تقرير لجنة خاصة

النظام القضائي في السعودية تحت المجهر

مقدمة

1- يتناول هذا التقرير بعثة لتقصى الحقائق في المملكة العربية السعودية قام بها المقرر الخاص المعنى باستقلال القضاة والمحامين في الفترة من 20 إلى 27 أكتوبر 2002 عملا بالولاية التي أنشأها قرار لجنة حقوق الإنسان 1994/ 41 المؤرخ 4 مارس 1994 والتي جددها القرار 2000 / 42 المؤرخ 20 أبريل 2000.

2- وقد تلقى المقرر الخاص، في مناسبات عديدة، معلومات ذات طابع عام تعبّر عن القلق إزاء سير النظام القضائي في السعودية. وكانت المعلومات تتعلق بمحاكمات يدّعى أنها غير عادله، وبامكانيه الحصول على خدمات المحامين وبنقص الشفافية البادي في الإجراءات القضائية. وكان من رأى المقرر الخاص أيضا أن القيام ببعثه إلى السعودية فرصه مهمة لإنعام النظر في سير نظام قانوني قائم على الشريعة الاسلاميه, ونتيجة لذلك طلب المقرر الخاص السماح له بالقيام ببعثه إلى السعودية، وقبلت الحكومة ذلك الطلب.

3- وكان مقر البعثة في الرياض حيث التقى المقرر الخاص بممثلين للحكومة ومجلس الشورى ومجلس كبار العلماء، وهيئة التحقيق والادعاء العام والجهاز القضائي، وإدارة السجون. والتقى المقرر الخاص أيضا بمحامين وممثلين لهيئات عديدة تضطلع بأنشطة في مجال التثقيف القانوني. وخلال البعثة، تقرر أن يزور المقرر الخاص سجن الحائر وذلك بناء على طلبه. كما التقى المقرر الخاص بفريق الأمم المتحدة القطري وبالعديد من العناصر الفاعلة في المجتمع الدولي. ولكن من دواعي الأسف أنه لم يتمكن من لقاء أي جماعات نسائية.

4- ويود المقرر الخاص أن يشكر البعثة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف للمساعدة التي قدمتها في تنظيم البعثة، وأن يشكر الحكومة لتيسيرها البعثة لجو الانفتاح والتعاون الذي لقيته البعثة. ويود أيضا الإعراب عن شكره لمكتب برنامج الأمم المتحدة الانمائى في الرياض لتقديمه دعما تشغيليا ولتنظيمه المؤتمر الصحفي في نهاية البعثة.

أولا – الخلفية العامة

5- توحدت شبه الجزيرة العربية كمملكه واحده في عام 1932 تحت حكم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (ابن سعود) أول ملك يتربع على عرش السعودية. ويبلغ عدد سكانها قرابة 22 مليون نسمه، منهم من المواطنين الأجانب.

6- وعماد الدولة الجديدة تمسكها بالإسلام وهديه في جميع شؤون الحياة في السعودية وقد نجم ذلك عن اتفاق بين آل سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب في عام 1774 لجلب ما كانا يعتبرانه نموذجا خالصا للإسلام إلى شبه الجزيرة العربية. هذا بالاضافه إلى أن ملك السعودية هو خادم الحرمين الشريفين، وهما أقدس الأماكن في الإسلام.

7- وفى عام 1992 صدر النظام الأساسي (القانون الأساسي) الذي يحدد البني والمبادىء الأساسية للحكم. وهو ينص على أن المملكة العربية السعودية دولة عربيه إسلاميه ذات سيادة ودستورها القرآن والسنة. ونظام الحكم ملكي، وتنص المادة 8 من النظام الأساسي على أنه يقوم على العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الاسلاميه.

8- وينص هذا النظام أيضا على بعض الحقوق والواجبات الأساسية التي تقتضي من الدولة حماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الاسلاميه. أما في مجال إقامة العدل، فينص النظام الأساسي على أنه لا يجوز إلقاء القبض على أحد أو سجنه إلا بموجب أحكام النظام. كما ينص على أن العقوبة شخصية وأنه لا جريمة إلا بناء على نص شرعي أو نظامي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالنص النظامي. وحق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين الأجانب.

9- وتنص المادة 44 من النظام الأساسي على أن سلطات الدولة تتكون من السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التنظيمية وأنها ملزمة بالتعاون في أداء وظائفها وفقا لهذا النظام وغيره من الأنظمة. والملك هو مرجع هذه السلطات جميعا. وهو مسئول عن حكم البلاد طبقا لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الاسلاميه والأنظمة والسياسة العامة للدولة. وهو رئيس الوزراء أيضا، يعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء الذين يعينون ويعفون من مناصبهم بأمر ملكي.

10- وتختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح بما يحقق المصلحة العامة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة. وهي مطالبة بأن تمارس إختصاصاتها وفقا للنظام الأساسي والأنظمة التي تحكم سير أعمال كل من مجلس الوزراء ومجلس الشورى.

11- ووفقا للمادة 15 من مرسوم إنشاء مجلس الشورى، يبدى مجلس الشورى الرأي في السياسة العامة للدولة. وهو مخوَّل، في جملة أمور: سلطة دراسة القوانين والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية وتقديم الاقتراحات المناسبة بشأنها وتفسير القوانين. وله أيضا صلاحية المبادرة لصياغة التشريعات. ويعين الملك أعضاء مجلس الشورى.

12- وقد صدّقت السعودية على إتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراه وإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وذكرت الحكومة للمقرر الخاص أنها تنظر في التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 ثانيا – مصادر التشريع

13- تتضمن الشريعة الاسلاميه أربعة مصادر للتشريع (أصول الفقه) أولا، القرآن الذي يعتبره المسلمون كلام الله الذي أنزل على النبي محمد (ص)، وبالتالي لا يمكن تغييره. ثانيا، السنة، وهى تسجيل لأفعال الرسول (ص) خلال حياته. وتعتبر أفعال الرسول في تطبيق الآيات القرآنية على حالات من الحياة اليومية في المجتمع الاسلامى ألأول أضافه مهمة إلى القرآن في حالات يكون فيها النص القرآني غامضا أو غير محدد. وهناك جدل مستفيض بشأن صحة بعض الأحاديث الواردة في السنة ويقوم العلماء بقدر كبير من العمل للتأكد من صحة كل حديث وسنده. أما المصدر الثالث للفقه الاسلامى فهو الاجماع، أي اجتماع الجماعة على رأى واحد بشأن مسألة معينه وهو يستخدم في الحالات التي لا يقدم فيها القرآن ولا السنة إجابه عن سؤال محدد. وأما المصدر الرابع فهوالاجتهاد الذي ينطوي على تحديد الغرض من حكم قانوني يرد في القرآن أو السنة وتطبيقه على حالات مشابهه لا ينصان عليها، ويتحقق القياس من خلال الاجتهاد.

14- والاجتهاد هو العملية التي تستنبط من خلالها الأحكام من أصول الفقه. وتعمل الشريعة على أساس مبدأ أنه لما كان كل قانون يرد في الأصول، فان هذه الأصول لا تنص بالتحديد على كثير من القواعد ومن ثم يجب إستنباطها أو إكتشافها من خلال الاجتهاد البشرى. ويتمثل دور القاضي في ممارسة الاجتهاد في النظام القانوني الاسلامى.

15- وتتبع السعودية بصفة رئيسيه تفسير المذهب الحنبلي للسنة الذي يطلق عليه في الغالب إسم الوهابية استناداً إلى إسم مؤسسها. ويعتمد هذا التأويل أساساً على القرآن والسنة بصفتهما أهم مصدرين من مصادر الشريعة، ويعتمد بدرجه أقل على الإجماع والقياس. وتؤكد الحكومة على أن القضاة ليسوا مقيدين برأي مذهب بعينه عند ممارسة وظيفتهم القضائية، ولكن يجب أن يصدروا أحكامهم وفقا للقرآن والسنة.

16- ولا يوجد مذهب السوابق في السعودية ومن ثم بإمكان أي قاضي أن يحكم في قضية دون أن يكون مقيداً بما حكم به قضاة آخرون في قضايا مشابهه في مناسبات سابقه. بيد أن المادة 14 من نظام القضاء تنص على أنه متى رأت دائرة تابعه لمحكمة التمييز أن من الضروري العدول عن تفسير أخذت به في السابق إحدى دوائر محكمة التمييز لزم إحالة الدعوى إلى الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تتألف من جميع قضاه المحكمة. ويتعين على الهيئة العامة منح تصريح العدول بأغلبية ثلثي أعضائها. ومتى لم تصدر الدائرة حكمها على هذا الأساس تحال القضية إلى مجلس القضاء الأعلى. وقد أبلغ المقرر الخاص بأن وجود محكمتين منفصلتين للتمييز أحدهما في الرياض والأخرى في مكة المكرمة، وانعدام أي نشر منهجي للأحكام الصادرة عنهما قد قوضا إجراءات إعادة النظر هذه، وينجم أيضا عن هذه الإجراءات حالات تأخير.

