المواطنون يتهكّمون على آل سعود، ويستمتعون بالسخرية منهم

الــطـفـل الـمُــعــجـزة مـغــرّداً فـي (تـويـتـر)

محمد الأنصاري

كان خبراً غير اعتيادي أن يظهر وزير الدولة السابق الأمير عبدالعزيز بن فهد على تويتر. فهو ابن الملك فهد
المدلل، أو كما يلقبه السعوديون بـ (الطفل المعجزة) سخرية واستهزاءً. وهو ـ أي عبد العزيز بن فهد ـ كاد يصبح صاحب الكلمة الأولى في الدولة أثناء إصابة أبيه بالجلطة الدماغية، فنهب من ميزانية الدولة الكثير من الأموال، وسُمي حينها بـ (المبصّم) أي أنه كان يكتب القرارات المالية ويجعل أباه يوقّع عليها! زد على هذا فإن الأمير عبدالعزيز، يعدّ من أثرى أثرياء الأمراء، ويكفي أن نعرف أنه يمتلك يختاً يبلغ ثمنه اليوم نحو 200 مليون دولاراً فقط؛ وهو اليخت الذي كان لوالده، وصار من حصّته. الأمير عبدالعزيز بن فهد، هو آخر الأبناء لفهد، من زوجته المدلّلة هي الأخرى، الجوهرة بنت ابراهيم، وقد ورث عبدالعزيز من أبيه عشرات المليارات، والعديد من القصور ومساحات هائلة من الأراضي، سواء في داخل المملكة أو في خارجها في عدد من البلدان العربية والأوروبية، من بينها قصر في جنيف، محصّن ضد القصف النووي.

لكن مكانة عبدالعزيز بن فهد السياسية تراجعت كثيراً، بسبب موت والده، وبسبب أن هذا (الطفل المعجزة) وفي فترة صعود نجمه، أثار الكثير من الجلبة والغضب عليه من بين الأمراء، وحتى بين أعمامه. أما شعبياً فكان على الدوام مدار تندّر، ومثال الفساد المالي، ويتهم هو وآخرون بسرقة الأراضي ونهب الممتلكات للآخرين خاصة في مكة، ومشاركة الحريري (سعودي أوجيه) في كثير من المشاريع التي أسست لفساد متواصل حتى اليوم. كما أن عبدالعزيز بن فهد متهم بأنه أحد الأمراء الذين كانوا وراء تدمير حياة ملايين من المواطنين بسبب أزمة سوق الأسهم.

أميرٌ مثل هذا، كان ملء السمع والبصر يوماً ما، يظهر على تويتر فجأة، وبرداء إيماني مزيّف، وبتواضع مريب، وهو المشهود له بالإستعلاء.. أمير كهذا، يطلّ على المواطنين الغاضبين في أجواء الربيع العربي، وهم يشهدون الكارثة تلو الأخرى تقع في مدنهم ومناطقهم، فزيادة على الأزمات السياسية، هناك الأزمات الخدمية، وهناك اعتقالات الإصلاحيين ومحاكمتهم أماء قضاء فاسد، وهناك اطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم في القطيف، وكارثة حائل، والذكرى الثانية لكارثة سيول جدّة وغيرها.

حين أطلّ عبدالعزيز بن فهد على المواطنين من خلال موقعه على تويتر، كان التوتر في الشارع السعودي قد بلغ ذروته ففشّ المواطنون غضبهم على العائلة المالكة وعليه، واستمتعوا ـ أيما استمتاع ـ بالسخرية منه ومن نظرائه من الأمراء.

