الوجوه المتعددة للوهابية

خلال موجات عدة من الغارات الصباحية في 27 يونيو الماضي، إعتقلت هيئة التحقيقات الفيدرالية أحد عشر رجلاً في فيرجينيا، ماريلاند وبنلسفانيا، يشتبه في كونهم مرتبطين بجماعة لشكر طيبة، وهي جماعة وهّابية سلفية مسلحة تقاتل الحكم الهندي في كشمير. التباين في الاتهامات الواردة في القضية الفيدرالية المرفوعة ضد المشتبه بهم تقلل من أهمية التركيبة المعقّدة لعالم الوهابية. فجماعة لشكر طيبة التي تصنّفها وزارة الخارجية الأميركية ضمن قائمة المنظمات الارهابية الخارجية منذ عام 2001 هي الجناح العسكري لجماعة محظورة تدعى مركز دعوة وإرشاد وهي جماعة وهابية سلفية تتخذ من باكستان قاعدة لها، تكرّس نشاطها لمحاربة الحكم الهندي في كشمير. وبعد أن أصدرت حكومة مشرّف بحظر الجماعة في نهاية 2001، أعادت جماعة مركز دعوة وإرشاد تشكيل نفسها تحت إسم جماعة الدعوة.

هناك إختلافات في الاتهامات الفيدرالية الموجهة ضد الأحد عشر متهماً، والتي تشمل مخالفات حول الاسلحة والتآمر من أجل القيام بهجمات ضد دول في حالة سلام مع الولايات المتحدة. الجدير بالإشارة أن غالبية المتهمين ليسوا من كشمير أو باكستان، وليس هناك سابقة على إنتماء أجانب لجماعة لشكر طيبة، وهي حركة تعمل في منطقة محدودة حول كشمير. ولكن أحد الباحثين (ستراتفور) أشار الى أن المعتقلين هم مواطنون أميركيون ينتمون الى المذهب الوهابي، وهو ليس بالضرورة مذهباً عنفياً.

فقد أسس محمد بن عبد الوهاب المذهب الوهابي كحركة طهرانية في منتصف القرن الثامن عشر في منطقة نجد بالجزيرة العربية. وتنادي الوهابية بتطهير الاسلام من البدع العالقة عبر التاريخ الاسلامي وينادي بالعودة الى الشكل الاصلاحي للدين كما دعا له النبي محمد وصحابته. أتباع محمد بن عبد الوهاب لم يقبلوا مطلقاً نسبة (الوهابية) لهم ويفضّلون نسبة (سلفي)، كإشارة الى الارتباط الوثيق بسيرة النبي والصحابة وباعتبارهم الخلف الاسلامي المعاصر. وحيث أن المجتمع يستعمل هذا المصطلح للتعريف بجماعة مختلفة من مفكري القرن العشرين، فإن الوهابيين يفضّلون أن يدعوا كسلفيين جدد. وحيث أن الوهابية لا تناصر العنف كوسيلة قاطعة من أجل تحقيق هدفها في العودة الى الإسلام الأصلي، فإن العقيدة الجهادية كعقيدة متفرّعة من المذهب الوهابي تنادي من أجل توظيف الجهاد سعياً وراء إعادة تأسيس الدولة الاسلامية (الخلافة).

التباين بين معلومات الاف بي آي والصورة العامة الذي خلقها المتهمون عن أنفسهم، يسلِّط الضوء على تعقيدات الاسلام الوهابي. فالوهابية هي شكل متطرف وجامد للاسلام، ولكنها ليست شكلاً موحداً واحداً وليس كافة فرقها عنفية. فالأيديولوجية الوهابية بطبعها غامضة ولا تمثل صياغة نهائية وأن الخط الفاصل بين النضالية والراديكالية المتنقلة غالباً ما يكون غائماً. وفي السعودية،أيضاً، وهي منشأ ومركز الوهابية هناك روابط وهابية متداخلة بين المؤسسة الدينية الرسمية والاصوات المعتدلة لمعارضة الحكومة والجماعات النضالية والراديكالية في المملكة.

