الإنتقال من الخرج الى العديد

هل تتكسر روابط واشنطن والرياض؟

في خطوة أسرت نقّاد السياسة الخارجية الأميركية الهزيلة، قررت القوة الجوية التابعة للولايات المتحدة نقل مركز كافة عملياتها الرئيسية في الشرق الأوسط من السعودية الى قطر. هذه الخطوة ساعدت العائلة المالكة المتورطة في مواجهات أمنية محلية على قاعدة العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فوجود القوات الأميركية بصورة ظاهرة يضعف، على حد قول مسؤول أميركي لصحيفة نيويورك تايمز، العائلة المالكة أكثر من كونه يقوّيها لأن هذا الحضور من شأنه إثارة العناصر المسلّحة داخل البلد.

 

ولكن السؤال ماذا عن هذا الحضور العسكري الأميركي الظاهري أي أين يكمن الخطأ فيه؟ فبحسب أسس ومبادىء المنشآت العسكرية، فإن التواجد العسكري في قاعدة الأمير سلطان الجوية تعتبر أقل بروزاً وظهوراً والأقل من حيث عدم التحمل على مستوى العالم. فالطيارون العاملون في هذه القاعدة مقيّدون بصورة أو بأخرى بحدود عملهم داخل القاعدة، أي أنهم ممنوعون حتى من أخذ الصور التي يمكن أن تعرّف بالمنطقة، خوفاً من أن مثل هذه الصور قد تذكّر بوجود الكفّار على التراب السعودي بما قد يؤدي الى إلهاب مشاعر السكان المحليين.

ليس هناك ما يمكن الوقوف عليه كحقيقة حيال المدعى المتداول بأن الوجود العسكري يعتبر عملاً عدائياً لأنه قريب من المدن المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، فقاعدة القوات الجوية الأميركية تفصلها جبال، وصحراء وعدة مئات أميال من المدن المقدسة. فالطريقة الوحيدة لإثبات أن التواجد العسكري الأميركي في الأرض المقدسة هي الاعتراف بالوحدة المناطقية للسعودية، نقطة يثيرها المتشددون لتأكيد مزاعمهم، على أساس عدم اعتقادهم بوجود الدول القومية من حيث المبدأ. وكيما تتبنى الاعتقاد القائل بأن التواجد العسكري الأميركي في السعودية يعد مخالفة دينية كبيرة، لا بد أن تكون متشدداً.

على أية حال، كانت واحدة من أهم الآمال للحرب على العراق هو السماح أخيراً للولايات المتحدة بتكسير روابطها مع السعودية، في سياق مسعى لازالة ما يعتقد بأنه السبب المباشر لمعاداة المتشددين للولايات المتحدة. فهذا الهدف يعتبر مغرياً هذه الأيام، حين تتكاثر التصريحات من دوائر رسمية وشبه رسمية في الولايات المتحدة تنادي بفك الارتباط مع العائلة المالكة بكل ما فيها من فساد وشمولية. فالعلاقة معها لم تعد ضرورية بعد أن فتحت دول المنطقة الى جانب سقوط العراق أراضيها لاستقبال القوات الأميركية وبدون شروط أو قيود.

ولكن السؤال: هل أن تللك الخطوة، أي نقل العمليات الجوية الأميركية من السعودية الى قطر، سيفضي في وقت لاحق الى نهاية العلاقات بين الدولتين؟. ثمة رأي يقول بأن التحالف الاستراتيجي بين واشنطن والعائلة المالكة هو أكبر مما كان يتصور، وسيبقى حتى بعد إزالة النظام العراقي عسكرياً. ولذلك، فإنه اذا كان عزل الولايات المتحدة نفسها عن العائلة السعودية الفاسدة بطبعها لم يكن منفعة مباشرة من الحرب على العراق، فماذا عن جحفل المتشددين الذين ورثتهم واشنطن، والذين يبدو ظل تشددهم من نوع مختلف، أو على الأقل أكثر سطوعاً من ذلك الذي لدى العائلة المالكة؟

الحمقى وحدهم يصدقون بأن مستقبل العراق سيكون هادئاً حسب ما كتب بيتر هاميل بعد مشاهدته مناظر للعزاء الدامي في كربلاء. لقد تساءل كثيرون عن ضعف خبراء الأصولية الاسلامية في تقديم رؤية واقعية لما أنتجته أوضاع المنطقة، وتبين أن مراكز العنف وثقافته قد تبدّلت بصورة دراماتيكية وغير متوقعة، من لبنان الى افغانستان الى السعودية وربما العراق، ولعل هناك مناطق أخرى لم تخضع للاختبار والفحص.

وكما الحال في العراق، فإن الخلاف بين منظّري وزارة الخارجية من جهة واستراتيجي وزارة الدفاع قد عكس نفسه أيضاً على قرار نقل القوات الأميركية من الرياض، فرجال البنتاغون يرون بأن الليونة التي تبديها واشنطن لحكام الرياض قد شجّعت الأخيرة على الحياد عن خط المصالح المشتركة وتبنى مواقف مراوغة قد تسببت بكوارث على الولايات المتحدة، ولذلك فقادة البنتاغون يرفضون ايلاء أي دور للرياض فيما يتصل بأوضاع المنطقة سيما في العراق، حيث يرفض رامسفيلد وفريقه الاصغاء لمطالب الرياض وعواصم عربية أخرى حيال صيغة حكم مقترحة، وهي مطالب قبلت الخارجية الأميركية التعاطي معها والقبول بالتفاوض حولها. الخارجية الأميركية التي تحمّل أحياناً مسؤولية الفشل في تحديد طبيعة التوجهات الخفية لدى الرياض، وما بدا بعد ذلك عملياً في الضربات العسكرية العنيفة التي أصابت الولايات المتحدة في عقر دارها وفي المناطق التي يتواجد فيها رعايا أميركيون ومصالح أميركية، وهو ما أهّل من الناحية العملية وزارة الدفاع للعب دور مزدوج أحياناً عسكري وسياسي، وهو ما يثير حساسية لدى المسؤولين في وزارة الخارجية، الذين يرون بأنهم باتوا يخضعون لاملاءات الدفاع التي حصدت انتصارين عسكريين ساحقين في أفغانستان والعراق وبالتالي يشعر المنتسبون إليها بأنهم أكثر استحقاقاً كيما يحصدوا الربح السياسي أيضاً.

البنتاغون قرر نقل قواته من السعودية الى قطر، وقد حاولت الخارجية الأميركية تخفيف ردود الفعل على قرار استراتيجي كهذا، ولذلك قام وزير الخارجية كولين باول بزيارة الى الرياض، ولكن من سوء طالع الوزير الأميركي أن استقباله في الرياض كان مدوّياً بأربعة انفجارات هائلة وقد يكون ذلك سبباً كافياً لفشل أي حديث عن تهدئة بين واشنطن والرياض، فقد أثبت تنظيم القاعدة بأنهم هنا، في قلب المملكة.

ومهما يكن، فإن ما يجب التأكيد عليه مجدداً أن الروابط بين واشنطن والرياض لن تكون منذ احتلال العراق مستقرة، بل هي مرشحة لأن تشهد تبدّلات سريعة، وأن عامل النفط وحده القادر على تحقيق بعض الاستقرار لها، ما لم يشهد هذا العامل تبدلاً هو الآخر. ولكن ما يقال في واشنطن هو أن العلاقة مع الرياض لم تعد على ما يرام وأنها تمثل عبئاً أكثر من كونها مكسباً وربحاً.

الصفحة السابقة