التدخل السعودي في البحرين

الشرّ الضروري أم خطأ استراتيجي؟

راشيل برونسون*

في مارس 14، فرضت حكومة المنامة حظر التجوّل على دولة جزيرة البحرين الصغيرة. وعقب ذلك على الفور حرّكت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة قواتهما الأمنية الى البحرين تحت شعار قوات درع الجزيرة. استعراض القوة هذا مثّل خطوة هامة ـ تغيير في السياسة الإقليمية. فلأول مرة تعبر قوات عربية الحدود الدولية في رد فعل على مأزق سياسي ضرب المنطقة منذ ديسمبر الماضي. كان ذلك أيضاً، وبصورة مدهشة، استعراض عام للقوة من السعودية، البلد الذي يميل للعب في الظلال. كان من الواضح أن المملكة أصيبت بالذعر من حوادث المنطقة، وفقدت إيمانها في جهود الولايات المتحدة لتطوير حوار في غياب قوة وحشية. سوف يخبرنا الزمن ما إذا كان قرار السعودية بنشر أكثر من ألف جندي هو شرّ ضروري أم خطأ استراتيجي.

إرسال السعودية للقوات لم يكن دونما سبب. البحرين التي تقع على بعد عشرين ميلاً من الساحل الشرقي للسعودية، ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية للرياض لأسباب اقتصادية، وطائفية، وجيوبوليتيكية. وتحاذي البحرين المنطقة الشرقية من السعودية، وهي المنطقة المنتجة للنفط والتي تشتمل على ربع مصادر النفط الثابت في العالم. وأن أي اضطراب هناك قد يتمدّد في المملكة ويطيح بأسواق النفط العالمية. المنطقة الشرقية هي أيضاً موطن معظم السكّان الشيعة في السعودية، ويشكّلون نحو 15 بالمئة من إجمالي السكّان في السعودية و30 بالمئة من سكان المنطقة الشرقية. البحرين المتطرّفة والمعبأة، في وجود سكان شيعة تصل نسبتهم إلى نحو 70 بالمئة قد يشعل حرائق الإحتجاجات في المنطقة الشرقية من السعودية، ويقدّم ملاذاً للسعوديين الساخطين. تغطية الإقتصاد والهموم الطائفية هي وقائع جيوبوليتيكية تغذي أيضاً مصادر القلق السعودي. فالبحرين غير المستقرة قد تجذب بسهولة المتاعب الايرانية. لدى ايران مدّعيات جغرافية قديمة في البحرين، وقد استلهم الشيعة البحرينيون من الثورة الايرانية سنة 1979. الحضور الايراني الملحوظ بصورة أكبر في البحرين سيجلب طهران مباشرة الى حدود السعودية، وقد حسبت الرياض ذلك بصورة واضحة، إذ أن آل خليفة الحاكمين في البحرين يخسرون قبضتهم، وأن الخط الناعم للحوار الذي يديره ولي عهد البحرين وتدعمه واشنطن ثبت بأنه غير فاعل، وأن الاحتجاجات سوف تتواصل لأمد غير معلوم على حساب خسارة السعودية وربح إيران. اقتفاءً لسيرة القذافي، استعرضت السعودية عضلاتها على أمل وضع نهاية للإحتجاج المحلي.

إرسال السعودية للقوات لم يكن دونما سبب. البحرين التي تقع على بعد عشرين ميلاً من الساحل الشرقي للسعودية، ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية للرياض لأسباب اقتصادية، وطائفية، وجيوبوليتيكية. وتحاذي البحرين المنطقة الشرقية من السعودية، وهي المنطقة المنتجة للنفط والتي تشتمل على ربع مصادر النفط الثابت في العالم. وأن أي اضطراب هناك قد يتمدّد في المملكة ويطيح بأسواق النفط العالمية. المنطقة الشرقية هي أيضاً موطن معظم السكّان الشيعة في السعودية، ويشكّلون نحو 15 بالمئة من إجمالي السكّان في السعودية و30 بالمئة من سكان المنطقة الشرقية. البحرين المتطرّفة والمعبأة، في وجود سكان شيعة تصل نسبتهم إلى نحو 70 بالمئة قد يشعل حرائق الإحتجاجات في المنطقة الشرقية من السعودية، ويقدّم ملاذاً للسعوديين الساخطين. تغطية الإقتصاد والهموم الطائفية هي وقائع جيوبوليتيكية تغذي أيضاً مصادر القلق السعودي. فالبحرين غير المستقرة قد تجذب بسهولة المتاعب الايرانية. لدى ايران مدّعيات جغرافية قديمة في البحرين، وقد استلهم الشيعة البحرينيون من الثورة الايرانية سنة 1979. الحضور الايراني الملحوظ بصورة أكبر في البحرين سيجلب طهران مباشرة الى حدود السعودية، وقد حسبت الرياض ذلك بصورة واضحة، إذ أن آل خليفة الحاكمين في البحرين يخسرون قبضتهم، وأن الخط الناعم للحوار الذي يديره ولي عهد البحرين وتدعمه واشنطن ثبت بأنه غير فاعل، وأن الاحتجاجات سوف تتواصل لأمد غير معلوم على حساب خسارة السعودية وربح إيران. اقتفاءً لسيرة القذافي، استعرضت السعودية عضلاتها على أمل وضع نهاية للإحتجاج المحلي.

