النوم مع الشيطان

سقوط البيت السعودي

روبرت بيير

كتب روبرت بيير، الذي عمل لمدة واحد وعشرين عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية، وتحديداً في قسم ادارة عمليات الوكالة في الشرق الأوسط، كتب في مايو الماضي مقالاً في مجلة اتلانتك الشهرية عدد مايو بعنوان (The fall of the House of Saud).. وسنحاول هنا تسليط الضوء على أهم ما جاء في المقال:

منذ وقت طويل كان الأميركيون ينظرون الى العربية السعودية بوصفها واحدة من الدول المستقرة والثابتة في الشرق الأوسط العربي، بكونها مصدراً للنفط الرخيص، والاستقرار السياسي، والعلاقات التجارية النافعة. ولكن هذه الدولة تدار بشكل كبير من قبل عائلة مالكة مواربة، والتي كانت تقوم بتمويل الحركات الاسلاموية الميليشاوية في الخارج في محاولة لحماية نفسها من هذه الحركات داخل حدودها. يرى أحد العاملين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السي آي آيه، في مقالة له منتزعة من كتاب جديد له بعنوان (النوم مع الشيطان ـ Sleeping with the Devil) بأن العربية السعودية اليوم لا يمكن لها البقاء طويلاً وأن التدهور الاجتماعي والاقتصادي في مؤداه النهائي قد يكون كارثياً.

في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية إعتمدت الولايات المتحدة وباقي دول العالم الصناعي بدرجة كبيرة وبصورة دائمة على النفط السعودي، المنتج الأهم والأكبر في العالم. ولكن منذ منتصف الثمانينيات وفيما كانت الحرب العراقية الايرانية تزداد ضراوة، وفيما كان حظر أوبك النفطي لايزال يفرض نفسه كذكرى مؤلمة وقريبة العهد، وفيما كان التزوّد بالنفط مازال حتى اعلان الحظر النفطي قد تم الاتكال عليه بصورة شبه مؤكدة ومضمونة، بدا فجأة وكأنه في خطر. فمخططو الكوارث خارج وداخل الحكومة بدأوا بطرح الاسئلة غير المريحة. ما هي النقاط الأكثر عرضة لهجمات إرهابية في البنية النفطية السعودية؟ وما هي الوسائل؟ وما هو المدى الزمني المتوقع لانقطاع تدفق النفط، هل يمكن توقع مدى قصيراً أو طويلاً؟ هذه تمثل الاهتمامات الحساسة. ويختفي وراء كل هذه الاسئلة الخوف من أن هجوماً كبيراً على النظام السعودي قد يتسبب في إنهيار إقتصادي عالمي.

النظام السعودي بدا ـ ومازال ـ عرضة وبصورة مخيفة لهجمات إرهابية. وبالرغم من أن السعودية تمتلك أكثر من ثمانين حقل غاز ونفط، وأكثر من ألف بئر فاعلة، فإن نصف احتياطيها النفطي الثابت موجودة في ثمانية حقول فقط بما في ذلك حقل الغوار، أكبر حقل نفطي بري في العالم، والسفانية، أكبر حقل نفطي عائم في العالم. سيناريوهات سرية متعددة تشير الى أنه اذا قام الارهابيون بضرب نقاط حساسة محددة في النظام النفطي، وتحديداً في حقول النفط الثمانية سالفة الذكر وهي نقاط تتحكم في اكثر من أنبوب بطول عشرة آلاف ميل، برا وبحراً، حيث يسير النفط من الآبار الى المصافي ومن المصافي الى الموانئ، بداخل المملكة وخارجها، فإن ذلك من شأنه أن يعطّل التجارة النفطية السعودية بصورة مؤثرة لمدة نحو سنتين، وإن عملاً من هذا القبيل لا يبدو صعباً كثيراً.

وكما توضح الخرائط، فإن النقاط الأكثر عرضة للهجوم والهدف الأسهل والأشد خطورة في النظام النفطي السعودي هو مجمع بقيق، وهو الموقع النفطي الأضخم في العالم، والذي يقع على مساحة تصل الى نحو 24 ميلاً برياً من أقصى شمال خليج البحرين. فالبترول الموجود في الجنوب يضخ الى بقيق من أجل تكريره. في الشهرين الأوليين بعد هجوم متوسط الحجم الى شديد على بقيق، فإن الانتاج سيتقلص من معدل 6.8 مليون برميل يومياً الى مليون برميل، وهي خسارة تعادل ثلث الاستهلاك اليومي الاميركي من النفط الخام. ولمدة سبعة شهور لاحقة بعد الهجوم، فإن الانتاج اليومي سيبقي أقل بأربعة ملايين برميل، وهو إنخفاض يساوي تقريباً طاقة كل أعضاء منظمة أوبك عند فرض الحظر عام 1973.

