ربيع القاعدة.. في السعودية أيضاً؟

ناصر عنقاوي

قالوا إنه (الربيع العربي) والأمراء السعوديون سخروا ووصفوه بـ (الشتاء العربي القارس) كما قال رئيس الإستخبارات السابق الأميرر تركي الفيصل.

قالوا إنه (ربيع الديمقراطية) و(ربيع الشعوب)؛ وقال معارضوه بأنه (ربيع أمريكا) (ربيع الفوضى والسلاح والتطرّف).. والأهم: (ربيع القاعدة)!

لماذا (ربيع القاعدة)؟

كان يقال بأن الثورات العربية كانت قد قدّمت البديل عن القاعدة:

فالثورات مادّتها عامة الشعوب، فهي ثورات شعبية نابعة من (القاعدة) وليست كما تنظيم القاعدة، الذي لا يمثل سوى شرائح محدودة.

والثورات قدّمت نموذج (السلمية) في التغيير مقابل (السلاح) الذي تنهجه القاعدة.

والثورات قدّمت هدفاً أكثر تحضّراً وهو: (الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان) مقابل هدف (إقامة دولة الخلافة) بعقلية ما قبل القرون الوسطى الذي تنهجه القاعدة ضمن رؤية أحادية ضيّقة متطرفة.

إذن لماذا انتشرت القاعدة، في عهد الثورات العربية؟

لماذا أصبحت القاعدة قويّة ومنتشرة في أكثر من دولة عربية واسلامية في لحظة يفترض أنها لحظة انهزام نموذجها؟

لماذا لم تعد عناصر القاعدة من المحيط الى الخليج الى المحيط الهادئ الى أعماق أفريقيا تخشى الاعلان عن نفسها وحتى انتسابها الى القاعدة كما كانوا يفعلون سابقاً قبل الربيع العربي؟

لماذا يحمل متظاهرون في البحرين علم القاعدة؛ ويردد أنصارها في الكويت: (أسامة.. أسامة كلنا أوباما)؛ ويصرّح موالوها في الأردن علناً في وضح النهار وعلم القاعدة يرفرف الى جانبهم؟

لماذا تضخّمت القاعدة أنصاراً وسلاحاً في دول الربيع العربي كما في تونس وليبيا ومصر فضلاً عن اليمن وسوريا وغيرها، بالرغم من حضور النموذج الديمقراطي المفترض؟

سببان لا ثالث لهما وراء كل هذا:

الأول ـ أن سقوط الأنظمة الديكتاتورية جعل كل القوى المقموعة والتي كانت تتنفس تحت الأرض، أن تخرج وتعلن عن نفسها، ومن بينها بالطبع القوى السلفية وفي طليعتها القاعدة. وما كانت هذه لتخرج وتتمدد لولا أن هناك متسع من الحرية، كبير جداً، بسبب حالة الإنتقال السياسي من نظام الى آخر، وضعف السلطة المركزية التي تتشكّل والتي لا تستطيع أن تواجه القوى الجديدة المحصّنة بالحريات من جهة، وبالضعف الطبيعي للسلطة المركزية الناشئة.

الثاني ـ أن ثورات الربيع العربي لم تسقط أنظمة فحسب، بل أضعفت أنظمة أخرى شعرت بخلخلة من حراك شعبي متصاعد قد يصل الى حدّ الثورة سلمياً كما في البحرين، او كحراك شعبي ديمقراطي متصاعد كما في الكويت والأردن.. في كل هذه الدول نشطت القاعدة وتصاعد نفوذها وأعلنت حضورها برموزها. إن ضعف الأنظمة في مرحلة ما بعد الربيع العربي، أو لنقل بأن تصاعد الحراكات الشعبية في أنظمة عديدة شعرت بالضعف، ما خلق مساحة للقاعدة وغيرها بالعمل بكثير من الجرأة.

