بندر يشرف على عمليات (الغوطة)

السعودية.. والحرب اليائسة في سوريا

رتب عسكرية سعودية شاركت في المعارك، ومفاجأة سقوط عدد كبير من القتلى السعوديين،
ومعلومات عن وقوع ضابط عسكري سعودي كبير في أسر الجيش السوري النظامي

عبدالحميد قدس

بات واضحاً بأن الوضع في سوريا انتقل من الثورة الى صراع محاور، ما انعكس على أداء كل الأطراف، وما يظهر في الميدان العسكري والصالونات السياسية هو انعكاس لهذا الانتقال الدراماتيكي..

منذ ستة شهور هناك مكاسب متوالية في الميدان لصالح الجيش السوري وانتقل النظام من مرحلة الدفاع الى الهجوم، ما ادى الى تفكك الجماعات المسلحة. استعاد النظام السوري الى حد كبير أمن دمشق وكذلك حمص، وما الهجمات المتقطعة بالقذائف على بعض أحياء العاصمة سوى محاولات تشويش على التراجع في جبهة الجماعات المسلّحة.

بعد التسوية الكيماوبة، وتالياً الغاء الضربة العسكرية الاميركية على سوريا، وجدت السعودية نفسها وحيدة أمام واقع ميداني وسياسي جديد قد تدفع ثمنه غالياً، في حال بدأت ارتداداته العنيفة تنعكس داخلياً، خصوصاً بعد عودة المقاتلين السعوديين الى الديار.

بدأت السعودية وأطراف أخرى (الاردن، الامارات، اسرائيل، الجماعات المسلحة) باعداد خطط التدريب والهجوم على نحو عاجل، وكان القرار هو استخدام نفس الخرائط المعدّة للحرب بمشاركة الولايات المتحدة وأوروبا.

وصلت المعلومات الى النظام السوري عن تدريبات في الأردن للهجوم عبر درعا على الحدود الاردنية للوصول الى ريف دمشق. وتم التحضير والاستعداد لذلك من قبل الجيش السوري بمساعدة حلفائه (روسيا وايران وحزب الله وكتائب عراقية)، ونجحت في تأمين طريق المطار والغوطة الشرقية، فيما تمَّ العمل على تثبيت الوجود العسكري للجيش السوري في درعا لمنع تسلل القوات المهاجمة من الاردن..

الأمير بندر بن سلطان الذي كان يشرف على الهجوم من فيلا في العاصمة الأردنية، عمّان، واكب العمليات منذ البداية للتأكد من تنفيذ الخطة كما ينبغي، وزجّ لأول مرة برتب عسكرية سعودية في المعارك، وفوجىء بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف القوات المهاجمة، من بينهم عدد كبير من السعوديين، فيما حكي عن وقوع ضابط عسكري سعودي كبير في أسر الجيش السوري النظامي..

اعتبر الهجوم الأخير على الغوطة الشرقية عن طريق الاردن المحاولة الأخيرة، حيث سيطرت القوات المهاجمة على سبع قرى ولكن تمت استعادتهم بصورة سريعة، وحتى العتيبة، وهي الممر الحيوي للعتاد والمسلّحين التي توصل مع درعا لم تستطع القوات المهاجمة من السيطرة عليها، وبالتالي فشل الهجوم الكبير..وسوف تغيّر المعادلة، ولا شك أن بندر أصيب بخيبة أمل..

على جبهة القلمون، بدت المعارك تسير بصورة هادئة وتدرجية وبعيدة في الغالب عن الأضواء، فيما يجري العمل على قطع طرق إمداد العتاد والمسلّحين التي توصل من يبرود في جبال القلمون الى عرسال في البقاع اللبناني، وهو خط الامداد للسيارات المفخّخة والانتحاريين والمقاتلين، وفي حال تمّت السيطرة على هذا الخط تكون القلمون قد سقطت استراتيجياً..

