بعد رشوة اليمامة..

فساد بطله: الحرس الوطني

ضع علامة استفهام كبيرة حول أي صفقة تجارية، مدنية أو عسكرية بين آل سعود وأي دولة أخرى،
فكل صفقة هناك حارس غير أمين بداخلها هو الرشوة!

محمد السباعي

الجشع لا حدود له في مملكة آل سعود، ويزداد ضراوة كلما وجد منفذاً في قانون، أو في بيئة سياسية وتجارية فاسدة، وفي كل الأحوال إنهم آل سعود الذين فسدوا وأفسدوا القريب والبعيد، فحتى الدول التي تحتكم لقانون وتقوم على الديمقراطية والمحاسبة والشفافية وجد فيها من يمارس نزواته وجشعه خارج الحدود درءاً لأي ملاحقة قانونية، فكثيرون من السياسيين الأميركيين والأوروبيين لديهم حسابات بنكية خارج دولهم لأنهم تورّطوا مع آل سعود في قضايا فساد مالي..وقد لحظنا بعض المسؤولين البريطانيين والفرنسيين فضلاً عن الأميركيين من كشفت فضائحهم، بل من المؤسف أن بعضهم تحوّل الى مجرد (قوّاد) لأمراء سعوديين يجلب لهم النساء ويسهّل مهمات الليالي الحمراء الماجنة.

لاريب أن سؤالاً كبيراً يثار حول السبب الذي يجعل من بريطانيا، وعلى الدوام، مرتعاً خصباً لمثل الطامعين في المال الحرام وبأرقام فلكية. فبالأمس القريب بالكاد أغلق مكتب التحقيقات في الغش التجاري في بريطانيا ملف رشاوى (اليمامة)، والتي أزكمت الأنوف، وظهرت أشكال للفساد غير مسبوقة، من بينها تقديم نساء من الوسط الفني والسينمائي كعربون للأمراء السعوديين من أجل تسيير الصفقة، وشراء طائرة مدنية بمواصفات خاصة للأمير بندر بن سلطان، إلى جانب ملياري دولار حصته من عمولات اليمامة، صفقة القرن في العام 1985 بكلفة بلغت نحو 80 مليار دولار.

يبدو أن ملف الفساد المالي سيكون ملف العصر في ظل زيادة مداخيل النفط، ومن ثم الدورة الرأسمالية التي تسلكها المداخيل، عبر صفقات الأسلحة، ومشاريع البناء، وتطوير البنية التحتية (بناء المطارات، والموانىء والمنشآت الحيوية..)، ما يجعل العمولات ـ الرشاوى قضية حاضرة في كل صفقة تجارية تتم بين السعودية وشركات غربية، وخصوصاً البريطانية بعد أن بدا واضحاً أن الأرقام الفلكيّة للفساد في الخارج لا تأتي إلا من بريطانيا، دون تبرئة الذمة المالية للدول الأوروبية الأخرى..فكلها في فساد ومفاسد آل سعود شريك كامل. إن ما قرأنا عنه من أرقام حول حجم الفساد المالي، والذي بلغ نحو 3 تريليون ريال (نحو 800 مليار دولار أميركي)، وعن 4000 مشروع وهمي، و12 مليار ريال لبناء مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة، وغيرها من المشاريع التي ليس فقط بأنها مشاريع هامشية ولا تلبي حاجات أساسية للمواطنين وخصوصاً في مجال الخدمات العامة، فإنها في الغالب غارقة في الفساد الى حد غير متخيّل، تجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة جداً حول أي صفقة تجارية مدنية أو عسكرية بين آل سعود وأي دولة من دول العالم، فكل صفقة هناك حارس غير أمين بداخلها هو العمولات.

في 29 أيّار (مايو) الماضي نشرت صحيفة (دايلي تلجراف) خبراً يفيد بأن مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير (Serious Fraud Office) فتح تحقيقاً في مزاعم تفيد بأن شركة الدفاع الأوروبي (EADS) أعطت مسؤولين سعوديين سيارات فارهة، ومجوهرات، وحقائب مليئة بالنقود في محاولة واضحة لتسهيلي مرور عقد إتصالات بقيمة ملياري جنيه إسترليني.

ويعتبر هذا العقد (البالغ قيمته 2 مليار جنيه إسترليني) واحداً من أكبر العقود الذي منحته الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة.

موظف سابق في شركة الأيروسبيس والدفاع زعم بأنه تمّ فصله بعد أن أثار مخاوف حول احتمال أن تؤدّي الرشاوى إلى تغيير الأيدي. الليفتانت كولونيل فوكسلي، موظف سابق في (GPT)، وهي شركة تابعة لـ (EADS) كان قد أبلغ مكتب التحقيقات في الغش التجاري الخطير بأن مسؤولين سعوديين حصلوا على الهدايا عن طريق وسطاء.

وأكّد مصدر قريب من مكتب التحقيقات في الغش التجاري بأن ثمة تحقيقاً أوّلياً يجري، وأن الليفتانت كولونيل فوكسلي قيل بأن جرت مقابلته من قبل المحقّقين. (ولأسباب تتعلق بالسريّة، فإن مكتب التحقيق في الغش التجاري لن يكون قادراً على تقديم أي تصريح علني، ولكن في حال تمّ تقديم الإتّهامات، أو إعتقال أي متّهم فإن ذلك سيصبح علنياً بسرعة للغاية)، حسب قوله. وقد رفض مكتب التحقيقات في الغشق التجاري التعليق على ذلك.

