تركيا والسعودية: بداية تحالف أم صراع قادم؟

سعدالدين منصوري

يعرف الجميع أن تركيا ما قبل الأردوغانية كانت وجهتها الغرب منذ نشأة الدولة التركية الحديثة على يد أتاتورك. لم يكن الأخير مهتماً بالعالم العربي (المتخلّف بنظره)؛ وأراد أن يجاري الغرب في كل شيء تقريباً؛ لكن الغرب لم يقبل بتركيا إلا حليفاً (عسكرياً) ضمن الناتو، نظراً لمكانتها الإستراتيجية، وعسكرتاريتها التي اهتمت بأن يكون لها أكبر جيش في الناتو. وقد شارك هذا الجيش التركي في الحرب الكورية في الخمسينيات الميلادية الماضية.

حليف الأمس عدو اليوم

تركيا أرادت أن تكون جزءً من أوروبا. لكن أوروبا رأتها جزءً من المشرق. وعبثاً حاول الأتراك، وبينهم أردوغان اقناع الاتحاد الأوروبي بأن تكون بلاده جزءً منه، إلا أنهم رفضوا بأعذار متعددة: الديكتاتورية؛ القوانين؛ الإقتصاد؛ وضع الأقليات؛ الخ. وحتى مع حلحلة معظم الملفات، إلا ان الغرب رفض تركيا شريكاً، فيما قبل من هو دونها ذلك، كما هو الحال مع البرتغال واليونان بالذات وهما دولتان كانتا تحكمان بالعسكر، وهما ذاتا اقتصاد ضعيف كما هو معروف.

الأردوغانية قرّرت ان تلعب في محيطها الطبيعي، الشرقي، بل قل العربي والإسلامي. أن تعتبر نفسها جزءً منه، ولو الى حين!

فأين تمارس تركيا دورها غير منطقة الشرق الأوسط التي شهدت تصاعداً للدور الإيراني، وخمولاً قيادياً على المستوى العربي، حيث الدول العربية الكبيرة غابت عن المشهد السياسي العالمي لنحو أربعة عقود تقريباً.

السياسة المتطيّفة في الخليج، بزعامة السعودية، حاولت جرّ تركيا ـ قبل الأوان ـ الى لعب دور تهندسه هي ـ أي السعودية ـ بنفسها. إنه دور مواجهة إيران، جارة تركيا، وأكبر الدول تعاملاً تجارياً معها. كان الأتراك مترددين في دخول أحلاف او صراعات طائفية؛ وقد حسمت (الأوغلوية/ نسبة لأوغلو وزير الخارجية التركي) أمر استعادة الدور التركي/ العثماني.

من يثق بالتابع والمتبوع؟

كان أمام تركيا ـ كما هو معلوم ـ معسكران، حاولت النأي بنفسها عنهما. لكنها كانت في فترة ما قبل الربيع العربي الى جانب (معسكر الممانعة منها الى معسكر الإعتدال). استطاع الأسد الإبن ان يفتح صفحة تاريخية في العلاقات مع تركيا. تنازل عن لواء الإسكندرون المتنازع عليه منذ فجر الدولة التركية الحديثة؛ والغى التأشيرات، وفتح الأسواق للبضائع حتى وإن تضررت الصناعة المحلية وأقفلت المصانع السورية أبوابها. والثمن: وقوف تركيا الى جانب سوريا في صراعها مع إسرائيل، التي نالها سخط تركي بسبب سفينة الدعم مرمرة.

هذا الموقف أزعج السعودية بلا ريب. وتناولته صحافتها وإعلامها المحلي والدولي بالنقد والإتهام والسخرية، كما في كتابات الحميد في الشرق الأوسط.

