السعودية تريد منع الهواء!

محمد شمس

يبدو أن هستيريا التدابير الأمنية التي تقوم بها وزارة الداخلية في الآونة الأخيرة للحيلولة دون تطوّر الحراك الشعبي واتساع رقعة الاحتجاجات في العالمين الإفتراضي والواقعي دفعت الحكومة السعودية الى التفكير في منع كل ما من شأنه التواصل بين المواطنين وتبادل أفكار في الاعتراض السياسي أو المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل.

تردد في الآونة الأخيرة خبراً رسمياً عن نيّة الحكومة السعودية حجب عدد من برامج التواصل الاجتماعي مثل فايبر وواتساب وسكايب، وقد فكّر الملك عبد الله في لحظة ما في شراء موقع (تويتر) بهدف إغلاقه ومنع تواصل المواطنين فيما بينهم. تلقى كثيرون الخبر على نحو غير جدي في البداية ولكن تبيّن لاحقاً أن الحكومة السعودية جادّة في حجب وسائل الاتصال الاجتماعي..

في الخبر، هدّدت هيئة الاتصالات السعودية في 24 مارس الماضي بحجب الفايبر والواتس أب وسكايب، في حال تعذر مراقبتها، والوصول إلى حل مع ملاكها كما أوردت صحيفة (الحياة).

وفوّضت الهيئة شركات الاتصالات المحلية بالتواصل ومخاطبة الشركات المالكة لهذه التطبيقات، لبحث إمكان فرض وتطبيق الأنظمة المحلية، خصوصاً الأمنية على استخدامها، وأمهلت الهيئة الشركات المحلية أسبوعاً واحداً للرد حول إمكان الرقابة والسيطرة من عدمها، وفي حال كانت الإجابة بـ(لا)، ستكون الخطوة التالية بحث الاستعدادات الفنية لمنع هذه التطبيقات في المملكة وحجبها.

وأكدت مصادر في اثنتين من شركات الاتصالات المحلية، أن هذا الموضوع هو الأبرز في اجتماع رؤساء شركات الاتصالات في هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. ونتج من الاجتماع توجيه رؤساء القطاعات التنظيمية لدى جميع مزودي خدمات الإنترنت والهاتف الثابت والجوال في السعودية ببحث إمكان تطبيق الأنظمة المحلية على بعض التطبيقات المشفرة – كما تم وصفها – ثم التوجيه بالاستعداد الفني الكامل لمنع التطبيقات في حال تعذر الوصول إلى حل مع الشركات المبرمجة والمصنعة لهذه التطبيقات.

وكانت شركات الاتصالات السعودية اتخذت إجراء مشابهاً قبل أكثر من عامين مع شركة RIM الكندية المصنعة لأجهزة البلاك بيري، وذلك حين طلبت السعودية ودول خليجية من الشركة تشغيل الخدمة من خلال سيرفرات داخل المملكة، وهو ما وافقت عليه RIM بآليات يحددها الطرفان بعد مفاوضات مطولة.

موقع (كارل ريماركس) نشر في 24 آذار (مارس) الماضي تعليقاً ساخراً وفانتازوياً عن هذا الموضوع تحت عنوان (السعودية تعلن قراراً تاريخياً بحجب كل شيء). وجاء في التعليق: في خطوة غير مسبوقة في نظام الحكم الحديث، أعلنت السعودية بأنها سوف تقوم بحجب كل شيء. الاعلان بعث بموجات صادمة في أرجاء المملكة والشرق الأوسط، تاركة الكثير من الحكومات تتساءل (لماذا لم نفكر في ذلك منذ البداية؟). في تعليق تهكمي وساخر يقول كاتب التقرير بأن القرار الجديد يتوقّع أن يؤول الى تثوير الحكم في هذا الجزء من العالم، وقد يكون له في واقع الأمر انعكاسات واسعة.