17- ويرد حكما مشابهاً في المادة 40 من نظام المرافعات الشرعية لديوان المظالم يقتضى من أي محكمة من محكمتي التمييز إحالة الدعوىالى الهيئة العامة للديوان، التي تتكون من جميع قضاة التمييز وثلاثة قضاة من المحكمة المستعجلة الأولى للنظر في التخلي عن سابقة من السوابق أو مبدأ من المبادىء. وقد علم المقرر الخاص أن المحاكم المستعجلة الأولى في ديوان المظالم تمانع في إتباع مبدأ السوابق وأن أحكام الديوان لا تصنف وتنشر سنويا وفقا للمادة 47 من نظام ديوان المظالم.

18- ولم تنشر أحكام المحاكم نشراً منهجياً، وإن كان المقرر الخاص قد أبلغ بأن نخبة من أحكام بعض المحاكم المحددة كانت قد صدرت في الماضي لفترات قصيرة. كما أبلغ المقرر الخاص بأن مجلس الوزراء أصدر مؤخراً قراراً يطلب نشر طائفة من أحكام المحاكم الشرعية، بعد إزالة أسماء الأطراف منها، وطائفة من أحكام ديوان المظالم.

19- ومع أن المصدر الأول للقانون السعودي هو الشريعة الاسلاميه فقد صدرت قوانين أخرى كثيرة بأمر أو مرسوم ملكي أو مرسوم وزاري. ويشار إلى هذه القوانين عادة باسم التنظيمات أو غيرها من الإصلاحات القانونية المشابهة، حيث لا يستعمل لفظ القانون عادة إلا في سياق القانون الالهى. وتخضع القوانين البشرية للشريعة الاسلاميه. وفى السنوات الخمس عشرة الماضية، أصدرت الحكومة العديد من القوانين الأساسية التي تنظِّم سير الحكم والنظام القانوني.

ثالثا – نظام المحاكم

20- يتكون نظام المحاكم في السعودية من المحاكم الشرعية ديوان المظالم ونظام تسويه الخلافات العمالية. 

21- ويتألف نظام المحاكم الشرعية من المحاكم الجزئية والمحاكم الكبرى، وهى المحاكم المستعجلة الأولى، ومحكمه التمييز، ومجلس القضاء الأعلى. والمحكمة الكبرى هي محكمه ذات اختصاص عام يبت في القضايا المعروضة عليها قاض واحد، وتستثنى من ذلك القضايا التي تصدر بشأنها عقوبة القتل أو الرجم أو القطع أو القصاص الذي لا ينطوي على عقوبة القتل، حيث تنظر في القضية هيئه تتكون من ثلاثة قضاة. ويصدر الحكم في القضية على أساس الأغلبية ويرد رأي القاضي المخالف في الحكم النهائي. أما محكمة التمييز فتراجع أحكام المحكمة الدنيا بناءً على طلب أحد الأطراف أو من تلقاء نفسها فيما يتعلق بالدعاوى التي تنطوي على أحكام تقضى بعقوبة القتل أو القطع أو الرجم أو القصاص الذي لا ينطوي على عقوبة القتل. فإذا خالفت المحكمة حكم المحكمة الدنيا تحال الدعوى ثانيه إلى المحكمة الدنيا لتعيد النظر فيها. ومتى وافق قاضي المحكمة الدنيا على رأى محكمة التمييز، فإنه يلغي الحكم ويعيد النظر في الدعوى. أما إذا خالف الحكم وجب عليه إعلام محكمه التمييز التي يمكنها أن تتفق مع القاضي أو تنقض الحكم وتحيل الدعوى إلى المحكمة الدنيا لكي ينظر فيها قاض جديد.

22- والهيئة العامة لمحكمة التمييز مسئوله عن تنظيم دوائر محكمة التمييز وتكوينها وتحديد اختصاصاتها وعن الترخيص بالعدول عن الاجتهادات التي تأخذ بها المحكمة. ولا تصبح أحكام الهيئة العامة نهائيه إلا متى اعتمدها وزير العدل، وإذا خالف الحكم وجب عليه أن يطلب إلى الهيئة العامة إنعام النظر فيه. وإذا لم تتوصل الهيئة العامة مع ذلك إلى قرار يقبله وزير العدل، تحال المسألة إلى مجلس القضاء الأعلى ليبت فيها نهائيا.

23- ومجلس القضاء الأعلى هو أعلى هيئه قضائية. وله واجبات عدة لكنه المسئول من حيث إجراءات التمييز، عن المراجعة النهائية للدعاوى التي تنطوي على أحكام تقضى بعقوبة القتل أو القطع أو الرجم أو القصاص الذي لا ينطوي على عقوبة القتل.وتتبع هذه المراجعة للدعاوى نفس الإجراءات المعمول بها على مستوى محكمه التمييز. بحيث تعاد القضية إلى المحكمة المستعجلة الأولى من أجل أعادة النظر فيها تمشيا مع رأى مجلس القضاء الأعلى.ولا تعتبر القضايا التي تنطوي على أحكام تقضى بعقوبة القتل أو القطع أو الرجم مكتملة إلا بعد إن يعيد مجلس القضاء الأعلى النظر في حكم المحكمة المستعجلة الأولى. ويعد مجلس القضاء الأعلى أيضا بيانات عامه لمبادىء الشريعة الاسلاميه بناء على طلب وزير العدل، ويدلى بآراء في قضايا أخرى بناء على طلب الملك أو وزير العدل.

24- أما ديوان المظالم فقد أنشىء أصلا كمحكمة إدارية تنظر في المسائل المتعلقة بالدولة. بيد أن إختصاصه توسع تدريجيا ليشمل النظر في الدعاوى التجارية، والجنائية التي تنطوي على الرشوة أو الاختلاس أو إساءة التصرف في الأموال أو التزوير. ويتكون ديوان المظالم من مستويين، هما المستوى المستعجل الأول ومستوى التمييز.

25- وتنظر لجان العمل لتسوية الخلافات العمالية في الدعاوى المتعلقة بالنزاعات في مجال العمل، والإصابات في أماكن العمل والنزاعات المتصلة بإنهاء الخدمة في القطاع العام.

رابعا – القضاء

26- ينص النظام الأساسي على أن القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الاسلاميه. وتنص المادة الأولى من نظام القضاء أيضاً على أنه لا يحق لأحد أن يتدخل في شؤون القضاء.

27- وشدّدت الحكومة على الأهمية التي توليها الشريعة الاسلاميه لاستقلال القضاء. كما أن أحداً من القضاة الذين التقينا بهم لم يذكر أي مناسبة جرت فيها محاوله للتدخل في حكم للمحكمة. وكان هناك تشديد أيضا على الاعتقاد بأن القضاة يقومون بواجب ديني عظيم، وأنهم مسئولون أمام الله مباشرة عندما يصدرون أحكامهم، ومن ثم فمن واجبهم ألا يقضوا في الدعاوى إلا وفقا للشريعة الاسلاميه.

28- وطبقا للمادة 53 من قانون القضاء، يعين القضاة بأمر ملكي بناء على قرار من مجلس القضاء الأعلى. وليصبح المرء قاضيا لا بد أن يكون مواطنا سعوديا يتسم بحسن الخلق والسلوك، ويفي بالشروط المطلوب توافرها في القضاة والتي تؤكد عليها الشريعة الاسلاميه، ويكون حاصلا على شهادة في الشريعة الاسلاميه من إحدى الكليات السعودية أو شهادة معادله لها، وفى الحالة الأخيرة يتعين أن يقضاه لشخص اختباراً خاصاً تعدّه وزارة العدل، ولا يحق سوى للذكور أن يصبحوا قضاة. ويعين القضاة لفترة اختبار مدتها سنة واحدة، ثم يعينون مدى الحياة متى ثبتت كفاءتهم، وهم يحالون إلزاميا إلى التقاعد متى بلغوا سن السبعين.

