عدوّة نفسها تخرب بيتها

السعودية.. عصر التيه!

محمد فلالي

تخبّط السعودية في سياستها الخارجية لا حدود له ولا نهاية.

فهي إذ تخسر مواقعها الإقليمية وتتزايد قائمة أعدائها، وتنكمش الى محيطها الخليجي أكثر فأكثر.. لا تفتأ أن تضيف الى القائمة المزيد من الأعداء وتفتح المزيد من الجبهات، وتتصرّف كدولة منتصرة بطاقات عسكرية وبشرية ومالية غير محدودة، وكأنها امبراطورية تسير من نصر الى نصر، وليس من هزيمة الى هزيمة، او حسب المثل الشعبي (من حفرة الى دحديرة).

يقول المعلّقون، وبينهم سعوديون، بأن الرياض معذورة في تصرفاتها الهستيرية. فالصفعات تتالت عليها فأصابتها بالذهول ابتداءً، والى ما يشبه الجنون انتهاءً.

لا شيء يبرّر السياسات السعودية في الإصرار الأحمق على ذات النهج الذي قاد الى خسائرها المتتالية. إنه طعنٌ للذات، أو تدميرٌ لها بشكل لم يكن واضحاً أكثر مما هو اليوم، كما يقول المراقبون للسلوك السياسي السعودي الخارجي.

لهذا، يصدق فعلاً على السعودية وصفها بأنها (مجروحة)، يسيّرها (الحقد)، وتبحث عن (الإنتقام)، بأيّ وسيلة وطريقة، مع مكابرة تتعدّى حدود الإتزان، واستعلاء على القريب والبعيد في زمن الهزائم.

السعودية وحيدة الى.. الهاوية!

تحويل المعركة للداخل الخليجي

في خضم زعلها على الولايات المتحدة والغرب لأنه يسعى لاتفاق مع ايران بشأن برنامجها النووي، وربما بشأن قضايا إقليمية أخرى، وهو ما عبرت عنه السعودية مراراً.. قالت أن واشنطن باعت حلفاءها لإيران، او تريدهم الاستسلام لها. في هذا الجو المشحون بالأسى والندب واللطم والحرد، تعكسه الصحافة السعودية في مقالات ومطولات ونوائح، يتناهى الى أسماع الأمراء السعوديين أن هناك دوراً لسلطنة عُمان التي احتضنت لقاءات سريّة بين واشنطن وطهران مدّة عام سبقت لقاءات جنيف وما تمّ فيها من اتفاق أوّلي.

في لحظة غضب وجهالة سعودية، حوّلت السعودية زعلها وحردها على واشنطن، الى غضب وشتائم لسلطنة عُمان، التي يقول الأمراء انها طعنتهم في الظهر، وأنها لم تبلغهم بما كان يجري، خاصة وأنهم يمثلون الشقيقة الكبرى، كما أن السلطنة ساعدت اعداءهم الإيرانيين في كسر عزلتهم السياسية والإقتصادية، حسب رأيهم.

فجأة ضجّت الصحف بالشتائم والإتهامات للسلطنة، في مقالات محسوبة من كتاب على النظام ورموزه، مطالبين بمعاقبة السلطنة، ثم ـ وبعد ان تحدث يوسف بن علوي مسؤول الخارجية العمانية عن رفض الاتحاد الخليجي وهو مشروع سعودي بغرض الهيمنة ـ بدأ الكتاب بالتقليل من اهمية السلطنة، وتم ترويج مقولة ضرورة طردها من مجلس التعاون الخليجي، وإيقاف المساعدات عنها، وان المجلس بدونها سيكون أفضل، أو على الأقل حتى لا ينتقل الداء العُماني الى باقي دول الخليج، حسب رئيس تحرير صحيفة الإقتصادية اليومية، سلمان الدوسري.

وزيادة في إضافة الملح على الجرح، كما يقال، حوّلت السعودية خلافها السياسي مع السلطنة الى خلاف مذهبي أيضاً، حيث المذهب الإباضي الرسمي في عُمان. وطفق مشايخ السلطة الموتورون مذهبياً ضد كلّ أحد، يحلّلون الأحداث والمواقف السياسية بعين عقدية، وراحوا يتحدثون عن تحالف بين الإباضية والشيعة، وعداء الإباضية لأهل التوحيد (الوهّابي)، وكيف أن مذهب الإباضية باطل، شركي، بدعي، بنظر مشايخ الوهابية، شأنه في ذلك شأن بقية المذاهب الإسلامية عدا مذهبهم.

