بندر واللعبة القذرة في سوريا ولبنان

محمد الأنصاري

ليس سراً إمساك الامير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة، بملفي سوريا ولبنان، فهو اختار اللعبة القذرة على أصولها، وليس في ذلك جديد، فهي اللعبة المفضّلة لدى الأمير الطموح.. والمغرور أيضاً..

قرر أن يلعب مع صانعي السجادة اليدوية، الايرانيين، رغم أنه لم يحقق نجاحاً واحداً فضلاً عن أن يكون هذا النجاح كاسراً. اشتغل لسنوات طويلة على محاصرة ايران أوروبياً وعربياً وأميركياً.. ويمكن القول بأن النجاحات التي حققها الايرانيون في ظل الحصار تعود في جزء أساسي منها الى بندر بن سلطان الذي فجّر الطاقات الكامنة لدى الايرانيين حتى أنهم باتوا منافسين كبار في عدد من الصناعات، بل إن البحوث العلمية التي قدّمها الايرانيون بحسب المؤسسات المعنية بالابحاث العلمية تفوق كل بلدان الشرق الأوسط باستثناء تركيا، وأن براءات الاختراع التي حصل عليها الايرانيون تفوق بمئة ضعف ما لدى السعودية، التي يحارب بندر بإسمها ومن أجلها.

يراهن بندر على سقوط النظام السوري من أجل تفكيك معسكر ايران الممتد من طهران الى بيروت وغزة مروراً ببغداد ودمشق، ولذلك يبدو الأشد حماسة للخيار العسكري ولرفع وتيرة التسليح للمعارضة السورية، وكان يصر على أن يعتنق الحلفاء الكبار من واشنطن الى لندن وباريس الحل العسكري.. ولأن الجيش السوري الحر يتألف من عناصر منشقة من الجيش النظامي المتدرب في الاصل على أسلحة روسية وشرقية، فقد عمل بندر على عقد صفقات أسلحة مع عدد من الدول الاشتراكية مثل أوكرانيا وكازاخستان ونقلها الى تركيا ومن ثم الى داخل سوريا.

الهدف هو استعادة النفوذ السعودي الضائع منذ ثلاثة عقود، عبر اسقاط النظام السوري، وحكماً اسقاط الحلف الايراني ـ السوري؛ وعبر اسقاط حزب الله، وذلك في حصار محكم داخل قفص محكم في محيط أكثرية سنية تصل الى 18 مليون سني في سوريا، ومليون ونصف المليون في لبنان. وقد بدأت حالات تسليح لافتة في الشهور الاخيرة، في سياق استعدادات لخوض معارك حاسمة على الساحتين السورية واللبنانية.

تحرك بندر بقوة كي يحصن موقع سعد الحريري من خلال بناء حلفاء جدد مثل وليد جنبلاط وسمير جعجع للسيطرة على الوضع اللبناني والحيلولة دون سيطرة حزب الله.

وحده الأمير بندر من غامر في التسليح، دون اكتراث لمخاوف الاوروبيين والاميركيين من وصول الاسلحة الى القاعدة. ولكنه اخذ على عاتقه هذا الأمر وأمر بإرسال صواريخ تحمل على الكتف مضادة للطائرات، رغم ما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة حيث قد تقع في أيدي أطراف غير مسؤولة، ولكن كما يقال فإن المهم لدى الأمير بندر هو إسقاط النظام السوري. وعندما خسر القصير رأى ان عليه التفكير في خيارات عاجلة، ولذلك ذهب الى فرنسا وطلب تدخل فرنسا لتسليم السلاح الى المعارضة السورية، وأن يقوم الرئيس هولاند رئيس فرنسا بالاتصال بالرئيس الاميركي باراك اوباما ورئيس وزراء بريطانيا لاتخاذ قرار بتسليح المعارضة السورية.

وهكذا كان؛ اذ توصل الامير بندر الى تحريك اعضاء الكونغرس وتشكيل لوبي دعم كبير لتسليح المعارضة السورية من قبل أميركا. كذلك استطاع الحصول على موافقة فرنسية - بريطانية من اجل السيطرة على تسليم الاسلحة الى المعارضة عبر تركيا والاردن، ولما تطورت الامور بشكل متسارع رأى الاردن ان عليه طلب ابقاء طائرات ال اف 16 في الاردن وترك صواريخ باتريوت، لأنه يعرف أنه سيشترك في حرب مع روسيا عندما يبدأ بتسليح المعارضة السورية وبالتالي ستضغط الاردن على اميركا كي تبقي الطائرات الاميركية الصنع لديها مع طياريها المقاتلين. ومن جهة ثانية فإن تركيا مليئة بصواريخ الباتريوت وهي تريد الاشتراك في الحرب لكن الشارع التركي بدأ يغضب ويثور ويعتبر ان بلاده تتحول الى دولة هي غير دولة اتاتورك.