وزارة الدفاع، التي ساعدت في تنسيق هذا العقد، تعاونت مع مكتب التحقيق في الغش التجاري في التحقيق. (نحن نحمل تلك الإدعاءات على محمل الجديّة البالغة، وننظر إليها بإهتمام بالغ. وسيكون من غير المناسب التعليق أكثر فيما لاتزال العملية جارية)، كما قال متحدّث بإسم وزارة الدفاع البريطانية.

وقد يقدح التحقيق شرارة مشكلة دبلوماسية أخرى، كونها تعيد إحياء الذكريات الخاصة بالتحقيق السابق في دعاوى تفيد بأن شركة أنظمة بي أيه إي دفعت رشاوى للأمير السعودي ـ بندر بن سلطان ـ للمساعدة في تأمين صفقة الأسلحة بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني.

مكتب التحقيقات في الغش التجاري كان يحقّق في مزاعم أن شركة بي أيه إي، وهي واحدة من أكبّر مصنّعي الأسلحة في العالم، أدارت مالاً فاسداً بقيمة 60 مليون جنيه إسترليني، لتقديم الحلويات للمسؤولين من السعودية في مقابل عقود.

عقد الإتصالات بقيمة 2 مليار جنيه إسترليني، وهو واحد من أكبر العقود التي منحتها الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة، كان لتطوير أنظمة البث الفضائي والإنترنت للحرس الوطني، البالغ عددهم 125 ألف وهي القوة المكلّفة بحماية العائلة المالكة.

وتم منح العقد لشركة (GPT) إدارة المشاريع الخاصة المحدودة، والتي تعود ملكيتها الى (Paradigm Services Limited)، والتي بدورها مملوكة من قبل (EADS). الناطق بإسم (EADS) قال بأنها تجري تحقيقها الخاص وأنها على معرفة بالإدّعاءات التي أثيرت من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري.

من جهة ثانية، ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) في عددها الصادر في الأول من يونيو الجاري بأن مكتب التحقيقات ينظر في دعاوى تفيد بأن وحدة من شركة (يوروبيان إيروناتيك ديفينس أند سبيس) المعروفة بإسم (EADS) قدّمت رشاوى لمسؤولين سعوديين للفوز بعقد بعدّة مليارات من الدولارات، حسب ما قال شخص على معرفة مباشرة بالتحقيق في 31 مايو الماضي.

وتضيف الصحيفة بأن مكتب التحقيق في الغش التجاري يبحث عن المزيد من المعلومات حول إدّعاءات بأن وحدة (EADS) سلّمت سيارات، ومجوهرات، وأموال نقدية للفوز بعقد بقيمة (2 مليار جنيه إسترليني)، لتطوير أنظمة الفضاء التابعة للحرس الوطني السعودي، حسب قول المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته لأن التحقيق مازال في مرحلة مبكرة.

ولفتت الصحيفة إلى أن (GPT)، ومقرّها في الرياض، السعودية، مملوكة من قبل شركة بريطانيا (برادايم سيرفيسيس)، المملوكة بدورها لشركة (EADS)، من أكبر المتعاقدين التسليحيين في أوروبا، وهي الشركة الأم لإيرباص.

(فقد تمّ تقديم دعاوى محدّدة، وجرى التحقيق فيها بصورة صحيحة) حسبما يقول المتحدّث بإسم (EADS). لم يكن هناك أي إجابة من قبل المكتب الصحافي التابع للسفارة السعودية هنا.

وقد جاءت الدعاوى عقب أكثر من عام على موافقة كل من بي أيه إي سيستمز، أكبر متعاقد عسكري في أوروبا، وغريمه (EADS) على دفع 450 مليون دولار كغرامات في الولايات المتحدة وبريطانيا لتسوية التحقيقات حول رشاوى محتملة لكسب عقود.

التحقيقات، التي مضت لسنوات، سلّطت الضوء على صفقات الأسلحة في السعودية، وجمهورية التشيك، وهنغاريا. وقبل الإقرار بالذنب كجزء من التسوية، أنكرت بي أيه إي سيستمز مراراً أي شعور بالذنب.

التحقيقات الأولية من قبل مكتب التحقيقات في الغش التجاري في معاملات بي أيه إي سيستمز قد تسبّبت في مشاكل دبلوماسية للسعودية وبريطانيا.

الحكومة البريطانية التي كان يقودها رئيس الوزراء حينذاك توني بلير، مارست ضغوطات على مكتب التحقيق في الغش التجاري لوقف التحقيق في 2006، على قاعدة أن ذلك سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالتعاون الاستخباري بين بريطانيا والسعودية في الصراع ضد القاعدة.

وقف التحقيق جرى رفضه في المحكمة من قبل مجموعتي محاماة، وقرّرت المحكمة العليا في بريطانيا في 2008 بأن إسقاط القضية كان غير قانوني.

وذكرت الصحيفة بأن بريطانيا تعمل حالياً على إعادة النظر في قانون الرشى الذي من المتوقّع أن يدخل حيز التنفيذ هذا الصيف. تغييرات صغيرة يفترض أن توضّح ماهو مسموح وغير مسموح للشركات فعله لكسب مشروع تجاري. ولكن جادل بعض المحامين بأن القوانين أيضاً كانت غير واضحة حول الشركات الأجنبية التي ستخضع للقوانين.

الصفحة السابقة