هل نجحت الثورة السعودية المضادة؟

عبد الوهاب فقي

اذا كانت السعودية أكثر من خسر إقليمياً بقيام ثورات الربيع العربي منذ 2011، فهل نجحت اليوم في 2012 في ثورتها المضادّة؟

تساؤل في توقيته تماماً. فأمامنا شبه انقلاب عسكري في مصر على الثورة، حيث حل البرلمان المنتخب، وأُعيد الإعتبار لفلول النظام البائد، ضمن تخطيط لإعادة السيطرة على الشأن السياسي المصري من جديد، ونحن هنا نتحدث عن جزء من المخطط الذي باركته السعودية وهلل له إعلامها، ولم تظهر بعد، حتى كتابة هذه السطور، نتائج الإنتخابات الرئاسية.

نسأل هل نجحت الثورة المضادّة التي تقودها السعودية، ونحن نشهد بقايا للثورة اليمنية، حيث استعاد النظام القديم بوجوهه القديمة حيويتهم وبدأوا مرحلة الهجوم. الناس في يأس؛ وحروب أخرى تنتظر بعد الحرب على القاعدة، قد يكون الجنوبيون حطبها، أو الحوثيون الذين سلّط عليهم السعوديون أوباشهم السلفيين ليفجروا في الشوارع ويقتلوا الأبرياء؟

هل نجحت الثورة السعودية المضادّة، وتيار السلفية في تونس تحرّكه الأيدي والأموال السعودية والخليجية، ويصرّ على إفشال التجربة بعقله الصغير، يديره عقل تآمري أكبر من الخارج؟

هل نجحت الثورة المضادة، وقوات السعودية العسكرية تحتل البحرين وتختطف قرارها السياسي، وتمنع نجاح الثورة، كما نجاح أي حوار وطني يعطي الثائرين ولو بعضاً من حقوقهم (مع بقاء النظام القديم)؟

هل نجحت الثورة السعودية المضادة، فحوّلت سوريا الى ميدان حرب أهلية طائفية دمويّة قد تستمر الى سنوات طويلة، لن تكون نتيجة ثورتها سوى مفخخات القاعدة وتدمير البنية التحتية، دون الحصول في النهاية على حرية أو استقلال أو كرامة، أو حتى قيمة لحياة الإنسان؟

هل نجحت الثورة السعودية المضادة في ليبيا ونحن نرى مصنّعات السعودية من القاعديين والسلفيين التكفيريين يجرون الشعب الى احتراب داخلي طائفي مناطقي قبلي لا يهدأ. ولا يبدو أنه سيهدأ قريباً؟

ماذا تبقّى من الربيع العربي؟ وهل دخل العرب عصر الخريف السعودي؟ هل ضاعت أحلامهم في قيام دولة المؤسسات، دولة الكرامة والحرية والمواطنة الحقّة؟

لا شك أن السعودية وحليفاتها الخليجيات، ومن ورائهم الغرب، نجحوا بنسبة ما في (تقبيح) الثورات العربية؛ وفي الإلتفاف على بعض عناصر حيويتها، واستعادة بعض أركان فلول الأنظمة القديمة الساقطة لتكون جزءً من مشهد الثورة الحديث. نجحت السعودية في سياسة تخريب الثورات العربية وتشويهها، وتحصين نفسها جزئياً من غضب داخلي مماثل لما حدث في البلدان العربية الأخرى.

لكن مشكلة الرياض تكمن في أن مشاكلها الداخلية لم تحلّ، وارهاصات التحوّل بادية للعيان. فكيان الأسرة مفكك بسبب كثرة الخلافات، وقد تزيده وفاة ولي العهد نايف ضراماً. كما أن المواطنين رفعوا صوت السخط عالياً، وأظهروا أنهم امتصوا ثقافة الإعتراض والتحدّي تدريجياً من الثورات العربية، لذا تكثر الإضرابات والإعتصامات والكتابات المعادية للأسرة الحاكمة.

تستطيع الرياض تخريب ما بجاوارها بنسبة ما؛ لكنها أظهرت فشلاً كبيراً في إصلاح حالها الداخلي. سياسة التخريب لا البناء لا تفيدها كثيرها ولا يمكن ان تضمن لها استمراراً.

السعودية كدولة محافظة لا تستطيع التعايش مع الموج الديمقراطي أو الجمهوري أو الثوري في جوارها. المحيط هو ما يخيفها. والأكثر إخافة هو أن هذا المحيط قد تغيّر كثيراً حتى في دول خليجية، واتسعت الفاصلة بين طبيعة النظام السعودي الجامد مع الأنظمة المجاورة بما فيها أنظمة الخليج الأخرى.

لا بد أن اهتزازات الجوار ستصل دوائرها الى الداخل، وهي قد وصلت فعلاً. المشكلة ليست في محاربة الثورات والأنظمة المخالفة وإجبار العالم العربي من محيطه لخليجه أن يقترب من النموذج السعودي. هذا لن يحدث. وإنما المشكلة في نظام لا يريد أن يطوّع نفسه تجاه المتغيرات الخارجية والشعبية الداخلية. في العلوم السياسية يقولون بأن قوّة أيّ نظام سياسي رهينة بمسائل عديدة بينها مسألة (المطواعية) وهي تعني تكييف نفسه مع أية مستجدات داخلية وإقليمية قد تحدث حتى لا يُكسر وينتهي أمره. لقد انتهت لهذا السبب (عدم المطواعية/ الجمود والخشونة) ملكيات سابقة في العراق ومصر واليمن وليبيا، ومملكة آل سعود ليست بعيدة عن ذلك. كما انتهت انظمة جمهورية بالإسم كثيرة.

بإمكان آل سعود أن يقرأوا التجربة المغربية في مسألة المطواعية Flexibility حتى يعلموا أن خشونتهم Rigidity لا تأتي لهم بالخير أبداً. لقد حدث تطوّر هائل في الشعب من حيث تطلعاته ومطالبه لم تستطع العائلة المالكة ان تكيّف نفسها معها، ففقدت التواصل مع أجيال عدّة، وخسرتها وصارت أقرب الى العداء معها. كما حدثت تطورات سياسية اقليمية كثيرة لم تستطع استيعابها، بما فيها سقوط أنظمة، قبل الربيع العربي وبعده، وبدل أن يحسّن آل سعود نظامهم السياسي، عمدوا الى مواجهة التيار الهادر ومخالفة السنن الكونية من أجل تغيير الأنظمة فيما حولهم بدلا من تغيير نظامهم.

من المؤكد أن أي انجاز سعودي في ثورتهم المضادة لن يغيّر كثيراً من المصير المؤلم الذي ينتظر النظام السعودي نفسه. فما كسر أنظمة الإستبداد إلا معاندة حركة التاريخ؛ وما أسقط العروش إلا ظنّ من يجلس عليها أنهم اضحوا آلهة، وأن لهم خصوصية تستثنيهم من سنن الله في الكون.

الصفحة السابقة