سؤال السريّة في التعاون العسكري السويدي السعودي

أسلحة محظورة أم فساد مالي؟

محمد فلالي

أثارت السرية التي أحاطت بالتعاون العسكري بين معهد أبحاث الدفاع السويدي والنظام السعودي لجهة بناء مصنع متقدّم للأسلحة سؤالاً جديّاً حول الأهداف الكامنة من وراء السرية التي أحاطت بهذه القضية، لولا وجود أسباب وجيهة أو أخطار كبيرة تحول دون الكشف عن هذا النوع من التعاون العسكري.

ومن المعروف الآن بعد أن كشف قسم الأخبار في الإذاعة السويدية أن معهد أبحاث الدفاع السويدي كان يضطلع بعملية تعاون تحيطها سرية كبيرة لمساعدة النظام السعودي في بناء مصنع متقدّم للأسلحة، وأن المشروع يعود إلى عام 2007 ويسمى داخلياً في مكاتب الحكومة ومعهد أبحاث الدفاع السويدية بالسموم، وقد وضع قسم الأخبار في الإذاعة السويدية يده على عدد كبير من الوثائق السرية تشير الى تعاون السويد مع السعودية في بناء مصنع متطور للأسلحة.

الجدير بالذكر أن السعودية المصنّفة عالمياً من قبل منظمات حقوق الإنسان وحتى وزارة الخارجية الأميركية بأنها (دولة ذات قلق خاص)، وأنها من أقسى الدكتاتوريات في العالم والمناهضة لحقوق الإنسان وتمنع المرأة من قيادة السيارة، وتقوم بشكل دائم بانتهاك ممنهج لحقوق الإنسان وتمتلىء سجونها بعشرات الآلاف من معتقلي الرأي والضمير، هي هذه الدولة التي لدى السويد تعاون عسكري معها منذ سنوات عديدة وأدى إلى إبرام عديد من صفقات الأسلحة، ليس مع السويد وحدها فحسب، بل مع دول أوروبية عديدة منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا الى جانب الولايات المتحدة، الراعي الرسمي للنظام السعودي والداعم الرئيسي له وضامن حمايته.

ما هو لافت في العلاقات العسكرية بين السويد والنظام السعودي هو دور معهد أبحاث الدفاع السويدي الذي يعمل لمساعدة هذا النظام الشمولي على بناء مصنع للأسلحة، والخطوة الأولى في هذا المشروع هو مصنع للصواريخ في الصحراء، وهو الأول من نوعه في البلاد. صحيح أن العمل لم يبدأ في بناء المصنع بعد، ولكن التخطيط لهذا جارٍ منذ عام 2007. يقول المراقبون بأن مشاركة مؤسسة حكومية سويدية مثل معهد أبحاث الدفاع في التخطيط لمصنع الاسلحة لصالح حكومة ديكتاتورية مثل السعودية هي فريدة من نوعها.

وقد ذكر في إحدى الوثائق السريّة الحكومية أن “المشروع يتخطى حدود ما هو ممكن للسلطة السويدية”. ومشروع ريح السموم كما يطلق عليه، هو سري، وسري للغاية بحيث أن المدير العام لمعهد أبحاث الدفاع السويدي يان أولوف ليند لا يريد الإعتراف بوجوده. حيث قال في تصريح له (لا توجد لدينا اليوم مشاريع وعقود ملزمة مع هذا البلد، لذلك ليس لدي أي تعليق على هذا، لأنه لا يوجد مشروع، قال يان أولوف ليند). وبسؤاله عن ما اذا كان هناك مشروع يسمى مشروع سموم مع المملكة العربية السعودية: جوابي هو كلا. وعندما سأله الصحفي ان كان هذا صحيحاً! أجاب يان أولوف لند: عجباً، ألا تسمع ما أقول؟

ولكن وبمساعدة عدد كبير من الوثائق السرية التي بحوزة قسم الأخبار في الإذاعة السويدية، تمَّ التعرّف على أن خبراء من وكالة أبحاث الدفاع السويدية سافروا الى السعودية لدراسة ظروف التربة حيث سيقام المصنع. وفي وقت مبكر من عام 2008 قدّمت وكالة أبحاث الدفاع السويدية تقريراً أولياً إلى وسيط سعودي مع مهندس مرافق، يصف بالتفصيل كيف يمكن للسعوديين المضي قدماً في بناء المصنع، وأيضاً عن أي الشركات التي تكون قادرة على تسليم المعدات. ووفقاً للوثائق، فإن كلفة المشروع تصل الى عدة مليارات من الدولارات حيث يضم مجمّعاً من 35 مبنى.

وأكّد يان إريك لوفغرين، نائب المدير العام لمفتشية المنتجات الاستراتيجية ISP والمسؤولة عن منح رخص تصدير الأسلحة في السويد، بأن وكالة أبحاث الدفاع السويدية مشتركة في التخطيط لبناء المصنع. حسب علمي فإن هناك شكلاً من أشكال الحوار مع السعوديين، يقول إريك لوفغرين.

