قلق من نتائج الإنتخابات

الرئاسة المصرية والتغيير المؤلم للسعودية


  • من الخريف الى الشتاء القارس قد يضرب العلاقات السعودية المصرية!

  • السعودية تفضل أزمة مستمرة في مصر على أن يصل الإسلاميون أو القوميون الى الرئاسة!

  • النموذج الإسلامي الذي تقدمه الديمقراطية المصرية، سيكون في أسوأ أحواله،
    أفضل من النموذج السعودي


عمر المالكي

مصر على موعد مع التغيير المؤلم لأميركا والسعودية واسرائيل ـ على الأرجح!

بصدور هذا العدد تكون الإنتخابات الرئاسية المصرية قد أسفرت عن نتائجها، على الأقل في المرحلة الأولى. وعلى هذه الإنتخابات قد تتغيّر أمورٌ كثيرة، بما يطوي صفحة من صفحات النظام القديم، وبما يوضّح بعضاً من معالم الثورة المنتصرة وسياساتها المستقبلية.

لا تريد السعودية اسلاميين في الحكم كيلا ينكشف نموذجها المتخلف

خيارات السعودية، كما الحليفة أميركا وربيبتها اسرائيل صعبة! أصل المعادلة بالنسبة لهذه الدول الثلاث: إما رئيس يواصل مسيرة النظام السابق؛ أو آخر مخالف له تماماً. أي ـ وحسب المصلحة السعودية ـ إما أن يأتي عمرو موسى أو أحمد شفيق (طالما حُرم عمر سليمان، الصديق الوفيّ من الترشح!) فيواصل سياسة مبارك، ويحبط الثورة، وتعود حليمة لعادتها القديمة.. أو أن يأتي شخصية من خارج السيستم ينال شرعيته من الشارع، ويستقي أهدافه من اهداف الثورة المصرية. وبغض النظر عمّن يأتي من الطرف الآخر: صباحي، العوا، مرسي، أو أبو الفتوح، فإن هؤلاء جميعاً ليس مرحب بهم أميركياً ولا اسرائيلياً ولا سعودياً.

لماذا؟

لأن هؤلاء يريدون انتهاج قطيعة مع سياسات مبارك ونظامه، سواء فيما يتعلق بالسعودية، أو بإيران، أو بأميركا، أو بإسرائيل!

السعودية من الناحية العملية ـ وكما ذكرنا في العدد الماضي ـ لا ترحب بأي وجه اسلامي لحكم مصر، وهي الدولة التي تزعم أنها تطبق الإسلام. والسبب: إن النموذج الإسلامي الذي تقدمه الديمقراطية المصرية، سيكون في أسوأ أحواله، أفضل من النموذج السعودي في الحكم، والذي يعتقد رعاته أنه النموذج الأصيل والصافي النقي ـ وإن كان معادياً للديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان!

حتى السلفية والسلفيين الذين دعموا من قبل السعودية طيلة عهد مبارك، وامتطاهم هذا الأخير، وأخرستهم أموال السعودية، نالوا حصّة في الإنتخابات أخافت أول ما أخافت السعودية نفسها، لأن التجربة (السلفية) في المشاركة في الحكم، ستغري سلفيي السعودية باقتفائها. فلماذا يقبل الأخيرون بالدونيّة في العلاقة مع الحاكم في الرياض؛ بينما يستطيعون ـ اعتماداً على الإنتخابات واللعبة الديمقراطية ـ أن يكونوا شركاء محفوظي الكرامة لهم حصّة في الحكم أكبر من أن يكونوا (أداة) وهي المهمة الوحيدة التي يريد آل سعود إبقاءهم لتنفيذها، سواء كان سلفيو السعودية أو غيرها في العالم.