النفط يضخ من بقيق لمحطات الشحن في رأس تنورة والجعيمة، على الساحل الشرقي من السعودية. وتسيّر رأس تنورة كمية بترول أكثر قليلاً من نظيرتها الجعيمة (4.5 مليون برميل يومياً مقابل 4.3 مليون برميل)، ولكن رأس تنورة تقدّم تنوعاً هائلاً من الاهداف وأكثر من ذلك من طرق الهجوم. فالنفط المصدَّر عبر رأس تنورة يتم تسلّمه بالكامل تقريباً من قبل تسهيلات بحرية تعرف بإسم The Sea Island فيما يقوم الرصيف رقم 4 بتولي النصف الآخر. فهجوم عسكري مباغت على الرصيف 4 من خلال قارب بحري أو حتى من قبل غواصة بدائية تباع في سوق السلاح الدولية سيكون مدمّراً. إن هجوماً كهذا سيكون سهلاً، تماماً كما حصل بشكل تام وواضح عام 2000 في الهجوم على المدمرة كول، حيث قام الانتحاريون بتلك العملية بقيادة قارب وبفاعلية قتالية ويحمل بداخله ليس أكثر من دائرة بروج محملة بمتفجّرات بلاستيكية.

نقطة أخرى تجعل السعودية عرضة للهجوم هي محطة الضخ رقم واحد، المحطة القريبة من بقيق، والتي تسيّر النفط للأعلى، لجبال آرامه (Aramah)، حيث تستطيع بدء رحلتها الطويلة عبر شبه الجزيرة الى ميناء البحر الأحمر في ينبع. فإذا جرى ضرب المضخة رقم 1، فإن 900 ألف برميل من الخام العربي الخفيف والخفيف جداً والذي يضخ يومياً الى ينبع سيتوقف فجأة عن الوصول، وستكون ينبع خارج سوق التجارة النفطية منذئذ.

وحتى الأنبوب القصير الذي يجري من بقيق الى المحطات الخليجية في الجعيمة ورأس تنورة ليس بمنأى عن أي هجوم محتمل. فإذا أصيب مجمع رابط القطيف المتعدد بأضرار كبيرة، وهذا المجمع يقوم بتوجيه ضخ النفط لكل المنطقة الشرقية من السعودية، فإن التدفق سيتوقف لشهور. وأن الأنابيب الموصلة لهذه المحطات والتجهيزات يمكن استبدالها سريعاً ولكن بالنسبة لتلك الموجودة في القطيف فإنها تتطلب تصنيعاً خاصاً.

خبراء في نفط سيبيريا وقزوين وخليج المكسيك وآلاسكا يودون الاشارة الى أن الولايات المتحدة فطمت نفسها من النفط السعودي، من أجل الحماية ضد تأثيرات هجوم من هذا القبيل ضد النظام النفطي السعودي. فالسعودية التي ربما ترقد على 25 بالمئة من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف، يقول الخبراء بأنها تزوّد نحو 18 بالمئة تقريباً من النفط الخام المستهلك من قبل الولايات المتحدة وهذا يعتبر انخفاضاً بالقياس الى 28 بالمئة خلال عقد. ولكن ما فشل هؤلاء عن ذكره هو أن السعودية لديها أهم قدرة انتاجية اضافية في العالم، بما يعادل مليوني برميل يومياً. وهذا يجعل السوق العالمية سائلة. ليس ذلك فحسب، ولكن لأن السعوديين يقررون الى حد كبير سعر النفط عالمياً من خلال تحديد كمية النفط المنتج، فإنه حتى الدول التي لا تشتري النفط السعودي ستكون عرضة للهجوم إذا ما تعرض تدفق النفط السعودي لأي اضطراب.

