العائلة المالكة تتحول الى (مصنع فساد وإفساد)

الفساد في مملكة تسير الى حتفها

لا توجد دولة محصّنة ضد الفساد الإداري والسياسي والمالي. ولهذا جاءت القوانين والشرائع لضبطه وجعله في أدنى المستويات؛ ولذلك أيضاً نبعت أهمية مؤسسات المجتمع المدني الرقابية، وكذلك حرية التعبير التي تكفل فضح الفساد وتنوير الرأي العام وكذا صانع القرار بوجوده بما يكفل ردع المفسدين الآخرين. وفوق هذا يأتي القضاء المستقلّ الذي لا يحابي أحداً فينزل حكمه على المفسدين سواء كانوا في السلطة أو خارجها.

ولكن بعض المدافعين عن الطغاة، يزعمون بأن ما في المملكة من فساد لا يختلف عن المعهود في الدول الأخرى، وهذا غير صحيح ألبتة، إذ لا توجد دولة في العالم غير المملكة يتقاسم الأمراء والأميرات نفطها قبل تصديره، فلكل واحد من الكبار والمتوسطين حصّة فيه؛ ولا توجد دولة في العالم تسرق العائلة المالكة فيها كل أراضي الدولة وتعتبرها ملكاً خاصاً، ولا توجد دولة في العالم يصحو فيها صاحب الشركة من نومه وقد أصبح له شركاء من الأمراء يمتلكون نصفها أو أكثر بلا مقدمات وبلا مقابل!

ولكن بعض المدافعين عن الطغاة، يزعمون بأن ما في المملكة من فساد لا يختلف عن المعهود في الدول الأخرى، وهذا غير صحيح ألبتة، إذ لا توجد دولة في العالم غير المملكة يتقاسم الأمراء والأميرات نفطها قبل تصديره، فلكل واحد من الكبار والمتوسطين حصّة فيه؛ ولا توجد دولة في العالم تسرق العائلة المالكة فيها كل أراضي الدولة وتعتبرها ملكاً خاصاً، ولا توجد دولة في العالم يصحو فيها صاحب الشركة من نومه وقد أصبح له شركاء من الأمراء يمتلكون نصفها أو أكثر بلا مقدمات وبلا مقابل!؛ ولا توجد دولة في العالم تدفن بحارها للمزيد من الأراضي رغم الصحارى فتدمر البيئة إلا في المملكة وعلى يد الأمراء، ولا توجد دولة في العالم أزكمت صفقات الأسلحة أنوف القريب والبعيد سوى دولة الأمراء السعوديين، ولا توجد دولة في العالم طاردة للرساميل مثلما هو الحال في المملكة، كما لا يوجد قضاء فاسد (وبإسم الدين للأسف) مطواع بيد الأمراء ومشارك لهم في سرقاتهم وفسادهم مثلما هو في المملكة.. الى آخر الأمثلة التي لا تحتاج الى استفاضة.

فساد غير مضبوط وعلني

يقول علماء السياسة بأن الفساد في المستويات الدنيا أمرٌ متحمّل، وهو نتيجة طبيعية لفساد آخر في القوانين. لذا تأتي (الرشوة) مثلاً لتتجاوز البيرواقراطية وسوء الإدارة، فتقوم بعمليّة تسهيل معاملات الناس وأصحاب المصالح، لأنهم يضطرون إليه اضطراراً.. أي أنه فسادٌ محدود جاء لحلّ أزمة غياب القانون، أو ضعفه، أو عدم واقعيته. بيد أن الفساد في المملكة ضارب في رأس قيادتها، فهم (القطط السمان) وحاشيتهم تسير على دربهم، وكذلك الكثير من المسؤولين والإداريين؛ حتى أن المواطن لا يعتقد بأن هناك إلا الشاذّ من المسؤولين الوطنيين الحقيقيين المصلحين الغيورين على أبناء وطنهم. وفساد الأمراء، كما تكشف عن ذلك، شكاوى المواطنين وحكايات الأمراء المنشورة في الداخل والخارج، ليس فساداً محدوداً بعدد منهم، الأمر الذي يجعل الوضع بالغ الضرر، خاصة وأن عدد أفراد العائلة المالكة يصل الى ثلاثين ألف شخص، بمعنى أن العائلة المالكة تحوّلت الى (مصنع) إفساد وتخريب للدولة نفسها.

