بعد غياب الحمدين:

العلاقات السعودية القطرية

يحي مفتي

ثلاثة أسباب أدّت الى التغييرات العاجلة في قطر:

ـ مرض الأمير السابق الشيخ حمد بسرطان المعدة، إضافة الى كونه يعاني من مرض السكر الحاد، وفشل كلوي، حيث فشلت عملية زراعة كلى سابقة، وقد أبلغه الأطباء بأن فرصته في الحياة باتت ضئيلة، الأمر الذي استوجب قراراً حاسماً في مستقبل الحكم.

ـ الخلافات الحادة داخل العائلة الحاكمة وعلى وجه الخصوص بين جناحي آل ثاني والمسند، وتحديداً بين الشيخة مريم بنت محمد آل ثاني، زوجة وبنت عم الشيخ حمد بن خليفة، وهي والدة مشعل النجل الأكبر للأمير السابق، والشيخة موزة المسند، والدة الأمير تميم، الحاكم الحالي لقطر.. وهناك خشية جديّة من أن تنفرد عائلة المسند بالسلطة من خلال الشيخة موزة التي باتت تمسك بمفاصل رئيسية في الدولة القطرية.

ـ انفلات الدور القطري عن حدود السيطرة بعد صعود تيار الاخوان المسلمين في مصر، بما يهدد مصالح الولايات المتحدة وأن قطر بهذا الحجم والعدد لم تعد قادرة على التأثير ولا بد أن يكون لها دور ثانوي في ملفات سوريا وليبيا ومصر والعراق ولبنان، وأن الأميركيين غير راضين عن تقوية الاخوان..

ذلك كله يأتي في وقت تضررت فيه صورة قطر كثيراً في الآونة الأخيرة وسقطت هيبتها في أكثر من بلد عربي (مصر وليبيا وتونس)، وحتى قناة (الجزيرة) التي كانت الرافعة الرئيسة لصورة قطر في الخارج، والاداة الفاعلة في الربيع العربي على الأقل في مصر وليبيا وسوريا، ليست هي كذلك اليوم، فقد خسرت القناة 55 مليون مشاهد عربي في الآونة الأخيرة، ويرجع المراقبون ذلك الى الحمدين، الأمير السابق ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، وجاء الفصل الثاني من الثورة المصرية في 30 يونيو ليجهز على مصداقية القناة القطرية..

التغييرات سالفة الذكر، مهّدت الى خروج ملفات إقليمية وعربية من الحوزة القطرية، فقد تحوّل الملف السوري من قطر الى السعودية، وكان التغيير في قطر مناسباً لمرحلة التحوّل تلك..

وصول الشيخ تميم بن حمد الى سدة الحكم في قطر عنى كثيراً للسعوديين، فالرجل كان يرأس لجنة العلاقات القطرية السعودية وهو المسؤول عن متابعة ملف الخلافات بين الرياض والدوحة، وكان على استعداد لفعل كل ما يمكن من أجل تسوية الخلافات مع القيادة السعودية طمعاً في الوصول السلس الى العرش..

وصول الشيخ تميم الى رأس السلطة في شبه الجزيرة الصغيرة عنى لآل سعود العودة الى الحجم الطبيعي لقطر والتخلي عن الطموحات الكونية، والاشتغال على قضايا الداخل وفي الحد الأقصى قضايا التعاون الخليجي.. وقد نقلت مصادر قطرية عن أن القيادة الجديدة ستصرف جهودها لتعزيز الاستثمار والعمل على برامج التنمية في الداخل والتخلي عن بعض الملفات الساخنة بما في ذلك الملف السوري..

ينظر الى خروج قطر من سباق المحاور مع الشقيقة الكبرى على أنه إعادة الامور الى نصابها خليجياً، وإعادة تنصيب الرياض كراعية نهائية لشؤون الخليج خصوصاً وعلاقاته بكل ما يحيط به..

