محاولة اغتيال نايف.. حقيقة أم ادّعاء؟

يحي مفتي

التساؤلات حول ما سمي بعملية اغتيال الأمير نايف وزير الداخلية في حدث وقع في الساعات الأولى ليوم السبت 6/8/2011، لاتزال كثيرة.

فنحن ابتداءً نتعاطى مع قضية تخصّ وزارة الداخلية، ووزير الداخلية نفسه. ومثل هذه القضايا عوّدتنا وزارات الداخلية العرب على أن يكون الإعلان عنها مجرد أداة لتضليل الرأي العام المحلي، ولتسويق وجوه وأفكار وخطط سياسية ضمن اتجاهات مراكز القوى في البلد، أو لضرب جهة سياسية ما باتهامها أنها وراء عملية اغتيال أو ما أشبه. من هنا علينا الحذر حتى في مسألة قبول حقيقة أن هناك محاولة اغتيال قد وقعت، فقد تكون القضية في سياق مختلف تماماً وأريد منها الإستثمار السياسي.

المسألة الأخرى في قضية محاولة اغتيال وزير الداخلية المزعومة، تتعلق بالمستهدَف نفسه. ففي العام الماضي كان المستهدف محمد بن نايف، ابن وزير الداخلية، وهو الرجل الذي يدير الداخلية فعلياً، وقيل ما قيل عن تلك العملية، حيث فجر المنتحر نفسه بحضور محمد بن نايف الذي لم يصب سوى بأذى قليل، حيث ذهب للمستشفى وزاره الملك عبدالله نفسه هناك. الآن تأتي المسألة ـ وبعملية مخففة جداً، وخارج أيّ مبنىً ـ لتستهدف موكب لوزير الداخلية في أحد شوارع جدة كما قيل، فيما كان الوزير يهم بالدخول الى قصره، ومنفذ العملية هو خضر الزهراني، قالت السلطات أنه من المطلوبين لديها.

في كلتا المحاولتين فإن القائمين عليهما ينتمي الى المنطقة الجنوبية من حيث المكان، وينتمي الى المذهب الوهابية من حيث الأيديولوجيا. وللعلم فإن المنطقة الجنوبية هي المنطقة الوحيدة المحتلّة من مملكة نجد التي حققت فيها الوهابية اختراقاً أيديولوجياً مذهبياً لكنه ارتدّ عليها، كما توضح ذلك عمليات القاعدة التي ينتمي الكثير من عناصرها الى أفراد من الجنوب، وبالتحديد من قبيلتي الزهارين وغامد.

صورة لنايف نشرت بعد
ما أعلن عن محاولة اغتياله!

لكن السؤال الحقيقي هو:

لماذا لم تنجح القاعدة في قتل أيّ أمير، أو وزير أو مسؤول؟

ثم السؤال التالي:

لماذا يكون المقصود بالإستهداف من الإغتيال ـ حسب معطيات وزارة الداخلية: الأمير نايف وابنه محمد دون غيرهم من الأمراء من ذوي المسؤوليات؟

في السؤال الأول، المتعلق بموقف قاعدة جزيرة العرب بموضوع الإغتيالات وتبنيها كسياسة؛ يمكن القول هنا، بأن القاعدة بشكل عام لا تستثني أية وسيلة في قتالها لأعدائها بما في ذلك قتل المدنيين، وحرق جثث الأعداء، وذبحهم بالسكاكين، وغير ذلك من بشاعات، ما يجعل المراقب ـ ومن حيث الرؤية العامة لتصرفات القاعدة ـ لا يستبعد استخدام وسائل الإغتيال والتفجير والإنتحار لتحقيق الهدف.

لكن الذي حدث هو خارج إطار المنطق الى حدّ بعيد. فمع أن قاعدة جزيرة العرب فجّرت وقتلت العشرات من المواطنين والأجانب المدنيين في عدد من المدن السعودية، وربما تقصدت بعض رجال الأمن بالقتل بشكل جانبي وهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة من حيث الأهمية، كالمعذبين أو شرطة عاديين.. مع هذا، ومع وجود نحو عشرين ألف أمير وأميرة في السعودية، فإن أيّاً من هؤلاء لم يصب بأذى، ولم يتعرّض لا لعملية قتل ولا اغتيال ولا اختطاف، ولا هم يحزنون!

هل كان هذا تعفّفاً من رجال القاعدة؟

أم كانت هناك حواجز أخلاقية أو دينية لدى منتسبيها؟!

أم كان الطيف الوهابي الذي تنتمي اليه القاعدة لا يميل الى هذا النوع من الأعمال حتى مع حلّيتها من وجهة نظرهم؟!

أياً كان السبب، فهذا تساؤل، قد يطرحه البعض على شكل اتهام بأن القاعدة وهي في أوج عنفها، فإنها تقصدت الأفراد العاديين، ولم تتقصد المسؤولين السعوديين من الأمراء ومن هم على شاكلتهم، ما يشي بأن العائلة المالكة كانت تمتلك أدوات قوية داخل القاعدة الى حدّ استخدامها لصالحها أو في الحدّ الأدنى تغيير وجهات عملها واستهدافاتها، تماماً مثلما فعلت الداخلية عبر عناصر دينية، طالبت عناصر قاعدة جزيرة العرب بأن تجاهد خارج السعودية، وبالتحديد في العراق، وهذا ما قاله رئيس مجلس القضاء الأعلى حينها الشيخ صالح اللحيدان، وهذا ما عمل عليه صراحة، وباعتراف قيادات من القاعدة في الداخل السعودي، من أن عدداً من الشخصيات الدينية وبينهم سفر الحوالي قبل إصابته بالجلطة، وناصر العمر، كانا يحثّان ـ بأمر وزير الداخلية ـ عناصر القاعدة الى الذهاب الى العراق والقتال هناك. وقد أصدرت قاعدة جزيرة العرب يومها بياناً فضحت فيه هؤلاء بالأسم ورفضت موقفهم. لكن هذا الرفض لم يشمل كل العناصر، بدليل أن عناصر كثيرة تسربت الى العراق وقاتلت وقتلت فيه، بل أن مفتي قاعدة جزيرة العرب قُتل في العراق بعد أن أُقنع بأن ميدان عمله ليس السعودية، ولا الهدف هو ضرب حكم آل سعود ولا شخصياتهم!!