لم ينته الأمر لدى السعوديين، فقد أصابهم الحنق من زيارة عبدالله بن زايد آل ثنيان وزير خارجية الإمارات الى طهران بعيد عقد الإتفاق النووي، وتصريحه بتأييد الإتفاق، وهو ما فعلته كل الدول الخليجية، إلا السعودية المتحفظة التي أيّدت بشروط، وكأنها ـ وهي العاجزة ـ تستطيع فرض شروط على أحد. انقلبت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ضد الإمارات، وزاد غيظ الأمراء السعوديين بعد زيارة ظريف الى العواصم الخليجية كلها، عدا الرياض وتابعها المنامة التي دعته لزيارتها ولكن ظريف لم يستجب للدعوة، في حين ان الرياض رفضت استقبال المسؤول الإيراني رغم ابداء استعداده لذلك، لشعورها بأن الزيارة ستضيف مكسباً سياسياً جديداً لطهران دون أن تتحصل هي على شيء.

تحويل المعركة الى الداخل الخليجي، بين أنظمة الخليج، ومن ثم بين النخب والمجتمعات والمذاهب، كان تهوّراً سعودياً حقيقياً. فالهجمة الإعلامية على مسقط، قابلتها الأخيرة بردود هادئة، وبإصرار على مواقفها، كيف لا وهي قد كسبت سياسياً من احتضان اللقاءات السرية الأميركية الإيرانية، وجنّبت دول الخليج تداعيات حرب تسعى لها السعودية ضد طهران، ولاتزال. فإضافة الى المواجهات العمانية الشعبية مع مباحث السعوديين الشتّامين في تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي، خرج علينا سيف بن ناصر المعمري، بمقالة مثيرة في صحيفة (الرؤية) العُمانية حملت عنوان: (أنا لستُ خليجياً)، بيّن فيه فشل دول الخليج، في كل شيء تقريباً، وبالتالي لا يشرفه ان يكون منتمياً الى مجلس تعاون خليجي فاشل.

تشكو الرياض من أن إيران تريد تطويقها من كل الاتجاهات عبر نفوذها المستمر بالتمدّد، واليوم تشكو مرّة أخرى، من اختراق إيراني لدول مجلس التعاون الخليجي، وربما أرادت تفكيك المجلس، أو عزل السعودية عن أخواتها الخليجيات، كما يقول كتاب الرياض.

إن كان هذا الزعم صحيحاً، فإن السعودية عدوّة نفسها، وتقوم بتخريب بيتها بنفسها، وإلاّ كيف تستطيع ايران ان تخترق دول الخليج التي يفترض انه يجمعها حلف امتد لثلاثة وثلاثين عاماً، حلفٌ بين دول متقاربة في النسيج الثقافي والعائلي واللغوي والسياسي والاقتصادي وغيره؟ اكثر من ثلاثة عقود تستفرد السعودية بزعامة دول الخليج، فما الذي يدعوها للإتجاه شرقاً نحو إيران، وهي التي استُهدفت طيلة هذه المدّة بالعداء الغربي الخليجي، ونُظر اليها على أنها العدو رقم واحد قبل إسرائيل حتى؟

لا يمكن أن يعزى هذا إلا الى أن مجلس التعاون الخليجي كيان مهلهل. والى أن السعودية لم تستطع أن تكسب حتى ثقة جيرانها الخليجيات الذين يعانون من سياساتها التوسعية، أو تقنعهم بجدوى سياساتها العدائية والطائفية.

لا يُمكن إلا أن يكون هناك خلل إلا في السعودية وفي سياساتها، وإلاّ كيف تتجه شقيقاتها شرقاً وتفكك علاقاتها بالشقيقة الكبرى، إن كان هذا صحيحاً كما تقول تلك الأخيرة؟

سهلٌ على السعودية تمثيل دور الضحية، لكن من يقتنع بذلك؟.

مرة تزعم أنها ضحية الإرهاب الوهابي القاعدي وهي المصدّر الأول له، رجالا وفكراً ومالاً.

ومرّة أخرى تزعم انها ضحية الإتفاق الإيراني الأمريكي، رغم أن امريكا والغرب هم حماة السعودية، والأخيرة مجرد تابع في السياسة الخارجية لتلك الدول.

والآن تقول أنها ضحية دول الخليج صديقاتها وحليفاتها، التي بدت منها الخيانة لها ولدورها، كما تقول.

لا.. الخلل ليس في عُمان او قطر او الإمارات.. بل في السعودية نفسها، وطريقة تعاطيها مع جيرانها، إن كانوا خليجيين أو يمنيين أو عراقيين أو أردنيين. طريقة مليئة بالإستعلاء والاستخفاف وفرض الهيمنة بعضلات ضامرة، او بانقلابات عسكرية كما حدث مع قطر ومع عُمان.

السعودية ضحية أخطائها، لا أخطاء غيرها.

السعودية ضحية جهلها وحماقتها وحقدها وجمودها.

إذا حدث وان اتجهت بعض دول الخليج شرقاً الى ايران، اما لفتح صفحة جديدة، او لتجنّب حرب، أو لحيازة مكسب اقتصادي، فذلك يأتي متوافقاً مع توجّه عالمي غيّر مواقفه، وأعاد النظر في حساباته.

في السابق كان الشاذّ هو من يقيم علاقة طبيعية مع ايران، واليوم بات الأمر معكوساً.