الى عام 2010 كان المشروع يدار من خلال ديك سترينغ الذي كان في ذلك الحين أحد المقرّبين الى المدير العام لمعهد أبحاث الدفاع السويدي فبعد عرض الوثائق السرية عليه أكّد بأن المعلومات الموجودة في الوثائق صحيحة. ويقول إن الحكومة كانت على علم تام بالمشروع. وهنا يوجد بطبيعة الحال وثيقة وقع عليها المدير العام، وقدمت إلى الوزارة، يقول ديك سترينغ.

ويذكر أيضاً أن هذا الموضوع تمّ العمل فيه في وزارة الدفاع من قبل الأمين العام للحكومة هوكان يارفيل. ولكنه قال إنه لا يريد الإجابة على أية أسئلة حول المشروع بسبب سريّة الموضوع.

أما وزير الخارجية كارل بيلدت أجاب عن سؤال عن رأيه حول التعاون القائم منذ عام 2007 مع المملكة العربية السعودية بشأن بناء مصنع أسلحة أجاب بالآتي:

- ليس لي رأي بالموضوع. إن معهد أبحاث الدفاع السويدي لا يقع تحت سلطتي والذي أستطيع قوله إننا نظرنا في هذه القضية في وزارة الخارجية بعد استلامنا السلطة في عام 2006، وكان تقديرنا بأن الإتفاقية تمّت حسب الأصول المعروفة من قبل الحكومة السابقة ولم نجد سبباً لنقض الإتفاقية فكانت وفقاً للأصول والمقررات في السويد.

المتحدث بإسم حزب الخضر غوستاف فريدولين تقدّم بشكوى ضد وزير الدفاع ستين تيلي فورش الى لجنة مراقبة الدولة حول مساهمة السويد في بناء مصنع للأسلحة في السعودية وقال بأن تجارة الأسلحة يجب أن تتم وفقا للأصول الديمقراطية في السويد:

(يجب على السويد الوقوف جنباً الى جنب مع الشعوب الشجاعة الذين تطالب بالديمقراطية والعدالة، والحق في إدارة حياتها وبلدانها. لا يجب أن نسلح الطغاة. هذا شيء سيئ بالنسبة للتنمية الديمقراطية في العالم وفي هذه المنطقة، وسيئ على المدى الطويل للمصالح السويدية)، يقول غوستاف فريدولين.

وقد ذكرت الإذاعة السويدية أن وكالة الأبحاث الدفاعية السويدية التابعة للحكومة تساعد السعودية منذ سنوات في مخطّط مشروع سرّي لبناء مصنع أسلحة متطوّر. وذكرت الإذاعة في تقرير لها أنه بدأ العمل على المشروع الذي يحمل إسم (سموم) عام 2007، وذكرت أن الوثائق التي صنّفت بالسرية أو السرية جداً تُظهر أن الشركة السويدية التي أُسّست من أجل المشروع حصلت على الرخص المطلوبة لصواريخ وطوربيدات وغيرها من التجهيزات العسكرية. وقالت إن مصنع الصواريخ في الصحراء، هو الأول من نوعه في البلاد، ولكن لم يبدأ العمل في بنائه بعد على الرغم من أن التخطيط بدأ عام 2007.

وقالت الإذاعة إن جذور المشروع تعود إلى العام 2005 حين وقّع وزير الدفاع التابع للحزب الديمقراطي الإجتماعي ليني بجوركلوند، مذكرة تفاهم مع نظيره السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز. وفي السنوات اللاحقة عقدت سلسلة من الإجتماعات بين مسؤولين وشركات سويدية مع وفود سعودية زائرة. وأشارت إلى أن السويديين إقترحوا مكان إنشاء المصنع لتبيان ما إذا سيكون محمياً طوبوغرافياً أو يجب الحفر تحت الأرض.

وفي عام 2008، قدّمت وكالة أبحاث الدفاع السويدية تقريراً أولياً إلى وسيط سعودي مع مهندس مرافق، يصف بالتفصيل كيف يمكن للسعوديين المضي قدماً في بناء المصنع، وعن الشركات القادرة على تسليم المعدات. ووفقاً للوثائق، فإن كلفة المشروع تصل إلى عدة مليارات من الدولارات حيث يضم مجمعاً من 35 مبنى. وفي العام عينه، وجّه الأمير خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع، رسالة إلى الحكومة السعودية أشار فيها إلى أن تقدّم المشروع بطيء جداً.

وقالت الإذاعة السويدية إنه في الملاحظات من إجتماع عقدته وزارة الدفاع السويدية في 17 آذار/مارس عام 2008 ورد في أحد البنود (كيف نصلح الوضع في السعودية، كامل عمليتنا في المنطقة بخطر).

