لغز وجود أسلحة الحرس الوطني

اختراق الأجهزة الأمنية أم تواطؤ رسمي؟

حين تحدّث الأميركيون عن أسلحة وجدت بحوزة بعض مرتكبي التفجيرات في المملكة، وعليها شارات الحرس الوطني والقوى العسكرية الأخرى، ثارت ثائرة اليمين الأميركي الصهيوني، واعتبر ذلك دليلاً على (تواطؤ) جهات حكومية مع (أعداء أميركا). ولما وجدت جوازات سفر سعودية مزورة لدى أعضاء في القاعدة، قالوا بأن وزارة الداخلية ممثلة في الهجرة والجوازات سّربت آلافاً منها فارغة البيانات بغية الإستخدام المباشر والمساعدة على تنقل أعضاء القاعدة، خاصة السعوديين منهم.

وفي حين نفى المسؤولون السعوديون الأخبار جملة وتفصيلاً، وهو نفي لا يقوم به إلاّ المصاب بالرعب والخوف، فإن المعلومات الأميركية تبدو صحيحة وواقعية، ولكن تفسير وجود الأسلحة والجوازات وغيرها مختلف تماماً.

لقد كان وجود الأسلحة الرسمية المهربة من مخازن الحرس الوطني والجيش، معلوماً وواضحاً منذ سنوات عديدة تتجاوز الخمس سنوات. ووجود الأسلحة ـ الخفيفة ـ من مسدسات ورشاشات أميركية الصنع، بين يدي المواطنين، بيعت في السوق وبأسعار تبدو زهيدة في بعض الأحيان، سببه الأزمة الإقتصادية العاصفة في المملكة، والتراجع المريع في مستوى الأمن الشخصي، إضافة الى الفساد الإداري في الأجهزة العسكرية.. حتى أن قطع غيار المركبات وغيرها كانت ولاتزال تباع في الأسواق المحلية وهي في مجملها مسروقة من مخازن القوات العسكرية.

أيضاً فإن الأسباب آنفة الذكر، هي وراء الكثير من مظاهر تجاوز القانون فيما يتعلق بإصدار الجوازات والمنع من السفر وتحصيل الإقامات وغير ذلك. فببضعة آلاف من الريالات، يستطيع الممنوعون من السفر، حذف أسمائهم من قوائم الكمبيوتر، أو تحصيل جواز سفر جديد، أو سرقة دفاتر الجوازات الفارغة، وحتى إدخال موظفين أو عمال أجانب بتحصيل الفيزا لهم، وهكذا. فضلاً عن تحصيل مقعد للدراسة في الجامعة، أو تجاوز عثرة قانونية هنا أو هناك.

إن الوضع الإداري المهلهل، وانفلات الوضع الأمني بالشكل الذي تتحدث عنه الصحف، في أحياء المدن الكبيرة في جدة والرياض، فضلاً عن المدن والقرى الحدودية، مترافقاً مع ضغط الحاجة الإقتصادية، وانفتاح الحدود على مراكز تهريب السلاح، من الكويت والعراق واليمن، والذي تسارع منذ عام .1990. كل هذا كان كافياً لأن يجعل المملكة مخزناً ضخماً لبيع الأسلحة واقتنائها، حيث يجري في بعض الأحيان بيعها بالجملة (بضعة آلاف من الرشاشات دفعة واحدة) وبشكل شبه علني.

مثل هذا الوضع يعتبر ميزة لأي تنظيم سياسي مسلّح، فبالمال وقليل من الخبرة، يمكن اختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية وتهريب الأسلحة والحصول على جوازات السفر وبطاقات الهوية. وهذا أمرٌ تفعله كل التنظيمات المسلحة في كل أنحاء العالم، كما تقوم به أجهزة مخابرات كل الدول، حيث تستخدم جوازات سفر لدول أخرى، وهكذا.

ويبدو أن تنظيم القاعدة، والمؤيدين له في داخل المملكة، استطاع أن يخترق بسهولة التحصينات الحكومية الأمنية، وربما استطاعت الحكومة في المقابل اختراق صفوف دعاة العنف وزرعت عناصرها فيهم. وهذا يفسره أمران: وجود أسلحة بكميات كبيرة مهربة من مخازن الحرس، وهي تفوق عادة ما يمكن بيعه من حيث العدد، وكذلك الإعتقالات الأخيرة التي قامت بها السلطة في صفوف الجماعات المسلحة، الأمر الذي يشير الى احتمالات اختراق أمنية في صفوفهم.

أما ما يقوله الأميركيون حول تواطؤ جهات حكومية مع القاعدة فأمرٌ مستبعد للغاية، وهو لا يخرج عن كونه اصطياد في الماء العكر.

الصفحة السابقة