تطبيل في رحم الغيب

هناك ثلاثة أمور مؤكدة تتعلق بقرار الملك عبدالله اشراك المرأة في مجلس الشورى، والسماح لها بالإنتخاب في المجالس البلدية القادمة.

الأول، أن القرار لم يرض الجناح الأكثر تشدداً في السلطة، وهو الأمير نايف، كما لم يرض الغالبية العظمى من المشايخ الوهابيين النجديين الذين يريدون تطبيق رؤيتهم الأقلوية وتراثهم المناطقي على المناطق الأخرى المتنوعة والمختلفة في التراث والرؤية الدينية. كما أن محاكمة واصدار حكم على إحدى النساء التي قادت سيارتها، وبعد يوم من اعلانات الملك، جاء بشكل مقصود ومتحدّي من الجناح الرافض، حتى يسخف قرارات الملك أمام الرأي العام المحلي والدولي، ويظهر القرار بأنه لا قيمة له، وأن الملك نفسه ضعيف ولا يستطيع أن يفرض ما يريده.

الثاني، أن قرارات الملك بشأن المرأة، جرى تضخيمها الى ابعد الحدود، وقد طار بها الإعلام الغربي الحليف الذي ينتظر من آل سعود ولو تغيراً تافهاً حتى يجعل من (الحبّة قبّة) كما يقول المثل. لقد صدحت فضائيات أوروبا وأمريكا مشيدة بقرارات الملك، واعتبرتها تحولاً عظيماً وتاريخياً وبلغ المديح درجة عالية من الإسفاف. لكن هذه الوسائل (بلعت لسانها) حين ظهر الخبر الآخر، بمحاكمة امرأة لقيادتها السيارة، وإصدار الحكم عليها بالجلد والسجن!

الثالث، المملكة السعودية تتجه أكثر فأكثر الى التشدد، وهذا يعكس طبيعة الحاكمين، والرجل الأقوى في البلاد، والذي سيصبح عما قريب ملكاً وهو وزير الداخلية نايف المتحالف مع أكثر المشايخ الوهابيين رجعية وتشدداً. فمع علم نايف بأن القرار تافه ولا يعني شيئاً ذا بال، إلا أنه لا يريد أن يغضب المشايخ طالما هو يبحث عن دعمهم وعصاتهم التي يقمعون بها الشعب. لقد قال نايف منذ سنوات بعيدة، في فترة حكم الملك فهد، بأن المرأة لن تقود السيارة طالما هو على قيد الحياة!! بالطبع فإن هذا يمكن أن يتغير في حال أصرت النساء بالذات على الإعتراض والتحدي، وقد أبدين تحدياً فعالاً حتى الآن، لكنه غير كاف. ولذا، فإن وصول نايف المتشدد الى السلطة، سيغير على الأرجح قرارات الملك، أي يلغيها، وربما ألغى الإنتخابات البلدية، وحسناً يفعل! ما يجعلنا نرى ذلك هو أن نايف اليوم، والملك حي، لا يمضي قراراته، وهناك عشرات القرارات تم تعطيلها، حتى اشتكى الملك من ذلك علناً.

ان مات الملك قبل عامين ـ موعد التعيين التالي لأعضاء مجلس الشورى ـ فالقرارات ستموت معه ولن تطبق. واذا ما مات بعد عامين وقبل الإنتخابات البلدية، فالمرأة لن تنتخب، وان انتخبت فلن تترشح على الأرجح.

الى ذلك الحين، قد تتغير الأوضاع السياسية بشكل دراماتيكي. وقد يلغي الشعب نفسه هذه القرارات مانحاً المرأة كامل حقها، في غياب الحكم السعودي نفسه.

الصفحة السابقة