نايف: (الأمن أولاً)!

الشعب: (المواطن أولاً)!

محمد فلالي

معركة آل سعود هي من أجل السلطة وأمنها، ومعركة الشعب من أجل المواطن وحقوقه، لأنه لا دولة ولا سلطة دون المواطن..

يريد الأمير نايف من المواطن أن يصبح حارساً على السلطة، وليس العكس، وأن يتحوّل الشعب الى جيش لحماية العرش السعودي، وليس العكس..لقد باتت الدولة بلا وظائف، وكأن من يحكم الشعب جاء محسناً ومتصدّقاً عليه..

الأمن أولاً، ولكن أي أمن ومقابل ماذا؟ يجيب وزير الداخلية نايف وهو غير خبير، بأن المواطن مطلوب منه تقديم أمن الدولة على أمنه الخاص، ودون مقابل، لأن حفظ السلطة واجب على المواطن، حتى وإن تعرّض أمنه للتهديد والخطر، طالما بقي أمن السلطة مصوناً..

المعتقل خالد الجهني:
الشعب يدخل السجن من أجل الحرية!

في المناظرات المتقطعة أو المتصّلة، السطحية منها والعميقة، تسلّط ضوءاً كثيفاً على مفهوم المواطنة كأساس للعلاقة بين الدولة والمجتمع، ومنها يمكن اشتقاق الحقوق والواجبات، إذ بدون المواطنة تصبح العلاقة بين الأفراد والسلطة محكومة بلا قوانين ولا أسس ناظمة لها بحيث تتحدد على أساس ما للسلطة وما للمواطن..

تأسست الدولة السعودية على مفهوم خاطىء للمواطن، فكانت تطلق على الشعب وصف (رعايا)، بما تعني الخضوع والتبعيّة والاعتماد الكامل على الدولة في توفير الحاجات الأساسية، واستمرت هذه العبارة سارية حتى قبل ثلاثة عقود. بكلمات أخرى، بقي مفهوم الرعايا سائداً منذ العام 1926 ـ 1983، وهي السنة التي جرى استعمال عبارة (البطاقة المدنية) عوضاً عن (حفيظة النفوس) التي حلّت محل (دفتر النفوس) وهو الآخر نموذج مطوّر لـ (التابعية) التي بدأ العمل بها سنة 1345هـ ـ 1924.

تصنيف السكّان يعكس النظرة إليهم، والوظائف المطلوبة منهم، فلا يمكن تخيّل سلطة تنظر الى مواطنيها على أنهم رعايا ثم تقرر مقاسمة السلطة والثروة معهم، فهي تنظر إليهم باعتبارهم تابعين لها، وملحقين، ومادونها وليسوا متساويين مع أهل الحكم، ولذلك نرى بأن سياسات الدولة حتى نهاية السبعينيات، أي قبل تغيير التوصيف القانوني للسكّان، كانت تقوم على أساس تجاهل المواطنين، وعدم اطلاعهم على الموازنة العامة، ومداخيل ونفقات الدولة، وحتى مخصصات الملك والأمراء الكبار والصغار تعتبر قضايا لا يحق للمواطنين الاطلاع عليها، لأنها امتياز خاص بالعائلة المالكة..ما هو أغرب من ذلك، أن نشرة الاخبار كانت محظورة حتى منتصف الستينيات، لأن إطلاع الشعب على الشؤون العامة خارج مسؤولية الدولة، بل تعدّ ذلك منح الشعب حقاً لا يستحقه وإدخاله في شأن لا صلة له فيه أو دخل.

وهناك من أمراء العائلة المالكة من لايزال يحمل في داخله هذه النظرة الاستعلائية، فيحدّث نفسه على هذا النحو: من هم هؤلاء حتى نقاسمهم ما حققناه بالسيف الأملح؟ وكل من يجرؤ على الكلام والسؤال والنقد ينال عقابه، ليس لأنه قال ما لايجوز له قوله، وإنما لأنه خرج عن تصنيفه بأنه مجرد تابع وليس شريك!

