الهجوم المسلح على مطعم الوجبات السريعة ماكدونالد في منطقة الخرج قبل يوم واحد من زيارة ولي العهد للشميسي، وبعد اسبوعين من اطلاق قوات الامن النار على شخص مسلح حاول سرقة وزارة المالية وهي جريمة غير مسبوقة في المملكة. في شهر اكتوبر الماضي اندفع شخص مجهول بسيارته نحو القنصلية الاميركية بجدة وقد وصف الشخص بأنه كان في حالة سكر. غربيون آخرون أستهدفوا في سلسلة تفجيرات خلال العامين الماضيين والتي كانت الحكومة تقفل التحقيق فيها عبر توجيه الاتهام لنوادي شرب الخمر غير المرخصة، ولكن من خلال ربط الحوادث ببعضها ووضعها في سياقها الحقيقي، ستكون ثمة عوامل اخرى اضافية تشارك في رسم ملامح القضية الكبرى التي تبدو الآن اكثر وضوحاً مما سبق. لا شك ان حوادث خطف الطائرات من قبل مواطنين سعوديين هي الاخرى غير منفصلة السياق او مبتورة الجذور الاقتصادية والاجتماعية والامنية، ففي منتصف اكتوبر الماضي حاول شخص اختطاف طائرة في طريقها من السودان الى جدة، ويستدعي الحادث قصة اختطاف طائرة سعودية من جدة الى بغداد من قبل شخصين من جهاز الامن.

فالاوضاع الامنية المتدهورة في السعودية تندرج بلا شك في حملة العلاقات العامة التي يقوم بها ولي العهد على المستوين المحلي والدولي بغرض تحييد الاشكال الراديكالية المرشحة للظهور. وعلى اية حال، فإن ثمة شكوكاً كثيفة حول قدرة الحكومة السعودية على ضبط الظواهر المتطرفة التي قد تفرزها بؤر المعاناة والمحن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها السكان المحليون، بل أن المختزن العنفي قابل للتنامي في الفترة القادمة في غياب مؤشر قوي على انفراج اقتصادي او حتى سياسي داخلي. فوضع العائلة المالكة لا يحسد عليه من حيث الضعف والهشاشة على المستويين المحلي والدولي، ينضاف الى ذلك المديونية المحلية العالية جداً والتي أنهت أو أضعفت الى حد كبير (نظام الشرهات) المعمول به في السعودية كأداة استقطاب واستقرار للسلطة السياسية، فيما تتزايد معدلات البطالة بشكل خطير للغاية زائداً الشرخ الكبير داخل المؤسسة الدينية والذي يغذي المعارضة ضد الحكومة وقد يفضي الى اعمال عنف ضدها.