الاتجاه الوهابي العام، والذي إصطف تاريخياً الى جانب الدولة السعودية، كان دائماً يقصر الخطاب الاسلامي على موضوعات العقيدة، والطقوس، والمعاملات الاجتماعية، وقد استطاعت العائلة المالكة احتواء المدرسة الوهابية في مسعاها لاحباط أي معارضة كامنة قد تنشأ من هذه المدرسة. وأن غياب ايديولوجية سياسية وهابية واضحة الى جانب الحظر السعودي على النشاط السياسي، قد أدى بمرور الوقت الى ظهور حركة راديكالية مؤثرة خارج السياق المرسوم. وبالنظر الى وجود ملكية مطلقة تحكم المملكة، فقد أدى الى رد فعل حيث أصبحت أصوات المعارضة أكثر ميلاً الى الجهاد. يضاف الى ذلك نجاح تجربة الجهاد الافغاني ضد الاتحاد السوفييتي التي شجّعت الحركة الجهادية، والتي بلغت بمرور الوقت مرحلة من النضج داخل شبكة القاعدة التي يقودها اسامة بن لادن.

إن أحد الخيوط الموصلة والتي تربط الأحد عشر متهماً في القضية الفيدرالية المطروحة الآن في فيرجينيا، والمتواجدين حالياً في الحجز الخاص بالإف بي آي هو علي التميمي. فالتميمي الذي كان متهماً ولكنه الآن تحت التحقيق كان يحاضر أمام الأحد عشر متهماً في المركز الاسلامي في شمال فيرجينيا. من الناحية الشكلية، لم يتأهل الرجل كيما يصبح عالم دين، ولكنه يحتفظ بعلاقات وثيقة مع العلماء الكبار في المؤسسة الدينية السعودية، وهكذا الحال بالنسبة لأولئك الذين يشكّلون معارضة معتدلة للعائلة السعودية المالكة. فقد نشأ التميمي في الولايات المتحدة، وأن أبويه قد هاجرا كما يعتقد من العراق.

إستناداً على تسجيلات لمحاضراته، المثبّتة حالياً في المواقع الاسلامية على شبكة الانترنت، فإن التميمي يظهر بأنه داعية إسلامي معتدل الذي، رغم إهتمامه بالسياسة الأميركية إزاء العالم الاسلامي، عبّر عن معارضته للتفسيرات الجهادية للاسلام الوهابي.

ورغم أن التميمي لم يكن مشمولاً ضمن التهمة سالفة الذكر، فإن أتباعه الأحد عشر كما يبدو مرتبطون ليس بالجماعات الوهابية المعتدلة فحسب ولكن بالراديكالية منها أيضاً. فجماعة لشكر طيبة هي حركة جهادية متفرّعة عن الوهابية.

وبالنظر الى طبيعة لشكر طيبة، على أية حال، فإن من الخداع أن ثلاثة فقط من المتهمين قد تم اعتقالهم في 27 يونيو وهم محمد عتيق وخواجه محمد حسن ومسعود أحمد خان حايل من جنوب آسيا. وهناك ثلاثة فقط من الثمانية الباقين هم من أصول عربية: صبري بانخلة، وخليفة باشا ابن عبد الرحيم وابراهيم الحمدي. وهناك عدد آخر مثل راندل تود روير (ويعرف بإسم اسماعيل روير)، ودونالد ثوماس صراط، وسيف الله جابمان وحمد عبد الرحيم، وهم جميعاً من الأميركيين الذين اعتنقوا الاسلام، وقد اعتقلوا جميعاً الى جانب يونج كي كون، وهو مواطن أميركي متجنس ومتحدر من كوريا.

تشكيلة من الخلفيات كهذه ليست غير مألوفة في جماعة مثل القاعدة، التي تمثل معبراً حقيقياً وتضم مسلمين من منظومة واسعة من الخلفيات الاثنية والقومية بداخل مراتبها. ولكن من التناقض والشاذ أن هؤلاء المشتبه بهم توجه لهم إتهامات بالانتماء الى لشكر طيبة، التي لا تمتد نشاطاتها خارج باكستان، كشمير والهند.