الأمير نايف حين ينادي بالأمن أولاً، وأن المواطن هو رجل الأمن الأول، فإنما يضمر بداخله التصوّر النمطي الذي يحمله عن السكّان، لأنه يعتقد بأنهم بمثابة مرتزقة يعملون في خدمة السلطة ويقبضون أجورهم من أرباب العمل، أي الأمراء، ولذلك لم يخطىء الأمير طلال حين صوّر الدولة بأنها شركة كبيرة وأن آل سعود هم مدراء الشركة والشعب هم مجرّد موظفين فيها، لأنه لا يزال مسكوناً بتصوّر عقيم حول الشعب.

إن إشاعة أفكار من قبيل أن الأمن مسؤولية جماعية لا تعني سوى شيء واحد: أن حفظ سلطة آل سعود مسؤولية الشعب، أما أمن الشعب فلا يتحقق دون حفظ أمن السلطة، وللأخيرة مفهومها الخاص في أمن المواطن، فمجرد بقاء الأخير على قيد الحياة يعتبر أمناً، وليس الأمن بالمفهوم الشامل بجوانبه الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والنفسية..

طوّرت النخبة السياسية والثقافية في البلاد مفهوماً في الأمن يصلح أساساً لدولة مستقرة ومتماسكة، وهو الأمن القائم على مبدأ المواطنة التي على أساسها يشعر الأفراد بأنهم جزء من مجتمع سياسي يتمتّع بحقوق وعليه واجبات، ويضطلع بمهمات محدّدة ذات صلة بحفظ أمن الدولة والمجتمع معاً..

اليوم ومع سقوط مفاهيم الاستتباع والإلحاق التي سادت الدولة السعودية ومازالت عالقة في أذهان كبار الأمراء ما يدفعهم الى رفض كل المشاريع الإصلاحية، وتصوير الإصلاحيين وكأنهم طابور خامس أو عملاء للخارج، فإن غالبية الشعب بكل مكوّناته تميل بقوة الى تحقيق مبدأ المواطنة وترسيخه في الوعي والأداء، في السياسة كما في المجتمع، في الفكر كما في المعمل، في الجامع كما في الجامعة، وفي كل مرفق عام، لأن من دون هذا المفهوم لن يكون هناك سبيل الى حفظ أمن أحد، حينئذ فحسب يكون الأمن مسؤولية جماعية ولكن ليس لصون السلطة بل لحماية المجتمع، صانع السلطة ومالكها..

بالنسبة للأمير نايف وإبنه محمد، مستشار أبيه في الشؤون الأمنية، يتطلب استيعابهما زمناً إضافياً لأنهما اعتادا النظرة الى السلطة باعتبارها إمتيازاً خاصاً وارثاً عائلياً لا يجوز التفريط فيه، وهذه النظرة لابد أن تتلاشى للأبد لأنها قامت علىى أسس خاطئة وآثمة، وأن كل ما عانى منه الشعب طيلة العقود الماضية عائد الى مثل تلك النظرة التي ترى في السكّان عبيداً وتابعين..

الدولة الوطنية المدنية وحدها الحل أمام آل سعود كيما يتحقق الأمن ليس للسلطة بل للدولة كونها الجهاز الإداري للمجتمع وهي أكبر من مفهوم السلطة، وإلا فإن أصرّ آل سعود على الركون الى مفهومهم القديم في الأمن وأن الدولة امتياز عائلي ولابد من تسخير المجتمع لحماية هذا الإمتياز، فلا بد أن يدركوا: أن الدولة لم تعد كذلك مفهوماً، ولا المجتمع الحالي من يمكن تسخيره لذلك، لأن غالبيته من الشباب الذي يحمل تطلعاً لدولة أخرى غير القائمة.

الصفحة السابقة