الاجندة الاميركية:

فرض الاصلاحات السياسية

اعلنت الادارة الاميركية في الثاني عشر من ديسمبر الماضي برنامجاً شاملاً لتطوير الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في الشرق الاوسط. هذا البرنامج الذي اطلق عليه ''مبادرة الشراكة الشرق أوسطية'' سيلتزم ابتداءً بتقديم 29 مليون دولار لتمويل عدة مشاريع اصلاحية، وستقدم الادارة الاميركية تمويلاً اضافياً للمباردة من الكونغرس في السنة اللاحقة.

الوزير باول علّق قائلاً بأنه ''حان الوقت لوضع أساس قوي للأمل''، خلال اعلانه عن الخطة في لجنة التفكير التابعة لمؤسسة التراث بواشنطن في الثاني عشر من ديسمبر. وأضاف بأن المبادرة ''ستضع الولايات المتحدة وبقوة الى جانب التغيير، والاصلاح والمستقبل الحديث للشرق الاوسط''.

في القسم الاول من خطابه، قدم باول توصيفاً للأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية في الشرق الاوسط، والمشاكل الراهنة التي تعيق دول المنطقة من تحقيق تطلعاتها، كما قدم إحالات عدة في هذا الصدد الى تقرير التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2002 الصادر عن هيئة الامم المتحدة والذي أعده علماء عرب بارزون.

نتائج التقرير، حسب قول باول، قادت الخبراء العرب الذين أعدّوا التقرير الى طرح خيار رئيسي بالنسبة لشعوب وقادة المنطقة، بأنهم إما أن يقبلوا الجمود والعطالة وإما أن يعتنقوا مبدأ ''الانبعاث العربي الذي سيبني مستقبلاً مزهراً لكل العرب'' حسب قوله.

عدد من المستمعين لخطاب باول كانوا سفراء كل من مصر ولبنان وتونس والجزائر والممثل الرسمي الفلسطيني في واشنطن، ينضاف اليهم عدد من المسئولين في الكونغرس الاميركي، وقد أصغى الجميع بانتباه فيما كان باول يقدّم ما وصفها بـ ''إحدى التعهدات الهامة التي نقوم نحن واصدقاؤنا باتخاذها''.

إذن فالاصلاحات السياسية من وجهة النظر الاميركية جاءت في صيغة خطة شاملة اقتصادية واجتماعية وثقافية. إذ تعهد باول خلال مقابلة مع جريدة القدس العربي في الثاني عشر من ديسمبر بأن مساعدة أكبر ستكون متوفرة لدول عربية معينة في مجالات المجتمع المدني، التعليم والتنمية الاقتصادية.

وقال كولن باول عقب اعلان ما عرف بمبادرة الشراكة الشرق أوسطية في الثاني عشر من ديسمبر الماضي أنه سيقوم باجراء اتصلات مكثفة مع المسئولين في الحكومات العربية من اجل التعرف على وجهات نظر حيال المبادرات الجارية والمستقبلية. وفي تأكيده على الحاجة لاصلاحات ديمقراطية في المنطقة، وصف مبادرته بأنها ''لمساعدة الشعوب والحكومات التي تميل نحو التغيير''. وأضاف ''بالنسبة لأصدقائنا في المنطقة، فلكل منهم نظامه الخاص به، وهو المسئول عن تقييم وضعه فيما اذا كان يود التغيير ومدى السرعة التي سيتغيّر خلالها، ونتمنى بأن نكون قادرين على التأثير فيهم بخصوص توقيت وطريقة التغيير واشكاله''.