الاعلان، بحسب التصوير التهمكمي للموقع، جاء على لسان مسؤول سعودي في مؤتمر صحافي يتوقع أن يكون الأخير من نوعه لأن الموجزات الصحافية سوف يتم حجبها بصورة أتوماتيكية حين يدخل الحجب حيز التنفيذ. وقال الشيخ المنيع بأن هذا الحجب هو (اختراق بالنسبة لنا بعد أن تحققنا من أن مقاربتنا الوديّة كانت مضلّلة. فبعض العامة يعتقدون بأنه إذا لم يتم حجب شيء ما بصورة صريحة، يعتبر جائزاً. ولا بد من وقف هذا الإرباك وجعل الحياة أكثر سهولة للجميع، وإزالة ظلال الريب من عقول مواطنينا)

وأضاف بأن إدارته توقعت بتراجع معدلات الإضطرابات النفسية والانتحار بصورة لافتة بعد دخول (الحجب الكبير) حيز التنفيذ (لأن مستويات التوتر والقلق سوف تنخفض بصورة لافتة حين تتم ازالة الريب). البرنامج الوطني لمراقبة الصحة الجيدة والسعادة سوف يتم إدخاله في موازاة ذلك، بالرغم من أنه لم يكن واضحاً سبيل عملها لأن الاستطلاعات والاستبيانات سوف يتم حجبها هي الأخرى.

المنيع يشرح ذلك بأن الحجب ليس قانوناً بالمعنى الحرفي للمصطلح، “لأن ذلك سوف يكون ضد روح الحرية”، ولكنه “مبدأ عام”. ويشرح ذلك بأنه سوف يكون هناك من الطبيعي استثناءات، ولكنه لا يتوقّع سوى القليل منها التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة (الحد الأدنى لضمان عمل المجتمع بانتظام).

“لعقود خلت أمضينا آلاف الساعات كل عام وتوصلنا الى حجب أشياء جديدة. لقد أثبت ذلك بأنه مرهق، وعقيم، وغير مثمر. وسوف نؤسس الآن إدارة لترخيص النشاطات المسموح بها، بما يمكننا من تعريف القضايا بصورة أكثر فاعلية. إنها أيضاً خطوة كبيرة باتجاه الحريات الاجتماعية، لأنه منذ الآن فإن السعودية لن تقوم بحجب أي شيء، مرة أخرى”.

كان هناك صمت مريب بعد أن ختم المنيع حديثه لأن الصحافيين الحاضرين كانوا غير واثقين ما إذا كان مسموح لهم توجيه أسئلة، بما في ذلك أسئلة حول ما اذا كانت الأسئلة لا تزال مسموحة. بعد 15 دقيقة من الصمت الخصامي، الفريق الصحافي الرسمي فهم ما كان يجري وأن المنيع أعلن بأنه سيكون هناك إستثناء لمرة واحدة.

في الاجابة على العديد من الأسئلة حول أشياء مثل أكل الآيس كريم، واستعمال وسائل الاتصال الاجتماعي، وارتداء الغترة البيضاء، أجاب المنيع في هيئة كليشه (إن لم تكن واثقاً، لا تعملها). وبحسبه فإن الشعار الجديد سوف يتم عرضه على لائحة ارشادات لتذكير العامة بهذا المبدأ الحاسم.

ويمضي التصوير الساخر لما ستكون الحال فيما لو قررت الحكومة السعودية اعتماد مبدأ حظر تطبيقات التواصل تلك وقال: وقد ظهر لاحقاً بأن الاتحاد الاوروبي عقد جلسة طارئة لمناقشة (الحظر السعودي الكبير) ودلالاته. وكان الاجتماع عاصفاً، وكان كثير من القادة الاوروبيين غاضبين. (لقد جنّدنا آلاف الموظّفين، فكيف لم يتوصّل أي منهم الى فكرة بهذه القيافة والروعة والبساطة؟ “لقد نزلت بنا هزيمة في لعبتنا من قبل السعوديين، وهم متخلفون عنا بعيداً في موضوع السياسة الاجتماعية”. تلك المشاعر وأمثالها كانت تتردد أصداؤها في صالة الاجتماع، حيث أن الاجتماع انحدر الى فوضى. وأصدر الاتحاد الاوروبي بياناً أقرّ فيه بـ (خسارة معنوية) ولكن وعد بالتعلّم من المقاربة السعودية الخلاّقة.

ولكن قبل النشر، تم الإعلان عن أن رئيس بلدية نيويورك مايك بلومبيرغ تحوّل الى الاسلام وأبدى رغبته في الانتقال للعيش في السعودية. لم يكشف عن أسباب ذلك، ولكنّه تبنى تخميناً راديكالياً.

الصفحة السابقة