دولة المفترين

في العائلة المالكة، كلٌ يكذب على شاكلته، وهو عند الناس من المفترين، فأمير مثل سلطان يتفجّر الكذب من بين جوانبه، حتى عدّ عند المطلّعين على أحواله كبير المفترين، فهو إن كذب يكاد يبزّ من سبقه ومن لحقه من العالمين، من الجنّة والناس أجمعين. ولفرط سيولة الكذب على لسانه، فإنه يكذب ولا يلتفت لردود الفعل، وما إن كان الأمّة قد أستقبلت كذبه بقبول حسن أم ردّته عليه. فقد كذب ذات تصريح بأن المملكة ستوفّر فرصاً وظيفية تتجاوز الأفراد المؤهّلين للإنخراط في القوى العاملة. بمعنى آخر، ستكون هناك وظائف تكفي للشباب الباحثين عن فرص وظيفية، وقد تضطر المملكة لتوزيع باقي الوظائف على الدول التي تعاني من البطالة. حسناً، مرّت السنون، ودخل الأمير في أكثر من غيبوبة كان آخرها في رمضان المبارك، والكذبة بقيت على حالها..

لقد ذكرنا سابقاً حفلة التكاذب المستمرة بين الأمراء، فهم لا يكذبون على المواطنين (بلا وطن) فحسب، وإنما هي عادة جبلت عليها العائلة فيما بينها، فكل مجالس الأمراء عامرة بـ (الأكاذيب). تبدأ حفلة التكاذب من تبادل السلام والتحيّات والسؤال عن الأحوال والصحة وسبب الغياب، ثم تنتقل الى الحرص على متابعة الشؤون الخاصة، وصولاً الى الوعود الفارغة (أريد أشوفك، عندي موضوع معاك)..هذه كلها تجري في مجالس الأمراء فيما بينهم، أما بينهم وبين الناس فحدّث ولا حرّج.

نقل أحد العارفين بشؤون الديوان الملكي، أن الملك لم يفِ بوعد واحد قطعه على نفسه منذ تولّيه السلطة في نهاية أغسطس 2005. طبعاً هو لا يتحدّث عن الأمور الصغيرة، المتعلّقه ببناء جامعة أو مدينة رياضية، أو مشروع توسّعة، وإنما حديثه يتعلّق بالموضوعات ذات البعد الوطني يبدأ بتنفيذ مقرّرات الحوار الوطني التي بقيت زيفاً على وهم، ومعالجة مشكلة الفساد المالي والإداري، وصولاً إلى تنفيذ أجندة إصلاحية فاعلة، يشرع أبوابها خروج دعاة الإصلاح وسجناء الرأي والضمير من سجون آل سعود في كل أرجاء المملكة..

الملك هو الآخر كشف عن كونه أحد المفترين الكبار، فهو كذب في بادى الأمر في الاصلاح وحين (فاحت رائحة) الفرية، قرّر سحبها من التداول. ولمن نسي ما قاله الملك لبعض اليساريين العائدين الى الديار بعد موت فيصل 1970، نذكّرهم بعبارته لهم وهم في مجلسه: لستم وحدكم الشيوعيين، فأنا أيضاً تصفني الصحف الأميركية بأنني شيوعي. وحين اجتمع معه الإصلاحيون في مجلسه لتقديم عريضة (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) في يناير 2003، قال لهم (رؤيتكم هي مشروعي)!

في جلسة خاصة مع الأمير نايف وزير الداخلية، الذي يوصف بأنه بارع في الكذب وفنّان في الإفتراء، بدا وكأنه عروبي من الطراز الرفيع وأنه ضد الأميركيين، حيث خاطب محدّثه بأن الأميركيين لا يحبونني ولا يحبون أخي الأمير سلطان، ولكن، وهنا رفع إصبعه في حركة مسرحية متقنة نحو السماء وقال: ولكن الله معنا! طبعاً الأمير نايف قال ذلك قبل أن تكشف وثائق ويكيليكس العلاقات الوثيقية والحميمية و، و، و، والقذرة مع الولايات المتحدة، ومع الأجهزة الأمنية فيها على وجه الخصوص، والتي بدا فيها الأمير وإبنه على استعداد لتسليم البلاد للأميركيين لقاء البقاء في السلطة.

طبعاً هناك من يسأل عن مناسبة الكلام عن افتراءات الأمراء، وهي ليست بجديدة، فلماذا تثار الآن في وقت تواجه الدولة السعودية تهديدات من إيران واليمن والقارّة الأفريقية، على حد قول الأمير نايف. المناسبة أيها القرّاء الأعزاء ما ذكره الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، رئيس نادي الهلال بالرياض، على حسابه الشخصي في تويتر حيث قال في 5 سبتمبر الجاري كلاماً هاماً حول العائلة المالكة.

وقبل التعليق على بعض ما قاله الأمير عبد الرحمن، لابد من الإضاءة على الإيجابي منه، فقد ذكر أن عدد أفراد عائلة آل سعود لا يتجاوز 5 آلاف فرد وأن (فيها الطيب والردي مثل أي عائلة)، مع أن من بين المشايخ من قال (لو لم يبق من آل سعود إلا إمرأة لبايعتها)، إيماناً منه بأن آل سعود كلهم للبيعة أهل، لصلاحهم جميعاً.

في أسئلة المتداخلين وأجوبة الأمير وقفة مطلوبة، ليس لما قاله عن المعاملة الخاصة التي يحظى بها آل سعود (طيبهم ورديهم) في الدوائر الحكومية، ولكن هناك سؤال يسترعي انتباهاً خاصاً، لأنه يذكّرنا بكلام مماثل لأمراء آخرين. فحين سئل الأمير: (من يسدد فواتيركم ، ومصاريف رحلاتكم الصيفية، وبما أن ال سعود فيها ردي على قولتك هل الردي هذا ساكن في شقه بالايجار؟).

فأجاب الأمير (أطال الله في أعماركم وقصّر في أعمار الجبابرة): (نعم في من آل سعود ناس ساكنين بالإيجار وعددهم ليس قليلاً، وهذا لا يمنع أن العكس تماماً موجود فكما أسلفت دائما الطيب والردي موجود). أحدّهم علق على كلام الأمير وقال ساخراً (ودي ودي أصدقك طال عمرك لكن قوية قوية) وهذا التعليق مستمد من مسرحية (حامي الديار) بطولة سعد الفرج وخالد النفيسي.

حين تقرأ كلام الأمير عبد الرحمن لابد أن تستحضر كلاماً للأمير الأحمر (سابقاً)، طلال بن عبد العزيز حين قال أن رواتب بعض الأمراء لا يتجاوز سبعمائة ريال! وكلاماً آخر للأمير عبد الإله الذي نفى أن يكون له بيت في الرياض (معقول نقل إلى جدة وما خبّرنا!). وتعليقنا: الله يغربل شيطان معالي حضرة سموّك! لابد أن نعتد على ذلك في دولة المفترين.

الصفحة السابقة