وحين سئل باول عن ماهية الاصلاحات السياسية في السعودية التي يتوقع لها ان تتم حيث لا برلمان منتخب يمكن الانطلاق منه، كما لا توجد أحزاب سياسية، وان النساء لا يسمح لهن بقيادة السيارة.. دع عنك ممارسة أي دور في الحياة السياسية.. رد قائلاً: ''إنني أدرك ذلك، وقد كنت في نقاشات صريحة مع القادة السعوديين في الماضي. إنني أحترم ثقافتهم وتراثهم وتقاليدهم، ولكنني اعتقد بأن عليهم الآن حيث يسيرون للامام البدء باعادة النظر في تلك التقاليد والممارسات لمعرفة امكانية التغيير''. واستدرك قائلاً: ''ليس من مهمات الولايات المتحدة املاء التغيير، وانما الدخول في نقاشات مع اصدقائنا''. ولكن بخصوص مبادرة الشراكة سابقة الذكر، وفي بعدي التعليم والتنمية الاقتصادية تحديداً، قال بأن السعودية معنية بها، ولكنه علّق قائلاً: ''ان ذلك راجع للسعودية في أن تقرر كيف ستسير في عملية تحويل مجتمعها من اجل الاستعداد لتحديات القرن الحادي والعشرين''.

وعاد باول وأكد مجدداً بان الادارة الاميركية لم تقصّر في الحديث مع السعوديين او أي طرف آخر في المنطقة، ولكن لكل دولة أن تقرر بطريقتها الخاصة كيف ستتصرف وعلى أية قاعدة. فهناك دول اخرى في المنطقة لديها سياسات مماثلة (كالتي لدى السعودية) ولكن بُدء في تغييرها، كما في البحرين والكويت وقطر والمغرب. وحتى وان تطلب التغيير بعض الوقت، ولكن متى شعرت بالحاجة للتغييرات فلا بد من اتباع خطوات في الاتجاه نفسه، أي اتجاه التغيير.

عاد مراسل القدس العربي خالد الشامي بالسؤال عن الاصلاحات السياسية في السعودية، وهل ان السيد باول يتطلع لأن تتبع السعودية نفس المنهج الذي اتبعته البحرين وقطر من خلال برلمانات منتخبة وحرية التعبير على سبيل المثال؟ رد باول قائلاً: ''ذلك راجع لقرار القيادة السعودية. فكما تعلم فإن نموذجنا في السياسة هو استيعاب كل افراد المجتمع، فالجميع يجب أن يمثّلوا. هذه هي طبيعة الديمقراطية. بالنسبة للسعودية فإن عليها ان تحسم خيارها ونهجها، ولا أعلم ما اذا كانت ستقتفي طريقاً كالذي اتبعته دول المنطقة او ما اذا كانت ستصمم طريقاً فريداً بها''.

ما أراد باول تلخيصه في الحديث عن الاصلاحات السياسية في السعودية: ''نحن لا نملي على أحد، نحن لا نخبرهم كيف يجب ان يتصرفوا، وما هو النموذج الذي يجب أن يتبعوا، فنحن أصدقاؤهم، ولدينا مصالح مشتركة، وسنساعدهم بأية طريقة ممكنة، ونعتقد أن بإمكاننا المساهمة في التفكير بصورة جماعية حين يقررون كيف يجب التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها''.

وفي السؤال حول ردود الفعل المتوقعة من جانب الانظمة المعنية بمبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وما اذا اعتبرت المبادرة كتدخل في شؤونها الداخلية فهل سيكون تغيير الانظمة خياراً مطروحاً كما الحال في العراق؟ اجاب باول بأن العراق حالة منفصلة، أما ''أصدقاؤنا في المنطقة، فليس هناك اقتراح محدد لتغيير النظام، على النقيض من ذلك فإن هذه المبادرة لمساعدة الشعوب والحكومات التي تميل الى التغيير. واذا استطعنا مساعدتهم في التفكير في هذه المشكلة وتقديم المساعدة لهم كيما يقوموا هم بمساعدة شعوبهم، فهذا أمر حسن، فالبحرين تتجه الآن بوتيرة ما، والمغرب بوتيرة اخرى، وقطر بوتيرة ثالثة وهكذا الكويت، ونحن بدورنا هناك لتقديم المساعدة لأصدقائنا''



إطبع الصفحة الصفحة السابقة