29- وذكر عضو في مجلس كبار العلماء للمقرر الخاص أنه لا يوجد في الفقه الاسلامى رأي نهائي ينص على استحالة أن تصبح النساء قاضيات. فهناك مذاهب فقهية عدة في الإسلام، بعضها يرخص للنساء أن يصبحن قاضيات في المسائل المتعلقة بالنساء. وتحدث الاختلافات لأن الفقه الاسلامى واسع جداً ويراعي الظروف التي يعيش فيها الناس. والمذهب الحنبلي، المتبع في السعودية، لا يسمح للنساء بأن يصبحن قاضيات وذلك استنادا إلى حالة وقعت في عهد النبي محمد حيث لم يسمح لامرأة أوتيت حظاً كبيراً من الحكمة ولديها جميع المؤهلات بأن تصبح قاضيه. ويعتقد أن النساء يختلفن عن الرجال جسدياً وعاطفياً فكرياً وأن عدداً صغيراً فقط من النساء أظهرن نضجاً فكرياً يؤهلهن لتقلد مناصب القضاة. وفضلاً عن ذلك فإنه على الرغم من أن عدداً أكبر من النساء قد بلغن مؤخراً مستويات عالية من النضج الفكري المطلوب، فإن المجتمع غير مستعد لقبول التغيير. وأبلغ المقرر الخاص بأن ما من أحد يملك قرار تغيير  الممارسة في هذا الشأن سوى الملك، لأنه قادر على رؤية الصورة كاملة ورؤية أية أضرار محتملة قد تحدث من جراء ذلك.

30- وتتولى هيئة التدقيقات القضائية التابعة لوزارة العدل تقييم عمل القضاة من حيث كفاءتهم وأدائهم للواجبات الرسمية. وتتألف الهيئة من قضاه يختارون من بين قضاة محكمة التمييز والمحاكم المستعجلة الأولى. ويضطلع بالتدقيقات مرة أو مرتين في السنة قاض ذو مرتبه أعلى من القاضي الذي يجرى تقييمه، والقاضي الذي يجرى تقييمه يزوّد بنسخٍ من الملاحظات المتعلقة بعمله وله الحق في أن يستأنف لدى مجلس القضاء الأعلى تقدير الجدارة الذي يقل عن المتوسط. ومتى حصل قاضٍ على تقديرٍ يقل عن المتوسط في ثلاثة تقارير متتالية عن الجدارة فإنه يحال إلزامياً إلى التقاعد على أساس قرار يتخذه مجلس القضاء الأعلى.

31- ويتولى مجلس القضاء الأعلى ترقية القضاة وفقا للأقدمية. ومتى تساوت فترات الخدمة، يتخذ قرار الترقية على أساس تقارير الجدارة. وتنص المادة 55 على أن مجلس القضاء الأعلى هو وحده الذي يملك قرار نقل القضاة إلى منصب آخر داخل الجهاز القضائي أو تعيينهم فيه. ويتمتع القضاة بالحقوق والضمانات التي يكفلها نظام الخدمة المدنية ويقومون بالواجبات الواردة فيه إلا إذا تعارضت مع المنصب القضائي.

32- ويتحمل وزير العدل المسؤولية الإدارية والمالية عن المحاكم وغيرها من الدوائر القضائية.

33- وينص الفصل الخامس من نظام القضاء على الإجراءات التأديبية ضد القضاة، فهو ينص على أنه يحق لوزير العدل، دون المساس باستقلال القضاء ونزاهته، أن يشرف على جميع المحاكم والقضاة. ثم تأتي الإجراءات التأديبية في خطوتين اثنتين، أولا على مستوى لجنة من درجة التمييز ثم من قبل مجلس القضاء الأعلى.

34- ويضطلع المعهد العالي للقضاء بالتدريب القضائي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومنذ عام 2000 يطلب من الخريج الذي يرغب في أن يصبح قاضياً أن يكمل دورة ينظمها المعهد. وليس شرطاً الانخراط في برنامج لمواصلة التعليم القانوني. بيد أن المعهد ينظم برامج تدريبيه طوعيه من أجل القضاة بين الفينة والأخرى على مدار العام.

خامسا – مهنة المحاماة

35- لا تزال مهنة المحاماة في السعودية في مرحلة بدائية جنينية، ومع أن الشريعة والقانون يدرسان منذ سنوات كثيرة فان معظم خريجي دراسة القانون لا يزاولون مهنة المحاماة لأن ثقافة التمثيل القانوني في النظام القانوني لا وجود لها. أما الممارسة التقليدية فهي أن يمثل شخص ما طرفاً في المحكمة إن رغب في ذلك كالصديق أو أحد أفراد العائلة الذي ربما كان أعلم بالشريعة أو يحظى بثقة من يمثله للدفاع عن مصالحه ولكنه لا يكون بالضرورة مؤهلاً مهنياً.

36- وأبلغ المقرر الخاص في مناسبات عديدة بأن المحامين لم يكونوا يعتبرون في الماضي طرفاً ضرورياً في إقامة العدل. لكن هذه النظرة تتغير شيئاً فشيئاً، كما أبلغ بأن أحد جوانب ذلك أن القضاة في النظام الأسلامى يرتأي أنهم يقومون بدور في الدعوى أكبر من الدور الذي يقوم به القضاة في نظم قانونية أخرى. ففي الحالات التي يتولى فيها محامٍ لتمثيل الفرد يكفل القاضي عدالة إجراءات المحاكمة بالنسبة للمتهم. ويؤدي القضاة أيضا دوراً في مناقشة الدعوى مع المدعي العام ويستجوبون الشهود، ويرى القضاة أيضا أن التفاعل المباشر بينهم وبين المتهمين هو أفضل سبيل للتوصل إلى الحل المناسب للقضية. وأشير أيضا إلى التقليد المتمثل في عرض الفرد مشكلته على الملك مباشرة لإيجاد حل لها.

37- وينظر القضاة وغيرهم من الأطراف التي تحاور معها المقرر الخاص إلى المحامين على أنهم عائق أمام التوصل إلى الحقيقة عند البت في القضية، ويعتقد أن المحامين غالباً ما يركزون على القضايا الجانبية التي لا تتصل مباشرة بحل القضية أو أنهم يعمدون إلى أساليب تنتقص من تحقيق العدالة.

38- وفى تشرين الثاني /نوفمبر 2001، صدر نظام المحاماة. وتعرف المادة 1 من النظام بأنها تمثل أطرافاً أخرى أمام المحاكم الشرعية وديوان الممارسين، وسائر اللجان المنشئة لأغراض النظر في الدعاوى، وإيتاء الخدمات الاستشارية التي تنبني على مبادىء الشريعة الاسلاميه وسيادة القانون، ويقتضي النظام من وزارة العدل أن تعد قائمة بأسماء المحامين الممارسين وغير الممارسين. وقد شرعت الوزارة في هذا العمل، وحتى 27 تشرين الأول / أكتوبر 2002، كان يحظر على المحامين ممارسة مهنة المحاماة، وينص النظام أيضا على شروط التأهيل لممارسة المحاماة.

39- ولا ينص النظام على إنشاء رابطة مستقلة للمحامين أو رابطة قانونيه مستقلة، وأبلغ المقرر الخاص بوجود لجنة صغيرة من المحامين في غرفة التجارة تجتمع بين الفينة والأخرى لمناقشة المسائل المتعلقة بممارسة المحاماة وللنظر في تقديم توصيات إلى وزارة العدل لأغراض الإصلاح.

40- وتناول المقرر الخاص أيضا قدرة المرأة على ممارسة المحاماة، وأبلغه العديد من المحامين بعدم وجود أي محاميات، باستثناء من كن يعملن كمستشارات ولا يحق لهن المثول أمام المحاكم. غير أن العديد من القضاة أبلغوه بأنه لا توجد أي قيود على ممارسة النساء مهنة المحاماة وأن محاميات كثيرات ترافعن أمامهم في المحاكم. وأشار أحد القضاة إلى أن المحامي مجرد شخص يدافع عن شخص آخر أو يمثله. ولا ينص نظام المحاماة صراحة على شرط جنسي لممارسة مهنة المحاماة. وأبلغ المقرر الخاص أيضا بأن بإمكان المحامين غير المسلمين أن يترافعوا أمام المحاكم متى كانوا يدينون بنفس ديانة عملائهم.

41- ولم يذكر أحد للمقرر الخاص إن كان يوجد برنامج للمساعدة القانونية أو مكتب محامين عامين لتقديم المساعدة القضائية.

سادسا – هيئة التحقيق والادعاء العام

42- صدر القانون الذي أنشأ هيئة التحقيق والادعاء العام 1989، وأبلغ المقرر الخاص بأن الهيئة تأسست في عام 1995، واستهلت أعمال الادعاء العام في سنة 1997 وأعمال التحقيق في أيار /مايو 2001 تقريبا.

43- وتؤدي الهيئة دوراً كبيراً في جميع مراحل الإجراءات الجنائية، فهي أولا مسئوله عن الأذن ببدء التحقيق أو توليه (إن كانت قد بدأته هيئه أخرى)، وهى ثانياً تجري مزيداً من التحقيق عند اللزوم وتتخذ القرار بشأن تأجيل المحاكمة والشروع فيها. وتشرف، ثالثا على إنفاذ أحكام المحاكم. كما أنها رابعاً مسئوله عن ضمان معاملة جميع المحتجزين معاملة تكون مطابقة للقانون. ويطلق على هذه المهمة الأخيرة وظيفة المراقبة.

