الوهابية تستوطّن كسروان!

عبدالحميد قدس

نشرت جريدة الأخبار اللبنانية في 30 مايو الماضي خبراً مثيراً حول وضع الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات العامة، اليد على مساحة واسعة من الأراضي في منطقة كسروان المسيحية، شمالي بيروت، ما يعتبر مخالفة لقوانين التملك العقاري اللبناني بالنسبة للأجانب. وجاء في الخبر: اشترى الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود 4 عقارات مساحتها 7700 متر مربع في كسروان، تعرف بـ (تلّة الصليب)، ما أثار أهالي المنطقة والنائب نعمة الله أبي نصر الذي عدّ الأمر بمثابة (توطين). في الواقع تفتح هذه الصفقة الباب إزاء تعديل الثُّغَر في قانون تملك الأجانب الذي يشجّع الأجانب على المضاربة بعقارات لبنان ويسهّل لهم هذا الأمر.

وفي التفاصيل بحسب الصحيفة: في 28 آذار 2010 رخّص مجلس الوزراء اللبناني للأمير السعودي مقرن بن عبد العزيز آل سعود، تملّك 4 عقارات تشتهر باسم (تلّة الصليب) وتقع في إحدى تلال حريصا المعروفة بموقعها الاستراتيجي. ثم صدر المرسوم رقم 7983 في 14 نيسان ليعلن منح الأمير مقرن ترخيصاً بتملّك العقارات رقم 76، و157، و660، و1152، الواقعة في منطقة دلبتا العقارية ـــ كسروان، ومساحتها 7700 متر مربع.

هذه الصفقة أثارت استغراب أهالي دلبتا والجوار الذين تأكّد لديهم أنها جرت بالمواربة والالتفاف على كل القوانين والأعراف المعمول بها. فبحسب النائب نعمة الله أبي نصر، إن قطعة الأرض هذه بيعت إلى شخص بالوكالة في البدء ليتبيّن لاحقاً أن الشاري الحقيقي هو الأمير مقرن. وقد ادعى هذا الأخير أنه يشتريها بداعي السكن، وقد حصل على ترخيص من مجلس الوزراء لهذا السبب. لذلك، اجتمع المجلس البلدي في دلبتا وقرّر عدم منح الأمير السعودي (إفادة بالمحتويات) لمنعه من تسجيل الأرض، وأقرّ أيضاً وقف منحه أي رخصة للتشييد والبناء، على أن يُناقَش الموضوع في اجتماع للأهالي..لتقرير خطوات مواجهة الأمر.

إلا أن القضية بالنسبة إلى كثير من المتابعين، وللنائب أبي نصر، لا تتعلق بتملك الأمير السعودي فقط، بل بثُغَر قانون تملك الأجانب الذي سمح بأن يرتفع (عدد الأجانب الذين يملكون أراضي في منطقة كسروان وحدها إلى 3 آلاف أجنبي، وذلك رغم أن قانون تملك الأجانب الذي سمح لهم حالياً بالتملك ضمن ضوابط معيّنة، لا يزال قيد التعديل في مجلس النواب). فهذا الأمر لا يمكن تجزئته، ولا يمكن التفريط به؛ لأن (الأرض هي رمز السيادة، ولا يمكن بناء الأوطان بالإعارة أو الإيجار أو الاستثمار) يقول أبي نصر.

على هذه القاعدة يحذّر النائب الكسرواني من تملك الأمير مقرن تلّة الصليب، حيث (لهذه المنطقة خصوصيتها وتقاليدها التي خرّجت مطارنة ورجال دين). لكن الشق القانوني لهذه القضية يبدو أكثر اتساعاً مما هو ظاهر. فالتعديلات المطروحة على قانون تملك الأجانب لا تزال تسير في أروقة اللجان النيابية منذ 3 سنوات، وتحديداً منذ شباط 2009 إلى اليوم. أما القانون الحالي، فرغم هزالته والثُّغَر الواسعة التي تعتريه، لكن عدم مراقبة تطبيقه وتنفيذه يزيدانه ضعفاً وعجزاً عن حماية حقوق اللبنانيين في أراضي لبنان.

فالمادة السابعة من قانون تملك الأجانب تفرض على غير اللبنانيين الذين يريدون تملك عقارات في لبنان بهدف السكن، أن يستصدروا ترخيصاً بذلك من مجلس الوزراء إذا زاد مجموع ما يملكونه في لبنان على 3 آلاف متر مربع، على أن لا تزيد نسبة تملك الأجانب في كل قضاء 3% من مجموع مساحته، وألا تتعدى في محافظة بيروت 10% من من مجموع مساحتها.

لكن ما يحصل عملياً، ولا سيما الصفقة الأخيرة، يُدرج (ضمن سياسة التلاعب بديموغرافية وجغرافية البلد المعتمدة من الحكومات التي توالت على الحكم في لبنان بعد الطائف)، وفق أبي نصر. فهو يؤكد أن شراء الأمير مقرن تلّة الصليب جاء بعدما (مارست السفارة السعودية ضغطاً على الحكومة، وتحديداً على رئيس الحكومة، وربما على وزارة المال، فصدر المرسوم 7983 القاضي بمنحه ترخيصاً لشراء 7700 متر مربع في خراج بلدة دلبتا).

2.3 مليون دولار هي قيمة الصفقة التي بموجبها تملّك الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود 7700 متر مربع في خراج بلدة دلبتا، أي إن قيمة المتر الواحد تبلغ 300 دولار بحسب مصادر مطلعة على الصفقة التي جرت بطريقة التفافية بين شارٍ وهمي نقل الملكية إلى الشاري الحقيقي، هو الأمير مقرن.


الصفحة السابقة