محمد بن نايف، خالد بن سلطان، متعب بن عبدالله: الثلاثي الذي قد يقرر مصير حكم آل سعود!

إقالة وزير الداخلية أحمد بن عبدالعزيز

الجيل الثالث صاعداً

محمد السباعي

لعل الفترة الوجيزة الماضية شهدت أكبر عملية تصفية لدور الجيل الثاني من الأمراء. بعض التصفية جاء بسبب الموت، كما هو الحال مع سلطان ونايف وهذلول وغيرهم. وبعضهم تمّ إبعاده قسراً كنائب وزير الدفاع. وبعضهم بتوريث كما هو حال متعب الذي أعطى وزارته (البلديات) لابنه منصور. وبعض ثالث بثمن مالي كما هو حال مشعل، ورابع خرج من المولد بلا حمّص لا له ولا لأبنائه كالأمير طلال. وتأكد أن الأمير تركي بن عبدالعزيز، نائب وزير الدفاع الأسبق لا حصّة له وتمّ تأكيد تجاوز دوره، شأنه في ذلك شأن بندر وبدر ومساعد وغيرهم!

لا أفق ولا مستقبل سياسي لأيّ من امراء الجيل الثالث، عدا لاثنين موجودين في هرم السلطة: الملك عبدالله، وولي عهده سلمان. وكان يفترض أن يكون أحمد ـ بعد تعيينه وزيراً للداخلية ـ آخر الجيل الثاني الذي تنتقل بعده السلطة كاملة الى الجيل الثالث، جيل حفدة مؤسس الدولة. لكن هذا لم يطل، ولعلّ إزاحته عن وزارة الداخلية بعد بضعة اشهر من توليته إياها قضت على أية احتمال ان يكون ولياً للعهد وبالتالي ملكاً قادماً.

كان مفاجئاً إقالة الأمير أحمد من وزارة الداخلية بأمر ملكي، وخروجه من مكتب الوزارة الى منزله وحبس نفسه فيه احتجاجاً!

مثل هذا الفعل يمثّل إهانة له، لم يكن يتوقعها هو، مع أنه اعتاد أن يكون في الظل بلا عمل حقيقي في وزارة الداخلية لأكثر من ثلاثة عقود.

كان أحمد بن عبدالعزيز نائباً لوزير الداخلية منذ السبعينيات الميلادية، وبقي الى وفاة شقيقة نايف في منصبه الذي تحوّل الى مجرد منصب شرفي لا قيمة حقيقة له.

فحضور نايف القوي في الوزارة همّشه بشكل شبه كلّي. ثم لمّا عيّن نايف ابنه محمد مساعداً له، وأخذ الأخير بالتدريج مقام والده الوزير، بقي أحمد بلا فعل ولا دور. بمعنى لم يتغيّر عليه شيء كثير: من تهميش الى تهميش مضاعف!

أُتيحت لأحمد فرصة لا تعوّض ليعود الى الأضواء وفي منصب فعلي حقيقي، فأصبح وزيراً للداخلية، وكان من البديهي ان يصطدم مع ابن اخيه محمد بن نايف، الرجل القوي في الوزارة، والذي أصبح الرجل الثاني فيها بحضور عمّه أحمد.

لكن أحمد لا تجربة لديه حقيقية في إدارة الوزارة، وما كان محمد بن نايف ليسلّم لعمّه بسهولة ويقبل العمل في الظلّ. كما أن أبناء أحمد تصوروا أن وزارة الداخلية ـ كما في الوزارات التي يسيطر عليها الأمراء ـ أصبحت ضمن الملك الحصري للوارث الجديد ولأبنائه، مثلما هو حال الأمير سلمان وأبنائه في وزارة الدفاع، والذين ينافسون ويريدون أن يهمّشوا أبناء سلطان في الوزارة، حيث الخلاف لازال مستعراً، ولا بدّ أن يحسم بصورة أو بأخرى، والأرجح انه سيحسم لصالح أبناء سلطان!