عكس تويتر طبيعة الجو المشحون سياسياً في المملكة، في اتجاهات مختلفة، من بينها:

أولاً ـ احتقان داخل العائلة المالكة

تحوّل موقع تويتر الى منصة تعبير للرأي، ليس فقط للمواطنين المحرومين من وسائل التعبير جميعها، بل وأيضاً الى منصّة للتغيير والحشد السياسيين. وبالنسبة للأمراء السعوديين، فإن عدد المستخدمين منهم لوسائل التواصل الإجتماعي في ازدياد، ولكن أكثر هؤلاء هم من الصغار في المسؤولية والمكانة، عدا الأميرين طلال بن عبدالعزيز، وعبدالعزيز بن فهد. إن إطلال عبدالعزيز بن فهد على المواطنين من خلال تويتر ليس من أجل التعبير الشخصي، فمثله لديه وسائل أخرى عديدة، من قنوات فضائية وصحف ومجلات، وهناك كثير من الصحفيين الطبّالين الذين يمكن أن يوصلوا رأيه، خاصة إذا علمنا أنه يمتلك حصصاً في عدد من القنوات الفضائية، ومن بينها الإم بي سي (وليد الإبراهيم خال عبدالعزيز بن فهد). حتى ولو لم يعبّر الأمير عبدالعزيز عن رأي سياسي من خلال تويتر، ووضع نفسه في مقام (المرشد الديني!) أو تصوير نفسه (كدرويش) تابع للمؤسسة الدينية، فإن أحداً لا يمكن إلا أن يلحظ الرسالة السياسية من هذا الحضور. وقد قالها عدد من المغردين بأن الأمير الذي يفقد مكانته السياسية، يتوجه الى الجمهور. وهذا ـ إن صح، وهو صحيح بنسبة كبيرة ـ قد يشير الى أن بعض الأمراء، وكأنهم يلوحون تجاه بعضهم البعض بمسدس غير محشو بالرصاص، الذي يمكن أن يستخدم في حال تطورت الصراعات داخل العائلة المالكة.

من المؤكد أن إطلالات الأمراء الأخيرة على تويتر، ونقصد الأمراء من ذوي الصفة السياسية والمشهورين، إنما يعكس الإحتقان داخل العائلة المالكة نفسها، والصراع بين اجنحتها، والتجاذب بين أمراء الجيل الثالث، في ظل أوضاع سياسية داخلية وإقليمة تجري كلّها خارج سياق مصلحة العائلة المالكة، وفي غير صالح حلفائها لا في الداخل (العصبة المناطقية والمذهبية المنتفعة منها والمسيطرة على جهاز الدولة) ولا في الخارج (الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، حيث التراجع المريع للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط). لقد أصبحت أدوات التواصل الإجتماعي ليس فقط أداة للتوعية والنضال الشعبي ضد استبداد آل سعود، بل أصبحت أيضاً أداة في الصراع الداخلي بين النخبة الحاكمة.

ثانياً ـ كشف مستوى الأمراء الثقافي

قدّم الأمير عبد العزيز بن فهد ـ بالذات ـ نسخة غير مزورة عن المستوى الثقافي والسياسي للأمراء الحاكمين. فهؤلاء يلمّعهم الحكام وكأنهم آلهة تعبد من دون الله، لا يصيبهم النقص، وأنهم مثقفون مطلعون، وسياسيون محنّكون، وأنهم يمتلكون قابليات وقدرات غير متاحة للعامة من الناس. عبدالعزيز بن فهد، كشف من خلال كتاباته، وهو من الجيل الثالث، الذي يفترض أن يكون متسلّحاً بالتعليم الحديث، بأن الأمراء بتمتعون بضحالة في التفكير، وضعفاً في الثقافة، وقلة في المعرفة، وأنهم بعيدون عن الشعب وتطلعاته ولا يفهمون لغته وكيفية التخاطب معه، وأنهم يلوذون الى الكلام العام، والعبارات الدينية ليضللوا بها الناس، وأنهم يرتدون ثوباً دينياً لا يناسبهم ولا يغطي سوءتهم.

إذا كان هذا هو حال عبدالعزيز بن فهد، فكيف سيكون حال أولئك الذين (تخرجوا من مدرسة الوالد المؤسس؟!). لقد اطلع المغرّدون السعوديون على عيّنة غير مزورة على مستوى من يحكم البلد، وتفاجأ من تلك الضحالة في المعرفة، وأبدى استغراباً واندهاشاً غير مسبوق من التزلف الديني المصطنع، وركاكة التعبير، وعبّر عن كل هذا بسخرية غير مسبوقة من مواطنين يسكنهم الهمّ والغمّ ويتسم فريق كبير منهم بالجفاف وتنقصهم روح الدعابة!