صورة لمحاولة اغتيال محمد بن نايف العام الماضي

ومن جهة استفادة آل سعود للقاعدة وعملياتها ضد الخصوم، هناك عشرات الأدلة:

مثلاً، جرى الإتفاق مع ابن لادن وتركي الفيصل رئيس الإستخبارات السعودية (بعد تفجيرات عام 1995) بأن يضرب الأول في أي مكان يريد، ولكن عليه أن يتجنب القيام بأي عمل عسكري داخل السعودية، وهو ما كشف عنه الأميركيون منذ سنوات.

ومن الأمثلة: التمويل والتشجيع للقاعدة لتقصّد العراق وقتل المدنيين هناك في عمليات انتحارية حتى ضجّ الأميركيون حلفاء السعودية، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن لامت سوريا وحملتها المسؤولية، والحقيقة فإن الطرفين كان مشتركان في الأمر.

وقد سبق أيضاً أن لاحظ الأميركيون أن القادة الأساس في قاعدة الجزيرة العربية، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف العييري، قد تم اطلاق سراحهم بعد انفجار الخبر عام 1996 لتضليل المحققين، وتوجيه الإتهام الى الشيعة، وهذا أمرٌ أيضاً كشفت عنه الوكالة الأميركية للأنباء في تحقيق مطوّل ومفصل عام 2009.

ومن الأمثلة استخدام السعودية لقاعدة اليمن ضد الحوثيين ففشلوا، واستخدموها ضد حماس في انقلابهم الشهير في رفح، حيث التمويل السعودي، وحيث السلاح الذي كانت تمرره مصر لهم.

وقبل ذلك كانت هناك فتح الإسلام التي كان الحريري يمولها من أموال دفعها رئيس مجلس الأمن القومي الأمير بندر بن سلطان، وكان الغرض تهيئتهم لحرب حزب الله، لكن السحر انقلب على الساحر.

واليوم تستخدم السعودية القاعدة في سوريا وفي ليبيا بتغاضٍ من الغرب، ليعملا معاً على إسقاط القذافي وبشار الأسد.

وللتذكير فإن السعودية تقدّم المعلومات الكثيرة عن القاعدة (وليس كل المعلومات) الى أجهزة الإستخبارات الغربية، لتقول بأنها تتعاون في مكافحة الإرهاب، وبغض النظر عن طبيعة المعلومات فإنها تكشف مدى النفوذ لوزارة الداخلية السعودية وأجهزتها داخل القاعدة نفسها. ولعلنا لازلنا نتذكر كيف أن السعودية أبلغت أميركا بشأن الشحنات التي ترسلها القاعدة من اليمن الى اميركا وهي تحوي متفجرات، وذلك في العام 2010.

وإزاء مثل هذه السوابق، كان صعباً على كثير من المراقبين أن يتقبلوا رواية وزارة الداخلية بشأن محاولة اغتيال محمد بن نايف التي جرت في العام الماضي، خاصة وأنه لم يصب بأيّ أذى تقريباً؛ مع الإعتراف مسبقاً بأنه لا يمكن التنبّؤ بمسار عمل القاعدة تماماً. ومن الصعب أكبر اليوم تقبّل الرواية أو التسريبات الرسمية بشأن محاولة اغتيال وزير الداخلية.

لكن رفض الرواية الرسمية، أو بالأصح رواية وزارة الداخلية، بحاجة الى تفسير ما.

لا يخرج الأمر في مسائل الإغتيال المزعومة عن رفع شأن وزارة الداخلية ووزيرها وابنه.

هناك رسالة الى المواطن تفيد بالتالي:

ـ ضرورة استمرار الخيار الأمني الذي ينهجه الأمراء. فلا إصلاح سياسي في البلاد، بل قمع مستدام. هناك حاجة بين فترة واخرى لتبرير القمع داخلياً وخارجياً. وهناك حاجة ماسة لتبرير الإختناق السياسي وخروقات حقوق الإنسان: إنها القاعدة! الفزّاعة التي صار كل من هبّ ودبّ يستخدمها لأغراضه.

ـ ضرورة أن تتبوّأ وزارة الداخلية ووزيرها الأمير نايف المكانة اللائقة بها كونها حامية النظام والعائلة المالكة. وبالتالي فإن هناك تذكير بخدمات الأمير نايف، وابنه؛ وتأكيد على أن الدولة بيديهما تكون محفوظة آمنة.

ـ محاولة تثمير حوادث الإغتيال المزعومة سياسياً برفع مكانة وزير الداخلية وابنه، كيما يتوليا مناصب أرفع في سلك الدولة. بالنسبة لنايف فإن الإعلان عن استهدافه يراد منه رفع شأنه من أجل أن يصبح ملكاً عمّا قريب.

وملخص القول، بأن محاولة اغتيال نايف الأخيرة، حتى لو صحّت، فإنها لا تلغي المعطيات التي ذكرت أعلاه.

الصفحة السابقة