ولكن ماذا عن الحالة السعودية؟

لنقل ابتداءً بأن هناك أنواع من الحراكات، تلتقي وتتفق على أهداف عامّة تحت يافطة (التغيير) الذي قد يكون شاملاً بما يشمل تغيير بنية النظام السياسي من أصله، أو تغيير سياساته، أو المطالبة بإصلاحات محدودة. هذا الأمر موجود في كل المناطق تقريباً.

في المنطقة الشرقية يمكن ان ترى من يطالب بإسقاط النظام السعودي، ومن يريد اصلاحه سياسياً فيما يتعلق بإفساح المجال للمشاركة السياسية، وهناك من يطالب بحدّ أدنى: الغاء التمييز الطائفي؛ وإطلاق سراح المعتقلين.

القاعدة موجودة أساساً في المنطقة الوسطى، وهي لا تظهر بأعلام القاعدة، وإنما بصورة الدفاع عن (حقوق السجناء) والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وهم بالآلاف.

القاعدة لا تطالب بإطلاق كل السجناء، بل بالسجناء المتهمين بالانتماء للقاعدة والذين تتهمهم الحكومة بالتنظير الديني لها، او تأييد تفجيراتها في الداخل، والذين لم يحظوا بحقوقهم كسجناء من محاكمة عادلة ومعاملة انسانية داخل السجن.

هؤلاء المؤيدون لإطلاق سراح السجناء في الوسط، حيث النفوذ القاعدي السلفي، ورغم ظهورهم بمظهر المطالب بالعدالة للسجناء، فإنهم لا يريدون ان تشمل مطالبهم كل السجناء ممن يختلف معهم بالرأي، بل على العكس يريدون من الحكومة في الوقت نفسه أن تقمع منافسيهم أو من ينظرون اليهم بالعداوة على خلفية طائفية مثلاً. في مظاهرات القاعدة واعتصاماتها ظهرت شعارات تقول مثلاً: (يا بن نايف يا سخيف.. وين القوة في القطيف) اي انهم يحرضون النظام على استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين في المنطقة الشرقية، الذين يدافعون عن كل المعتقلين ويرفعون صورهم في مظاهراتهم!

حتى الآن لم تظهر اعلام القاعدة في النشاطات والفعاليات السياسية في بريدة ومنطقة القصيم بشكل عام كما في الرياض ايضاً.. لكن من الواضح ان الاعتصامات النسائية والرجالية في معظمها يقوم بها أهالي موالون للقاعدة. قد يختلط معهم في بعض المناسبات، نشاط الحقوقيين مثلما تفعل قيادات وأعضاء جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، مع التأكيد على تمييز بين الطرفين في الأهداف والوسائل وشمولية تطبيق العدالة ونيل الحقوق.

القاعدة صار لها صوت في السعودية بعد الربيع العربي، فقد حفّزها نشاط السياسيين الشيعة في المنطقة الشرقية لتقوم بالمثل: التظاهر والإعتصام، وإن لم تقم السلطة بالتعامل معها بالرصاص مثلما فعلت في القطيف. ولكن السلطة خرقت حواجز اجتماعية ودينية حين اعتقلت النساء في الرياض والقصيم على خلفية الإحتجاجات.

القاعدة ليس هدفها اطلاق السجناء فقط، ولكن هذا هو ما أتاحته لهم تأثيرات الربيع العربي، وإذا ما توسّع الأمر، فلربما زادت الاصوات المطالبة بالتغيير الشامل، واسقاط النظام (الكافر بنظرهم) وهو النظام السعودي.

القاعدة تعيش ربيعاً في السعودية أيضاً.. ولكنه ربيع محدود بأية حال، ولكنه ربيع بامتيازات غير مسبوقة.. إذ لم تحدث في السعودية ان خرجت تظاهرات واعتصامات رجالية ونسائية من معقل السلفية في نجد.

هو ربيع مميز.. قد يفضي الى توسّع في المستقبل.

الصفحة السابقة