الاقتصاد السعودي

بين التوقعات العالية وخطر الانهيار

تقول دراسة إقتصادية صدرت مؤخراً عن البنك السعودي الأميركي (سامبا) بأن التأثيرات الاقتصادية المتوقعة لحرب العراق على السعودية كانت قليلة، حيث شهد الاقتصاد السعودي تطوّراً اقتصادياً ملحوظاً سنة 2003، وهو تطور يرشح له الاستمرار لسنة قادمة حسب تقرير أعدّه خبير إقتصادي كبير في البنك المذكور، الذي اعتبر 2003 سنة إستثنائية للاقتصاد السعودي. فقد بلغت العائدات النفطية 85 مليار دولار، وهو إرتفاع لم تشهده البلاد منذ عشرين عاماً.

في هذا العام، تقدر زيادة إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.8 بالمئة كإنعكاس للمداخيل النفطية العالية، مع مديونية متوقعة تصل الى 96 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. وعليه فإن الاداء المالي في السنة الحالية يجب أن يكون قوياً حسب الخبير الاقتصادي مع فائض متوقع في الميزاينة في مقابل إنخفاض في الدين العام الحكومي وزيادة في الاحتياطي الاجنبي للبنك المركزي.

وبالرغم من أن أسعار النفط يتوقع لها أن تتراوح ما بين 24 و28 دولاراً للبرميل الواحد في عام 2004، فإن المداخيل النفطية يحتمل إنخفاضها من المستويات الحالية. وعلى هذا الاساس، فإن نمو إجمالي الناتج المحلي في عام 2004 سينخفض بنسبة 1.6 بالمئة نتيجة لانخفاض الانتاج النفطي بمرور السنوات، ولكن القطاع الخاص لابد أن يشهد نمواً عالياً أكبر مما هو عليه الحال في عام 2003.

وتفيد التقديرات بأن التضخم سيبقى منخفضاً السنة القادمة، كما أن معدلات الفائدة والتي مازالت منخفضة والمرتبطة بشكل أساسي بأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ستزداد في حال حدث تحوّل في الاقتصاد الاميركي.

على أن هذا النمو المحكوم لمتغيرات اقتصادية غير مدركة يجب أن تدرج في سياق متغيرات أخرى داخلية ذات أهمية بالغة. فإجمالي عدد السكان، على سبيل المثال، بحسب التقديرات الحالية تتوزع ما بين 16 مليوناً من السكان الاصليين وبين 5 إلى 6 ملايين من الوافدين، فيما يصل النمو السكاني الى 3.5% حالياً. ويفيد تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والتخطيط بأن معدل الولادة في السعودية قد ارتفع الى 55.5 طفلاً في الساعة، أي 486 ألف طفلاً يولدون كل عام. وهذا يعني أيضاً بأنه بعد مرور عقد من الزمن سيكون هناك ما يزيد عن 6 ملايين مواطناً يمثلون 30 بالمئة من اجمالي السكان الحاليين. في المقابل يصل النمو الاقتصادي من 1 - 2% فقط، الأمر الذي سيضاعف من الاعباء الاقتصادية على كاهل الدولة، التي ستكون مسئولة عن توفير الماء والسكن والكهرباء ومستشفيات ومدارس وجامعات وبنية تحتية ووظائف. في الوقت الراهن يتم تخصيص ثلثي الميزانية لدفع رواتب الموظفين، فيما يتبقى ثلث من اجمالي الميزانية والذي يصرف على مشاريع الوزارات وبرامجها. وفيما تسير عمليات الخصخصة واسترجاع رؤوس الأموال المهاجرة والمستثمرة في الخارج ببطء شديد بسبب معوقات أمنية واقتصادية وقانونية، فإن الفرص الاقتصادية باتت جد ضيئلة أمام السعودية فيما تقتنص دول الجوار مشاريع الاستثمار الاجنبي وخصوصاً في قطاعي النفط والغاز.