بعثت الدوحة برسائل شبه واضحة الى الحلفاء والأصدقاء بأنها بصدد مراجعة سياساتها السابقة، وعليهم أن يتوقعوا قرارات تتناسب وتوجهات القيادة الجديدة. ولن يكون بمقدور الاخيرة تبني مواقف متناقضة مع قيادات دول مجلس التعاون الخليجي. ويربط المراقبون متغيرات متوالية مع بعضها بدأت من تخلي قطر التدريجي عن الاخوان المسلمين في مصر، بعد إسقاط مرسي، ومن ثم الطلب من الشيخ يوسف القرضاوي بتخفيف التصريحات في السياسة والتدخل في الشؤون المصرية، وقيل بأن القيادة القطرية الجديدة طلبت منه في حال عدم التوقف عن الكلام في السياسة بالبحث له عن مكان آخر..

بالنسبة لحركة حماس، بكونها أحد فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فإن ثمة خيبة أمل كبيرة يعاني منها قادة الحركة منذ انتقالهم الى القاهرة والدوحة ومغادرة دمشق وبيروت.. وفيما وضعت قيادة الحركة في الخارج، وخصوصاً خالد مشعل وموسى أبو مرزوق كل الرهان على مصر وقطر، فإن ما حصل من تغييرات جوهرية في الاخيرتين وضع الحركة في أتون خيارات حرجة للغاية، لا سيما وأن الابواب الأخرى الخليجية والعربية بقيت موصدة أمامها لاسيما السعودية التي لا تزال تعتبر فتح برئاسة محمود عباس هي خيارها ورهانها، وكذلك الحال بالنسبة للإمارات والكويت اللتين لم تقدما تلميحات حتى لجهة الترحيب باستقبال قيادات حماس دع عنك احتضانهم..

من الواضح أن الرياض مرتاحة لما حصل من تغييرات في الدوحة، فقد ارتاحت من شخصين لدودين، ولا سيما حمد بن جاسم الذي كشف ذات اتصال عن خطة تقسيم السعودية باتفاق مع جهات في الولايات المتحدة..

يشعر خصوم ال سعود في الجانب القطري بالخيبة لأن أوراق اللعبة التي كانوا يمسكون بها، وكانت تغيظ القريب والبعيد وفتحت أمامهم أبواب القدر لأكثر من عقدين تساقطت، في وقت كانت لا تزال تحقق أهدافها، من بينها الورقة اليمنية التي لعب القطريون دوراً رئيساً سواء في المصالحة بين الحوثيين والنظام اليمني، أو حتى بعد الثورة وانقلاب قوى سياسية يمنية، ولا سيما الاصلاح المقرّبة من الاخوان المسلمين، والورقة السورية التي كان للقطريين دور جوهري فيها لولا سقوط مرشحهم مصطفى الصباغ في انتخابات الائتلاف السوري لصالح مرشح السعودية أحمد الجربا، والورقة المصرية التي خسروها مؤخراً بعد أن كان القطريون هم الداعم الأكبر لنظام الاخوان، ما حدا ببعض السياسيين والاعلاميين المصريين توجيه انتقادات لاذعة لدور قطر في مصر، أما الورقة التونسية فقد خسرها القطريون في مرحلة مبكرة بسبب انكشاف دورهم، تماماً كما هو الحال بالنسبة لدورهم في ليبيا حيث لم يقطف القطريون منها ثماراً كثيرة، رغم تعويلهم على النفط والغاز الليبيين ..في لبنان، وجهت ضربة قاصة لقطر عقب ضرب حركة أحمد الاسير المدعوم من قطر، ما جعل الأخيرة مجرد لاعب رمزي يكاد يلفظ أنفاسه..

باختصار، يشعر السعوديون بأنهم يرثون الدور القطري، الذي لم يعد قائماً بانتظار ما سوف تسفر عنه مراجعة السياسات القطرية السابقة..

الصفحة السابقة