إشعال الشرق الأوسط.. هل يبقي الخليج آمناً؟

خالد شبكشي

القتال الدائر والكارثي في سوريا وعليها بات محورياً لجهة تحديد جهة بوصلة الشرق الأوسط لعقود قادمة..ولكن الجديد أن سورية لم تعد ساحة مقفلة عسكرياً، فبالرغم من محاولات إبقاء النار داخل حدودها، إلا أن الجميع بات يدرك أن من غير الممكن النأي عن امتداداتها الخارجية..

ليس خاف اليوم أن الدول المحيط بسوريا مثل تركيا والاردن ولبنان والعراق قد تأثرت بصورة سلبية من النزاع المسلّح في سوريا وأن بعض تداعيات العمليات العسكرية وانتقال المسلّحين قد أصاب هذه الدول بصورة وأخرى، وبالتالي فإن الحديث عن النأي بالنفس ليس دقيقاً، بل ماهو دقيق هو إصرار حكومات الدول المجاورة على نفي الآثار المترتبة على الحرب الاهلية السورية..

إن فكرة تحييد الدول عن نيران الحرب السورية فشلت لأن الضالعين فيها يثبتون بالمال والسلاح والمسلّحين عكس ذلك تماماً، بل إن الدول الضالعة سواء مع النظام أو ضده تعمل على إطالة أمد الحرب الدائرة في سورية حتى لا تنقل مركزها الى خارج الحدود، رغم أن الاطالة يؤدي الى (تيئيس) من راهنوا على نهاية سريعة لها، وقد تفضي الى اشعال الداخل في بلدان هي في الأصل مرشّحة لأن تشهد خضّات شعبية، وخصوصاً السعودية والإمارات والكويت الى جانب بطبيعة البحرين التي لا تزال الانتفاضة الشعبية متواصلة فيما لا أفق واضح للحل.

السعودية تحاول اشعال النار في أكثر من ساحة عبر تمويل جماعات مسلّحة سواء في لبنان أو سورية..وفي تطوّر جديد عملت منذ فترة قصيرة على اجتراح خط جديد مواز للخط التركي.. ففي مقابل المجلس الوطني والجيش السوري الحر اللذين يداران من الجانب التركي، تعمل السعودية في الوقت الراهن مع الأردنيين والقطريين وبمباركة أميركية على تشكيل مجلس جديد يرأسه رياض حجاب، رئيس الحكومة السوري السابق المنشق، جيش من المنشقين من ضباط وجنود في الجيش السوري بقيادة اللواء محمد الحاج علي.

رياض حجاب: المرشح السعودي مقابل تركيا

من اللافت أن الجهود الأميركية السعودية القطرية الاردنية الرامية الى إيجاد إطار سياسي وعسكري لمختلف القوى المعارضة كانت تهدف الى (وضع الخطط الكفيلة بعدم تصدير الأزمة السورية إلى دول الجوار (تركيا، والأردن، ولبنان). ولكن كما يبدو فإن هذا النوع من الخطط يغفل حقيقة ردود فعل النظام السوري والقوى الداعمة له اقليمياً ودولياً، الى جانب الجماعات الناشطة التي قد تستفيد من أوضاع مضطربة كالتي تشهدها المنطقة لتسديد ضربات لهذه الانظمة، الى جانب وجود استحقاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية تستوجب نشاطات شعبية مكثفة ومتواصلة كالذي جرى في الاردن مؤخراً..

لايبدو حتى الآن هناك ما يشير الى انكسار النظام السوري، في ظل أحاديث عن أن الأخير استعاد بعض القوة من خلال السيطرة على ساحات مهمة وتكبيده خسائر كبيرة بشرية ومادية للجماعات المسلّحة..

العنوان الطائفي لايبدو هو الآخر قد أثبت قدرة استثنائية في تطويق النظام السوري وحليفه الايراني، بل إن دعوة الملك عبد الله لقمة مكة واعلانه عن مركز للحوار بين المذاهب يكشف ليس رغبة سعودية في الحوار المذهبي بقدر ما ثبت حاجة النظام السعودي نفسه الى تنفيس الاحتقان الطائفي الذي قد انعكس محلياً، وصار النظام السعودي نفسه مسؤولاً عن اندلاع فتنة سنيّة شيعية..

فقد بدا واضحاً من خلال استعمال العناوين الطائفية للصحف المموّلة سعودياً في لبنان على سبيل المثال وتصوير ما يجري في جبل محسن وباب التبانة في طرابلس على أنه قتال سني شيعي/علوي، وقضية الخطف المتبادل على أنها ذات طبيعة مذهبية والذي أدى الى مسارعة الحكومة السعودية ودول خليجية أخرى الى دعوة الرعايا لمغادرة لبنان على الفور..لقد نظر اللبنانيون الى مثل تلك الدعوات على (أن هناك نيات مبيتة يضمرها الخليجيون للساحة اللبنانية، قد يكون منها إشعال نار الفتنة المذهبية)، حسب مدير الاخبار في قناة (أو تي في) جان عزيز..