زيادة فرصة المواجهة الإيرانية ـ السعودية

كان القادة السعوديون قلقين حيال البروز الاقليمي لإيران منذ العام 1979، بالرغم من أن قلقها أصبح متصاعداً خلال العقد الأخير. أحد كبار السعوديين يشرح ذلك على هذا النحو: ايران بلد يشعر بأنه محبط بسبب إعتقاده بأنه كان مستبعداً. يشعر بأن تمّ إبعاده من دور القيادة الذي يستحقه. وهذه المشاعر بالنسبة لبلد مهم تعتبر خطيرة. وهذا الرأي متفشي بين أعضاء النخبة الحاكمة في السعودية.

بالنسبة للقادة السعوديين، يتم فهم إيران على أنها ثورية ودولة إنتقامية، والتي تتحسن فرصها بمرور الوقت. وزير الخارجية سعود الفيصل يرى بأن الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 كان هدية لإيران، ونحن قمنا بتسلميها الى طهران على (طبق من فضة). أثبت 2006 انتصاراً كبيراً آخر لإيران، حين دعمت الولايات المتحدة الانتخابات الديمقراطية في فلسطين، والتي جلبت حماس الى السلطة. ليس ما يدعو للدهشة بالنسبة للسعوديين، أن إيران أفادت من العزلة الدولية لحماس واستعملتها لزيادة نفوذها في المناطق الفلسطينية. لبنان هي جبهة ثالثة حيث النفوذ الايراني يترعرع. وعليه، هناك سبب وجيه بالنسبة للسعوديين للقلق من النشاطات الايرانية، وإنه السبب الذي يجيب عن السؤال لماذا طالب العاهل السعودي الملك عبد الله الولايات المتحدة (بقطع رأس (الأفعى) الإيرانية).

وفي غضون العقد الماضي، تواجه السعوديون والايرانيون كلامياً، وتحاربوا مع بعضهم ولكن عبر وكلاء. أكثر المواجهات عنفاً حدثت في اليمن في 2009، حين دعمت السعودية الحكومة اليمنية في قمع التمرّد الحوثي، مدعيّة أن الثوّار مدعومون من قبل إيران. وقد ردّ الثوّار (الحوثيون) بنقل المعركة الى داخل الأراضي السعودية. وبالرغم من أن الهجمات على الأراضي السعودية كانت هامة، فإن النزاع كان يدور بدرجة كبيرة من خلف المشاهد، وفي الظلال، حيث كان يرى السعوديون بأن ذلك مريح لهم بشكل كبير. وعليه، فإن المفاجأة أن ترى قوات سعودية تعبر جسر البحرين بصورة علنية.

وبتواجدهم في البحرين الآن بصورة علنية، فإن السعودية عرضة لإتهامات بالتدخّل والإضرار الإيراني. وبالرغم من أن إيران من غير المحتمل أن تنشر قوات لتواجه النشاط العربي، فإنها سوف تبحث عن حلفاء محليين وتقويتهم بصورة كبيرة. وحتى الحوادث ذات المستوى المنخفض وغير المقصودة قد تفضي الآن الى إثارة كبيرة. ففي 15 مارس، شجبت أكبر جماعة شيعية معارضة في البحرين، أي جمعية الوفاق، قرار الحكومة بفرض قانون حظر التجول ودعت الى تدخل دولي. فهل سيقدّم الايرانيون مساعدة أو دعماً عسكرياً؟ وهل ستقبل الوفاق ذلك؟. وقد أبرقت إيران الى الإمم المتحدة لادانة التدخل. وتنتعش الاشاعات حول أن الجنود السعوديين باتوا هدفاً لهجمات محليّة. المعركة الدائرة بين السعودية والثوّار البحرينيين المدعومين من إيران قد تتحوّل إلى نزاع ضار، وعنيف ومزعزع، حتى إذا لم تبعث إيران مساعدة عسكرية علنية.