لكن ايران جاهزة للتدخل بجيش من اربعة ملايين جندي على طول الحدود مع تركيا وعبر اختراق العراق وصولا الى سوريا. واذا تدخلت اميركا واشتبكت مع الجيش الايراني فإن ايران ستقصف مصادر النفط في الخليج كله كما ستفجر سفن في خليج مضيق هرمز مما يعني ان سعر النفط سيرتفع الى 300 دولار للبرميل، وهذا لا يتحمله المستهلك الاميركي ولا غير الأميركي.

وصلت الحرب في سوريا الى ذروتها وأن وتيرة التسليح على مستوى المعارضة والجيش النظامي بلغت مداها، فالاخير بدأ يتسلم اسلحة متطورة من روسيا التي حالت دون فرض منطقة حظر جوي على سوريا، وهذا يعني ان طائرات الحلف الاطلسي لا يمكنها ان تطير فوق سوريا، وان روسيا مستعدة لتسليم صواريخ اس اس 300 خلال ساعات الى سوريا، اذا سلحت اميركا المعارضة بكميات كبيرة من الأسلحة. وبالتالي فإن ميزان القوى سيحاول ان يكون مستقيما بين الطرفين: اوروبا واميركا تسلحان المعارضة؛ وروسيا تسلح الجيش النظامي. واذا استطاع الجيش النظامي السيطرة يكون قد ربح الحرب، وضرب خطة الامير بندر التي هي خطة السعودية كلها، اما اذا لم يستطع فيعني ذلك ان السعودية نجحت بضرب الحلف الايراني السوري مع حزب الله.

بعد قرار تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية، نشرت وكالة رويترز في 17 يونيو الماضي خبراً عن قيام السعودية بتزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات (على نطاق صغير) منذ نحو شهرين. ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع ان الصواريخ التي تطلق من الكتف تم الحصول على معظمها من موردين في فرنسا وبلجيكا، مضيفا ان فرنسا دفعت تكاليف نقل الأسلحة إلى المنطقة.

وأضاف المصدر أن الامدادات تصل إلى اللواء سليم إدريس رئيس أركان الجيش السوري الحر الذي مازالت السعودية تعتبره «القائد» الرئيسي في المعارضة السورية. وقال المصدر الخليجي إن السعودية بدأت في القيام بدور أنشط في الصراع السوري في الآونة الاخيرة بسبب تصاعد الصراع. لكنه لم يذكر تفاصيل.

ما قيل لاحقاً هو الأهم، فقد بدأت الامدادات السعودية بالصواريخ قبل أن تعلن الولايات المتحدة الحليف الرئيسي بأنها سترسل أسلحة الى المعارضة السورية وهو تطوّر تشجع عليه الرياض منذ فترة طويلة، وقد تناقش الملك عبد الله مع الرئيس الأميركي في 13 يوليو الجاري موضوع تزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية.

وجاء الاتصال بعد أن عقد أمراء سعوديون كبار اجتماعات مع العديد من الحلفاء الأوروبيين لبحث الوضع في سوريا. واحتلت باريس بؤرة هذه اللقاءات وقد زارها في مايو الماضي وزير الداخلية الامير محمد بن نايف كما زارها لاحقاً رئيس المخابرات الامير بندر بن سلطان ووزير الخارجية الامير سعود الفيصل، وأخيراً الامير متعب وزير الحرس الوطني في 20 يونيو أي بعد أيام من زيارة بندر وسعود. كما اجتمع ولي العهد السعودي الأمير سلمان مع وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند في جدة في اوائل يونيو الماضي.

وتقول مصادر دبلوماسية في الرياض بأن السعودية وفرنسا وبريطانيا تجمعهما ارضية مشتركة بشأن السعي لدى واشنطن لاتخاذ اجراء أكثر حسما ضد الأسد. لكن المصادر تقول ان الدعم الذي تقدمه السعودية يخفي دوما بواعث قلق من ردود فعل عكسية من جانب جماعات اسلامية أكثر تشددا تقود المعركة ضد الاسد. وأمضت الرياض سنوات في محاربة متشددين محليين شنوا حملة تفجيرات ضد أهداف سعودية وامريكية في العقد الماضي بعد عودتهم من القتال تحت راية الاسلاميين في افغانستان والعراق.