العائلة المالكة جرى تسقيطها بصورة غير مسبوقة ممثلة في شخص عبدالعزيز بن فهد، وتم إزاحة هالة القداسة عنها، ولم تبد لأكثرهم سوى عائلة فاسدة جاهلة ناهبة لخيرات الوطن وجاحدة لحقوق المواطنين. إن كل التنقيص الذي حصل عليه ابن الملك فهد، إنما كان موجهاً للعائلة المالكة كلّها، بملكها وولي عهدها، صغارها وكبارها، فالمواطنون لم يجدوا أمامهم أحداً يظهرون له كرههم للوضع القائم، والسياسات الملكية المتبعة، إلا من خلال عبدالعزيز بن فهد، والى حدّ ما الأمير طلال نفسه، رغم ما عرف عنه من آراء إصلاحية مختلفة عن بقية القطيع الملكي.

ثالثاً ـ المواطنون يكسرون الخطوط الحمراء

حرّض وجود أمراء على تويتر كعبدالعزيز بن فهد المواطنين على كسر العديد من الخطوط الحمراء التي رسمتها العائلة المالكة، وليس فقط كشف عن بعض ما بداخلهم. لقد رأينا شجاعة غير معهودة من المواطنين الذين أخذ العديد منهم يتحدثون بأسمائهم الصريحة. قليل منهم أبدى مراجعة فسحب تغريداته! بعد أن ذهب الحماس، ولكن الأكثرية أبدت رأيها، وبينها بعض الكتاب والصحافيين والمدونين المشهورين، وحتى بعض الشخصيات الأكاديمية والأدبية المعروفة، مثل د. تركي الحمد، الذي كان قاسياً على عبدالعزيز بن فهد، كما على العائلة المالكة نفسها. كان وجود عبدالعزيز بن فهد على تويتر كافياً لشحذ روح الشجاعة في النفوس التي نومها السلطان بعصاه وبفتاواه؛ وقد رأينا في ردود الأفعال على عبدالعزيز بن فهد، أن هناك تحالفاً بينه وبين التيار السلفي الذي أراد كسبه الى صفّه، فأثنى عليه. تحالف الشيخ والسلطان، تحالف الإستبداد الديني والسياسي كان واضحاً في موقعي الأمير طلال والأمير عبدالعزيز؛ مع فارق أن ذوي الميول السلفية كانوا ضدّ طلال وضد المواطنين الذين يدعمون الإصلاح، واصطف السلفيون الى جانب رجال نايف من المباحث (يسمونه البيض في تويتر)؛ أما عبدالعزيز فلأنه ظهر كموالٍ للسلطة القائمة، فنال التأييد مقابل بقيّة أفراد الشعب.

وفي الجملة، فإن هناك حتى الآن ثمانون ألف شخص يتابعون سخافات عبدالعزيز بن فهد على تويتر، بغرض (تنفيه الخاطر) كما يقولون. والأمير الذي لا يجيد الإملاء، ويخطيء في كتابة الآيات، مصرّ على مواصلة الطريق وتقمّص دور الداعية الديني، ولكن لسان حال الأكثرية كما كتب العشرات منهم بطرق مختلفة: (ودّي أصدّقك، ولكن ما أقدر)! البعض يقول بأن الأمير المعجزة، إضافة الى كونه غبي، فهو متبلّد الإحساس، وصار غير قادر على تمييز السخرية من كمّ الأسئلة والإتهامات، والتنقيص وأيضاً طلب (الشرهات)!

من حسن الحظّ، أنه لازال مواصلاً الطريق، رغم النصائح له بإغلاق حسابه. ليت عدداً آخر من الأمراء يجرّبون ما جرّبه عبدالعزيز بن فهد!


الصفحة السابقة