الحكومة الدينية قد تقضي على السياسية

المملكة العربية الوهابية.. أم السعودية؟!

مجاهد إبراهيم عبدالمتعالي

الغريب أن السعوديين يستنكرون ما حصل! قد يعذر الشعب على إستنكاره، لكن الغريب أن تستنكر الحكومة ما تدركه أكثر من غيرها، ولهذا فمن الحماقة أن يكرر التيار الليبرالي في السعودية لومه على تجاهل تحذيراته.. الحكومة تعلم يقينا ما يقوم به توأمها السيامي، ومعاناتها لن يحلها إلا المنظر الأول لنشوئها، وهاهم الغربيون قد حضروا ليصلحوا مشاكل هذين التوأمين السياميين.. صحيح أن الحكومة الدينية قد تقضي على الحكومة السياسية، لكن وجود المنظر الغربي قد يبقي على علاقتهما كما هي ولكن بتوازن، فالغرب يعلم أن أفضل ما يناسب عقليتنا هو نفس ما ناسب أوروبا في العصور الوسطى، فلقد إنشغل الفكر السياسي المسيحي آنذاك بمبدأ إزدواج السلطتين، حيث كان يفترض إزدواجية الولاء كأحد المسلمات، وذلك للعقلية المتخلفة المزدوجة للفرد آنذاك، وكان المقلق للفكر السياسي المسيحي تساؤل: من يطيع الفرد في حالة تعارض الولاء؟ ولأي من السلطتين اليد العليا؟ بمعنى أي من الحكومتين يجب أن يطيع الفرد ولمن يعطى ولاءه في حالة التعارض بينهما؟

لقد أوضح البابا جيلاسيوس الأول في أواخر القرن الخامس الميلادي ما أطلق عليه مذهب السيفين أو نظرية السيفين ـ من الغريب أن شعار الدولة السعودية سيفين ونخلة فهل هما سيفي جيلاسيوس؟ ربما! ـ ووفقا لهذا المبدأ أكد جيلاسيوس أن هناك سيفين يمثل كل منهما مركزا للسلطة ويلاحظ أنه عندما كانت الكنيسة ضعيفة بادئ الأمر كانت الأفكار تنادي بضرورة ضمان سلطاتها وحريتها في نشر دعوتها وتمتعها بممتلكاتها والحث على طاعة الحاكم، لكن تدريجيا اكتسبت سلطة ضخمة وثراء ووصل بها الأمر إلى أن أصبحت دولة داخل الدولة.

وهذا ما حصل مع الحكومة السعودية، حيث أن تركيزها في الحفاظ على بقائها كان متمحورا حول الوحدة الداخلية للأسرة الحاكمة نفسها، بينما إمكانية سقوطها من خلال توأمها السيامي بقيت فكرة مستبعدة وذلك للثقة التي كسبتها من خلال إنتصارها على كل حركة تحصل، بدءاً بالسبلة ومروراً بقضية الحرم 1979، وهلمجرا.

إن ميكافيللي تحدث عن ضرورة أمثال هؤلاء لمكسب وحيد وهو صعوبة إختراق الدولة من الخارج، وهذا ما وجدته السعودية مفيدا لوقف المد الثوري الخميني وما تقاطع مع مصالح أمريكا أيضا لوقف المد الأحمر. لكن ميكافيللي بيّن أيضا أن عيب هؤلاء الوحيد هو الثورات الصغيرة من حين لآخر. عند هذا نجد أنه من الإنصاف أن نلتمس العذر للسعوديين عندما يتحملون هذه السلطة الدينية المتنفذة، فهم يدركون أنهم بدونها يفقدون الهوية الموحدة والتي حرصت الحكومة الدينية على وأد أي محاولة من قبل المثقفين المتنورين لإيجاد هوية بديلة تتناسب والتطور الحاصل مع العولمة والذي أوقع حتى المواطنين الأميين سياسيا واقتصاديا في مأزق مع أنفسهم.. ففي دواخلهم ما زالوا يقفون مع الحكومة الدينية ويطربهم النغمة الأكثر مزايدة لظنهم أنها الأكثر قربا من الدين.. مأزق الأمية جعل المواطن لا يدرك من التطويرات الإقتصادية سوى أنها فتح لباب الشر ودخول للغرباء وضياع للدين.. ولم يعلم أن السر هو في ضياع إمتيازات الحكومة الدينية بدء بتقنين الشريعة وتقييد سلطة الفقهاء (الحكومة الدينية) وهذا ما لا يريده المتنفذون من قدامى الدينيين، وهو ما إتضح من خلال التفجيرات، وفشل الحكومة السياسية في القبض على المعلن عنهم، بل تجاوز الأمر نصابة إلى حد إصدار فتاوى تحرم المساعدة في القبض على الإرهابيين الذين يعملون كجهاز عسكري يقف ندا للجهاز العسكري السياسي فيما لو فكرت السلطة السياسية التخلص من توأمها السيامي.