44- وأبلغ المقرر الخاص بأن هيئه التحقيق والادعاء العام تتخذ قرارات في مجال التحقيق والادعاء باستقلالية تامة عن وزارة الداخلية. وفضلا عن ذلك، لا يحق لأعضاء الهيئة أن يقدموا على أي عمل من شأنه أن يعرّض إستقلاليتها للخطر.

45- ولاحظ المقرر الخاص وجود تصور مشترك لدى مختلف من تحاور معهم بأن المدعين العامين يمثلون، بسبب الأحكام المتعلقة باستقلاليتهم وشروط تأهيلهم المشابهة لشروط تأهيل القضاة، جزءا من جهاز القضاء أو أنهم مماثلون للقضاة. وقد وصفهم أحد من تحاور معهم المقرر الخاص بأنهم قضاه متنقلون.

سابعا – الأجرءات القانونية 

46- تلقى المقرر الخاص، قبل أن يقوم ببعثته تعبيرات كثيرة عن القلق بشأن العدالة الجنائية في المملكة العربية السعودية. وهى تتعلق بمحاكمات غير عادلة فيما يبدو ناجمة عن الحرمان من الإتصال بمحام، وفترات الاحتجاز الطويلة واستخدام الأدلة المبنية على الاعترافات والمحاكمات السرية أو بواعث قلق تتصل بغياب الشفافية في الإجراءات القانونية. ونتيجة لذلك قضى المقرر الخاص فترة طويلة من الوقت خلال مهمته في مناقشة تلك المسائل.

47- وفى تشرين الثاني /نوفمبر 2001، صدر نظام الإجراءات الجزائية ('' النظام'')، ودخل حيز التنفيذ بمقتضى المادة 225، في أيار /مايو 2002، وذلك بعد 180 يوما من نشره، وساور المقرر الخاص القلق على وجه الخصوص لملاحظته أنه من بين مختلف الأفراد الذين التقى بهم خلال بعثته، لم تكن هناك درجه عالية من الوعي بتاريخ بدء نفاذ هذا النص التشريعي الهام على وجه الدقة.

48- وتحدد المادة 1 حكمين أساسيين ينظمان تنفيذ النظام. أولهما أن المحاكم ملزمة بتطبيق الشريعة الإسلامية وغيرها من القوانين التي تسنها الدولة ولا تتعارض مع الشريعة، وملزمة بالإجراءات الواردة في النظام. ثانياً، أن أحكام النظام تنطبق على القضايا الجنائية التي لم يفصل فيها وكذلك الإجراءات القضائية التي لم تتم قبل إنفاذ تلك الأحكام.

49- والنظام لا يتضمن تقريراً مستفيضاً إلى حد كبير بحيث يجوز النظر فيه بالتفصيل، وتبعاً لذلك سيتناول التقرير بعض المواضيع فقط. 

ألف – الاحتجاز السابق للمحاكمة  

50- يتولى موظفو التحقيق الجنائي تحت إشراف هيئه التحقيق والادعاء العام البحث عن المجرمين وإلقاء القبض عليهم وجمع الأدلة لأغراض التحقيق وتوجيه الاتهام. ويمكن أن ينتمي موظفو التحقيق الجنائي إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، أو جهاز الشرطة أو قوات الأمن أو رؤساء المقاطعات أو رؤساء المناطق أو رؤساء مراكز مكتب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وأحيط المقرر الخاص علما بأن هيئة التحقيق والادعاء العام أصبحت تتولى تدريجيا مسؤولية إجراء التحقيقات.

51- وعندما يلقى القبض على شخص أثناء إرتكابه جريمة أو بعد إرتكابه لها بوقت وجيز، يمكن لموظف التحقيق الجنائي أن يلقى القبض على الشخص وأن يحتجزه لمدة 24 ساعة. وإذا لم يتمكن الشخص من إثبات براءته وجب تحويله إلى محقق عليه أن يستجوبه خلال 24 ساعة ويأمر بمواصلة حجزه أو إطلاق سراحه. وفى جميع الحالات الأخرى يجب إصدار أمر بإلقاء القبض من جانب السلطات المختصة، وهىفى هذه الحالة هيئة التحقيق والادعاء العام، حسب ما أحيط به المقرر الخاص علماً. وعلم المقرر الخاص أيضا أن المشتبه فيه يستدعى عادة في البداية للمثول أمام الهيئة لاستجوابه، قبل إصدار أمر بإلقاء القبض عليه.

52- والمحقق مسئول عن إجراء التحقيق بما في ذلك البت فيما إذا كانت توجد أسباب تدعو إلى إستمرار مواصلة التحقيق شخصيا أو البت في قبول المطالبات بحقوق الإجراءات الخاصة، وتعيين الخبراء ومعاينة موقع الجريمة والتحقيق بشأنها والبحث عن الشهود وإحضارهم وأخذ أقوالهم. وإضافة إلى ذلك فان إذن المحقق ضروري إذا رغب موظف من السلطة العامة في الاتصال بالمتهم وباستطاعة المحققين السعي للحصول على المساعدة المباشرة من قبل قوات الأمن كلما كان ذلك ضروريا.

53- وتنص المادة 119 على أن ''للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم إتصال المتهم بغيره من المسجونين أو المحتجزين وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه.

54- وعقب هذه الفترة الأولية يمكن أن تمدد فترة الاحتجاز إذا ثبت أن هناك أدلة كافية على إرتكاب جريمة خطيرة أو إذا استلزمت مصلحة التحقيق الاحتجاز، بغية الحيلولة دون فرار المتهم أو تأثيره في إجراءات التحقيق. وعلم المقرر الخاص أن الجرائم الخطيرة هي جرائم مثل القتل أو السرقة أو السطو أو الاعتداء أو الخطف أو الإرهاب.

55- وللمحقق أن يأذن بتمديد الاحتجاز لفترة لا تتجاوز خمسة أيام من تاريخ إلقاء القبض. ويمكن للمحقق بعد ذلك أن يطلب من رئيس مكتب التحقيقات والمقاضاة في المقاطعة المعنية أن يأذن بتمديد إضافي لفترة ولفترات متتالية لا تتجاوز في مجموعها 40 يوما من تاريخ إلقاء القبض. وإذا استلزم الأمر فترات إضافية ينبغي أن يأذن بها مدير هيئة التحقيق والادعاء العام. ويمكن للمدير أن يأذن المتهم فترات متتالية لا تتجاوز 30 يوما أو ما مجموعه ستة شهور من تاريخ القبض على المتهم، وبعد ذلك يجب أن يطلق سراح المتهم أو أن يحال إلى المحكمة.

56- وقد ناقش المقرر الخاص هذه المسألة مع العديد من الأطراف التي تحاور معها وعلم أن تمديد فترة الاحتجاز قد يكون ضروريا لتيسير جمع الأدلة من أجل التحقيق. فليس من الممكن عرض القضية على المحكمة إلا بعد جمع كل الأدلة، وهو أمر يتعذر القيام به في فترة زمنيه قصيرة. ومن المستحيل أيضاً أن ترصد السلطة القضائية التحقيق، وذلك أن هذه الوظائف منفصلة. وعلاوة على ذلك فإن للمتهم الحق في الاعتراض على أي جانب من جوانب احتجازه عندما يعرض المحقق قضيته على المحكمة. ومن المهم الإشارة إلى أن المقرر الخاص وجه إليه استفسار فيما يتعلق بهذه المسألة، عن إجراءات الاحتجاز في خليج غوانتانامو.

57- وأعرب المقرر الخاص عن قلقه بشأن قدرة هيئة التحقيق والادعاء العام على احتجاز شخص لفترات يمكن أن تصل إلى ستة أشهر دون تقديم ذلك الفرد إلى المحاكمة. وأوضح المقرر الخاص أن من الواجب تقديم المتهم إلى المحكمة فوراً حتى تتمكن تلك المحكمة من البت في مواصلة احتجازه وضمان اتصال المتهم بمحام وتمكينه من ممارسة حقه في الاعتراض على شرعية استمرار احتجازه.

  باء – الاتصال بمحام  

58- تقضى المادة 4 بأنه يحق لكل متهم أن يستعين بمحام أو وكيل للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. كما تؤيد ذلك الحق المادتان 35 و 64. وتخوّل المادة 116 للشخص الذي ألقى القبض عليه أو المحتجز الحق في الاتصال بأي شخص يختاره، ويجب إخباره بأسباب القبض عليه أو إحتجازه بشرط أن يكون ذلك الاتصال تحت إشراف موظف التحقيق الجنائي.

59- وتقضى المادة 69 بأنه يجوز للمحقق فيما يتعلق بالإجراءات الخاصة، أن يجرى تحقيقه في غياب وكلاء أو محامى المتهم متى اعتبر ذلك ضروريا لإثبات الحقيقة. ويجب أن يتيح لهم، بعد انتهاء الضرورة مباشرة الإطلاع على التحقيق.

