وزير العدل الأمريكي معجب بالقضاء السعودي

أمريكا وحقوق الإنسان في السعودية!

توفيق العباد

قد لا يكون مؤلماً كثيراً، أنه وبعد يوم واحد من اعتقال الناشطين د. الحامد، ود. القحطاني، يلتقي وزير العدل الأمريكي ايريك هولدر بنظيره السعودي محمد العيسى في الرياض، وليبدي بعدها الوزير الأمريكي اندهاشه الإيجابي بنظام العدالة السعودي و(إعجابه بجهود خادم الحرمين لتطوير القضاء)!

ليس غريباً ان واشنطن ولندن وشقيقاتهما الغربيات لا ترى شيئاً في السعودية غير النفط والعقود وحكومة تابعة تطيع بقدر ما تستطيع!.

لا شيء يستحق الإلفات والإنتقاد. لا يوجد انتهاك لحقوق الإنسان من قبل الحليف السعودي، ولا أزمة حريات وديمقراطية تستحق من واشنطن الإشارة اليها لدى ذلك الحليف. الرصاص الذي قتل 16 شخصاً في القطيف، وجرح العشرات، والاقتحامات العسكرية واستباحة المدن والقرى، لم تغيّر من موقف الصمت اللندني والواشنطني!

لا نعلم ان كان هناك أحد من الناشطين قد انتقد الصمت الغربي ازاء ما يجري في السعودية. ولم يصل الى سمعنا أن هناك من تحدث في مقالة او تصريح مندداً بالموقف الغربي المنافق هذا. لا نظن أن احداً اهتمّ بموقف الغرب ازاء ما يمارسه آل سعود تجاه شعبهم. ربما لأن جميع الناشطين السياسيين والحقوقيين يدركون بأن معركتهم مع آل سعود ليست بعيدة أن تكون معركة مع الغرب نفسه. الكره لواشنطن ولندن متأصّل، ولا يوجد من يأمل خيراً منهما ومن شقيقاتهما. كما لا يوجد أحدٌ فيما نظن ينتظر من الغرب موقفاً من آل سعود لتخفيف التوتر او ينصحهم بشيء من الحرية والعدالة.

الحراك الشعبي بعيد جداً جداً عن التفكير بموقف الغرب، او هو يشعر بالحاجة الى دعمه. مثلما هي العواصم الغربية بعيدة جداً جداً عن الشعب المسعود، بعيدة عن مشاعره وتطلعاته، لا يهمها ـ وهي إذ تفرد مظلّة الحماية لآل سعود ـ ما يجري من انتهاكات وقمع، بقدر ما يهمها ما يمكن استخلاصه من مغانم من هذا الحليف السعودي الغبي.

لعل هناك فوائد كثيرة من صمت واشنطن ولندن بالذات. الصمت موقف مضاد للحراك الداخلي. لا شك في هذا. لا نشك ان الغرب ضد أية تحرك حقوقي سلمي سياسي من اجل الاصلاح والتغيير. ولا نشك لحظة بأن الغرب لن يجد أفضل من آل سعود في حماية مصالحهم، ودفع الخوّة والأتاوة اليهم بأشكال مختلفة (صفقات سلاح؛ وعقود انشاءات، ومتابعة في السياسات الخارجية، والاصطفاف مع الغرب لمكافحة ما يسميه بالإرهاب).

الصمت الغربي المطبق عن انتهاكات آل سعود يعني تأكيداً لعداوته لحركة الشعوب مهما تلفع بمزاعم الحرية والديمقراطية. وهو يفسر لنا بصمته ايضاً حجم مشاعر الكره والغضب الشعبي تجاهه، ليس فقط بسبب مواقفه من القضايا العربية والإسلامية الأخرى، بل وبسبب مواقفه ايضاً من قضية التغيير والإصلاح الداخلي وحمايته للديكتاتورية السعودية. ولذا لا يجب أن يسأل أحد الآن وفي المستقبل: لماذا لا يثق المواطنون المسعودون بالغرب؟ ولا لماذا يخوض الوهابيون ـ أو بعضهم ـ معارك ضد الغرب؟ ولا لماذا يفيض العنف المسعود الى خارج الحدود بسبب اتساع رقعة القمع المحلي ليصل الى اعماق اوروبا وامريكا؟ ولا يفترض أن نجهل أن معركة الإصلاح والتغيير هي في صميمها معركة ضد الغرب نفسه، الذي يزعم دعمها.

كل ما يستطيع الانجليز والأمريكيون فعله اليوم كمكافأة لآل سعود هو:

ـ عدم الضغط عليهم من اجل الإصلاحات واحترام حقوق الإنسان.

ـ توفير مظلة على المستوى الدولي الحقوقي والإعلامي لا تنتقد ممارسات النظام، وتتجاهل ما يفعله.

وفي المقابل، هذا الموقف الغربي متحمّل، وهو لم يضرّ الحراك المتصاعد في المناطق كافة، ولم يحبط الهمم، ولا وجد قبل ذلك من اعتقد بأن أمريكا ستدعم الإصلاحات. لا يوجد من توهم ذلك.

الحراك سيتصاعد، وله أدواته الشعبية والإعلامية التي تغنيه عن اعلام الغرب وأدواته.

وللحراك أدوات الضغط الشعبية تغنيه عن ضغط واشنطن ولندن الحاميتان الأساسيتان لملك آل سعود.

وتجاهل واشنطن الاعلامي والسياسي للحراك لا يعني عدم اهتمامها في الأصل بما يجري ومراقبته، ويكفي ان نطلع على وثائق ويكيليكس الأخيرة بشأن احداث القطيف ومتابعتها تفصيلياً الى أبعد الحدود.

وهذا التجاهل لا يغير من حقيقة ان واشنطن قلقة من الوضع السياسي وهي ترى بأم عينها كيف أن الخطوط الحمراء قد تجاوزها حراك الجماهير.

ان تعارض واشنطن وشقيقاتها الغربيات الإصلاح في السعودية لا يعني انها قادرة على فرض ذلك، وقد تكون معارضتها له ذات فائدة كمحفز للمواطنين الذي يلاحظون بوضوح كيف ان الأمريكيين يدعمون حكماً مستبداً يزعم تطبيق الشريعة! دعم واشنطن للرياض ليس في مصلحة آل سعود، انه ينقض شرعيتهم لدى فئات عديدة اعتقدت ان آل سعود ممثلي الإسلام والمدافع عنه.

ما نتوقعه أن العواصم الغربية ستصحو قريبا على واقع المعارضة المحلية، وستجد نفسها في وجه الشعب ونخبه الذين خذلتهم مراراً وتكراراً. لم تقف لا مع الليبرالي ولا الديني ولا الشيعي ولا السني ولا الحقوقي ولا غيرهم. انما وقفت مع الديكتاتورية، ومصير الديكتاتورية الزوال، شاء الامريكان ام أبوا.

الصفحة السابقة