لقد استعمل السعوديون وبصورة متكررة قدرتهم الانتاجية الاضافية لاستقرار السوق النفطية العالمية. فقد استعملوها لكسر حظر أوبك ـ ولكن ليس قبل أن يثروا أنفسهم بعشرات البلايين من الدولارات ـ في عام 1974. وقد استعملوها ثانية خلال الحرب العراقية الايرانية، من أجل الحفاظ على تدفق النفط الى الغرب الصناعي. واستعملوها ـ ثالثة ـ خلال حرب الخليج في عام 1990 ـ 1991، فبالتعاون مع دول خليجية أخرى، تستطيع السعودية انتاج ما مقداره خمسة ملايين برميل إضافي يومياً، كتعويض عن الخسارة الناتجة عن نفط العراق والكويت. واستعملوه أيضاً في الثاني عشر من من سبتمبر عام 2001. وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، قرر السعوديون إرسال تسعة ملايين برميل الى الولايات المتحدة لمدة إسبوعين. وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة شهدت إنخفاضاً طفيفاً في مستوى التضخم خلال أكبر هجوم إرهابي كارثي في التاريخ.

لقد اعتبر الأميركيون السعودية الدولة المستقرة في الشرق الأوسط. فالسعوديون يخزّنون نفطنا أسفل رمالهم، وأن خسارة السعودية ستكون بمثابة خسران الاحتياطي الفيدرالي. وحتى لو تحوّل الحكام السعوديون الى معادين للأميركيين، فإن الجدل يستمر، بأنهم لن يوقفوا مطلقاً ضخ النفط، لأن ذلك يعني قطع رقابهم بأنفسهم. وهذا بكل حال الطريقة التي ننظر بها الى الموضوع قبل أن يقوم خمسة عشر سعودياً وأربعة آخرون من الارهابيين بتنفيذ هجمات انتحارية في الحادي عشر سبتمبر، وقبل أن يصبح اسامة بن لادن وعلى حين غرة الشخصية السعودية في العالم العربي الأكثر شعبية في التاريخ، وقبل أن تعلن جريدة يو إس أيه توداي في الصيف الماضي بأن نحو أربع من أصل خمس هجمات على مواقع تنظيم القاعدة السرية جاءت من داخل السعودية، وقبل أن يشير تقرير حديث أعده مجلس الأمن الدولي الى أن السعودية حوّلت 500 مليون دولار الى القاعدة خلال عقد من الزمن.

خمس عائلات ممتدة في الشرق الأوسط تمتلك نحو 60 بالمئة من النفط العالمي. عائلة آل سعود تسيطر وحدها على أكثر من ثلث تلك الكمية. هذا هو المحور الذي يقوم عليه الاقتصاد العالمي، وأن البيت السعودي يعرف بأن الغرب بدأ للتو بالتعلم، بأن هذا البيت يدير مملكة ستكون الحرب معها خطرة للغاية. هناك قناعة تسري في الرياض وجدة بأن أموال النفط قد أفسدت العائلة المالكة الى حد لم تكن فيه مؤهلة للصلاح والاصلاح، وفيما يتزايد التعداد السكاني يزداد عدد الفقراء في نفس الوقت، فإن قادة هذه البلاد فشلوا في حماية رفاقهم المسلمين في فلسطين وأماكن أخرى، وأن البيت السعودي قد جعل الاسلام ذليلاً، أي بكلمات أخرى فإن البلاد بحاجة الى ''تطهير'' راديكالي.

فقوة الشرطة فاسدة، وحكم القانون هو الخداع. السعودية تحتل المرتبة الأولى في العالم في مجال قطع الرؤوس بحد السيف بصورة علنية، والذي يتم غالباً في منطقة بلازا الرياض والمعروفة شعبياً بإسم ساحة الاعدام. الاسلحة غير المرخّصة تتدفق بصورة اعتيادية من وإلى البلاد. أخذاً في الاعتبار الانفاق العسكري الضخم، فإن السعودية تنفق على الدفاع أكثر من أي دولة في العالم (بعضهم يورد نسبة 50 بالمئة من إجمالي المداخيل)، وأن آل سعود يعتقدون بأن ذلك ضروري من أجل الحماية الشخصية. فالنظام قد تم تهديده بصورة متزايدة من قبل دولة معادية محاذية، ومن قبل أعداء محليين داخل حدود البلاد. الخطباء الشعبيون في السعودية ينادون بصورة صريحة من أجل الجهاد ضد الغرب، وهذا التصنيف يشمل بوضوح العائلة المالكة نفسها، بما يعيد الأجواء المعادية التي عاشتها ايران خلال ذروة النشاط الثوري الاسلامي. مدارس ومساجد المملكة أصبحت أرضية موّلدة للاسلام الميليشياوي. فالهجمات الأخيرة في بالي، والبوسنة، والشيشان وكينيا والولايات المتحدة، دع عنك الهجمات ضد عسكريين أميركيين في السعودية.. كل هذه تشير الى هذه المدارس، والى عائلة آل سعود نفسها.

