ربيع العرب والثورة السعودية المضادة

فلينت ليفيريت، وهيلاري مان ليفيريت

عدنا من رحلة قمنا بها مؤخراً إلى المنطقة مقتنعين بأن السؤال الرئيسي الذي يشغل بال الناس فيما يتعلق بـ "ربيع العرب" لم يعد "من التالي"، بل "إلى أي مدى سوف تمضي السعودية في أجندة الثورة المضادة" عبر الشرق الأوسط؟ وسواء كانت السعودية بالفعل قادرة على التأقلم مع التغيرات الهائلة الجارية في المنطقة - وليس فقط فيما يرتبط بمطالب التغيير السياسي في عدد من الدول العربية، ولكن من الناحية الجيوسياسية، وكذلك - هو سؤال حقا عميق وهام. لتفكيك ذلك، من المفيد أن نلقي نظرة تاريخية على االعربية السعودية واستراتيجية الأمن ال?ومي التقليدي الخاصة بها.

على عكس ايران وتركيا، فإن العديد من الدولة العربية ليست، داخل حدودها الحالية، دولاً (طبيعية). معظم هذه الدول، في الواقع، هي من صنع القوى الاستعمارية، على الأقل داخل حدودها الحالية - على سبيل المثال، العراق، الأردن، لبنان، سوريا، ودول مجلس التعاون الخليجي الصغرى تخضع مجتمعة لهذا القانون.

العربية السعودية ، مثل مصر ، هو استثناء هام لهذا التعميم. ولكن، على النقيض من مصر، فإن المملكة السعودية ليست تاريخياً دولة "طبيعية". فقد تم بالتأكيد إنشاء الدولة السعودية، ولكن من قبل جهات محليّة، وليس من الخارج.

المملكة السعودية هي نتاج تحالفات وحروب قبلية ضارية، وتستمد شرعيتها من إيديولوجية ولدت محلياً – تلك هي شكل من الاسلام الذي ناصره آل سعود منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، والمعروف في الغرب بإسم الوهابية، (مع أن العديد من السعوديين يعارضون المصطلح)، والتي وصفها العديد من محاورينا الإيرانيين بالسلفية (على الرغم من أن ذلك فاجأنا حيث أن مصطلحاً عاماً قد ينطبق على المسلمين السنة الذين لا يتبعون الخط الديني المقرر سعودياً). وبسبب ثروتها النفطية الهائلة، برزت المملكة العربية السعودية بوصفها كياناً سياسياَ من نبتة محلية.

منذ توحيد الدولة السعودية الحديثة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، توجّهت المملكة صوب الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الأمني الخارجي الرئيسي. هناك سببان رئيسيان لاصطفاف السعودية مع واشنطن: أمريكا ليس لديها تراث من التشابكات الاستعمارية في الشرق الأوسط، وأنها ليست بريطانيا. يعتقد بعض الأمراء، على الأقل حتى يومنا هذا، ذلك، ولكن بالنسبة للبريطانيين، فإن آل سعود يسيطرون الآن على على شبه الجزيرة العربية بأكملها، بما في ذلك الأراضي المحتلة الآن من قبل الدول الصغيرة في الخليج العربي. وفي الثلاثنيات من ?لقرن الماضي، كان الملك عبد العزيز قلقاً بأن لندن قد تحاول إضعاف حكمه وأن تخضع الدولة السعودية الجديدة بقوة تحت النفوذ البريطاني، جنباً إلى جنب أجنحتها الأخرى البحرينية والكويتية وغيرها من أجنحة الخليج العربي.

السعودية: قلق من تسرب الثورة الى الخليج

وبدا أن الولايات المتحدة كانت أفضل ما هو متاح للتصدي لذلك، ولذلك تلقت شركات النفط الأميركية أول امتياز نفطي رئيسي في المملكة العربية السعودية، في عام 1933. بعد الحرب العالمية الثانية، طوّرت المملكة علاقة عميقة ومتعددة الجوانب الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. في الجوهر،أرادت كل من أمريكا والسعودية التعاون لناحية تحقيق التوازن ضد القوى الخارجية الأخرى التي تسعى إلى توسيع نفوذها في الخليج الفارسي - ولكن، خلال الحرب الباردة، فإن القوة الرئيسية ذات الاهتمام الخارجي لم تعد بريطانيا، لكن الاتحاد السوفياتي.

هذا السجل يساعدنا على فهم الأهداف الرئيسية والعناصر الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي الحالية للمملكة السعودية. تريد المملكة أن تكون لها ما يشبه حالة هيمنة في شبه الجزيرة العربية، وفي الوقت نفسه، انها لا تريد دولة أخرى إقليمية تحقق ما يمكن أن تراه هيمنة على الشرق الأوسط ككل. وحتى فترة ما بعد الحرب الباردة، أراد السعوديون رؤية علاقتهم مع الولايات المتحدوة باعتبارها الضامن النهائي لأمنهم وبقائهم.