السعودية ستكون شاذّة عن العالم ودول الخليج الأخرى، فهذه الأخيرة لا تريد حرباً ولا إمكانية لها بحرب، ولا العالم سيدخل حرباً من أجل عين السعودية، أو عين اسرائيل، أو عينهما معاً.

جنون يتواصل قبل الإنكسار

لن تدخل دولة خليجية معركة سعودية خاسرة سواء مع ايران او غيرها. والسعودية بعدائها لعُمان والإمارات وقطر، وربما الكويت، تكون قد أضعفت مجلس التعاون، وأضعفت موقفها فيه ايضاً، وهذا ما يمكن قراءته من نتائج القمة الخليجية الأخيرة، التي لم تبحث الإتحاد الخليجي، كما أرادت السعودية، ولم تتخذ سوى قرارات غير قابلة للتطبيق او حتى لو طبقت لا تضيف قوّة الى السعودية، مع ان القرارات العسكرية والشُرَطيّة لا يعتقد بإمكانية تطبيقها في المدى المنظور.

السعودية ولمنتصف العام القادم 2014، أي حتى يتم الإنتهاء من الإتفاق النهائي الإيراني الغربي بشأن البرنامج النووي.. ستبقى على عنادها، وإصرارها على تخريب الإتفاق بالتعاون مع اسرائيل. هذا أولاً.

وثانياً، ستلقي السعودية بكامل ثقلها لتخريب الأوضاع في المنطقة. قد لا تستطيع سوى التشدد اكثر في البحرين، فلا تنازل من قبل النظام للمعارضة، ولا حلّ سياسي إلا بالشروط السعودية المجحفة بالحراك الشعبي.

وأمام السعودية في الأشهر القادمة معارك أخرى ضد الحوثيين يشنها أتباعها مع السلفيين، وهو ما بدأت به منذ شهرين.

وفي العراق ستبقى القاعدة بتمويل بندر فاعلة في التفجيرات، وامامها استحقاق الانتخابات العراقية القادمة وهي تستعد لها بملياراتها للإطاحة بأعدائها الماسكين بزمام السلطة.

في سوريا سيزداد ضغط الرياض على الأردن باعتباره البوابة الوحيدة المتبقية للرياض لتغيير الوضع على الأرض لصالح مشروعها السياسي وتخريب اجتماع جنيف قبل ان يولد، ولا يبدو انه سيولد.

المكان الأكثر عرضة للتفجير السعودي خلال الأشهر الستة القادمة، هو لبنان. والأرجح اننا بانتظار المزيد من المفخخات والإنتحاريين، فالرياض قرّرت وحدها أن تأخذ لبنان الى المحرقة ـ إن استطاعت ـ وتعطيل العملية السياسية ومنع تشكيل الحكومة لعلّ شيئاً ما يتغيّر على الساحة السورية او اللبنانية يعوّض شيئاً من خسارتها، أو يجلب الضرر لخصومها السياسيين.

قد لا تتوقف مساحة الإنتقام السعودية التي تعتمد على عنصري المال ودعم ارهاب الوهابية القاعدية، على ما ذكر سلفاً.

فهناك مؤشرات ونتف أخبار عن تحريك السعودية أصابعها للقيام بتفجيرات في ايران، حيث تعرضت مؤخراً أنابيب نفطية لمحاولات تفجير، يعتقد أن لها صلة بمعارضين ايرانيين قاعديين من بلوشستان معروف ان الرياض تدعمهم.

ستمضي السعودية خلال الاشهر الستة القادمة الى آخر الشوط من التخريب، فإذا ما فشلت، وهو المرجح، فإن افعالها تلك ستزيد من انكسارها التالي خارجيا وداخلياً، كونها الطرف الصريح في المواجهة، والطرف المشخّص في تمويل العنف.

بعد الأشهر الستة، ستنكفيء الرياض كثيراً كثيراً على الصعيد الإقليمي، حيث ستخسر كل أوراقها السورية والعراقية واللبنانية والفلسطينية ولربما الخليجية أيضاً، في البحرين، كما في اليمن. لا تبقى الا مصر، حيث الآمال السعودية عريضة، ولكنها غير مضمونة، ولا يمكن سواء استقر النظام في مصر أم لم يستقر أن يفيد السعودية ويحي عظامها بعد أن اصبحت رميما. مصر في حال استقرارها ستنتج نظاما لن يتواءم مع السعودية، ولن تتواءم تطلعات مصر ونفوذها مع التوجهات السعودية. وفي حال بقي عدم الإستقرار، فإن مصر لا تستطيع ان تفيد السعودية، بل ستصبح عبئاً عليها، على الأقل مالياً، وقد تجد الرياض نفسها في مأزق في حال عاد الإخوان المسلمون الى الساحة السياسية ضمن صفقة مع الحكم القائم غير مستبعدة.

السعودية لن تأخذ دول الخليج الى الهاوية معها. بل ستذهب اليها لوحدها هذه المرّة!

الصفحة السابقة