وبحسب معلومات لموظف عمل لمدة واحد وعشرين عاماً في إدارة عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، فأنه خلال سنوات خدمته هناك: قبلت، إيماناً مني بعقيدة حكومتي، بأن أموال العائلة المالكة في السعودية كانت تنفق على السلاح والأمن الوطني، بما يعني أن القوات المسلحة التابعة للعائلة المالكة والحرّاس الخاصين يمكن أن يحفظوا أمن أعضاء العائلة المالكة والنفط. (فالعائلة المالكة تشبه أصابع اليد الواحدة) كما يقول زملائي في وزارة الخارجية. (هدّدهم، وسيتحوّلون الى قبضة). أنا لم أعد أؤمن بذلك. فالسعودية أصبحت دولة غير عقلانية بشكل كبير. واذا كان لي أن أحدد اللحظة التي بدأ البيت السعودي فعلياً بالتفكك، فسيكون منذ أن أصيب الملك فهد (الذي أصبح ملكاً عام 1982) بجلطة شبه قاتلة عام 1995. فمنذ أن سمعت العائلة المالكة عن جلطة فهد، رفعت درجة الحذر الى مستوى عالٍ.

عبد الله لم يخف نيته من أجل وضع حد للسرقة حين يصبح ملكاً، وقد يبدو ذلك أحياناً بأنه قد يقوم بذلك حتى قبل أن يصبح ملكا. في منتصف التسعينيات، حين واجهت السعودية صعوبات مالية متزايدة، أقنع الملك فهد بتعيين عدداً من الوزراء الاصلاحيين. فقد بات سلوكاً اعتيادياً أن يدخل أمير الى مطعم، فإذا رأى فيه مشروعاً واعداً، كتب شيكاً واشترى المكان، وغالباً ما يكون السعر أدنى من سعر السوق. وليس هناك ما يمكن للمالك فعله للحيلولة دون بيع المطعم. فهو يعلم، بأنه اذا ما قاوم فإن الأمر قد ينتهي به الى السجن وقد توجه له إتهامات مزعومة.

الأمراء الكبار يستعملون مناصبهم الحكومية للعمل نفسه، ولكن على مستوى عالٍ جداً. فأحدهم قد يختار عقاراً ثميناً، ولربما يكون موقعاً مناسباً لمركز تسوّق أو طريق جديد، ومن بعد ذلك يأمر محكمة بالترافع ضده للجحود بحجيته بإسم الدولة، حيث يتم تهيئة الوضع للملك من أجل إهدائه له. في رأي عبد الله، على أية حال، فإن المعاملات العقارية الجنائية وأشباهها هي مجرد جزء صغير من المشكلة. فالمعاملات خارج الميزانية هي جزء كبير جداً.

فالانفاق خارج الميزانية، كما دخل مبيعات النفط، تذهب مباشرة الى الحسابات الخاصة، متجاوزة الخزانة السعودية. فالأموال تستعمل حينئذ لدفع تكاليف المشاريع بدءا من مشتريات الدفاع الى البناء، دون محاسبة أو مراقبة الحكومة من أي نوع. فالعمولات والرشاوى متفشية. كمصلح، أبقي عبد الله خارج دائرة الضوء التي كانت محيطة حول فهد بعد إصابته بالجلطة. والمرارة الموجهة ضد عبد الله داخل العائلة المالكة عميقة، كونه في حقيقة الأمر يلام على جلطة الملك فهد. إحدى الروايات تقول بأن فهد وعبد الله كانا في مكالمة هاتفية، يتجادلان حول من سيحضر قمة مجلس التعاون الخليجي في عمان. من حيث المبدأ لم يكن القرار مهماً، ولكن العلاقات بين الرجلين أصبحت مسمومة، كما قيل، مما أخرج غضب فهد في تلك الحادثة. شائعة أخرى منتشرة تقول بأن فهد وعبد الله كانا في حالة حوار حاد حول موضوع الجدل الدائم، أي اقتراب الانهيار المالي داخل السعودية. وهناك همسات تقول بأن عبد الله قد أثار عن قصد غضب فهد، رغم معرفة الأول بأن صحة فهد لا تقاوم لعبة الصراخ.

