قصف إعلامي متبادل

سقوط تفاهم سعودي/ إيراني بشأن البحرين

عبد الوهاب فقي

في بداية سبتمبر الماضي، رشحت معلومات تفيد باتصالات سعودية ـ إيرانية قيل أنها كانت تستهدف إيجاد مخرج للوضع السياسي المتأزم في البحرين، في ظلّ ثورة عجزت قوى الأمن البحرينية مدعومة بالجيش السعودي عن انهائها. تعززت تلك المعلومات بعد الإعلان عن لقاء بين وزيري خارجية البحرين وإيران على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي، واتفاقهما ـ حسب وزير خارجية البحرين ـ على اتخاذ بعض الخطوات التي تعزز بناء الثقة بين الجانبين. وصرح الوزير البحريني بعدها لجريدة الشرق الأوسط السعودية في 29/9/2011 بكلام إيجابي فقال: (أستطيع القول إن هذا الاجتماع كان فاتحة خير، وتصوير هذا الاجتماع ليراه الناس في البحرين وإيران سيكون له أثر إيجابي في تهدئة الأمور في كل مكان). وأضاف الوزير بما يفيد أن البحرين طلبت من إيران تقييد تغطيتها الموجهة للبحرين، مضيفاً أن تحسين العلاقة مع ايران يؤثر على الوضع الداخلي البحريني: (أي انفراجة حقيقية مع إيران ستؤثر إيجابا، الوضع لدينا أصبح حساساً؛ ومن ناحية مذهبية، وهذا أمر تعانيه كل المنطقة، لم تخلقه البحرين ولم يولد في البحرين. وأي انفراجة ستعطي ثقة لأبناء البحرين، لو رأوا البحرين وقوة رئيسية مثل إيران يتكلمان بجدية حول استقرار المنطقة فسيعلمون أننا لسنا في حالة عداء، لأن حالة العداء هي التي تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه داخليا أو بين الدول).

لكن انقلب كلّ شيء رأساً على عقب بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن محاولة إيرانية مزعومة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وذلك في 11 اكتوبر الماضي. فهل كان من بين أهداف الزعم الأميركي تخريب أية تفاهمات إقليمية إيرانية سعودية، سواء كانت بشأن البحرين أو غيرها من القضايا؟ أم هل وجدت الرياض في الإعلان الأمريكي فرصة للتراجع عن التفاهمات على أمل إيجاد حلّ يستأصل المشكلة من جذورها (الإطاحة بنظام الحكم في إيران)؟ أم أن الجناح المتشدد في العائلة المالكة، برئاسة الأمير نايف ولي العهد ووزير الداخلية، أعلن عن فشل التفاهمات بمجرد أن أعلنت واشنطن عن محاولة الإغتيال المزعومة؟

بديهي أن أية تفاهمات في المنطقة بشأن الموضوع البحريني، الذي أصبح شأناً إقليمياً ودولياً بامتياز، لا يمكن أن يتمّ إلاّ عبر محددين رئيسين: الأول، ما يعتبره السعوديون خطاً أحمر ويتعلق ببقاء العائلة الخليفية الحاكمة على رأس السلطة؛ والثاني: ما له علاقة بالأكثرية الشعبية التي تطالب بمشاركة حقيقية عادلة وديمقراطية في السلطة وصناعة القرار. لن يكون هناك مخرج سياسي في البحرين بدون هذا الأمر، وهو ما يدركه الغربيون حلفاء السعودية والبحرين، حتى ولو رأت السعودية والجناح الأكثر تشدداً في سلطة آل خليفة بأن الحلّ الأمني والعسكري يمكن أن يعدّل موازين القوى، أو يلغي حقوق المواطنين البحرينيين في حياة سياسية ديمقراطية.

قوات سعودية تتجه الى البحرين

لقد بلغ الحل الأمني/ العسكري في البحرين نهايته؛ بمعنى أن ما يمكن لذلك الحل أن يقدّمه أثبت أنه محدود، حيث لاتزال التظاهرات والإعتصامات والمواجهات في الشارع قائمة، ولا يوجد في الأفق أنها ستنخفض أو تهدأ؛ بل على العكس من ذلك تماماً. هناك ما يشبه توازن قوى في الشارع بين السلطة والمعارضة الشعبية، ما يفتح الأفق الى حل سياسي، أو الى تصعيد قد يصل الى عسكرة الثورة في البحرين، التي يجمع المراقبون أنها ـ حتى الآن ـ الأكثر سلمية بين كل الثورات العربية.

فشل التفاهمات الإيرانية السعودية، انعكس على الإعلام والتصريحات، بما فيها تصريحات وزير الخارجية البحريني الذي طالب بدعم عربي لمواجهة إيران، فيما ردّت إيران على لسان رئيس الأركان بأن الوقت لم يفت لانتصار الثورتين في اليمن والبحرين!

من يعوّق التوصل الى حلول سياسية؟

هناك إجماع غربي، أي بين حلفاء النظامين الخليفي والسعودي، بأن السعودية تقف في طريق أية حلّ سياسي للأزمة في البحرين، ما لم يتضمن ذلك الحلّ تخفيضاً غير مقبول لمطالب المواطنين الثائرين. إن سقف السعودية للحل محدود، وهي لا تريد أن يقدم النظام الخليفي على أية تنازلات سياسية حقيقية، وأن تجرب القمع المتصاعد بديلاً. والحكومة السعودية تخشى أيضاً من أن أية حلول سياسية حقيقية ستؤثر عليها داخلياً، كما على المنطقة الخليجية كلّها، وكلّما كان النظام السياسي موغلاً في التخلف والتراجع، كلّما كان تأثره بحل حقيقي في البحرين أكبر. ومعلوم أن السعودية هي الأكثر تخلفاً في نظامها السياسي، حتى في أولياته، كانتخاب مجلس للشورى، او انتخاب المجالس البلدية، ووجود دستور، وشيء من الحرية للمجتمع المدني تأسيساً وممارسة.