60- وتنص المادة 84 على أنه لا يجوز للمحقق أن يضبط لدى وكيل المتهم أو محاميه الأوراق والمستندات التي سلمها إليه المتهم لأداء المهمة التي عهد إليه بها ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية.

61- وعلم المقرر الخاص أن المحاكم تتيح عادة وقتا كافيا للمحامين أو للوكلاء لأعداد مرافعاتهم.

جيم – الأدلة المستندة إلى اعترافات 

62- تنص المادة 162 من نظام الإجراءات الجزائية على أنه إذا اعترف المتهم في أي وقت بالتهمة المنسوبة إليه فعلى المحكمة أن تسمع أقواله وتناقشه فيها. فإذا اطمأنت إلى أن الاعتراف صحيح، ورأت أنه لا حاجة إلى أدلة أخرى فعليها أن تكتفي بذلك وتفصل في القضية.

63- وطيلة البعثة لوحظ وجود قدر كبير من التشديد على أهمية الأدلة المستندة إلى إعترافات. فاعتراف المتهم إلى جانب الشهادة التي يدلي بها شهود، هما المصدران الرئيسيان لإثبات الأدلة في الشريعة، ويشجع الاعتراف بالذنب على أنه علامة من علامات التوبة عن انتهاك حكم من أحكام الشريعة.

64- واستناداً إلى الشريعة الإسلامية، فان الاعتراف يجب أن يكون حراً وإرادياً. وعلم المقرر الخاص أن للشخص المتهم الحق في الرجوع عن اعترافاته في أي وقت من الأوقات وعندئذ لا يكون الاعتراف صالحا. ويوجد هذا الحق قبل إصدار المحكمة حكمها وبعده على السواء. وضرب للمقرر الخاص كمثال لذلك الحالة التي يسحب فيها متهم اعترافه قبل توقيع عقوبة الإعدام عليه مباشرة، فعندئذ لا يسمح بتنفيذ العقوبة.

65- وعلم المقرر الخاص أن للجرائم في الشريعة الإسلامية مقتضيات محددة لإثباتها. فلا يمكن مثلا إدانة شخص بجريمة الزنا إلا إذا شهد ارتكاب الجريمة فعلاً أربعة شهود أو إذا اعترف المتهم ونظراً لصعوبة الحصول على أربعة شهود في هذه الحالات، تتعاظم أهمية الحصول على اعتراف. 

دال – الشفافية

66- تقضى المادة 155 بأن تكون جلسات المحكمة علنية، غير أنها يجوز أن تكون مغلقة بصفة استثنائية أو مغلقة جزئيا إذا اعتبر ذلك ضروريا لإثبات الحقيقة. وإضافة إلى ذلك يمكن أن تمنع فئات معينة من الحضور مراعاة للأمن أو محافظة على الآداب العامة. وتنص المادة 33 من نظام القضاء على إمكانية أن تكون جلسات المحكمة سرية مراعاة للآداب أو حرمة الأسرة أو محافظة على النظام العام. ويكون النطق بالحكم في جلسة علنية حتى وان كانت جلسات القضية سرية.

67- وزار المقرر الخاص خلال بعثته المحكمة الكبرى في الرياض، كما زار عدداً من قاعات المحكمة وكانت جميعها، الجارية، مجهزة بأماكن لجلوس جمهور المشاهدين، وسمح للمقرر الخاص بمشاهدة عدد من القضايا الجارية .

68- وعلم المقرر الخاص من بعض من تحاور معهم أنه بالرغم من أن القضايا علنية فإنه لا يوجد سجل قضايا يمكن للجمهور أن يطلع عليه. وفى رأي أولئك أنه ليس من المحتمل أن يفصح قلم المحكمة عن معلومات بشأن جلسة قضية إلا إذا أثبت الشخص المستفسر علاقته بها. وإضافة إلى ذلك فإن دخول أي قاعة من قاعات المحكمة يراقبه شرطي وليس من المحتمل أن يأذن ذلك الشرطي دخول القاعة إلا إذا أثبت الشخص الذي يود الدخول صلته بالقضية.

69- وأعرب عديد من الأفراد للمقرر الخاص عن قلقهم بشأن غياب الشفافية البادي في النظام القضائي. وينبع ذلك أساساً من نقص المعلومات عن الإجراءات القانونية والأدلة المقدمة ضد المتهمين التي تتاح للأطراف المعنية بالقضية ومن بينها المتهمون ومحاموهم وأسرهم وقنصلياتهم عند الاقتضاء. ويتفاقم ذلك بعدم توافر معلومات علنية عن القضايا الجارية، مما يؤدي إلى قدر كبير من عدم الثقة من جانب البعض في سير النظام القضائي ويمثل ذلك مشكلة على وجه الخصوص للمواطنين الأجانب الذين يجهلون إلى حد كبير حقوقهم وسير النظام القضائي.

 هاء – الأحداث

70- تنص المادة 13 على أن يجري التحقيق مع الأحداث ومحاكمتهم على الجرائم التي يرتكبونها وفقا للأنظمة واللوائح المنظمة لذلك. وعلم المقرر الخاص أن القضايا التي تشمل أحداثاً تعقد جلساتها في قاعات المحاكم الخاصة بالأحداث ويحق لهؤلاء أن يمثلهم محام. ولا يحبس الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 عاماً في منشآت إحتجاز الكبار، سواء كان ذلك في المرحلة السابقة للمحاكمة أو بعدها، بل في دور خاصة بالأحداث. ويوفر لهم التعليم والأنشطة التي تساعدهم على الاندماج مجددا في المجتمع، ويمكن لحدث أن يتلقى زيارة من والديه مرتين في الأسبوع.

71- وعلم المقرر الخاص أن العقوبة التي يمكن أن تفرض على الأحداث متروكة لما يراه القاضي المعني، وعادة ما تصدر بحقهم أحكام بالسجن لمدة عدة أشهر. ولكن من الممكن أن يعاقبوا بالجلد ما بين 20 و40 جلدة، تنفذ على نحو لا يؤدي إلى إلحاق أذى بالحدث، أوالى إحتمال قتله، غير أن المقرر الخاص علم أن سن المجرم يراعى عادة في هذه الحالات.

واو – مسائل أخرى

72- تقضي المادة 172 بأنه إذا كان الخصوم أو الشهود لا يفهمون اللغة العربية، فعلى المحكمة أن تستعين بمترجمين. ولا ينص القانون تحديداً على توفير المترجمين خلال مرحلة ما قبل المحاكمة إذا لم يكن المتهم يتحدث العربية، غير أن المقرر الخاص علم أن المترجمين يوفرون في تلك الظروف.

73- وفى القضايا التي تنطوي على التعزيز تنص المادة 129 على أن يتخذ قرار محكمة مستعجلة أولى بالإجماع، إذا أرادت أن تنزل عقوبة القتل بمتهم. غير أنه في الظروف التي يتعذر فيها على المحكمة الإجماع على الحكم بالقتل، يندب وزير العدل اثنين من القضاة لينضما إلى القضاة الثلاثة الآخرين الذين نظروا في القضية ويكون صدور الحكم في النهاية بالقتل تعزيزا إما بالإجماع أو بالأغلبية.

ثامنا – الحالات

74- نظر المقرر الخاص خلال بعثته في حالة عدة محتجزين بريطانيين ألقي القبض عليهم بسبب سلسلة من الهجمات بالقنابل حدثت في عامي 2000 و 2001، وناقش المقرر الخاص هذه الحالة مع محامي عديد من الأفراد وممثلين لهيئة التحقيق والادعاء العام ووزارة الداخلية، والتقى بأربعة من الأفراد – هم بيتر براندون، وجيمس كوتل، وألكسندر ميتشل، وليس ووكر – المحتجزين في سجن الحائر الذي يقع في ضواحي الرياض.

75- وعلم المقرر الخاص خلال البعثة أن القضية لا تزال قيد النظر في الاستئناف أمام مجلس القضاء الأعلى.

76- وقد ألقي القبض على هؤلاء الأفراد على فترات مختلفة من أواخر عام 2000 أو عام 2001، وعلم المقرر الخاص أنه بعد إلقاء القبض عليهم أخذوا إلى مركز إحتجاز حيث جرت عملية استجواب لهم لفترات تراوحت بين أسبوع وأسبوعين، أدلوا على أثرها باعترافاتهم. وخلال تلك الفترة لم يمثلهم محام ولم يسمح لهم بالاتصال بأفراد أسرهم أو بالسعي للحصول على المساعدة القنصلية. وهم يدعون أنهم عذبوا خلال تلك الفترة، وكانت الأوصاف التي قدمت بشأن أساليب وأدوات التعذيب متسقة..وذكرت الحكومة أنها أجرت تحريات في ادعاءات التعذيب ولا توجد أدلة كافية على حدوث التعذيب وقد رفع رون جونس، الذي احتجز أيضا فيما يتعلق بسلسلة عمليات الهجوم بالقنابل وأطلق سراحه في وقت لاحق، قضية في المملكة المتحدة ويسعى السيد جونس للحصول على تعويض عن الجروح التي عاناها خلال فترة احتجازه والتي يزعم أنها حدثت نتيجة التعذيب.

