خطوة الملك على طريق المليون ميل!

جلد المرأة وتمثيلها!

محمد السباعي

في اليوم التالي لإعلان الملك عبد الله تمثيل النساء في مجلس الشورى المعيّن ومشاركتهن في نصف انتخابات المجالس البلدية في الدورة القادمة، أعلنت محكمة شرعية بجدة في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي حكماً بالجلد عشر جلدات على شيماء جستنية بعد ضبطها بجريمة قيادة سيارة (ولا حول ولا قوة إلا بالله!) في تموز (يوليو) الماضي، فيما تمّ (ولله الحمد!) إعتقال إمرأة أخرى قبل أن تنفّذ جريمة أخرى بقيادة السيارة!، ما يعتبر تحديّاً للحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، ومخالفة لتعاليم ولاة الأمر من علماء أمثال اللحيدان والبرّاك والبريك.. والبروك وهلم جرا.

جستنية صدمت بالحكم، وقالت بأنها ستطلب الإستئناف، ولكن الملك الإصلاحي للغاية تدخّل وأوقف تنفيذ الحكم، للحيلولة دون إفساد التحوّل التاريخي العظيم في حصول المرأة على مقعد تحت قبّة البرلمان الوطني المنتخب بعد قرن من الآن، وكذلك المجالس البلدية!.

أجهزة الأمن التابعة لوزير الداخلية، زوج مها السديري المعروفة بحبها للتجول في الفنادق والمحلات التجارية في فرنسا بحسب قناة (فرانس 24)، إعتقلت الناشطة في مجال حقوق المرأة مديحة العجروش أثناء قيادتها سيارتها في العاصمة الرياض بصحبة صحافية فرنسية تقوم بتصوير فيلم وثائقي حول النساء في مملكة آل سعود. وصرّحت الصحافية أنه تمّ الإفراج عنها بعد تدخل قنصلية بلادها، كما تمّ الإفراج عن العجروش طبقاً لصفحة حملة (من حقي أسوق) على موقع تويتر. وورد في الأخير خبراً مفاده أن الشرطة طلبت من ولي أمر العجروش التوقيع على تعهّد على أنها لن (تعود لفعلتها الشنيعة وجريمتها الكبرى!) وتقود سيارتها مرة أخرى، إلا أنه لم يتم الإتصال بأحد وطلب منها التوقيع بنفسها ومغادرة مركز الشرطة.

وقادت مجموعة من النساء السعوديات سيارتهن في 16 يونيو الماضي عقب دعوات للتحرك لكسر الحظر على قيادة النساء. وانتشرت الدعوة على موقعي فيسبوك وتويتر لتكون أكبر حملة منذ نوفمبر الماضي عندما اعتقلت 47 امرأة سعودية وتعرضن للعقاب الشديد بعد خروجهن في تظاهرة بالسيارات، وكانت العجروش من بين النساء اللواتي شاركن في ذلك الحدث.

كتبت لاريسا إباتكو في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي تعليقاً على قرار الملك الخاص بتمثيل المرأة في الشورى والبلديات، وقالت بأن مناصري حقوق المرأة لم يكونوا راضين عن ذلك القرار.

ونقلت الكاتبة عن قمر الهدى، إخصائية في السعودية في معهد السلام في الولايات المتحدة، قولها أنه (على خلفية الشهور السبعة الماضية من ربيع العرب، أعتقد بأنهم ـ أي آل سعود ـ ربما شعروا بأن من الضروري القيام ببعض الخطوات التدرّجية لناحية حقوق النساء في السعودية).

مجموعات مناصرة لحقوق الإنسان، منها منظمة العفو الدولية، ذكرت بأن الملك لا يجب أن يتوقف هنا ولابد أن يمنح النساء حقوقاً أخرى، مثل السماح لهن بقيادة السيارة. فليس هناك قانون في السعودية يقول بأن النساء لا تستطعن قيادة السيارة، ولكن على الناس الحصول على رخص قيادة محلية، وأنها لم تصدر مطلقاً للنساء.

ولكن بعض النقّاد قالوا أيضاً بأنه لابد أن يسمح للنساء بالتصويت فوراً، بدءاً من الإنتخابات المحليّة التي جرت مؤخراً، وليس بعد أربع سنوات بالنسبة للمجالس البلدية.

وقد تساءلت الناشطة الحقوقية المناصرة لحقوق المرأة وجيهة الحويدر (لِمَ ليس غداً. أعتقد بأن الملك لا يريد إحداث هزّة في البلاد، ولكن ننظر من حولنا ونعتقد بأنه من العار.. حين لا نزال نتأمل كيف يجب تحقيق الحقوق البسيطة للنساء).

وذكرت هدى بأن فترة الإنتظار قد لا تكون لوجستية فقط ـ لإعطاء الوقت للنساء للتسجيل وتنظيم الحملات الإنتخابية ـ ولكن أيضاً لاختبار مياه المؤسسة الدينية والتعامل مع كل شخص يعارض الخطوة قبل العام 2015.

منال عمر، الإخصائية الإقليمية، والباحثة أيضاً في معهد السلام في الولايات المتحدة، قالت بأن هناك الكثير من مطالب التغيير في المنطقة، ولكن الأمر الملكي كان طريقة في القول (بالرغم من أنكم لا ترونها الآن، فإن هناك خططاً لمثل هذه التغييرات ستأخذ طريقها للتنفيذ).

الاعلان كان حاسماً، ولكن السؤال الكبير كيف سيتم تنفيذه، وهل سيتم تأجيله مع اقتراب العام 2015، حسب قول منال عمر. منال قالت بأنها (خطوة عظيمة، ومرّحب بها بدرجة كبيرة، ولكننا شهدنا غالباً ما تكون اللهجة بعيدة عن الواقع في هذه المنطقة).

وفيما يرتبط بحق قيادة السيارة، قالت عمر بأن هناك معارضة صوتية لهذا الحق، أقل بكثير من حقوق التصويت، (هناك قلة جداً من الناس التي ستنكر أو تستعمل الجدل الديني ضد حق المرأة في التصويت. ومن الواضح أن ذلك داخل الفقه الإسلامي ـ فكل البلدان الإسلامية تقريباً، باستثناء السعودية يمارس فيها حق التصويت بالنسبة للنساء).

وإضافة الى ذلك، فإن عمر تقول بأن النساء الناشطات قد أبلغوها بأن قلقهم الرئيسي هو التصويت، والتمثيل، والحقوق الإقتصادية، وأنهم يصنّفون حقوق قيادة السيارة باعتبارها الأقل في الأولوية.

تقول هدى بأن (إعلان الملك فتح آفاقاً جديدة في البلاد حيث أن لدى النساء أدواراً رئيسية في حقول مثل الطب، والتعليم، وبعض مجالات التجارة ـ ولكن ليس السياسة. غرفة النساء التجارية في السعودية تعتبر الأكثر نشاطاً في تلك المنطقة، ولكن حين يتعلّق الأمر بالسياسة والمجال العام والمشاركة السياسية، فإنهن غائبات).

في نهاية المطاف، فإن إعلان الملك في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي لم يكن سوى خطوة على طريق المليون ميل، لأن ثمة أربع سنوات على الأقل قبل أن تتحقق، إذا لم يصبها داء التأجيل المزمن في هذا البلد، وإذا لم تشهد البلاد تحوّلات (كموت الملك مثلاً)، تفضي إلى سحب القرار، خصوصاً في حال وصول الأمير نايف ـ الخصم المقزز للنفس واللدود لحقوق المرأة ـ الى العرش.

الصفحة السابقة