مع تمنّع محمد بن نايف، وحدوث خلافات مع عمّه وأبناء عمّه الوزير، ونظراً لسوء إدارة أحمد ـ الطارئ الجديد فعلاً لا إسماً على وزارة الداخلية ـ كان لا بدّ من حسم الخلاف في وزارة يشعر الأمراء أنها أشدّ حساسية من أية وزارة أخرى، خاصة في هذا الظرف العصيب الذي تواجه فيه العائلة المالكة تحديات خارجية وداخلية غير مسبوقة من جهة تصاعد السخط والمعارضة الشعبية.

الملك عبدالله كما هو معروف يميل الى محمد بن نايف، وإن كان في الأساس لا يشعر بالإرتياح ـ بل ربما كان يكره نايف الأب؛ كما ان الملك يدرك بأن وزارة الداخلية هي الخط الدفاعي الأول عن حكم العائلة المالكة؛ وقد كان راضياً عن أدائها تحت إدارة محمد بن نايف، بحضور أب هذا الأخير. وحين تعرّض محمد بن نايف الى محاولة اغتيال قبل نحو اربع سنوات في تفجير انتحاري، دُهش المواطنون من مسارعة الملك الى زيارته في المستشفى والإطمئنان على صحته.

في ظرف معقّد كهذا كان لا بدّ من التضحية بالأمير أحمد، فلا هو الرجل المناسب للداخلية من جهة الكفاءة والأداء وحتى السنّ، ولا هو يتمتع بالحكمة في معالجة القضايا الأمنية والسياسية. ويدلنا على ذلك تصريحاته خلال توليه الوزارة لبضعة أشهر، فكل تصريحاته إما خلقت إرباكاً داخل الوزارة، أو مع دول أخرى، ما جعل اركان الداخلية ينفرون منه. زد على ذلك فإن واشنطن تشعر بارتياح في تعاملها مع محمد بن نايف، ومن تعاونه معها في مسائل عديدة يأتي في مقدمتها: مكافحة الإرهاب، وإفساح المجال للأجهزة الأمنية الأميركية بدور اكبر للعمل على الأراضي السعودية، وفي موضوع تجهيز وزارة الداخلية بالمعدات اللازمة في صفقات بالمليارات من الدولارات.

ثلاث قضايا تبرز في موضوع اقالة أحمد وزير الداخلية:

الأولى ـ لا تغيّر إقالة أحمد في المدى الاستراتيجي من حقيقة أن من سيحكم المملكة ـ اذا استمرت العائلة في الحكم ولم تواجه نكبة وانكساراً مفاجئاً ـ هم من يمسك بالقوى الأمنية والعسكرية. ثلاث شخصيات تمسك بثلاث قوى (الداخلية، والدفاع، والحرس الوطني) هي التي ستقرر مصير الحكم لأجيال قادمة، وهي التي ستقلص دائرة الحكم في عقب ثلاثة من أبناء الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة. واضح ان عبدالله ضمن سلطة (ما) لعقبه، من خلال ابنه متعب ـ أحد الثلاثة ـ الذي يسيطر على الحرس الوطني. ووجود متعب في هذا المنصب يحفظ لإخوانه مواقعهم في السلطة: مشعل كأمير نجران، وعبدالعزيز كوكيل لوزارة الخارجية وغيرهما. أيضاً: حُسم أمر وزارة الداخلية لصالح عقب الأمير نايف بتعيين ابنه محمد بن نايف وزيراً. ولكن بقيت وزارة الدفاع لم يُحسم أمرها بعد، ولازال الصراع عليها قائماً.