وتتزايد التحذيرات من إنخفاض سعر البرميل النفطي الى مستويات منخفضة والتي ستؤدي ـ حال حدوثها ـ الى إفلاس اقتصادي. وبحسب تقديرات مراكز اقتصادية عالمية فإن وصول سعر البرميل الى 17 دولاراً للبرميل الواحد سيجعل الدولة السعودية على حافة البقاء، إما اذا إنخفض بمعدل دولار واحد فإنه سيعيدها خمسا وعشرين عاماً للوراء، وفي حال تواصل تدهورت أسعار البترول بحيث تصل الى 12 دولاراَ للبرميل فإن ذلك يعني افلاساً تاماً.

وفيما يتبادل المسؤولون في الحكومة والامراء الاتهامات حيال تدهور الاقتصاد السعودي وخصوصاً في مجال الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز، هناك من يحاول توجيه اللوم الى وزير النفط السعودي على النعيمي وتحميله مسؤولية خسارة مليارات الدولارات في صفقة الغاز التي قد تؤدي الى تقويض مصداقية الدولة. فقد وصف الأمير الوليد بن طلال الغاء صفقة الغاز التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار بأنها (مهزلة) وبأنها ستؤدي الى إخافة المستثمرين الاجانب. وحمّل الوليد بن طلال مسؤولية فشل الصفقة الى العوائق التي وضعها بعض الموظفين أمام إتمام الصفقة. وقال بأن المملكة خسرت صفقة رابحة مع شركة شل التي لم تقم بإستثمارات ضخمة في المملكة، وعليه فقد خسرت المملكة فرصة كبرى ليس في الغاز فقط، بل في تمديد الانابيب والكهرباء والماء وعدد كبير من الحقول.

وفي سياق حملته ضد وزير النفط السعودي قال الوليد بن طلال بأن المشكلة ليست مقتصرة على خسار الاستثمار الاجنبي ولكن على مجمل الصناعة السعودية التي هي في مسيس الحاجة لمنتجات الغاز، فضلاً عن آلاف الفرص الوظيفية التي ستوفّرها هذه المشاريع. فبعد جولة من المفاوضات المتعثرة طالت مدة عامين حول تفاصيل الاستثمارات في حقل الغاز، قررت السعودية إلغاء الاتفاق الأولي مع الكونستريوم التي تقوده اكسون وموبيل الذي يشمل استثماراً يقدر بـ 15 مليار دولار لتطوير احتياطات السعودية من النفط بكميات هائلة، أي بأكثر من ستة تريليون متر مكعب. وكان الاستثمار جزءا من منظومة ضخمة من الاتفاقات المتصلة بضخ ما يقرب من 25 مليار دولار من أجل تطوير مصادر الغاز وإعداد صناعات مشتركة تشتمل على التوزيع المحلي لامدادات الغاز والصناعات الببتروكيميائية ومشروع ازالة الاملاح من الزراعة. هذه المشاريع الهامة من المتوقع ان تنجب كثيراً من المشاريع والخدمات المساندة والتي من المرشح أن تجذب ما يربو عن 150 مليار دولار وأن تخلق عشرات الآلاف من الوظائف للمواطنين السعوديين. وكانت الحكومة قد وافقت على منظومة جديدة من المشاريع مع كونستريوم رويال وشل الهولنديتين والتي تصل تكلفتها نحو 2 مليار دولار من اجل تطوير حقول الغاز في الربع الخالي. وتغطي منطقة الاسكتشاف نحو 209 ألف كليو متراً مربعاً، أي ما يربو عن ضعف مساحة دولة الامارات العربية المتحدة.

في المقابل، وجّه مسؤول في شركة أرامكو اتهاماً مبطناً للحكومة حيال تدهوّر الاوضاع الاقتصادية في المملكة، وقال بأن أرامكو تمثل خشبة الانقاذ الأخيرة، حيث عوّل كثيراً على قدرة الشركة في تطوير مشاريع الاستثمار في قطاعي النفط والغاز. وقد حذّر المسؤول من انهيار اقتصادي وشيك في حال هبطت أسعار البترول الى ما دون العشرة دولارات للبرميل الواحد، وهو حسب المسؤول غير بعيد ما لم تقدم الدولة على إجراءات فورية من أجل تنويع القاعدة الاقتصادية.

الصفحة السابقة