سوق النفط المذعور

الثاني: إن إرسال السعودية قوات الى البحرين قد يؤدي الى زعزعة أسواق النفط الى درجة أكبر من الحرب في ليبيا. ويفضّل السعوديون أسواقاً هادئة بنفط عند أسعار معقولة. وبالرغم من أن تفاوتات دراماتيكية نحو الأعلى سيضاف الى خزينة السعودية، فإنها ستدفع المشتركين للبحث عن مصادر بديلة للطاقة. وفيما يقع كثيرٌ من إحتياطي النفط في العالم تحت سيطرتها، فإن السعودية تبحث عن أسعار نفط تحت المستوى الذي يستحث على مزيد من التنويع.

اليوم، أسواق النفط مذعورة بسبب أولاً وأخيراً التسرّب النووي في اليابان ومن ثم المراوحة في ليبيا. تصدّر ليبيا 1.2 مليون برميل يومياً وأن خامها الحلو أسهل في التكرير من كثير من النفط الثقيل المشحون من أماكن أخرى. يبقى، أن قدرة السعودية على الحلول محل الصادرات الليبية (على الأقل من حيث الحجم)، قد هدأت السوق. ولكن الحوادث في ليبيا تبهت في المقارنة مع الاضطراب في البحرين، على نحو قد يلقى صدى في المنطقة الشرقية، وقد يؤدي الى احتمال صراع سعودي ـ إيراني. وإذا ماتواصلت الاحتجاجات هناك، وإذا ما واجهت المنشآت النفطية البحرينة توقف أو تلف، فإننا يجب أن نتوقع ارتفاع الاسعار، حيث أن التجّار يراهنون على الاستقرار، والقلق حول أمن الخطوط البحرية في الخليج الفارسي، وتوقع هجوم ايراني على الحقول النفطية السعودية التي تبع فقط أميال عن حدودها البحرين. قد يجادل البعض بأن الإضطراب المتواصل في البحرين قد يثير مخاوف السوق في كل الأحوال. وحتى مؤخراً، يبدو بأن أسواق النفط لا تستجيب للحوادث في البحرين بخوف. وبحسب وصف محلّل نفطي، البحرين كانت قصة (الصفحة الثانية أو الصفحة الثالثة) حتى وقت قريب.

تعميق الإنقسام السنّي الشيعي

بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات القاعدة على أهداف في المملكة في 2003/4، أقرّ الملك عبد الله طائفة من (الحوارات الوطنية)..العلاقات السنية الشيعية تحظى بسجّل فقير داخل المملكة. وأن السياسات والهجمات المناهضة للشيعة تعود الى بداية تأسيس المملكة، أو قبل ذلك. بالنسبة للشيعة السعوديين، فإن تهميشهم المنظّم، والتعصّب العميق التي تأتي كاستجابة للرد على مطالبهم هي سبب الشك المتصاعد بأن الوضع سيتحسّن بصورة أفضل. ولكن احتجاجاتهم المنتظمة إلى حد ما وتعبئتهم في 1979 خلال الثورة الايرانية، تجعل من بناء الثقة مهمة صعبة. ولهذا السبب، فإن مبادرة الملك عبد الله قد تمّ الترحيب بها، وكذلك الإنفاق العام المتزايد في المناطق الشيعية. جهود الملك لم يجرِ اتّباعها بجديّة.

يبقى أن جهود الملك، والتصريحات التي قدّمها في هيئة الأمم المتحدة، وأماكن أخرى، كانت دليلاً على أنه لا ينظر الى النزاع الشيعي السني بأنه يصب في مصلحة السعودية. وأيضاً، أن مثل هذا الإنقسام هو بالضبط ما يدفع الجهود العسكرية السعودية للتعزيز بصورة أكبر. مجلس التعاون الخليجي بدا موقفه واضحاً لصالح نظام الأمر الواقع السني، وفي 16 مارس، مالت الأردن أيضاً الى موقف مجلس التعاون الخليجي. إيران بطبيعة الحال سوف تعمل كل شيء بحوزتها لتصوير الانشطة الأخيرة باعتبارها هجوماً سنياً. قيادات حزب الله في لبنان والقيادات الشيعية في العراق أصدروا بيانات ضد إرسال قوات الى البحرين. التعبئة السعودية ستغذي الحرائق الطائفية في الشرق الأوسط، وقد قدّمت للإيرانيين انتصاراً دبلوماسياً رائعاً.