77- وعلى أثر إدلائهم باعترافاتهم، أُقتيد هؤلاء الأشخاص إلى محكمة وطلب منهم أن يؤكدوا اعترافاتهم، وفي هذه المرحلة، لم يكونوا ممثلين بمحامين وعلم المقرر الخاص أن طلب الاستعانة بخدمات محام رفض صراحة في عدة حالات، وفى مناسبات لاحقة مثلوا أيضا أمام محكمة بدون وجود وكيل قانوني لهم، وعلم المقرر الخاص أنه لم تقدّم للمتهمين سوى معلومات قليلة تتعلق بالإجراءات القانونية وأنه لم يكن أي منهم مدركاً عند مثوله أمام المحكمة، وأنه تجري محاكمته. وحتى يومنا هذا فإن واحداً منهم على الأقل غير متأكد مما إذا كان قد صدر بحقه حكم، وقد ذكر ممثل عن وزارة الداخلية أن هؤلاء الأشخاص لم تصدر عليهم أحكام حسب علمه.

78- وأبقي على هؤلاء الأشخاص محتجزين منذ إلقاء القبض عليهم، وقضى عدد منهم فترات طويلة في الحبس الانفرادي.

79- وعلم المقرر الخاص أنه منذ أن سمح للمتهمين بالاتصال بمستشار قانوني فإنهم لم يتمكنوا من مقابلة محام لهم على انفراد إلا في مناسبة أو مناسبتين، في حين كانت المقابلات الأخرى ترصد، وصودرت من المتهمين إستمارة استبيان كانوا قد قاموا بملئها بناء على طلب من وكلائهم القانونيين ولم ترد لهم. وعلم المقرر الخاص إضافة إلى ذلك أنه في الوقت الذي سمح فيه للمحامين بالاطلاع على الحكم الذي صدر في القضية، فانه لم توفر لهم نسخة منه ولم يسمح لهم بتدوين ملاحظات بشأنه. وإضافة إلى ذلك لم توفر للمحامين معلومات أخرى عن الإجراءات القانونية، مثل تاريخ الجلسة الأولية أمام المحكمة وغير ذلك من الأدلة الجوهرية التي تتصل بالقضية.

تاسعا – الاستنتاجات والتوصيات 

ألف – الاستنتاجات

80- يود المقرر الخاص أن يشكر الحكومة لجو الانفتاح والتعاون الذي جرت فيه البعثة. فقد يسرت الحكومة جميع طلبات المقرر الخاص وكانت ملتزمة بإجراء حوار بناء معه.

81- ويرحب المقرر الخاص بتصديق الحكومة على العديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية ونظرها في التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفضلاً عن ذلك، مما يشجع المقرر الخاص أن الحكومة تنوي إقامة مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، كما أعربت عن اهتمامها بالعمل على زيادة فهم المبادىء الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان داخل المملكة العربية السعودية. والمقرر الخاص يشجع الحكومة على مواصلة عملها مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.

82- وقد أظهرت الحكومة درجة عالية من الالتزام بتطوير مؤسساتها القضائية وتحسينها تدريجياً تحقيقاً لهدف العدالة تحقيقاً أفضل. ويرحب المقرر الخاص بإنشاء دائرة إدعاء منفصلة وسن قوانين جديدة تتعلق بالممارسة القانونية والإجراءات الجنائية. ويشكل نظام الإجراءات الجزائية الجديد خطوة هامة في توضيح حقوق المتهمين في الإجراءات الجنائية في المملكة العربية السعودية. غير أن المقرر الخاص يعرب عن قلقه لعدم معرفة كثير من المشاركين في النظام القضائي تاريخ بدء نفاذ النظام الجديد على وجه الدقة.

83- ويساور المقرر الخاص أيضاً القلق أيضا لطول عملية تنفيذ بعض القوانين، لاسيما المنشىء لهيئة التحقيق والادعاء العام. فمع أن القانون سُن في عام 1989، لم تُنشأ الهيئة إلا في عام 1995 ولم تضطلع حتى الآن بسلطاتها كاملة. ويفهم المقرر الخاص أن هناك حاجة إلى وقت لكفالة أن تكون المؤسسة قادرة على ممارسة وظائفها على النحو الواجب، غير أنه يرى احتمال وجود شعور بالحيف عندما يتبين للناس أنهم لا يستفيدون من مزايا القانون الجديد. كما يساور المقرر الخاص القلق لاحتمال أن يؤدي وجود مرحلة تنفيذ متداخلة إلى معاملة غير متكافئة للقضايا وحرمان من مزايا الحياد في المقاضاة المتعلقة ببعض الحالات.

84- وشدد مسئولو الحكومة على أهمية استقلال السلطة القضائية، وعلى الأهمية التي توليها لها الشريعة الإسلامية، كما يركز النظام الأساسي للحكم على استقلال السلطة القضائية. والتقى المقرر الخاص بعديد من القضاة، لم يتمكن أي منهم من ذكر أي حالة جرت فيها محاولة للتأثير في إتخاذ قراراتهم، ويرحب المقرر الخاص بالتزام الحكومة باستقلال السلطة القضائية.

85- ووزير العدل قادر على أن يطلب من الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي تقرر تنظيم المحكمة واختصاصها ومبادىء القوانين التي تطبقها، إعادة النظر في قرار تتخذه، وقادر إذا ظل القرار غير مقبول، على إحالته إلى مجلس القضاء الأعلى لينظر فيه. ويمثل ذلك ضغطا شديدا على استقلال سلطة هيئة فيما يتعلق بصنع القرار كتلك الهيئة. كذلك وفقا للمادة 120 من نظام الإجراءات الجزائية فان وزير العدل مطالب بتعيين مزيد من القضاة في القضايا التي لا يتسنى فيها التوصل إلى قرار بالإجماع بفرض عقوبة القتل. ويشعر المقرر الخاص بالقلق لأن ذلك يسمح فيما يبدو بالتدخل المباشر في سير القضاء. ذلك لأنه إذا لم يتسن التوصل إلى قرار بالاجماع من جانب ثلاثة قضاة يقضي بإنزال عقوبة القتل، حسبما يقتضي القانون، فانه لا يمكن فرض تلك العقوبة.

86- والقضاة مطالبون بأداء واجباتهم المعددة في قواعد الخدمة المدنية، بشرط ألا تتعارض مع طبيعة المنصب القضائي. وقد تبين للمقرر الخاص في بلدان أخرى كثيرة أن معاملة القضاة وفقا لنفس القواعد التي تسري على موظفي الخدمة المدنية الآخرين غير المستقلين تؤدي إلى جعل عقليتهم لا تتسق مع المنصب القضائي.

87- ويرى المقرر الخاص أن الحكومة بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لكفالة اختيار قاضيات وتعيينهن، وذلك نظرا للآراء المتباينة في الشريعة الإسلامية بشأن هذه المسألة. وينص المبدأ 10 من المبادىء الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على عدم وجود أي تمييز بسبب نوع الجنس عند اختيار القضاة وتعينهم. ويحيل المقرر الخاص في هذا الصدد الحكومة إلى الحكم الصادر عن المحكمة الشرعية الاتحادية في باكستان في قضية أنصار يورني ضد اتحاد باكستان (1983 )، (الصفحة 73 )

88- والاتساق في الأحكام القضائية في الأمور المشابهة جانب أساسي من جوانب النظام القضائي القائم على مبدأ المساواة. فبدون معاملة الحالات المماثلة على نحو متساوِ، يصبح النظام القضائي تعسفياً في تطبيقه للقانون، ووضع مجموعة واضحة من القوانين والمبادىء المعروفة و المتاحة للجمهور، عن طريق نشر القوانين والأحكام على سبيل المثال، يشكل عنصرا أساسيا في هذه العملية. ورغم أن التشريع السعودي ينص على التوصل إلى اجتهادات ملزمة، فانه يبدو لضمان إتباع الاجتهادات السابقة، ويرحب المقرر الخاص بالخطوات التي اتخذت مؤخراً لضمان نشر الأحكام الصادرة عن المحاكم نشراً منهجياً.

89- ويضطلع المدعون العامون بدور أساسي في حماية حقوق الإنسان في ظل أي نظام عدالة جنائي، وهم مطالبون بأداء واجباتهم بنزاهة واتساق وسرعة، مساهمين بذلك في تحقيق الإجراءات القانونية الواجبة. ويعمل المدعون العامون في خدمة نظام العدالة الجنائية وهم مدعوون إلى أداء واجباتهم بأقصى قدر من الحياد. وفي هذا الصدد فان إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام والنص قانونا على استقلالها في ممارسة وظائف المدعي العام التابعة لها خطوة هامة يرحب بها.