مع الثورات العربية التي ـ أيضاً ـ ترددت تركيا في دعمها ابتداءً، وبدا ذلك واضحاً بالذات في قضية ليبيا؛ انقلبت فجأة الى المعسكر النقيض. فجأة سمعنا خطاباً تركياً وكأنها دولة عظمى، وسمعنا أردوغان يحدد المواعيد ويعلن نفاذ الصبر وأنه حامي السنّة، وهو أمرٌ لم نسمع به من سياسي من قبل حتى من السعودية (بؤرة الطائفية) نفسها. الدخول التركي العنتري على الموضوع السوري بدا وكأنه نزهة: فالأسد ساقط لا محالة، هكذا تصور أردوغان ووزيره صاحب نظرية (تصفير المشاكل!). وإذا بتركيا تجد نفسها في مشكل مع السعودية نفسها، ومع مصر أيضاً. فالدخول التركي على خط السياسة العربية ـ المرحب به شعبياً على مستوى العالم العربي ـ أخاف السعودية من أنها قد تفقد ما تبقى لها من دور، مرّة على يد إيران، وأخرى على يد تركيا، وربما ثالثة على يد مصر ما بعد الثورة!!

وما أقلق السعودية، محاولة تركيا التوسط بشأن الثورة البحرينية، فالبحرين حديقة السعودية الأمامية، واليمن حديقتها الخلفية؛ ولا أحد يجب أن يتدخل في شأن هاتين الحديقتين بدون إذن سعودي!

تركيا المصدومة من رهانها على سقوط سريع لنظام الأسد؛ تلقت تحذيراً ـ وربما تهديداً ـ من موسكو؛ كما تلقت تحذيراً إيرانياً؛ وصدّاً عراقياً؛ ومعاملة بالمثل من سوريا؛ فمقابل المقاطعة التركية الإقتصادية؛ أُغلقت الحدود أمام البضائع التركية التي تزود الخليج؛ ولم تحل المشكلة حتى الآن؛ وفُتحت أسواق العراق لسوريا. بدت السياسة (الأوغلوية) تزيد من حجم المشاكل والأعداء لتركيا الباحثة عن دور (نظيف وغير مكلف) تعيد به عهد (العثمنة).. وإذا بها تطوّق من الجنوب بشكل كامل؛ وتهدد من روسيا؛ ويغضب عليها العرب، الرسميين والشعبيين. الرسميين لأن تركيا تسرق دورهم؛ والشعبيين الذين انتظروا دوراً تركياً مبدئياً، لا مزايدات سياسية فيه ولا طائفية، ولا شعارات وتهديدات ظهر أنها فارغة حتى الآن.

استطاعت واشنطن عبر الناتو، ان تحدد لتركيا دوراً في دعم المعارضة السورية، بما فيها الجيش الحرّ. وترك القرار السياسي للسعودية بالذات، مع البروكر القطري في الواجهة. في موضوع البحرين، وحسب أوغلو نفسه، فقد طلب سعود الفيصل منه، التوقف تماماً عن التوسّط بشأنه. وفعلاً انتهى الدور التركي.

ماذا تنتظر تركيا؟ هناك معوقات لدورها في محيطها. إن تنامي دورها الذي رحبت به طهران، فإنما كان لغرض الوقوف مع الممانعة ضد اسرائيل؛ ولأن الدور التركي اذا ما تأكد في المنطقة فسيكون بيد (عقلاء) ولن يكون على حسابها بل على حساب (الدور السعودي) بوجه خاص؛ ذلك ان مصر ستبقى منشغلة بنفسها فترة غير قصيرة الى أن تستقر في مرحلة ما بعد الثورة وتستعيد دورها.

ترى مالذي حصدته الأردوغانية ـ الأوغلوية من حمل السلالم بالعرض، والدخول غير المتأنّي؟ ربما لا شيء حتى الآن. فقدت بعضاً من رصيدها الشعبي بين العرب؛ وبين الأنظمة العربية؛ كما بين جيرانها العرب وغير العرب.

أرادت تركيا دوراً سياسياً يليق بها، فانتهت الى ملحق أميركي ـ سعودي!

تهانينا!

الصفحة السابقة