هل بإمكاننا الان ان نذكر الليبراليين بصعوبة رهانهم مع الحكومة السياسية وأنهم لن يكونوا سوى درع لتلقي الضربة الأولى في حالة الإنفلات الأمني لنجد الإغتيالات وقد بدأت في رموز الليبرالية ليدق ناقوس الخطر إيذانا بأن الطريق متجه للرموز السياسية.

الليبرالية السعودية ليست سوى أخ غير شقيق يعاني من الهمز واللمز في نسبه من الأخ السيامي للحكومة السياسية، ولهذا فيجب على المصلحين الحقيقيين مراعاة هذه الأمور عند طرح حلول لهذه الأزمة. الذي يجب أن يعلمه المقامرون أن هؤلاء القتلة سيبقوا قتلة حتى ولو لم يبق في السعودية سوى السكان الأصليون.. سيجدوا لهم عدوا جديدا كما فعلوا في أفغانستان فبعد إنسحاب القوات السوفياتية بحث هؤلاء عن عدو جديد فلم يجدوا أفضل من رفاق الجهاد من الشيعة لتبدأ الحروب الطائفية وهذا ما سيفعلونه إن لم يجدوا سوى شيعة الشرقية والجنوب ثم الطريق على رموز العلمانية ثم الطريق لإنشاء حكومة طالبان لتكون منطلقا للجهاد ضد الآخر أيا كان. الكرّة ستعود إن لم تجد الحكومة حلا مؤقتا لأن الحل الجذري مستحيل على الأقل في الوقت الحالي وذلك لإمتلاك الحكومة الدينية ما يلي:

(1) الأداة الدبلوماسية المتمثلة في صفين من الإسلاميين، صف يلعب بشكل دبلوماسي مرن ليقدم المعلومات الإستخبارية للصف الخلفي الداعم عسكريا للصف الأول.

(2) الأداة العسكرية، فلدى الحكومة الدينية قوة تتمثل في هؤلاء الإنتحاريين مع وجود عامل خطير وهو وجود متعاطفين من القوة العسكرية التابعة للحكومة السياسية مع هؤلاء مما يشكل إختراقا يجب الحذر منه، بينما العكس غير موجود فلا يوجد تعاطف من أفراد الحكومة الدينية مع أي من مخالفيهم.

(3) الأداة الدعائية، حيث تستطيع الحكومة الدينية إيقاف أي توجه جديد يسقط سلطتها حتى على مستوى النشر البسيط، بينما تعجز الحكومة السياسية عن إيقاف المد الإعلامي على المستوى الصحفي أو البث الفضائي.. وتكمن الخطورة في أن المساحة المتروكة للتعبير الحر تتمثل في اللهو والطرب وعدم السماح للتعبيرات الفكرية الحرة البحتة من الظهور على السطح مما يجعل التعبير الفكري الظلامي متسيدا الوعي الشعبي باعتباره خطاب الحقيقة وغيره مجرد إغواءات شيطانية وهذا حقق أكبر مكسب في الحرب الباردة بين الحكومتين.

(4) الأداة الإقتصادية.. حيث تمكن هؤلاء من إيجاد داعمين من خلال الأعمال الخيرية التي فتحت آفاقا للتواصل الموثوق لإيجاد تغيير راديكالي بعد الحصول على ما يشبه الأكتفاء الذاتي.

هل نرى بصيص أمل بعد كل هذا؟ نعم.. في الإندماج، ويتم ذلك بإيجاد درجة ما من الهوية المشتركة أو الولاء المشترك العام الشامل لكل فئات المجتمع بجميع أشكاله الطائفية والفكرية والعرقية وإذا أصبح الإندماج حقيقة فعلى الدولة ما يلي: حفظ السلام والأمن بشكل حقيقي، وتحقيق مكاسب متساوية وبشكل أكبر لكل الفئات، وتحقيق هوية جديدة للحكومة تقطع صلتها بالماضي.. هذه مجرد نظرة لا تتجاوز الخطوات الأولي في تلمس الطريق نحو دولة أفضل مع ما في الخطوات الآولى من تعثر ولكن الخطوات الأولى تعني الحياة والتوقف يعني الموت بهدوء والتراجع يعني الإنتحار.

(نقلاً عن إيلاف)

الصفحة السابقة