والفساد في المملكة ليس حالة عارضة طارئة، ولا تنحصر في مال وسرقات فحسب، بل هو نتاج عقلية وتفكير غير سوي. فهناك فرق بين من يمارس الفساد والإفساد وهو يدرك بأنه كذلك، وأن القانون يحرّمه، وأنه يعتدي على حقوق الناس وأموالهم وأعراضهم؛ أما في المملكة، فإن العائلة المالكة لا تعتقد بأنها تمارس الفساد والنهب والسلب، إذ جلّ ما تفعله هو (التصرف فيما تملك) ومقولة ملك الآباء بمعنى التملك واضحة، وكثير من الأمراء الكبار (خاصة سلمان) يصرّح في مجالسه علناً بأن الدولة بما فيها من حمولة مادية وبشرية ملك لآل سعود، فهم يتصرفون فيما يملكون، ولا يعتقدون بأنهم خرقوا القانون، أو أنهم يفسدون ويروجون للفساد.

هذا بالضبط، أهم سبب يجعل التحكّم بالفساد في المملكة غير ممكن، لأن ضبط الأمراء يحتاج الى آليّة فكرية مختلفة قبل أن تكون آلية قانون وشرع ودين وأخلاق. ولهذا، فإننا رغم السنين العجاف التي تمرّ بها المملكة من الناحية الإقتصادية، لم نشهد إصلاحاً مهما كان محدوداً، على كل الأصعدة. ولم تتغير ممارسات الأمراء وتعدياتهم على الأملاك العامّة والخاصة؛ فهم في منحدر لا يستطيعون التراجع عنه؛ ولعلنا نتذكر ـ ونحن في فترة الصيف ـ ما أنفقه الملك فهد، وما سينفقه عبد الله ـ فضلاً عما سيفعله هو وحاشيته ـ في المغرب هذا الصيف، وما يفعله الأمراء الآخرون داخل المملكة نفسها والتي وصلت حد استخدام السلاح في نهب المواطنين، والإستيلاء على أملاكهم.

وحتى الآن، لم نسمع أن أميراً أو وزيراً أو مسؤولاً حوكم بتهم الفساد، ولا يبدو أننا سنسمع بذلك في المستقبل القريب، لأن الأصل والتوجّه العام هو أن الفساد غير محرم وغير معاقب عليه، ولا يشمله قانون. ثم إن كل المفسدين من خارج العائلة المالكة، مرتبطون بالأمراء الكبار والصغار وبالأميرات أحياناً، وإن محاكمة أحدهم تعني محاكمة (هيبة) العائلة المالكة، وهي هيبة سقطت في الوحل منذ زمن بعيد.

إن دائرة الفساد تتسع، وإذا كانت قدوة شعب المملكة هم أمراؤها وحكامها، فإن كل واحد من المواطنين فضلاً عن المسؤولين يشعر بأن لا عتب عليه إن سرق أو أفسد. وإذا كانت الأملاك العامة، أو بيت مال المسلمين، أو ما يسمى بخزينة الدولة، يتلاعب بها الصبيان من الأمراء، فإن شعوراً آخر يظهر بين العامّة يميل الى عدم احترام الملكية العامة، ويرى بأنه يحقّ له أن يأخذ ما تصل إليه يداه، وشعاره: إذا كان ربّ البيت بالدفّ ضارباً/ فشيمة أهل البيت كلّهم الرقصُ!

إن المواطن حين يعتدي على التافه من الحق العام، إنّما يفعل ذلك أحياناً بضغط الحاجة، وفي أحايين أخرى فإنه يبرر فعله بأن (الجميع يسرقون، فلماذا أنا دونهم؟).. أو يبرر ذلك بأنه إنّما يسرق (حقّه) الأصيل من المال العام، وأنه إن تركه، فسيأتي سارق آخر يأخذه!

الملكية العامة غير محترمة في المملكة بشكل يدعو للدهشة. وفي الوقت الذي يحترم الناس الملكية الخاصة بقدر ما، إلاّ أنهم يعتبرون من الرجولة بمكان سرقة أموال الدولة ونهب الأراضي بالتعاون مع شركاء كبار! أن تسرق كل المواطنين (أي سرقة المال العام) فهذا غير محرّم!، بعكس ما هو موجود في كل الدنيا، التي تعتبر جريمة الجرائم التهرب من الضرائب، أو الإعتداء على الأملاك العامّة.