لقد أصبح في نهاية الأمر واضحاً بأن فهد سيعيش ولكن عدم قدرته بلغت حداً محرجاً بوضوح، ولذلك فإنه خلال جلسة علاج أعقبت الجلطة بفترة قصيرة، تغوّط الملك في بركته أمام عائلته. كما أن مخه قد أصيب أيضاً. والمقربون منه يعلمون جيداً بأنه لن يكون مطلقاً قادراً على الحكم مرة ثانية، رغم أنه مازال يقاد للمظاهر الاحتفالية الرسمية.

بعد عام ونصف على جلطة فهد، أصبح سلطان يزدري عبد الله حيث توقف عن حضور إجتماعات مجلس الوزراء التي يرأسها عبد الله. بالنسبة لعبد الله فإن الشعور يبدو مشتركاً. في يوليو عام 1997، تجاوز عبد الله مجلس الوزراء، الذي كان يميل بقوة الى صالح السديريين، وحاول الحصول على توقيع فهد بِشأن أوامر وقوانين يعتقد بضرورة التجاوز فيها. وقد حاولت الجوهرة وعبد العزيز ـ زوجة الملك وإبنه المدلل ـ معاً منعه من ذلك. يجب التنبيه الى أن ذلك لا يعني أن بقية جناح فهد متحد. فسلطان، وسلمان ونايف الذين وصلوا سوية الى المستشفى لاظهار توحّدهم، تلقوا صدمة خشنة حين دفعوا الى الأبواب الأمامية. فقد قام كل من الجوهرة وعبد العزيز بمنعهم من رؤية أخيهم. فالاثنان أقاما مخيّماً خارج غرفة المستشفى التي يرقد فيها فهد وكانا يقرران ويفحصان من وماذا يدخل اليه. وهذا يشمل الوزراء، وكبار الأمراء، والأطباء، اضافة الى العرائض، والأوامر، وكل شيء آخر.

الخلافة في السعودية لا تتم بناء على حق البكر في الإرث. فبحسب التقاليد، فإن الأمراء الكبار فد توصلوا الى إجماع على الخلافة، وعادة ما يتم إختيار أحد من تلك الطبقة، والذي يعتقد بانه يمتلك خبرة ضرورية وحكمة. وحتى الآن، فإن النظام قد خدم العائلة المالكة بصورة جيدة، بالرغم من أن عبد الله قد أصبح مزعجاً، ولكن أخوان فهد خائفون الآن بأن عبد العزيز ـ إبن فهد ـ كان يحاول تحاشي التقليد وأن يضع نفسه في موقع عالٍ في خط الوراثة. ربما لسبب واحد، فإنه بدأ في الانغماس شيئاً فشيئاً في الأمن الوطني، من الشؤون الخارجية الى المخابرات. وحتى الأميركيون لحظوا ذلك. وحين جاء قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال بينفورد بي الى الرياض لمقابلة فهد في يوليو عام 1997، تفاجأ بوجود عبد العزيز بجانب فهد، يهمس في أذن والده. فأين كان عبد الله؟ وماذا أصبح سلطان؟ وكان على بي أن يقابل عبد الله بصورة منفصلة، وحتى ذلك الوقت لم يتحدث عبد الله حول القضايا المطروحة.

ما يقلق بعض أعضاء العائلة المالكة حقّاً، هو أن عبد العزيز كان يموّل قضايا وهابية راديكالية وأنه يحصل على قوة وشعبية نتيجة ذلك. بعض الأمراء لديهم قليل من الشك بأن المال الذي كان يذهب الى العلماء والقضايا، وصل في النهاية الى أسامة بن لادن. عبد العزيز لم يكشف بالطبع عن إيمانه، فهو كان يشجّع الوهابيين لأنه يعلم بانه بحاجة الى تأييدهم كي يصبح ملكاً. في سبتمبر 1997 قام بتقديم 100 مليون دولار مساعدة لطالبان، بالرغم من أن الأخيرين كانوا يحمون بن لادن، الرجل الذي تعهد ليس بإسقاط البيت السعودي فحسب، ولكن بدا وبصورة متزايدة بأنه قادر على فعل ذلك. عبد العزيز كان يشتري الدعم أين ما وجده.