العلاقات الأميركية السعودية المثلومة

نشر القوات السعودية، الذي تمّ بعد يوم واحد من سفر وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس الى المنطقة ومطالبتها بالإصلاح، يرسم نقطة منخفضة جديدة في العلاقات الأميركية السعودية. وكما يصف ذلك ديفيد اجناتيوس من (واشنطن بوست) أن الوضع غير المرحّب به اليوم هو (الخلاف الأميركي السعودي الأشد أهمية منذ عقود)، ويدع الولايات المتحدة بقلة من الخيارات الجيّدة. واشنطن والرياض هما اليوم وبصورة علنية غير متفارقين إزاء قضايا مثل التمثيل السياسي، والعنف والاستقرار. وأن النزاع الدبلوماسي الأميركي/السعودي سيوجه تهديداً للأسواق النفطية. كما سيدع السعودية مكشوفة على المستوى الدولي، حيث أن شريكها الدولي الرئسي يبتعد عنها. وتبقى الصين وروسيا كشريكين مستقبليين محتملين. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن مخاطر انشقاق سعودي أميركي شديدة التعقيد. وليس هناك سبيل محتمل لخلق صدام بين الحضارات حقيقي أكثر من جعل الولايات المتحدة والسعودية في جهتين متقابلتين من الإنقسام السياسي. إن العلاقة الخصامية الأميركية السعودية قد تقوّي الراديكاليين داخل المملكة بدلاً من تقوية القوى المعتدلة. وقد وضع السعوديون في حال خطر بعض المكاسب الهامة التي حقّقوها على المستويين الدولي والمحلي من خلال التأكيد على الخلاف الأميركي السعودي.

مالعمل؟

الولايات المتحدة تجد نفسها في موقف صعب للغاية في منطقة الخليج. تصريحات الوزيرة كلينتون من ان البحرين وبقية الشركاء في مجلس التعاون الخليجي هي “على الطريق الخطأ”، ضعيفة، ولكن للأسف ذاك كل شيء يمكن للولايات المتحدة أن تقدّمه. واشنطن المترددة في ليبيا تجعل من الصعب حتى التأثير على السعوديين في إعادة الجنود الى ديارهم. خلال الأسابيع الماضية، ناهيك عن السنين، قامت الولايات المتحدة بصورة روتينية بالعمل على خلاف مع النصيحة التي تقدم بها حلفاؤها الإقليميون، بما في ذلك غض الطرف عن المتمردين في ليبيا، عندما جادل الشركاء الرئيسيون في أوروبا والشرق الأوسط بتقديم الدعم لهم. وحيث أن القوة العسكرية تبرز باعتبارها الرد الوحيد الذي يمكن التنبؤ به وأن كلاهما يبقي القيادات في السلطة، ويبدو أنها مقرّة من قبل الولايات المتحدة، هناك سبب ضئيل يدعو الرياض للتراجع. جهود الولايات المتحدة لاحتواء ايران كانت أيضاً محدودة، بما يوفر المزيد من الدعم للحسابات السعودية بأن الوقت قد حان لتبحث عن نفسها. المشكلة، بطبيعة الحال، هي أنه إذا سارت الأمور بطريقة منحرفة، والتي من المرجّح أن تكون كذلك، فإنّها تهدّد باندلاع صراع إقليمي أوسع في قلب منطقة النفط، وعلى أعتاب الأسطول الخامس الأمريكي. الولايات المتحدة، بمساعدة السعودية، حاصرت نفسها في مأزق خطير جداً، وتواجه الآن خياراً صعبا للغاية بين ثلاثة خيارات سيئة: (1) دعم ضمنياً الرياض، على أمل أن تتمكن من إخماد حركة الإحتجاجات بصورة سريعة في البحرين، وهو احتمال يبدو ضعيفاً في أحسن الأحوال، (2) استخدام كافة أشكال النفوذ لديها لوقف الفعل السعودي، على الرغم من أن نفوذها محدود، وأن مثل هذا الضغط من المرجح أن يتم رفضه؛ (3) الهراء في مكان ما في الوسط، والظهور بمظهر الضعف، واستعداء السعودية وتنشيط ايران في حين تقدّم مساعدة تذكر للبحرينيين على جانبي الصراع. هذه هي خيارات لا يحسد عليها. ما يبدو واضحاً، مع ذلك، هو أنه مهما كانت الطريقة التي ستسلكها الحوادث في المنطقة، فإنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تعدّ بسرعة خطة جديدة لكيفية إدارة حرب بالوكالة بين إيران والسعودية في البحرين التي من شأنها أن تهدّد على أساس يومي بتصعيدها كيما تصبح نزاعاً كبيراً.


* راشيل برونسون، نائبة رئيس برامج ودراسات في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية. ولديها كتاب بعنوان (أسمك من النفط: شراكة أميركا العسيرة مع السعودية) والمطبوع سنة 2006، وقد ترجم الى لغات أجنبية عديدة. وقد أدلت بشهادة أمام لجنة مكافحة تمويل الإرهاب في الكونغرس، وهي لجنة اقتصادية مشتركة وهيئة الحادي عشر من سبتمبر.

الصفحة السابقة