كان يفترض من انظمة خليجية باتت حاضرة اليوم في الملف السوري وخصوصاً السعودية وقطر أن تعلم تماماً بأن النأي آخر ما يمكن أن تحلم به هذه الأنظمة التي ترى في ضلوعها في الأزمة السورية محاولة لتفادي انتقال الأخطار الى داخلها، ولعل ما يجري في تركيا الآن دليل واضح على ذلك، فهذا البلد الذي وإن حاول الاعلام التغطية على مايجري فيه من تصدّعات سياسية وأمنية وعسكرية فإن حقيقة الوضع الحالي لا توحي بأن حزب العدالة الحاكم يمكن أن يصمد طويلاً، فالانقسام الداخلي بين أطراف الحكومة والأحزاب السياسية الكبرى والحكومة وبين المؤسستين العسكرية والامنية..وصولاً الى الحرب الدائرة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي ومحاكمة الصحافيين وغيرها من مظاهر تكشف عن أن نظام أردوغان ليس في حال صحية مستقرة..

وإذا كان الحديث عن احتمالات اشتعال حرب اقليمية تنطلق من سورية بحسب رئيس النظام السوري بشار الأسد في مرحلة سابقة تندرج في سياق التهويل الردعي، الا أن الحقائق على الأرض تكشف يوماً بعد آخر بأن احتمالات اندلاع حرب اقليمية يكون منطلقها من سورية أمراً متوقعاً بل وواقعياً.. باتت كل الاحتمالات قائمة ومشروعة في منطقة بلغت فيها السيولة السياسية والامنية حداً غير قابل للسيطرة، وإن الحرب التي تشتعل بالنفط الخليجي السعودي والقطري بدرجة أساسية قد تشعل النيران في آبار النفط في لحظة ما لأن من يتسنى له من الضحايا دفع الضرر عن نفسه ولو برمي كرة اللهب الى مصدرها لن يتردد في فعل ذلك، خصوصاً حين تتقلص الخيارات ولا يصبح هناك سوى خيار واحد هو الرد بالمثل أو ما دونه بقليل.

ما حقيقة الصفقة الإيرانية ـ السعودية؟

المصداقية التي صنعتها الشخصية الجدلية في تويتر (مجتهد) لنفسها جعلت بعض وسائل الاعلام العربية تحمل ما يصدر عنه على محمل الجد رغم أن المعطيات التي يستند إليها في أحيان كثيرة ليست صحيحة أو بالاحرى ليست دقيقة وفي أحيان أخرى من نسج الخيال، خصوصاً حين يتعلق الأمر في قضايا الجماعات الأخرى التي يبدو أن (مجتهد) يبطن موقفاً منحازاً ضدها..

يفترض مجتهد أن مؤتمر مكة الذي حضره الرئيس الايراني أحمدي نجاد نجم عن صفقة بين الطرفين الايراني والسعودي يتعهد بموجبها الجانب السعودي بوقف دعم ثورة سوريا وغض الطرف عن دعم ايران للأسد، مقابل تعهد ايران باقناع شيعة السعودية بايقاف نشاطاتهم. وقال مجتهد بأن السعوديين نجحوا في اقناع الايرانيين بأن الجماعات الجهادية عدو مشترك كما كان الحال في العراق، وقبل الطرفان بوجود خلاف كبير فيما عدا ذلك؟

وتصوّر مجتهد بأن من مظاهر تنفيذ الاتفاق هو تخفيف اللهجة على ايران في الإعلام السعودي الرسمي، وكذلك انحسار النشاطات الشيعية المعارضة للدولة خاصة المظاهرات. هذا على فرضية بطبيعة الحال أن المظاهرات في القطيف هي بإملاءات إيرانية، فيما الواضح أن من يقوم بهذه المظاهرات ينتمون الى جماعات ليست على وفاق مع الايرانيين مثل الشيخ نمر النمر، ومن يقرأ دراستي ستيفان لاكروا وتوبي ماتيسون يدرك التقسيمات الحزبية والسياسية في منطقة القطيف، وأن من يتحرك في الشارع هناك ليسوا على وفاق مع الايرانيين، بل هم من الذين يطلق عليهم التيار الشيرازي نسبة الى مرجع ديني عراقي من أصول ايرانية يدعي محمد الشيرازي وتيار آخر يرجع الى مرجع عراقي آخر يقيم في كربلاء يدعى محمد تقي المدرسي..