يبلغ عدد أفراد العائلة المالكة حالياً نحو 30 ألف عضواً، وسيصل هذا الرقم الى 60 ألف بعد جيل، وربما أكثر من ذلك. وبناء على مصادر موثوقة، هناك دليل غير موثوق بفعل الماكينة الدعائية المناهضة للسعودية بأن العائلة المالكة مسكونة بالقمار، والكحول، والدعارة، والحفلات. وأن العمولات وباقي المدفوعات لتمويل مخازي العائلة ثابتة. ماذا سيكون سعر البترول في سنة 2025 لدعم الامتيازات الاساسية مثل تذاكر السفر المجانية لأي مكان في العالم على الخطوط السعودية، والتي كان يتمتع بها الأمراء، فإذا بلغت العائلة 60 ألفاً أو 100 ألفاً فهل سيكون هناك مقاعد كافية لمن يريد السفر للخارج من الرياض أو جدة؟ الاصلاحيون داخل العائلة المالكة يتحدثون عن إيقاف الغطرسة، ولكن ذلك قرار صعب التسويق..

إن تفويض الاًصوليين الوهابيين بإدارة نظام التعليم السعودي في السنوات الأخيرة أعتبر شكلاً من أشكال الترضية حيث يأمل كثيرون في العائلة المالكة بأن يوّجه عداء الاصوليين الى أهداف خارجية، فإن مخرجات التعليم عموماً قد أسيء إعدادها للتنافس في عصر تكنولوجي أو إقتصاد عالمي. فحالياً هناك إثنان من ثلاثة من الحاصلين على شهادة الدكتوراه داخل السعودية في الدراسات الاسلامية. والدكتوراه نادراً ما تمنح لعلوم الكمبيوتر، والهندسة، وعلوم عالمية أخرى. الشباب السعوديون يتم تعليمهم كيما يأخذوا دوراً في العالم الذي سيبقى اذا ما نجح الجهاديون الوهابيون في إعادة عقارب الساعة ليس الى عقود قليلة للوراء ولكن لعدة قرون.

هناك أيضاً المشكلة الديمغرافية. فلدى السعودية أعلى معدلات ولادة في العالم بإستثناء أفريقيا، أي 37.25 ولادة لكل ألف مواطن في السنة الماضية بالمقارنة مع 14.5 في الألف في الولايات المتحدة. سبعة وتسعون بالمئة من كل السعوديين هم في أعمار 64 أو أقل، وأن نصف السكان أقل من سن الثامنة عشرة. وأن الحضور البسيط لكثير من الناس المؤهلين للعمل، سيما هؤلاء الكثيرين المؤهلين الآن للدخول الى قوة العمل، يفرض ـ كل ذلك ـ ضغطاً هائلاً على الاقتصاد، وخصوصاً بالنسبة لنظام غير مصمم لاستيعاب هؤلاء الذين يريدون العمل أكثر من كونهم يريدون تزويد أولئك الذين يفضّلون التدبّر في معاني القرآن ومقاصده. الطبقة الوسطى تساهم في استقرار المجتمع، والطبقة الوسطى السعودية تتفجر.

وظيفة دولة الرفاه في العالم الأكثر تقدماً تخضع تحت تأثير هائل للتبدلات في سعر النفط. في عام 1981، حين كانت المملكة بأكملها عرضة لتأثيرات السوق، كان البترول يباع بسعر 40 دولار تقريباً للبرميل، وأن الدخل السنوي للفرد كان 28600 دولاراً. ولكن بعد عقد من الزمن، وتقريباً قبل أن يغزو العراق الكويت، كان المستهلكون قادرين على شراء النفط بسعر 15 دولاراً للبرميل. رفعت حرب الخليج سقف الأسعار الى نحو 36 برميل قبل أن تبدأ بالسقوط السريع. اليوم يدورسعر البرميل من النفط حول 40 دولاراً، ولكن عشرين عاماً من التضخم، مصحوبة بانفجار سكاني قد أطاح بالدخل الفردي في السعودية الى ما دون 7 آلاف دولاراً. ولأن 85 بالمئة تقريباً من المداخيل الاجمالية السعودية تستند على البترول، فكل زيادة بمعدل دولار واحد في سعر البرميل يعني مكسباً بنحو 3 بلايين دولار للخزينة السعودية.

