مؤشر للتصعيد على مستوى المنطقة

بندر رئيساً للإستخبارات

يحي مفتي

كان مفاجئاً حقاً تعيين الأمير بندر بن سلطان رئيساً للإستخبارات السعودية، بعد نحو خمس سنوات من الغياب المتواصل عن الساحة السياسية والأمنية ومجمل الحياة العامة في السعودية. سبب المفاجأة، هو أن الكثيرين اعتقدوا بأن حياة بندر السياسة انتهت لسببين: الأول ـ ما بدر منه من محاولة السيطرة على الحكم من خلال تفعيل علاقاته السابقة كطيار مع ضباط في الجيش لفرض نفسه على خط الخلافة أو حتى إزاحة أبيه وأعمامه الاخرين عنها. والثاني ـ هو أن الأمير بندر كان مريضاً بسبب الإدمان على الكحول، وما تبعه من محاولات اكتئاب حادّة، جعلته في حال غير سوي، ولا يستطيع أن يقوم بمهامه. وقد قيل عن سبب اختفائه أنه يتلقّى العلاج. وقد سبق للأمير طلال، وفي جلسة هيئة البيعة التي جاءت بنايف للحكم في اكتوبر الماضي، أن سأل نايف: أين أخفيتم بندر؟ لماذا لا تصارحون العالم بحقيقة ما يجري له؟!

بندر كان طياراً حربياً، ثم اصبح مسؤولاً عن قاعدة الظهران العسكرية، ثم عيّن سفيراً للسعودية في واشنطن لأكثر من عقدين؛ وفي تلك الفترة ـ وحتى قبلها ـ تولّى ملفات عديدة تتعلق بصفقات الأسلحة في الغالب وما يتبعها من فضائح ورشى كان يستلمها هو وإخوته وآخرون مقربون من الأمير سلطان، مثل صفقة اليمامة، وصفقة الأواكس، وصفقة الصواريخ الصينية سيلك وورم، وغيرها. ولعب بندر دوراً كبيراً في توثيق الأعمال المشتركة مع أجهزة المخابرات الغربية خاصة السي آي ايه، من تمويل الكونترا، الى تفجير بيروت الذي استهدف حياة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والذي أدى الى وقوع عشرات القتلى، على النحو الذي كشف عنه الصحافي المشهور وودورد في كتابه الحجاب.

كان بندر أيضاً عرّاباً لكثير من الصفقات السياسية، ومن أهمها فتح ليبيا في علاقات مع واشنطن، لتجاوز حادثة لوكربي، وقد قيل أنه حصل على مليار دولار في العملية! كما موّل جماعة فتح الإسلام في لبنان لكي تنقضّ على حزب الله، لكنها فجرت معركة مبكّرة اتضحت في فضيحة تمويلها من قبل سعد الحريري. كما أن المبادرة الأولى كانت بيده بشأن تمويل السلفيين الذين واجهوا حماس في غزة وأعلنوا دولتهم الاسلامية بالتعاون مع المخابرات المصرية. ولبندر دور كبير في تعزيز العلاقات بين الرياض وتل أبيب والتنسيق بينهما لمواجهة (الخطر الإيراني) المشترك؛ وقد التقى مرتين بأيهود أولمرت قبيل وبعد حرب تموز 2006، إحداها في ضيافة ملك الأردن؛ كما أن له صلة وثيقة بمائير داغان رئيس الموساد السابق.

ويعتبر بندر رجل المهمات القذرة، شهد عليها محاولته القيام بانقلاب على الأسد عام 2008، وقبل ذلك دوره الكبير أثناء الحرب العراقية الإيرانية، والحرب على العراق، وتمويل الجماعات السلفية والقاعدية في أماكن مختلفة من العالم لخدمة الأهداف السعودية الأميركية المشتركة. وكان الأميركيون يتوقون رؤيته على رأس السلطة في السعودية، لكن تلك الآمال انحسرت بعد أحداث سبتمبر 2001، حيث تراجعت مكانته كما مكانة بلاده التي اتهمت حينها بتمويل القاعدة والإرهاب وحمّلت مسؤولية ما قام به 17 مواطناً سعودياً من هجمات انتحارية على مواقع امريكية؛ ما ادّى لاحقاً الى استبعاده عام 2005 بسبب اتخاذه قرارات بنفسه دون مشاورة أبيه الأمير سلطان أو الملك حتى.

على الأرجح فإن تعيين بندر في وقت تتقاسم فيه الأجنحة الأقوى السلطة، وتُبعد الأجنحة الضعيفة منها، يشي بأن القرار ربما يكون قد أُملي على الرياض من قبل واشنطن التي تريد رجلاً تعرفه وتتعامل معه في مرحلة قادمة من التشدد والهجوم والتحولات على المستوى الإقليمي والدولي. تعيين بندر قد يعني بأن الرياض ومن خلفها واشنطن وعواصم غربية أخرى بصدد القيام بأعمال قذرة: حروب استخبارية عالية المستوى بحاجة الى تمويل مالي من الرياض؛ حروب على مستوى المنطقة (مع ايران مثلاً)؛ تمويل جماعات والتخطيط لمؤامرات على مستوى الكون لمواجهة الصين وروسيا؛ تغيير واسع في خريطة الشرق الأوسط تبدأ من سوريا، وتتجه جنوباً الى لبنان وشرقاً الى العراق فإيران.

إن كان تعيين بندر بن سلطان مفاجأة للمراقبين، فإن الإطاحة بعمّه مقرن من رئاسة الإستخبارات، وبالطريقة التي جاء بها المرسوم الملكي لا تقلّ مفاجأة للأمير الضحيّة!. يقول المرسوم: (يعفى صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات العامة من منصبه، ويعين مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين بمرتبة وزير). هذا قتل سياسي غير رحيم للأمير مقرن الذي لم يعط فرصة لحفظ ماء الوجه كي يقدم استقالته فيقال مثلاً أن الإعفاء (جاء بناء على رغبته). فما أكثر المستشارين عديمي الفائدة الذين يحيطون بالملك أو الجالسين في منازلهم ويستلمون رواتبهم كمستشارين! وأما المبعوثون فإن الملك بالكاد يرسل في كل عام مبعوثاً لقضية، وفي الغالب يكون مسؤولاً أو وزيراً أو ما أشبه، أو حتى أحد ابنائه كما هو المعتاد (مشعل مثلاً).

المضحك أن المرسوم الملكي أوضح بأن بندر سيحتفظ بمنصبه السابق كأمين عام لمجلس الأمن الوطني برتبة وزير! والحقيقة فإن هذا المجلس لا وجود له على أرض الواقع؛ كان مجرد اسم وهمي، لا مكتب له في الديوان الملكي، ولا مبنى له مستقل، ولا موظفين ولا أي شيء آخر. تم تشكيل المجلس ميتاً وانتهى! ولم يذكره المواطنون إلا بعد تعيين بندر مجدداً رئيساً للإستخبارات.

أياً تكن الحالة، فإن تعيين بندر هو مجرد مؤشر لمرحلة تصعيد سياسي على المستوى الإقليمي في حلقة متصلة بالغرب واسرائيل ضد محور روسيا ـ الصين ـ إيران.

الصفحة السابقة