على أية حال، فقد إتهمت الحكومة الهندية هذه الجماعة بالعمل مع جماعة أخرى تتخذ من باكستان قاعدة لها مثل جيش محمد للقيام بهجومين إنتحاريين ضد السلطة التشريعية في منطقة كشمير في سرناجار والبرلمان في نيو دلهي في سنة 2001. ويعتقد بأن جيش محمد جزء من شبكة القاعدة الدولية، وأن أحد أعضائها البارزين هو عمر سعيد الشيخ المتهم بقتل المراسل الصحافي دنيل بيرل في جريدة وول ستريت جورنال. وهناك تقارير أخرى ظهرت مؤخراً تفيد بأن الجماعة هذه أرسلت مقاتليها للمشاركة في المقاومة الفدائية العراقية ضد القوات العسكرية الأميركية. وعليه، سيكون من المنطقي الميل للإعتقاد بأن هؤلاء الرجال هم على إرتباط بجيش محمد أكثر من إرتباطهم بجماعة لشكر طيبة، إذا صحت دعوى إرتباطهم بأي مجموعات على الاطلاق، وهو أمر مشكوك فيه.

الدعوى الفيدرالية تتهم هؤلاء الرجال بإستعمال الأرض الأميركية لجمع ونقل السلاح من أجل استعماله في مشروع الجهاد في كشمير، ولممارسة تكتيكات عسكرية وتجنيد المتآمرين من أجل خدمة جماعة لشكر طيبة. ولكن هذه الاتهامات تتعارض مع الصورة التي رسمها بعض المتهمين على الأقل عن أنفسهم.

الباحث ستراتفور حصل على معلومات حول راندل تود (المدعو إسماعيل) روير، والذي كان عضواً نشطاً في قوائم المناظرة الاسلامية العامة. فبالقدر الذي نستطيع تحديده، لا تشير أي من مراسلات روير الى أي تورط له مع أو دعم للقاعدة. وبالرغم من إحتمال كون أن كلاً من روير والتميمي يدعمان ما يعتقده كثير من المسلمين بأنها أعمالاُ جهادية مشروعة أو صراعات مسلّحة في العالم الاسلامي ضد الاحتلال الأجنبي والظلم، فإنهما لم يقدّما مؤشرات واضحة وصريحة على دعم الإتجاه الجهادي، وهي الأيديولوجية التي تؤمن بها القاعدة والجماعات المرتبطة بها.

الخطوط العائمة بين الوهابية المؤسسية، والمعارضين الوهابيين المعتدلين للدولة السعودية والجماعات النضالية المسلحة المنشقة منها على نمط جهاديي القاعدة يجعل من الصعب التفريق بين أتباع كل فريق من هؤلاء. وهذه تبدو مشكلة أكبر في مجال تطبيق القانون الأميركي، والذي في جوهره يقوم بتفحص الحساء الايديولوجي من أجل العثور على مسلحين قد يكونوا متخفّين كمسلمين عاديين، بينما هم ببساطة معارضون للسياسة الخارجية الأميركية.

ما يزيد الأمر تعقيداً في وضع هو في واقع الأمر معقّد هو أولئك الذين لديهم روابط مع أكثر من جهة داخل السعودية. فقد ذكرت وكالة الاسوشييتدبرس في الثاني من يوليو بأن قوات الأمن السعودية قبضت على أحد العقول المخططة للتفجيرات الإنتحارية في الثاني عشر من مايو في الرياض وهو علي عبد الرحمن الفقعسي الغامدي. الغامدي الذي إستسلم للسلطات فعل ذلك كنتيجة لتوسط العالم السعودي البارز سفر الحوالي الذي يعد شخصية قيادية في المعارضة الوهابية المعتدلة. أمثلة كهذه، حيث تتكشف فيها روابط مسلّحين مع الاتجاهات المعتدلة داخل المدرسة الوهابية، تؤكد بأن ليس من السهل تكتيل الوهابية وهكذا أولئك الذين يعتنقوها في قوائم صارمة.

الصفحة السابقة