من جهة أخرى، في بدايات الثمانينات، إستطاعت المملكة تنمية احتياطيات نقدية بنحو 120 بليون دولار، ويصل الرقم اليوم الى 21 بليون دولار فحسب. بالنظر الى هذه القوى المهددة مجتمعة، يمكن للمرء أن يعتقد بأن كل خريطة في العاصمة واشنطن عليها علم أحمر يبرز الرياض، للتذكير بأن السعودية هي الآن تعيش على التنفس الاصطناعي.

الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. قبل الحادي عشر من سبتمبر لم تصدر الولايات المتحدة على وجه الاطلاق مذكرة ارشادية تشير الى مشاكل أمنية واضحة بالنسبة للأميركيين المسافرين الى السعودية، فالمرافقون لمواطنين أميركيين يقميون هناك لم يُنصحوا مطلقاً بالمغادرة. وبحسب مسؤول اميركي، حتى اليوم فإن البلاد تعتبر مستقرة: فحكومتها مازلت بدون ريب مسيطرة على الحدود، وأن قوة الشرطة والجيش مقتدرة وموالية، وشعبها مازال يلبس ويأكل ويتعلم بشكل حسن.

بالنسبة للسي آي أيه، فإن الوكالة تركت الأمر لوزارة الخارجية لأخذ المبادرة وقررت ببساطة تجاهل السعودية. فالسي آي أيه لم تجنّد أي من الدبلوماسيين السعوديين لإخبارنا، على سبيل المثال، مالهدف من أقسام الشؤون الدينية التابعة للسفارات السعودية في الخارج. إدراة الاستخبارات التابعة للسي آي أيه تحاشت كتابة تقديرات الاستخبارات الوطنية، المستمدة من عدد مختلف من الخدمات الاستخباراتية الأميركية، حول مناطق الأزمة الكامنة في السعودية، مع العلم بأن تلك التقديرات، خصوصاً السلبي منها، تنزع الى أن تجد طريقها الى الصفحات الرئيسية في الصحف الأميركية، حيث ربما قد يكون لها تأثير غير مرغوب على الرأي العام. فمسار السي آي أيه أصبح كمسار الدولة: فليس هناك حاجة للقلق حول السعودية واحتياطياتها النفطية.

العلاقات السعودية الأميركية لن تكون دافئة ما لم يكن هناك شخص مقرّب من كل من الجانبين كيما يستطيع التحرك بإرتياح وسهولة لتحقيق المهمة، وهذا الشخص هو الأمير بندر (54 سنة). وبالرغم من أن رتبته أقل بالنسبة لخط الدم الملكي (فأبوه وزير الدفاع الأمير سلطان أخ الملك فهد، ولكن أمه هي خادمة بيت ـ أمة ـ عبدة)، وقد أصبح الأمير بندر سفيراً في الولايات المتحدة منذ عام 1983، وهو السفير الأجنبي الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتم اطلاعه على تفاصيل أمنيّة من قبل وزارة الخارجية الأميركية. وقد أثبت بندر بأنه كفوء في العمل على جانبي الدبلوماسية الخاصة والعامة سواء بسواء. فخلال عمله كملحق عسكري في الولايات المتحدة سجّل انقلاباً مدهشاً في عام 1981 بإقناع الكونغرس للموافقة على بيع طائرات الأواكس لبلاده، رغم اعتراضات إيباك، اللوبي الموالي لاسرائيل في واشنطن. وفيما بعد كسفير، نقل بندر تحيات المملكة من خلال وضع عشرة ملايين دولار في بنك فاتيكان سيتي، كما نقلت صحيفة الواشنطن بوست العام الماضي. هذه الأموال المودعة بطلب من وليام كيسي، الذي أصبح رئيساً للسي آي أيه، كان بغرض استعمالها من قبل الحزب الديمقراطي المسيحي الايطالي في حملته ضد الشيوعيين الايطاليين. وفيما بعد، أي في يونيو 1984، بدأ بندر في دفع 30 مليون دولار من أموال العائلة المالكة حيث تمكن نائب كولونيل أوليفر نورث من شراء السلاح لمقاتلي الكونترا في نيكاراغوا.