آثار الفساد

إننا حتى الآن لم نشهد أي محاولة لمكافحة الفساد بشتى أصنافه، وإن كان الجانب المالي هو الذي يقفز الى المخيلة. باختصار لأن مكافحة الفساد تعني مكافحة المفسدين، والمفسدون هم أمراء الأسرة المالكة، وخاصة الأمير سلطان. ومما تجدر الإشارة إليه أن الأمير عبد الله حين قابل وفداً سلّمه (وثيقة الرؤية) قال للوفد بأنه يفعل ما في وسعه للقضاء على الفساد، وأضاف بأنه نجح في ذلك مع الجميع، عدا إثنين! لم يشر إليهما بالإسم، ويقصد: الأميرين سلطان ونايف!

ومما لا شك فيه، إن العجز عن ضبط الفساد ضارب الأطناب من شأنه:

* إعاقة الدولة عن النمو في البداية، وفي حال تطوره كما هو الحال الآن، فإنه كفيل بتفتيت مؤسسات الدولة وجعلها عاجزة عن الإيفاء بالحدود الدنيا من متطلبات المواطنين في الرعاية الإجتماعية، الأمر الذي سينعكس بصورة تلقائية على الوضع السياسي والأمني.

* إن استشراء الفساد الذي تقف عليه قمّة الهرم يفقد نظام الحكم شرعيته، فالحديث الذي لا ينتهي عن الفساد والذي لا يمكن أن يبرره أحد، صار معول هدم لهيبة الأمراء وسلطتهم وشرعيتهم في الحكم. ليست المسألة تتعلق بالسلوك الشخصي، وهو سلوك مشين على أية حال، ولكنه يتعلق بحياة المواطن وعيشه.

* إن استشراء الفساد قادر على تأجيج مصادر العنف، فكلما بغى وطغى الأمراء في ممارساتهم وتصرفاتهم الممجوجة ولم يضبطوا تصرفاتهم، كلّما كان المواطن أقرب الى استخدام حقّه في الدفاع عن نفسه وعن مصالحه وممتلكاته.

* إن الفساد فيروس قابل للإنتقال من جهاز لآخر، ومن شخص لآخر؛ بحيث لا يمكن التحكم في دائرته. فلقد أدّى الفساد الأخلاقي والمالي للأمراء الى إفساد الجهاز القضائي كلّه، حتى أن عدداً من القضاة المعتبرين وقعوا فريسة الإغراء. وانتقل الفساد الى الجهاز الأمني والعسكري، فكل شيء قابل للإمضاء بالرشوة من توظيف مواطن، الى تهريب سلاح أو قطع غيار من مخازن الجيش، الى إطلاق سراح معتقل، أو تهريب آخر. الفساد لا يقف عند حد ولا عند مؤسسة بعينها.

* وأخيراً فإن الفساد يفقد النظام شرعيته في الخارج. وسمعة آل سعود اليوم معلومة للقاصي والداني، ولكن المهم أنها تعطي الإنطباع لدى حلفاء النظام في واشنطن بأن هذا النظام غير قادر على إصلاح نفسه. مثل هذا قيل صراحة للوفد السعودي الذي زار لندن قبل ثلاثة أشهر، حيث تحدث مسؤول في الخارجية البريطانية قائلاً بأن أساس المشكلة في السعودية هي العائلة المالكة وفسادها، وأضاف بأن الدولة السعودية ستزول خلال الأعوام الخمسة القادمة.

نحن هنا لا نطالب بإلغاء الفساد، ولكننا نطالب بالسيطرة عليه! فالإلغاء أمرٌ مستحيل. والمشكلة أنه لا توجد أية جهة قادرة على مكافحة الفساد، حتى القضاء نفسه، وحتى لو قرّر الأمراء مكافحة الفساد، فإن قراراتهم لن تأخذ طريقها، لأن الجهة التي يناط بها مكافحته يجب أن تنبثق من إرادة شعبية تستطيع مقاومة فساد رموز السلطة، ولا تتردد في مكافحة الرموز المتوسطة، ولا نقول الكبيرة!

إذا كانت السلطة مفسدة لمن يحكم، فإنها فعلاً سببت فساداً غير متوقع في مجتمع محافظ، بحيث ان الفساد اخترق كل الدوائر العليا، بما فيها المؤسسة الدينية، التي كان يمكن أن يلوذ بها المجتمع.

هل يعني هذا أن ليس هناك حلّ للفساد؟!

نعم! ليس هناك حلّ آني للفساد، ولن يأتي الحلّ إلا بعد البدء بالإصلاحات السياسية، فهذه الأخيرة هي الأداة الوحيدة القادرة على توفير مناخ صحي قادر في المستقبل على مقاومة المفسدين سياسياً وإدراياً ومالياً، وفي مقدمتهم أمراء وأميرات العائلة المالكة.



الصفحة السابقة