اليوم ، هذه الاستراتيجية في أزمة على جميع الجبهات - والسعوديون لا يتعاملون معها بشكل جيد.

هذه الاستراتيجية هي في أزمة، أولا وقبل كل شيء، بسبب تراجع الثقة في الرياض إزاء وثاقة وكفاءة الولايات المتحدة كشريك أمني. هذه الدينامية ليست، في حد ذاتها، جديدة. نمت المملكة وبدرجة متزايدة، متوّهمة إزاء مختلف جوانب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط خلال التسعينيات - خيبة الأمل تزايدت بفعل الصدمات المختلفة التي نجمت عن تداعيات هجمات 9/11 التي ألحقت أضراراً فادحة بالعلاقات الامريكية السعودية. (وقد ولّد التشدد المرتبط بالأيديولوجية الدينية التي تروج لها المملكة السعودية على مدى عقود لعدد من المشاكل الأمنية ال?بيرة بالنسبة للولايات المتحدة).

لكن القيادة السعودية - بما في ذلك، على ما يبدو، الملك عبد الله نفسه – غاضبة جداً وغير مستقرة بدرجة كبيرة بسبب ما تعتبره تخلي واشنطن عن الرئيس المصري حسني مبارك. مصر دولة ذات أهمية حاسمة للسعودية -- وانها لم تكن دائما ودية واحدة. أسلاف مبارك، ناصر والسادات، كلاهما تحديا المملكة السعودية، بطرق مختلفة تماماً ولكنها قوية. والآن، حيث أن النظام السياسي المصري، والتوجّه الذي يترتب على ذلك حتى من الناحية الاستراتيجية للمملكة السعودية، هو مرة أخرى لقمة سائغة. لذا، في حين اتجهت التقييمات الغربية لانتقاد الرئيس أوبام? وإدارته لكونها بطيئة للغاية في دعم "قوى التغيير" في مصر، فمن منظور سعودي فإن إدارة إدارة أوباما رمت مبارك بسرعة كبيرة جداً، وهدرت الفرص لدعمه في دحر أولئك الذي يطالبون برحيله.

على الصعيد الإقليمي، أزعج السعوديون من خلال ما يرون من موجة متصاعدة من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وقد كان حلفاء الجمهورية الاسلامية يفوزون، سياسياً، في أماكن رئيسية -- العراق ولبنان وفلسطين. تاريخياً، لم يكن السعوديون مشجّعين لفكرة العروبة. ولكن، في السنوات الأخيرة، شجب كبار الأمراء السعوديين، مع تزايد تواتر، على نحو تهديدي مابات يعرف بالدعوة الايرانية "التدخل" في "الشؤون العربية". والآن ، مع ربيع العرب، يحذّر السعوديون من أن نفوذ الجمهورية الاسلامية والقوى السياسية الصديقة ستتصاعد بشكل كبير. ي?دو السعوديون أكثر انزعاجا إزاء العواقب الجيوسياسية المحتملة لهذه التطورات -- على سبيل المثال ، احتمال كبير أن مصر ما بعد مبارك سوف تتمتع بعلاقات حسنة مع الجمهورية الاسلامية.

ذلك، حيث أن الدولة السعودية ترى نفسها على نحو متزايد "مطوقة" من قبل العديد من التهديدات المتزايدة، فإن قادة السعودية يضاعفون الإتكاء على أسس إستراتيجية الأمن القومي التقليدية - القوة العسكرية لضمان هيمنتها على شبه الجزيرة العربية، واستخدام الأيديولوجية الدينية لإثار القلق الطائفي حول تأثير صعود الشيعة، ووضع موارد مالية ضخمة على الطاولة (على سبيل المثال ، 30 مليار دولار في البحرين) لتحقيق أهدافها. وينعكس هذا بوضوح في نهج استجابة المملكة للأحداث الأخيرة في البحرين، والتي بلغت ذروتها في إرسال القوات العسكرية ?لسعودية لقمع الاحتجاجات الشعبية هناك.

لكن البحرين ليست المكان الوحيد في المنطقة حيث يمكن تلمّس الثورة السعودية المضادة. كانت المبادرة السعودية حاسمة لتحقيق تأييد الجامعة العربية لناحية التدخل العسكري الدولي في ليبيا. يتصاعد ذلك الى حد تأييد السعودية لتغيير النظام القمعي في دولة عربية أخرى. تغيير النظام في البحرين هو أمر غير مقبول، ولكن موافق عليه في ليبيا - الشيء الرئيسي هو ان السعوديين قد أكدوا من جديد قدرتهم على استدراج الولايات المتحدة إلى جانبهم في النزاعات الإقليمية (في إسرائيل تلك التي لا تتخذ موقفاً على خلاف مع السعوديين).

تقدير واشنطن لمشاعر القلق السعودية قد يثبت تقريباً بقدر واهٍ لإحتمال أن تقوم الولايات المتحدة بتعديل ضروري وخطير لسياساتها في الشرق الأوسط كتقدير واشنطن لإسرائيل.

الصفحة السابقة