في منتصف عام 2002 تسربت كلمة الى الصحافة بأن هيئة سياسة الدفاع شبه الرسمية التي يرأسها أحد شخصيات الحرب الباردة غير المحترمين ريتشارد بيرل، قد أشرف على تقرير يعلن صراحة بأن السعودية هي جزء من مشكلة الإرهاب الدولي وليس جزءاً من الحل. السعودية، بحسب التقرير، كانت (في صميم التدمير الذاتي للعالم العربي والقوة الرئيسية الموجّهة لأزمة العرب والعدوان الموجّه للخارج). ويضيف التقرير أيضاً: (السعوديون نشطون في كل حلقات سلسلة الارهاب، بدءاً من المخططين الى الممولين، ومن الكادر الى الجندي، ومن الأيديولوجي الى القائد الميداني). خلال ساعات كان كولن باول على التلفون مع وزير الخارجية السعودية لتطمينه وعبره تطمين العائلة المالكة بأن مثل هذه التصريحات لم تكن ولن تكون تمثل موقفاً رسمياً لإدارة بوش. ولتأكيد الرسالة، دعا الرئيس بوش بندر الى مزرعة العائلة في كراوفورد بتكساس، ولكن مشاكل الصورة المصنوعة مازالت مستمرة.

في أكتوبر عام 2001، هاجمت قوات الناتو مكاتب الهيئة السعودية العليا للاغاثة في البوسنة، التي أسسها الأمير سلطان، وعثرت، بين أشياء أخرى، على صور لسفارتي كينيا وتنزانيا، قبل وبعد التفجيرين المدمّرين، وهكذا صور مركز التجارة العالمي والمدمرة كول، ومعلومات عن كيفية إستعمال الطائرات الخاصة برش المحاصيل، ومواد من أجل تزوير بطاقات الهوية الأميركية. إن عمل بندر لم يكن سهلاً بكل حال، ففي خريف العام الماضي وجد الأمير بندر نفسه مضطراً لشرح حقيقة مصير 130 ألف دولار كانت زوجته الأميرة هيفاء قد تبرعت بها الى أعمال خيرية، ثم إنتهت الى إثنين من خاطفي الحادي عشر من سبتمبر.

أمام هذه التكشّفات، فإن الوفد الأميركي الذي يرأسه ألين لارسون، وزير الشؤون الاقتصادية في حكومة بوش، سافر الى الرياض في نوفمبر الماضي، زاعماً بأنه سيدعو السعوديين لجهة زيادة مراقبة الجمعيات الخيرية والشبكات التمويلية. ولكن مصادر سعودية وأميركية ذكرت بأن أحد الاسباب الرئيسية لرحلة لارسون كان لتأكيد بأنه اذا قررت الولايات المتحدة غزو العراق، فإن السعوديين سيضمنوا تدفق المزيد من النفط الى السوق الدولية..

جواب واشنطن للسعوديين، الى جانب تكرار بأن ليس هناك ثمة خطأ، هو إقتراح بأن قليلاً من الديمقراطية سيعالج كل شيء. الحديث مع العائلة المالكة من أجل التنازل على الأقل عن جزء من سلطتها، ودعم الأمراء الاصلاحيين، وتدشين نموذج برلماني، وإحتواء المحرّضين بمنحهم منصب أو منصبين، وتشكيل حزب سياسي صغير، مع تقليل الفساد الى حد ما، وإرسال جيمي كارتر لمراقبة أول انتخابات، ثم بعد عدة أجيال قليلة ستكون الرياض أنقره، وربما حتى لندن. الآلية الحكومية ربما عاجزة، حسب رؤية واشنطن، ولكن الناس الذين يديرون الحكومة، والقسم الأكبر منهم ملتزمون لاستئصال الفساد، والقضاء على الارهابيين، والاعتراف بحق الشعب في حكومة منتخبة.

السعودية اليوم تعتبر فوضى، ولكنها فوضى من صنع أيدينا. نحن جعلناها خزّاناً خاصاً لحفظ احتياطياتنا النفطية. نحن حصدنا المنافع من تزوّدنا البترولي الثابت بأسعار مخفّضة، ونحن ممسوكون بكل بترودولار سعودي متوفر. نحن علّمنا السعوديين بالضبط ما هو المتوقع منهم. ولا يمكننا من الناحية الأخلاقية تجاهل نتائج هذا السلوك، ولا يمكننا تجاهل ذلك أيضاً إقتصادياً. ولذلك نحن نتباهى بالديمقراطية ونتحدث عن يوم ما نخلّص أنفسنا من الاعتماد على النفط الخارجي، بالرغم من حقيقة أنه طالما إعتمدت أميركا على النفط الخارجي فلن يكون هناك جهد مخلص أو مدعوم لدى الطبقة العليا في الحكومة من أجل تخفيص الاستهلاك البترولي الأميركي على المدى الطويل.

الصفحة السابقة