وأفاد التقرير أنه عام 2009 أنشئت شركة سويدية خاصة هي (الشركة السويدية للأمن التقني والإبتكار) لإبعاد وكالة أبحاث الدفاع الحكومية عن الأنظار، بعد أن أُعتبر أنها تواجه عوائق قانونية للإستمرار في المشروع، ولكنها قالت إن خبراء من وكالة أبحاث الدفاع السويدية سافروا إلى السعودية لدراسة ظروف التربة حيث سيقام المصنع.

وفي وقت لاحق من عام 2008، مُنحت الشركة إذناً لشراء ذخيرة ومكوّنات لصنع صواريخ وقنابل وطوربيدات وغيرها من التجهيزات المستخدمة في صنع الأسلحة من وكالة الحدّ من الإنتشار النووي ومراقبة الصادرات التابعة للحكومة.

وأشارت الإذاعة إنه جاء في إحدى الوثائق أن (المشروع يتخطى حدود ما هو ممكن للسلطة السويدية)، وقالت في تعليق لها إن (مشاركة مؤسسة حكومية سويدية مثل معهد أبحاث الدفاع، في التخطيط لمصنع الأسلحة لصالح حكومة ديكتاتورية مثل المملكة العربية السعودية هي فريدة من نوعها).

وأشارت إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة بين السعودية والسويد ومن المتوقع أن يقوم وفد سويدي بزيارة إلى الرياض قريباً.

غير أن المدير العام لمعهد أبحاث الدفاع السويدي يان أولوف ليند، رفض الإعتراف بوجود المشروع، وقال (لا توجد لدينا اليوم مشاريع وعقود ملزمة مع هذا البلد، لذلك ليس لدي أي تعليق على هذا، لأنه لا يوجد مشروع).

إلا أن عدداً من الموظفين في المشروع أكّدوا وجوده بينهم ديك سترينغ الذي أدار المشروع حتى عام 2010، وأكد بأن المعلومات الموجودة في الوثائق صحيحة، وقال إن الحكومة كانت على علم تام بالمشروع. وقال رئيس الحكومة السويدي فريدريك راينفيلدت، تعليقاً على الموضوع (لا يوجد كما تعلمون طلباً بالديمقراطية حين نوقّع إتفاقات ثنائية).

ما هو جدير بالذكرهنا أن الخضّة التي شهدها الإعلام السويدي من وراء الكشف عن فضيحة التعاون العسكري بين السويد والنظام الديكتاتوري السعودي لم يترك كما هي العادة دائماً أي أثر له في الداخل، وكأن الأمر لا يعني الشعب وهذا يعكس مدى احترام النظام لهذا الشعب الذي ينظر اله لا باعتباره صاحب الحق الأول والأخير عن كل ما يمس أمنه وسلامته وثروته، بل ينظر اليه باعتباره مجرد رعية تابعة، ولذلك يرفض حتى مجرد توضيح ما كشفت عنه الوثائق السرية للاذاعة السويدية.

ندرك من وحي مضامين العقود التسليحية السابقة خصوصاً حين يكون أمراء مثل سلطان، ولي العهد السابق أو أحد أبنائه مثل خالد أو بندر، وليس في تبرئة للأمراء الآخرين مثل محمد بن فهد أو عبد العزيز بن فهد أو متعب بن عبد الله أو باقي الأمراء اللصوص، ولكن هناك أمراء ظاهرون ضالعون بلا مجال للشك في رشاوى فلكية في أي صفقة تسليحية، ولا نشك للحظة بأن الأمير خالد بن سلطان الذي كان الوكيل الرئيسي في هذا المشروع قد ضمن حصة كبيرة من الأموال السريّة في هذا المشروع.

حسناً فعل قسم الأخبار في الاذاعة السويدية حين كشفت عن الوثائق السريّة لمشروع المصنع المزمع بناؤه داخل ديارنا، وهي بذلك تصطف الى جانب وسائل إعلامية أوروبية أخرى كشفت عن التعاون العسكري بين حكومات أوروبية والنظام السعودي الديكتاتوري لا سيما صحيفة (جارديان) اللندنية التي كشفت عن فضيحة رشاوى صفقة (اليمامة) بين النظام السعودي وبريطانيا والتي حصد فيها الأمير بندر بن سلطان ملياري دولار في هيئة رشاوى، وكذلك خالد بن سلطان ومحمد بن فهد وغيرهم، يضاف أيضاً دور القناة الرابعة في بريطانيا التي كشفت في بداية التسعينيات عن فضيحة بيع طائرات التورنادو الى النظام السعودي بضعف الثمن..

إن مسؤولية الإعلام كما المنظمات الحقوقية التعاون الجاد والمتواصل من أجل وقف مشاريع دعم الفساد والديكتاتورية في هذا الجزء من العالم الذي يحاول النأي بنفسه عن الاستحقاق الديمقراطي التاريخي بدعم من القوى المحسوبة على العالم الديمقراطي.

الصفحة السابقة