فالاوضاع الامنية المتدهورة في السعودية تندرج بلا شك في حملة العلاقات العامة التي يقوم بها ولي العهد على المستوين المحلي والدولي بغرض تحييد الاشكال الراديكالية المرشحة للظهور. وعلى اية حال، فإن ثمة شكوكاً كثيفة حول قدرة الحكومة السعودية على ضبط الظواهر المتطرفة التي قد تفرزها بؤر المعاناة والمحن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها السكان المحليون، بل أن المختزن العنفي قابل للتنامي في الفترة القادمة في غياب مؤشر قوي على انفراج اقتصادي او حتى سياسي داخلي. فوضع العائلة المالكة لا يحسد عليه من حيث الضعف والهشاشة على المستويين المحلي والدولي، ينضاف الى ذلك المديونية المحلية العالية جداً والتي أنهت أو أضعفت الى حد كبير (نظام الشرهات) المعمول به في السعودية كأداة استقطاب واستقرار للسلطة السياسية، فيما تتزايد معدلات البطالة بشكل خطير للغاية زائداً الشرخ الكبير داخل المؤسسة الدينية والذي يغذي المعارضة ضد الحكومة وقد يفضي الى اعمال عنف ضدها. علاوة على ذلك كله، فإن عدم قدرة الحكومة على وضع تصور او ادارة لوضع محتمل حال تدخل القوات الاميركية في المنطقة او حتى دفع شبح الحرب المحتمل ضد العراق قد أفضى الى تآكل الدعم الداخلي للعائلة المالكة. وفيما تسعى الحكومة الى استعمال السياسات المحلية لدرء أي اضطرابات مستقبلة داخلية، فإن ذلك قد يدفعها لاستبدال سياساتها فبحسب التجارب السابقة، اعتمدت الحكومة السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة على جذب الخبرات في الوقت الذي كانت تعتمد فيه على القوات الاميركية كمصدر حماية. ولكن وكما تشير الظروف الراهنة فإن التحالف بشكله القديم غير قابل للاستمرار وان ترميمه مكلف للجانب السعودي على الاقل في هذا الظرف التاريخي شديد الحساسية. فالتحالف لن يكون قابلاً للترميم ما لم يحسم أمر شبكة القاعدة والمؤسسة الدينية ذات التكوين الثقافي المتطرف. فتزايد العداوة المناهضة للولايات المتحدة واضحة بين السكان المحليين وتأخذ اشكالاً متطرفة حين تستند الى فتاوى رجال الدين في المساجد. ولأن موقف الحكومة السعودية يتوافق هذه المرة مع كثير من السكان بخصوص الحرب ضد العراق، فإن مشاعر العداء ضد الولايات المتحدة تلقى ترحيباً رسمياً، فالبيان الصادر عن خمسين عالماً عارضوا الحرب الاميركية على العراق قد أعلنوا عن موقفهم صراحة من هذه الحرب واعتبروها مقدمة لحرب اخرى على الوهابية في السعودية، وهكذا توحي مقالات وتقارير كتبتها صحف ومجلات سعودية ومنها مجلة (المجلة) الصادرة في لندن والتي عبّرت عن مخاوفها من استثناء السنّة من معادلة الحكم التي سيكون فيها الشيعة والاكراد العنصرين الاكثر تأثيراً فيها. ولا يخفي كبار المسئولين في العائلة المالكة معارضتهم لأي تغيير في العراق للنتائج الخطيرة على المنطقة وعليهم.

ان الشروخات الحاصلة في جدار الامن السعودي قابلة للزيادة والاتساع في سياق مواز مع تشققات في التركيبة السياسية السعودية. في هذا الاطار، حاول مجلس الشورى الحالي بأعضائه المائة والعشرين اجتذاب جزء من قوة الحكومة، بعد ثلاث دورات أمضاها المجلس دون صلاحيات حقيقية او حتى وهمية، فمازال تحوله الى سلطة تشريعية يعد حلماً بعيداً حتى الآن، وعلى أية حال فإن مجرد سعي المجلس للحصول على سلطة حقيقية يعكس الى حد كبير ضعف الحكومة والاضطرابات الداخلية المتزايدة.

ما يظهر حتى الآن ان ثمة ازمات اقتصادية وسياسية وامنية تحاصر الاسرة المالكة، وان المعضلة تتعاظم من خلال تعاظم الانقسام داخل الاسرة حيال الطريقة التي يجب ان تتم من خلالها معالجة الوضع المتدهور وهكذا بالنسبة لموضوع خلافة الملك غير المحسومة حتى الآن.

ولكن مهما كان قرار الاسرة المالكة يبقي خيار التفكير في اعادة انتاج او تصنيع ديناميكيات سياسية لا مناص منه. وبصرف النظر عن المعاني التي يحملها خيار كهذا (وتحديداً ضعف العائلة المالكة وهشاشتها) فإن تفتت السلطة وانتقال بعضها لقوى سياسية واجتماعية اخرى سيتحقق قريباً. وفي حال استمرت العائلة المالكة في المناورة والمفاوضة في الشهور القادمة فإن ذلك قد يوحّد جهود المعارضات السياسية في السعودية وبالتالي سيتزايد حجم التحديات ضد العائلة المالكة، فيما سيخلق العامل الخارجي كالحرب على العراق فرصاً اضافية اخرى قد تؤدي في المحصلة الى نهاية التجربة السياسية السعودية بكاملها.

إطبع الصفحة الصفحة السابقة