معارضون سوريون ينظرون بريبة الى الدعم السعودي، فمعارض سوري بارز يرى بأن السعوديين يخوضون معركة (الائتلاف) خلف ميشيل كيلو، ويدعمونه لإزاحة القطريين وإعادة توحيد المعارضة تحت زعامة بندر بن سلطان الذي يشرف على تسليحها في اسطنبول، فيما يشرف الأمير سلمان بن سلطان من عمّان، حيث يقيم، على دعمها مالياً، والإشراف على الجبهة الجنوبية ومنطقة درعا.

ونقلت جريدة (السفير) عن عضو بارز في (اتحاد الديموقراطيين) إن جربا، رئيس الائتلاف الحالي، تنبؤه بأنه سيحصل على أكثر من 53 صوتا، هي مجموع أصوات الديموقراطيين العلمانيين الـ27 و15 ممثلا عن «الجيش الحر» الذي يرأسه اللواء سليم إدريس وبعض أصوات «الحراك الثوري».

وسهل السعوديون لـ»الكتلة الديموقراطية» الحصول على أصوات «الجيش الحر» من خلال سيطرتهم على السياسي لـ»المجلس العسكري الموحد» الذي يدعمونه بالسلاح والمال. كما أن «الجيش الحر» بات يعد أحد الأجنحة العلمانية الأساسية لـ»الثورة» السورية، نظرا للرهانات المعقودة عليه لتحديد نفوذ «جبهة النصرة» والجماعات «الجهادية». ووفق المعادلة الجديدة حصل إدريس في التركيبة الجديدة على إشراف مباشر على الدعم العسكري والمالي من دون المرور بمكاتب الائتلاف.

ومع خروج مصطفى الصباغ من رئاسة الائتلاف وصعود أحمد الجربا، يكون بندر قد فرض سيطرته الكاملة على الملف السوري باستبعاد أي دور عملي لقطر. نشير الى أن الصباغ كانت تربطه شراكة تجارية قديمة مع أسرة العطية التي ينتمي اليهاوزير الخارجية القطري خالد العطية، المشرف الأساسي على الملف السوري منذ بداية الأزمة.

كان صعود الجربا مؤشراً كافياً على استلام بندر ملف الائتلاف السوري المعارض. ورغم محاولة مصطفى الصباغ للاحتفاظ بموقعه الا ان فشل في اقناع حلفاء وأنصار بما في ذلك الاخوان الذين تلقوا ضربة قاصمة بعد الاطاحة بالرئيس محمد مرسي في مصر والتأييد السعودي السريع للحكم الجديد.

الاعلام السعودي روّج كثيراً لشخصية اللواء سليم إدريس، الحليف المقرب من الأمير بندر بن سلطان، والذي يعتبره ال سعود الرجل الذي يمكن الرهان عليه في مرحلة مقبلة، أي ما بعد اسقاط النظام السوري.. صحيفة (الشرق الأوسط) وصفت سليم ادريس بأنه (الوجه الحسن للثورة السورية) في مقابل جبهة النصرة التي تمثل وجهاً قبيحا أخاف الغرب.

يبدو ادريس طموحاً وواثقاَ من قدرته على ادارة المعركة، متعهداً بأن يترك السياسة لأهلها وأن يعيد كل قطعة سلاح حصل عليها، وقد منحه ذلك ثقة حكومات غربية وعربية، وذكرت (واشنطن بوست) بأن ادريس قادر على بناء جيش متماسك من المعارضة وبإمكانه إلحاق الهزيمة بنظام الأسد والتصدي للجماعات المتطرفة وتالياً بناء دولة سوريا جديدة مستقرة، وقد وصفته الصحيفة بأنه (حجر الزاوية في استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة، حيث إن مواقفه المسؤولة والمعتدلة كانت العامل الذي جعل الإدارة تراهن عليه).

يتمتع ادريس بمهارات علمية وميدانية عديدة، فهو حائز على شهادة دكتوراه في قسم الاتصالات الالكترونية ولديها 12 مؤلفاً، وعمل محاضراً في الشؤون العسكرية الدقيقة، ويتقن خمس لغات، وقد انشق في 20 أغسطس من العام الماضي، وانتقل للعيش في تركيا وانتخب رئيساً لهيئة أركان الجيش الحر في ديسمبر من العام الماضي.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذا: ماذا سيكون مصير بندر إن فشل في تحقيق نصر في سوريا، وتالياً في لبنان؟

الصفحة السابقة