90- ووزارة الداخلية مسؤولة عن إنفاذ القانون، مما يضع جهاز الشرطة وقوات الأمن والنيابة العامة تحت إدارتها ومراقبتها. ولوزير الداخلية أن يطلب أيضاً إعادة النظر في المسائل التي تتعلق بالتحقيق والمقاضاة على الجرائم بالوزارة ذاتها تقويض لقدرة النيابة العامة على أداء دورها بحياد ولن ينظر إليها على أنها تقوم بذلك، رغم كونها مستقلة.

91- ولقد أدى غياب ثقافة التمثيل القانوني، واعتبار قضاة كثيرين أن وجود محام يتعارض مع تحقيق نتيجة نزيهة في قضية ما، إلى تقويض الوظيفة الوقائية التي يؤديها التمثيل القانوني. ورغم أن هذه الثقافة تتغير ببطء، فانه ينبغي بذل مزيد من الجهود لضمان حصول المتهم على خدمات محام في جميع مراحل الإجراءات القانونية.

92- ووفقا للمبدأ 9 من المبادى الأساسية بشأن دور المحامين، يجب أن تكفل الحكومات توفير تعليم وتدريب ملائمين للمحامين. والهدف من ذلك هو أن يتمكن المحامون من أداء الحقوق والواجبات على النحو الوارد في المبادىء 12 و15، وهي أساسا إسداء المشورة للموكلين وحماية حقوقهم ونصرة قضية العدل. ولا يمكن لفرد لم يتلق نفس درجة التعليم والتدريب التي تلقاها محام محترف، وليس لديه عمق المعرفة التي يكتسبها ذلك المحامي عن طريق الممارسة المنتظمة للقانون أن ينهض بمهمة التمثيل الوافي. ولا يمكن للعيب الذي يولده غياب محام للمتهم أن يعوضه بالكامل قاضي ممارسة سلطاته بهدف كفالة نزاهة محاكمة.

93- ويرحب المقرر الخاص بالخطوات التي اتخذت حتى الآن لتنظيم ممارسة المحاماة وبالخطوات الأولية التي اتخذها بعض المحامين لإقامة رابطة مهنية مستقلة خاصة بهم. ويعتبر إنشاء هذه الرابطة أساسيا لضمان جودة ونزاهة تقديم خدمات قانونية وتمثيل مصالح المحامين. ويشجع المقرر الخاص الحكومة على اتخاذ خطوات للإسراع بعملية تسجيل الرابطة بهدف تيسير تطوير مهنة المحاماة.

94- ولا يرى المقرر الخاص سبباً يحول دون ممارسة المرأة مهنة المحاماة. ورغم الغموض بشأن ما إذا كانت المرأة قادرة في الوقت الحاضر على الترافع أمام المحكمة محامية ممارسة، يرى المقرر الخاص أنه نظرا إلى أن حوالي 50 في المائة من خريجي دراسة الشريعة أو القانون نساء، وأن المرأة قادرة على تمثيل مصالح آخرين أمام المحكمة فان ذلك يبين بوضوح قدرتها على ممارسة مهنة المحاماة. ويلفت المقرر الخاص انتباه الحكومة إلى المبدأ 10 من المبادى الأساسية بشأن دور المحامين.

95- وتشهد المملكة العربية السعودية تغيرات هامة تؤثر في النظام القضائي، لاسيما صدور تشريعات جديدة والتصديق على معاهدات دولية بشأن حقوق الإنسان. ومن المهم أن يواكب القضاة والمدعون العامون والمحامون هذه التغيرات وغيرها من التطورات التي يشهدها القانون في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من البلدان. ويشير المقرر الخاص أيضا إلى تعليقات العديد ممن تحاور معهم بشأن انعدام المعرفة بوجه عام داخل المملكة العربية السعودية بشأن القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان. وفي هذا الصدد، يرى المقرر الخاص من المفيد جعل حضور دورات بشأن هذه المواضيع شرطا إلزاميا بالنسبة لجميع الأشخاص الذين يريدون ممارسة القانون، سواء كانوا محامين أو قضاة أو مدعين عامين.

96- ويرحب المقرر الخاص بإصدار نظام الإجراءات الجزائية، لاسيما بإدراج أحكام تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتتضمن الحق في الاتصال بمحام في جميع مراحل الإجراءات القانونية. وبصفة عامة يشعر المقرر الخاص بالقلق من أن أحكام القانون تنحاز أحيانا إلى ما يمثل مصالح التحقيق على حساب مصالح المتهم. وكما قال للمقرر الخاص أحد من حاورهم من أعضاء الحكومة، وهو قول يتفق معه فيه المقرر الخاص تماما من الأفضل إطلاق سراح 100 متهم بدلا من سجن بريء واحد.

97- والأحكام الواردة في نظام الإجراءات الجزائية التي تسمح بفترات إحتجاز تصل إلى ستة شهور مدعاة لقلق بالغ. فالقانون الدولي يقضى بأن الأشخاص المحرومين هم، سواء بسبب الاعتقال أو الاحتجاز يجب أن يمثلوا بسرعة أمام قاض أو موظف آخر مأذون له قانونا أن يمارس السلطة القضائية. ويحق لهؤلاء الأشخاص محاكمتهم في غضون فترة معقولة. وليس الغرض من إحضار المحتجز في البداية أمام المحكمة هو محاكمته   نظرا إلى أن إجراءات التحضير لذلك قد تستغرق وقتا أطول. فالحق في المثول أمام المحكمة يمكن المتهم من الاعتراض على شرعية إستمرار إحتجازه، ويمكن المحكمة من ضمان احترام حقوق المتهم، بما في ذلك اتصاله بمحام. وللمتهم في المملكة العربية السعودية الحق في الاعتراض على إحتجازه عندما يمثل أمام القضاء للمحاكمة، ولا يرى المقرر الخاص كيف يمكن أن يكن لهذا الحق أي قيمة إذا لم يتمكن المتهم من ممارسته إلا بعد فترة طويلة من الاحتجاز.

98- وذكر المقرر الخاص أن من الملائم أن تناط بالمدعين العامين، بسبب استقلالهم المضمون قانوناً، سلطة تمديد فترة الاحتجاز.وينص المبدأ 10 من المبادىء التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة على أن تكون مناصب أعضاء النيابة العامة منفصلة تماما عن الوظائف القضائية. ومن الواضح أن تحديد حقوق المتهم وشرعية ممارسة أعضاء النيابة العامة تقديرهم الادعائي وظيفة قضائية واضحة. وفي جميع الأحوال، فان المقرر الخاص لا يرى كيف يمكن أن يناط بهيئة تقييم إمتثالها للقانون.

99- وقد أثبتت التجربة في بلدان أخرى أن الاحتجاز المطول لاسيما الحبس الانفرادي، يهيىء الظروف لانتهاك حقوق الفرد المحتجز. وفي ظل هذه الظروف وحتى في حالة عدم انتهاك حقوق المتهم فان غياب الشفافية في هذه الإجراءات يؤدي إلى تصوّر حدوث تجاوزات. وفي هذا الصدد فان المقرر الخاص يشعر بالقلق إزاء سلطة المحقق التي تجعله قادرا على إصدار أمر بأن لا يتصل محتجز بأحد باستثناء محاميه لفترة قد تصل إلى 60 يوماً إذا اعتقد المحقق أن مصلحة التحقيق تقتضي ذلك. وحتى مع إمكانية الاتصال بمحام فان الأفراد الآخرين، لاسيما أفراد الأسرة أو مسئولي القنصليات، يشكلون ضماناً هاماً لسلامة المتهم ولحقوقه.

100- والاعتماد على الأدلة المبنية على اعترافات يجعل مشاكل استمرار الاحتجاز تتفاقم مما يمثل ضغطا على المحقق للحصول على اعتراف من المتهم. وذكر للمقرر الخاص أن المدعين العامين يحضرون دورات تدريبية في الطب الشرعي الجنائي وغيره من العلوم وأن الأدلة المادية تجمع في التحقيق في القضايا، وان كان ما ذكره آخرون ممن تحاور معهم المقرر الخاص قد يناقض ذلك بعض الشيء.

101- والاتصال بمحام ضمان أساسي وجوهري لحماية حقوق المتهم. ويرحب المقرر الخاص بالأهمية التي تولى لهذا الحق في نظام الإجراءات الجزائية بوجه عام. فالحق في التمثيل القانوني هو حق الفرد ولا يمكن أن يسلبه منه أحد، بما في ذلك المدعي العام أو القاضي. ولم يناقش المقرر الخاص نطاق المادة 69 من نظام الإجراءات الجزائية خلال مهمته، وبالتالي لم يطلب توضيحات من الحكومة بشأنه. ويود المقرر الخاص أن يشير إلى الشرطين اللذين لا يعلوا عليهما شيء، وهما المساواة والحق في توكيل محام في جميع الأحوال وهو مالا يمكن التغاضي عنه لصالح التحقيق.