الغربيون وجدوا أن الخيار السعودي الأمني/ العسكري والذي بدا عدم تحبيذه في مواجهة الثورة يمكن أن ينجح الى حدود، أو يساهم ـ بعد تكسير الثورة ـ في تخفيض سقف المطالب، وبالتالي قد ينتج حلاً سياسياً. لهذا تراجعوا ـ الأميركيون خاصة ـ عن مواقفهم المعارضة تجاه التدخل العسكري السعودي، الذي دعم الجناح الأكثر تشدداً في العائلة الخليفية (جناح رئيس الوزراء)؛ وقد قامت السعودية في الشهرين الأولين لذلك التدخل بتكسير المتظاهرين وإعادتهم الى مدنهم وقراهم وأحيائهم، مع حملة قتل واعتقالات وفصل من الوظائف غير مسبوقة في أية دولة نعرفها (الحديث عن النسبة المئوية).

لكن الشارع البحريني، استجمع قواه من جديد، وأخذ يتمدد في نشاطاته، برغم القمع، وها هو اليوم في وضع الهجوم بعد أن كان في وضع الدفاع. لذلك قلنا بأن الحل الأمني/ العسكري بلغ منتهاه، وأنه لا يمكن فرض هذا الحل على شعب قرر النزول الى الشارع ودفع ثمن التغيير.

الثورة في البحرين

امريكا ودول الاتحاد الأوربي اهتمت بمرحلة ما بعد الحلّ الأمني، وأملت أن يقوم ولي عهد البحرين بتنظيف أوساخ عمّه رئيس الوزراء، وإعادة الحوار المقطوع مع المعارضة (الوفاق تحديداً). لكن خطوات ولي العهد كما الملك، اللذان أرادا هما أيضاً تهشيم المعارضة لتأتي منحنية في مطالبها، لم تنجح، بسبب الرفض السعودي. السعودية لا تقدم للبحرين حلاً أمنياً فحسب، بل غطاءً سياسياً، وتمويلاً ضخماً يعينها في وضعها البائس اليوم. لهذا فإن نسبة كبيرة من القرار السياسي انتقل من المنامة الى الرياض، خاصة وأن من يمسك الأوضاع في البحرين هو الجناح الأكثر تشدداً وموالاة لنظام آل سعود.

جناح ملك البحرين وابنه ولي العهد، دعا الى حوار وطني، وكان مجرد غطاء لكي يتفاوض مع المعارضة، لكن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، أحبطه، حين جمع المئات من المدعوين وفتح عشرات الموضوعات للنقاش، وذلك لتضييع صوت المعارضة، وتغييب النقاش في الموضوع السياسي، الأمر الذي أدى الى انسحاب الوفاق، وفشل الحوار.

وفي موضوع تشكيل لجنة تقصي الحقائق (ما عرف باسم لجنة بسيوني) التي تستهدف إيجاد مخرج للنظام حقوقياً وسياسياً، فإن رئيس الوزراء خليفة يقف لها بالمرصاد، وبالتالي فإن آمال الدول الغربية، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية من التقرير قد لا تتحقق من ذلك.

السعودية تمسك من الناحية الفعلية بمفتاح الحل السياسي في البحرين، ولا يمكن التوصل الى حلّ بدون أمرين:

الأول، تحجيم الدور السعودي في الشأن البحريني، وهذا لا يتم بدون إضعاف الأداة السعودية التي وسّعت من ذلك الدور، وهي وجود قوات سعودية في الأراضي البحرينية.

والثاني، إضعاف الجناح الأكثر تشدداً في الأسرة الخليفية، وإحالة رئيس الوزراء خليفة على التقاعد. ذلك أن أيّ حلّ سياسي لا يمكن أن ينجح وهو في السلطة، لأن الحل السياسي سيكون بلا أدنى شك على حساب سلطاته ودوره.

لقد جرّب الغربيون توجيه بعض الضغط على ملك البحرين وولي عهده، ولكن هذا الجناح رغم تشدده، فإنه لا يمسك بزمام السلطة فعلياً، خاصة ولي العهد الذي جرى تهميشه منذ اليوم الأول لدخول القوات السعودية الى البحرين. كما أن الضغط على رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان، لم يؤت ثماره، لأنه يتحصّن بالموقف والدعم السعوديين.

لهذا، بدأ الغربيون بتوجيه الضغط ولو قليلاً على السعودية، وليس لديهم مخرج غير ذلك. وقد دعا الإتحاد الأوروبي مؤخراً السعودية الى سحب قواتها من البحرين، وهناك نقد واسع بين المنظمات الحقوقية الدولية، وفي مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للدور السعودي التخريبي والمعوق للحلول السياسية للمعضلة البحرينية.

لقد تواطأ الجناح الأكثر تشدداً في السلطة في كل من الرياض (الأمير نايف/ وزير الداخلية وولي العهد) والبحرين (رئيس الوزراء الشيخ خليفة وكذلك وزير دفاعه) لفرض حلول بالقوة العسكرية والأمنية على الأكثرية السكانية في البحرين لا تستطيع أية قوة أن تفرضها عليه. وستثبت الأيام بأن مصير تلك الحلول ستنتهي الى الفشل، رغم كل الدعم الخارجي الذي يتحصل عليه آل خليفة من نظرائهم السعوديين.

الصفحة السابقة