ولكن يبدو أن لغة الاثارة باتت هي المقبولة، ما دفع مجلة ذات شهرة عالمية مثل (نيوزويك) الأميركية لأن تكتب في مطلع شهر سبتمبر الجاري بأن ايران تلجأ الى دفع الاقليات الشيعية المتواجدة في السعودية والكويت والبحرين لضرب المصالح الغربية اذا تعرضت إيران لهجوم على مشروعاتها النووية. وزعمت المجلة بأن من المرجح أن تكون سيناريوهات الإيرانيين مبنية علي احتواء الموقف‏،‏ وذلك باستيعاب الصدمة وامتصاص الضربات الأولي وإطالة أمد المعركة وتحويلها لحرب استنزاف باستخدامها ما يتوفر لديها من امكانيات دفاعية... الى آخر انفعالات المخيال الاعلامي الأميركي..

في سياق مماثل، أن النظام السعودي القلق من خروج اليمن عن سيطرته سعى في الآونة الأخيرة لكسب ود المعارضة البحرينية فصار يتواصل معها على أعلى المستويات وبتوكيل من المسؤول عن الملف البحرين في النظام السعودي مساعد وزير الداخلية للشؤون الامنية محمد بن نايف..ونقل ذلك عن مصادر عربية على تواصل مباشر مع الملف البحريني..هل لذلك علاقة بما يجري من تداعيات للأزمة السورية وللانسدادات في ملف الأزمتين البحرينية واليمنية؟

وبخصوص تواصل محمد بن نايف مع المعارضة البحرينية فبعد استقصاء وتحقيق في أصل الخبر، وتبين أن لم يكن هناك لقاء البته بين الطرفين، وأن كل ما في الأمر ان محمد بن نايف بعث برسالة شفهية عن طريق أحدهم الى قيادات جمعية الوفاق البحريني يقول فيها بأنه ليس عدوّا للشيعة، ولا يجب تحميله كل مايجري في البحرين..

محلياً، وبحسب (مجتهد) فإن الملك الذي غادر البلاد بعد تردد وخشية من وقوع انقلاب خلال سفره يجد نفسه بين نارين مرضه وخشية الانقلاب عليه، خصوصاً وأن وضع الأمير سلمان العقلي لا يؤهله لممارسة دور قيادي ولذلك فإن الملك يخشى أن أطراف في الاسرة تستغل الوضع للإنقلاب ضده..خصوصاً وأن مستوى السخط في العائلة المالكة من أمراء كبار إزاء قرارات الملك وتعييناته بات مرتفعاً جداً..يقول مجتهد بأن الملك فوّض أمر تسيير شؤون الدولة الى سكرتيره خالد التويجري ومحمد بن نايف.. فقد تسلم الاول ملف كل الوزارات ماعدا الداخلية والدفاع والخارجية وترك الداخلية لمحمد بن نايف واستلم الملف بنفسه ملف الدفاع والخارجية..وأما سلمان وأحمد فهما حسب قوله (واجهات فقط للداخلية والدفاع..فسلمان بسبب المرض وأحمد بسبب ضعف الشخصية وفشله في تقليل نفوذ محمد بن نايف) ويختم بالقول (ولو كان نايف حياًّ لسافر الملك منذ رمضان لكنه لا يثق بالمحيطين بسلمان ويخشى أن يقدموا على اجراءات تكون بمثابة انقلاب او تهميش له خلال سفره). ولهذا السبب حاول الملك ترتيب الوضع معتمدا على ابنائه تماماً كيما يغلق الطريق على كل المترّبصين من بقية الاسرة باستغلال سلمان كواجهة لتنفيذ مؤامرة ضده.

حقيقة الأمر، أن ال سعود ليسوا على ما يرام بل هناك خشية جديّة لديهم من أن تخفي الأيام المقبلة مفاجئات مرعبة بالنسبة لهم، وقد تؤول الى تهديد نظام حكمهم، والسبب في ذلك أن أفق الانتصار في الثورة المضادة في تونس ومصر واليمن لم ينجح حتى الآن، كما أن تصعيد مستوى الانخراط في الأزمة السورية لم يوصل الى مرحلة كسر النظام، وبالتالي فإن انتظار فرصة أخرى لاندلاع حرب اقليمية ضد ايران بقيادة الولايات المتحدة واسرائيل غير مضمونة..

الايرانيون أوصلوا رسالة الى السعوديين بأن الحرب ليست نزعة ولا توزّع فيها الحلويات، فإن وقعت لن تكون هناك منطقة محصّنة وبمنأى عما سوف يجري، ولذلك فإن درء الحرب بالمزيد من التورّط في الأزمة السورية تمويلاً وتسليحاً لن يكون خياراً انقاذياَ بل إن اطالة أمد الأزمة وكذلك التورّط يفتح الباب تدريجا أمام احتمالات حرب من نوع آخر، يجد النظام السعودي في قلبها دون إرادة منه.

الصفحة السابقة