الرياض ترى الأمور أبيض وأسود: الأبيض يمثله عمرو موسى واحمد شفيق؛ والأسود باقي المرشحين. والرياض غير مشغولة بالتفاصيل بل بالإستراتيجيات العامة، وهذا حقّها، ولذا لا يهمّها السيّء والأسوأ من وجهة نظرها، فكلّهم سيئون! وسواء جاء مرشح الإخوان أو ابو الفتوح أو العوا أو صباحي، فإن الخسارة الكبيرة قد وقعت من وجهة نظرها.

هذا مرشح السعودية، وشفيق مرشح العسكر،
وكلاهما مرحب به سعودياً!

لهذا تُبتنى السياسة السعودية، ومنذ اليوم الأول لإسقاط مبارك، على إبقاء النظام المصري البائد بأجهزته ووجوهه إن أمكن. ولو كان بالإمكان ان يفعل الكثير فسيفعل المال السعودي فعلته في الإنتخابات. لكن الشعب المصري، على الأرجح، لن يرشح أحداً من فلول النظام السابق، حتى وإن اجتمعوا في اللحظات الأخيرة للإنتخابات. هو يعلم بأن أي مرشح يرتبط بالسعودية فإنما يرتبط بقوى الثورة المضادة التي تقودها الرياض. ولذا يحرص عمرو موسى وصاحبه شفيق ومن ورائهما العسكر، أن يكون إخراج المسرحية الإنتخابية لائقاً. مع أنه لا يستبعد التزوير في الإنتخابات، وإن عنى فيما عناه استمرار مصر مضطربة.

وجهة نظر الإدارة الأميركية تقول بأن اضطراب مصر أسوأ من وصول رئيس سيئ. اما اسرائيل والسعودية فتريان الأمر معكوساً: إن لم تكن لنا مصر، فلن تكون لأحد! هذا هو منطق السعودية الذي جرّبته في العراق وفي اليمن والبحرين وتجربه الآن في سوريا، وربما تجرّبه في مصر لاحقاً.

لا يبدو من السياسة السعودية أنها تسعى الى تصالح مع قوى الثورة. أو لنقل القوى المخالفة للنظام القديم. لا يظهر أنها فتحت خطوط اتصال بالمرشحين خارج دائرة فلول النظام السابق، ولا يبدو منها مراجعة لمواقفها من القوى التي لا تحبها اليوم، والتي من المرجح أن تأخذ الحكم، أو تشارك فيه؛ ولا خطابها السياسي تغيّر مع القوى السياسية بين ما قبل سقوط مبارك وبين ما بعد قيام الثورة. فلا هي مع القوميين، ولا مع الإسلاميين بشتى توجهاتهم، ولا مع اليسار، ولا مع المستقلّين، ولازالت الماكنة الإعلامية السعودية ومنذ عقود تشتم كل هذه الأطراف بأسمائها. هذا ليس فعل السياسة، ولا لغة المصالح، وإنما لغة الأحقاد وانسياق وراء العاطفة والشخصنة. لكن هذا ايضاً، قد يشير الى أن السعودية مصممة على الإستمرار في سياستها الحالية الى النهاية، بمعنى أنها ستستمر في عدائها للإخوان إن وصلوا الى الحكم واخذوا الرئاسة كما أخذوا البرلمان. وأنها ضد ابو الفتوح إن وصل الى الرئاسة، وضد صباحي، والعوا. اللهم إلا أن يصل اليها تابع من العهد القديم.

نحن إذن أمام ديمومة شتوية أصابت العلاقات المصرية السعودية منذ سقط مبارك.