الثانية ـ الثلاثي الذي يمسك بقوى العسكر والأمن هو من سيعيّن ملك البلاد القادم ـ بعد غياب عبدالله وسلمان ـ إما من بين الثلاثي وفق تراتبية معيّنة، أو بالإتفاق على شخصية ملكية اخرى. بيد أن انحصار الحكم في هذا الثلاثي، سيسبب مشاكل جمّة للعائلة المالكة، فإذا كان أبناء ابن سعود وهم بالعشرات تصارعوا وتقاتلوا على الحكم، فكيف سيكون الحال بين ابناء الجيل الثالث من الحفدة الذين هم بالمئات في أدنى تقدير؟! لن يكون سهلاً على هذا الثلاثي اذا ما استكمل اركانه، واتفق رموزه على تسيير شؤون الدولة، ان يتجاهل بقية أبناء عمومتهم، او حتى أعمامهم الأحياء، وبالتالي لا بدّ من تخفيف الأزمة الداخلية بإعادة توزيع المناصب منعاً للإنفجار. ولكن المشكلة ستبقى حادّة جداً بين أبناء العمومة، إذ لن يقبلوا انحصار الملك والثروة والسلطة في عقب ثلاثة أبناء، والمناصب على كثرتها لا يمكن أن تكون كافية لآلاف من الأمراء وحتى الأميرات. لذا فإن الصراع سيتصاعد بشدّة داخل العائلة المالكة مع انتقال الحكم الى الجيل الثالث.

الثالثة: متى ستنتقل السلطة كاملة الى الجيل الثالث؟ هذا السؤال مهم جداً، لأن كل القضية معلّقة الآن بيد شخصين من الجيل القديم: الملك وولي عهده؛ وكلاهما مريضان، وفي أرذل العمر، وقد لا تتاح لهما الفرصة كثيراً لترتيب شأن الخلافة بعدهما، خاصة وأن الملك عبدالله هو الذي اقترح هيئة البيعة، وهو الذي قضى عليها قبل ان تبدأ عملها. ولا يبدو ان هيئة البيعة ستكون مرجعية ذات فائدة في الأساس، بتغلّب الثلاثي الأمني العسكري على الحكم. يبقى هل يقوم الملك العجوز المقعد غير القادر على أداء المسؤولية، والذي أُدخل المستشفى قبل أيام، وكذلك وولي عهده المصاب بالزهايمر، بالتقاعد مبكراً ليحلّ محلّهما ملك جديد وولي عهد جديد من أبناء الجيل الثالث؟ أم يبقيا الأمر لعوادي الزمن، بعد موتهما؟

ان التغيير تحت نظر الملك أفضل وأضمن للمستقبل، ولكن لا يبدو أن مثل هذه المقترحات التي تتضمن التنازل عن المُلك واردة في خيال الملك وولي عهده، فضلاً عن ان تكون مقبولة لدى حاشية كليهما.

يحتاج الثلاثي (رئيس الحرس، ووزير الداخلية، ووزير الدفاع) ان يستكمل اركانه ابتداءً بمعرفة من هو وزير الدفاع القادم، من أبناء الجيل الثالث.

ويحتاج هذا الثلاثي انسجاماً بين رموزه واتفاقاً على تسيير أمور الدولة بالتوافق بينهم.

ويحتاج هذا الثلاثي الى الوقت الكافي ليغرس جذوره، كل في وزاراته ويتخلص من المنافسين.

كما يحتاج الثلاثي الى مظلّة حماية ريثما يصل الى مواقع المسؤولية العليا في تقرير مصير العائلة المالكة وحكمها. هذه الحماية قد يوفرها الملك وولي عهده سلمان (الذي لا يظهر انه يقبل بذلك ما لم يكن لعقبه شيء من كعكة السلطة)؛ وفي حال موتهما، يحتاج الثلاثي الى مظلّة حمائية أخرى من بقايا أبناء عبدالعزيز/ الأعمام، يرجح أن توفيرها سيكون صعباً وبمساومات وبأثمان باهظة: إقطاعات اراضي ومليارات من الدولارات كرشوات!

الصفحة السابقة