102- والشواغل المتعلقة بالشفافية قد تنبع جزئيا من نقص معرفة النظام القضائي. وان كان هناك قدر كبير من انعدام الشفافية في الحالة التي قام المقرر الخاص بتمحيصها. ويخلص المقرر الخاص إلى وجوب بذل مزيدٍ من الجهود لإعلام كل من المتهمين ومحاميهم والأطراف الأخرى المعنية مباشرة مثل الأسر أو المسئولين القنصليين، بالإجراءات القانونية في القضية وتيسير دخول الجمهور إلى المحاكم.

103- وتشكل الطبيعة العلنية لجلسات المحكمة عنصراً أساسياً لكفالة محاكمة عادلة ولضمان المساءلة الديمقراطية للنظام القانوني. ويشعر المقرر الخاص بالقلق من القدرة على عقد جلسات سرية إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة، كما تنص المادة 155 من نظام الإجراءات الجزائية، واسعة جداً في نطاقها وتقوض شفافية نظام المحاكم.

104- وتحظر المادة 37 من إتفاقية حقوق الطفل فرض عقوبة الإعدام على أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة. وفي هذا الصدد يساور المقرر الخاص القلق من السلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي في فرض عقوبة الإعدام أو عقوبة جسدية على هؤلاء الأشخاص. ويشير المقرر الخاص إلى الفقرة 33 من الملاحظات الختامية للجنة حقوق الطفل بشأن هذه المساءلة.

105- ولن يتوسع المقرر الخاص في تعليقه على القضية التي تشمل خمسة بريطانيين محتجزين التقى بهم خلال بعثته، نظرا إلى أن القضية لا تزال معروضة على المحكمة. ويرى المقرر الخاص أن القضية تنطوي على قدر كبير من التجاوزات الإجرائية التي يجب أن تثير الشك في صحة إعترافات المتهمين، التي تراجعوا عنها بأي حال. ويحث المقرر الخاص النيابة العامة على التعاون الكامل مع الوكلاء القانونين للمتهمين، ولاسيما فيما يتعلق بتقديم معلومات تتصل بالإجراءات القانونية السابقة في القضية. ويود المقرر الخاص أيضا أن يكرر أن الاتصالات بين المتهمين ووكلائهم القانونيين هي اتصالات خاصة وسرية ولا يمكن إلا أن تجرى تحت نظر، وليس على مسمع من مسئولي انفاذ القانون، وتخضع أيضا أي وثائق متبادلة بين الوكيل والموكل لشرط السرية. 

باء – التوصيات 

106- يوصي المقرر الخاص بأن تناقش مفوضية حقوق الإنسان مع الحكومة تقديم المساعدة التقنية في مجال حقوق الإنسان. وقد أعربت الحكومة عن إهتمام خاص بعقد مناقشات على مستوى الخبراء تتعلق بمدى عدم اتساق قوانينها وإجراءاتها مع القانون الدولي والقواعد الدولية لحقوق الإنسان، وتقديم مشورة الخبراء ومساعدتهم بشأن عملية التصديق على المعاهدات. وبغية تعزيز المعرفة بمسائل حقوق الإنسان والوعي بها يشجع المقرر الخاص على عرض توفير التدريب بشأن قانون حقوق الإنسان للمسئولين الحكوميين. 

107- وفيما يتعلق بالسلطة القضائية:

(أ) ينبغي تحديد وضع منفصل للقضاة خارج نطاق قواعد الخدمة المدنية، وهو وضع يقر بالخصائص الفريدة لمهنة القضاء ويشدد على أهمية الاستقلال والحياد وخدمة القانون.

(ب) ينبغي تعديل المادة 20 من نظام القضاء. فالقرارات الموضوعية للهيئة العامة ينبغي ألا تستأنف إلا عن طريق الإجراءات العادية للاستئناف.

(ج)ينبغي إلغاء سلطة وزير العدل بموجب المادة 120 من نظام الإجراءات الجزائية، فيما يتعلق بتعيين قضاة إضافيين.

(د) ينبغي للحكومة أن تكفل تعيين قاضيات.

108- وفيما يتعلق بالنيابة العامة:

(أ) ينبغي أن تنقل مسؤوليات هيئة التحقيق والادعاء العام إلى وزارة العدل.

(ب) تشجع هيئة التحقيق والادعاء العام على إقامة اتصالات مع شركاء دوليين، مثل الرابطة الدولية للمدعين العامين

109- وفيما يتعلق بمهنة المحاماة:

(أ) ينبغي للحكومة أن تفكر في النظر في أساليب الإسراع بعملية تسجيل الرابطة دون النيل من نزاهتها.

(ب) ينبغي لجميع المحامين، المسجلين وغير المسجلين، أن يناقشوا تشكيل رابطة مستقلة للمحامين. وينبغي أن تتناول المسائل المتعلقة بهيكل الرابطة، وحقوق أعضائها وواجباتهم، بما في ذلك الأحكام التأديبية، ومواصلة التثقيف القانوني.

(ج) ينبغي للحكومة أن تتخذ خطوات بهدف تشجيع مزيد من النساء على ممارسة مهنة المحاماة.

(د) ينبغي للحكومة أن تتخذ خطوات لضمان توفير التمثيل القانوني لمن لا يملكون سبيلا إلى ذلك. وهذا يمكن أن يتحقق على سبيل المثال، عن طريق إنشاء مكتب للمدافعين العامين، أو إنشاء نظام إحالة للمحامين الذين يرغبون في تمثيل المتهمين دون مقابل، أو توفير موارد مالية للتمكين من كفالة تقديم الخدمات القانونية.

110- وفيما يتعلق بالتثقيف القانوني:

(أ) ينبغي اشتراط حصول القضاة والمدعين العامين والمحامين على تثقيف قانوني بصفة مستمرة خلال ممارستهم مهنتهم القانونية لكي يتمكنوا من مواكبة أحداث التطورات في القانون والإجراءات وأحدث التطورات في الولايات القضائية الأخرى.

(ب) ينبغي النظر في إدراج دورات إلزامية في القانون الدولي وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان ضمن المناهج الجامعية.

111- وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية:

(أ) ينبغي تعديل القانون لضمان مثول الأشخاص المتهمين أمام محكمة بعد إلقاء القبض عليهم أو احتجازهم، على أن تكون أي فترات احتجاز إضافية بإذن من المحكمة.

(ب) ينبغي أن تراجع محكمة حالة الأفراد المحتجزين الذين لم يمثلوا أمام محكمة أن تعيد النظر في الاحتجاز.

(ج) عندما يلقى القبض على متهم ينبغي إعلامه بحقوقه وينبغي أن يمكّن من فرصة الاتصال بمحام. وإذا كان مواطناً أجنبياً، ينبغي إخطاره بحقه في السعي للحصول على المساعدة القنصلية وأن يمكَّن من القيام بذلك.

(د) ينبغي أن يدرج في نظام الإجراءات الجزائية حكم يتعلق بضمان سرية المراسلات الشفوية والخطية بين المتهم ومحاميه.

(هـ) ينبغي للحكومة أن تطالب بالتسجيل السمعي أو المرئي (بالفيديو) لجميع عمليات الاستجواب بأكملها.

(و) ينبغي تعديل نظام الإجراءات الجزائية حتى يكفل صراحة الحق في الاستعانة بمترجم في جميع مراحل الإجراءات الجزائية.

(ز) ينبغي تعليق قائمة بالقضايا والمحاكم التي ستنظر فيها، في مداخل مباني المحاكم وخارج كل دائرة من دوائر المحكمة وبغية تيسير دخول الأشخاص المهتمين من الجمهور إليها.

(ح) لا يسمح بالانتقاص من الطبيعة العلنية لجلسات المحكمة إلا في الظروف المبينة في المادة 14 من العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية.

(ط) ينبغي ألا تتضمن العقوبات المفروضة على الأفراد الذين تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة عقوبة الإعدام أو العقوبة الجسدية.

112- وفيما يتعلق بقضية المحتجزين البريطانيين:

(أ) يجب أن يسمح للمحامين بالإطلاع على المعلومات والملفات والوثائق في إطار مراقبة السلطات المختصة، لاسيما فيما يتعلق بالأدلة المقدمة ضد المتهمين.

(ب) يجب إعادة استمارة الاستبيان التي قام المتهمون بملئها بناءً على طلب من محاميهم إلى حوزة محاميهم.

(ج) ينبغي تزويد محامي المتهمين بتفاصيل التحقيق في ادعاءات تعرضهم للتعذيب.

الصفحة السابقة