هذا لا يعكس رغبة الأطراف السياسية المصرية في مصارعة السعودية والخلاف معها، ولكن أياً من الرؤساء من خارج طاقم فلول النظام، يريد استعادة مكانة مصر وكبرياءها ومكانتها، وهذا لا يتأتى إلا باتخاذ سياسات خارجية مختلفة لا تتواءم مع السعودية، كإعادة العلاقات مع ايران، أو مراجعة اتفاقية كامب ديفيد، والنظر مجدداً في العلاقة مع حماس وفك حصار غزة، والنظر الى المصالح الإقليمية لمصر ووضعها في أول الإعتبارات. هذا لا يرضي السعودية بالقطع؛ لأنه يعني ان مكانتها المتدهورة ـ كما هو الواقع اليوم ـ إنما ازدادت بسبب غياب الثقل المصري وراءها، وهي قد اعتادت أن تُلحق الموقف المصري بها لا أن تلتحق به.

وهنا من الناحية الفعليّة، فإن أسوأ سيناريو للسعودية أو امريكا أو اسرائيل، هو أن يصل عبدالمنعم أبو الفتوح الى منصب رئاسة مصر. فالرجل أكثر صراحة في موقفه من كامب ديفيد؛ ومن الثورات العربية بما فيها الثورة البحرينية؛ وأكثر تعصّباً للوطنية المصرية ومكانة مصر وسيادتها وانطلاقها؛ كما أن له مواقف واضحة بشأن المعونة الأميركية. مرشح الأخوان قد يكون أهون الشرّين بالنسبة لأميركا، أما السعودية، فسياستها الخارجية تمتاز بعمى الألوان، أو عدم التمييز بين درجاتها! لذلك هي اعتادت على المواقف التعميمية والإجمالية والتصنيف العام دون ملاحظة الفوارق.

في كل الأحوال، فإن العلاقات السعودية المصرية مرشحة لمزيد من التدهور في المستقبل، بما يشمل صراعا مع النظام السياسي المصري الجديد، ومع الشعب المصري نفسه الذي عبّر عن امتعاضه مراراً من السعودية. لكن هناك احتمالية أخرى، في حال انقلب العسكر على العملية الديمقراطية، وعاد المواطنون الى الشارع وساحة التحرير، إما احتجاجاً على التزوير، أو على عدم تسليم السلطة لأيّ سبب كان، وحينها ستحتاج مصر الى سنوات للخروج من الفوضى. إن حدث ذلك لا سمح الله، ستبقى السعودية حليف العسكر، والداعم الأول لهم، وستزداد كراهية المصريين للسعودية بأكثر مما عليه الوضع الآن.

يبقى القول، بأن مصر يفترض أن تعزّز مكانتها مع القوى الكبيرة في المنطقة، تحديداً تركيا وإيران، فهي قابلة لأن تكون نظيراً لهما، وكلتا الدولتين تأملان أن تستعيد مصر دورها. أما الإرتباط بدول آفلة منحدرة كما السعودية فلن يحقق لشعب مصر الذي قام بثورته ما يتمناه. هنا أيضاً ينبغي ملاحظة حقيقة أن تركيا وايران لا تجدان غضاضة من وصول الإسلاميين الى السلطة، ولا القوميين العروبيين اليها، ولكنهما لا تتمنيان وصول عمرو موسى أو غيره من (الفلول) الى الرئاسة.

هناك فرصة تاريخية لتغيير صورة الشرق الأوسط، السياسية والإقتصادية والأمنية، ان اكتمل مثلث تركيا ـ ايران ـ مصر، مع ان الموضوع السوري ألقى بظلال سلبية على هذا المشروع الذي كان مطروحاً الى ما قبل الثورة السورية. ولكن بوصول ابو الفتوح لمنصب الرئاسة، قد تعود اليه الروح مجدداً. أما إذا أوصل العسكر وآل سعود والأمريكان عمرو موسى أو شفيق الى الرئاسة، فستعود مصر تابعة للسعودية. لا ننس هنا أن عمرو موسى ويوم كان وزيراً للخارجية تمتع بسمعة جيدة أدّت الى الإطاحة به، ولم يكن يميل الى السعوديين كثيراً؛ لكنه فيما بعد استلم المال السعودي وصار من ملاّك القصور!

الصفحة السابقة