الوضع الداخلي في القلمون تعرّض لاهتزاز عنيف بعد أن تغيرت بيئة القتال والحواضن التي تأوي الجماعات المسلّحة. السعودية عملت طيلة الشهور الماضية على منع وقوع الهجوم في القلمون وهدّدت بطرق مختلفة بأنها سوف تشعل حرب المفخخات في لبنان، ومن بينها التفجيرين المزدوجين أمام السفارة الايرانية التي قام بها عناصر من كتائب عبد الله عزّام التي يقودها السعودي ماجد الماجد، الذي يعمل في إحدى شركات سعد الحريري، بعد أن أصيب قائدها السابق صالح بن عبد الله القرعاوي، وهو أيضاً سعودي الجنسية وقد أصيب بالشلل قبل عامين في مواجهات مسلحة في أفغانستان..توصّلت الأجهزة الأمنية اللبنانية وكذلك المحقّقين الايرانيين الى خيوط الشبكة بعد الكشف السريع عن هوية المنفّذين، والأهم أن التحقيقات توصّلت الى أن هذه الخيوط تصل الى الاستخبارات السعودية، برئاسة بندر بن سلطان..

في حلب الوضع يبدو أنه يسير لصالح النظام، وكان النظام السعودي قد حذّر بعد زيارة وزير الخارجية سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات بندر بن سلطان الى باريس بعد سقوط القصير وإطلاق تصريحات عن إطلاع الملك في المغرب على تقرير عن الوضع الاستراتيجي في سوريا، وقطع إجازته لمتابعة سير الأوضاع لمنع سقوط حلب، والذي اعتبر حينذاك خطاً أحمر، قد يؤدي الى معركة شاملة..ومع ذلك واصل النظام عملية القضم للمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلّحة، حيث استعاد السيطرة على مطار حلب والمناطق المحيطة به، وكذلك منطقة خناصر الاستراتيجية، وبذلك تم اختراق الحصار المفروض على قرى نبل والزهراء..

ومن الواضح، أن الواقع الميداني في المحصلة لا تراجع فيه للوراء، وأن النتائج تصب مجتمعة في صالح النظام.. تفقد السعودية أوراقها في الميدان كما فقدتها في السياسة، وتسير المعارك لغير صالحها، ما ينعكس على تماسك الجماعات المسلّحة التي باتت معرّضة لتشظيات متواصلة. وأن الفترة المتبقيّة حتى جنيف 2 إذا ما سارت الأوضاع الميدانية على هذا النحو فإنها سوف تكون لصالح النظام السوري..

حربٌ لا أفق لحلّها عسكرياً

نشير هنا الى متغيّرين ميدانيين قد لا تكون السعودية طرفاً فيهما:

الاول، سيطرة مجموعة تنظيم القاعدة في العراق وبلاد الشام (داعش) على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا والذي يبلغ 300 كيلومتراً، وهذا وفّر لها مصدر دخل ذاتي عبر فرض اتاوات على المناطق والسكان والتجّار في المنطقة الحدودية على الجانبين العراقي والسوري، حيث تصل مداخيل هذه المجموعة نحو 3 ملايين دولار يومياً، يضاف الى ذلك سيطرة المجموعة على مصفاة نفط تنتج في حدود 100 ألف برميل يومياً وتقدر مواردها بنحو 4 ملايين دولار، ولا يزال علاج هذا الملف (سيطرة داعش على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق) مؤجلاً لأسباب ميدانية ولوجستية..

الثاني، الحالة الكردية، فالأكراد حاربوا داعش وحققوا إنجازات عسكرية كبيرة وهناك تطلع لدى الأكراد من أجل حكم ذاتي في سوريا، على غرار أكراد العراق، ولكن هذا الملف مؤجل هو الآخر لأسباب تتعلق بالوضع السياسي الإقليمي والتوافق الدولي..

عودٌ الى التجاذب الكبير بين المعارضة والنظام في سوريا، فإن ثمة أموراً غير محسومة قبل حلول موعد جنيف 2.

في الجانب السياسي، المعارضة غير متوافقة على الوفد المشارك في جنيف، وتخضع الصيغ والتشكيلات للتبدّل السريع، رغم محاولات الرياض وواشنطن وغيرها من أجل الخروج بصيغة موحدة..

انتقال الملف من قطر الى السعودية أحدث تغييرات في الشكل والمضمون، وعملت السعودية على صعيدين:

الميداني: إحداث تغييرات في الميدان عن طريق السيطرة على مناطق جديدة أو حتى إحكام القبضة على المناطق التي تمّت السيطرة عليها، ما يمكن استخدامها كورقة تفاوضية..

السياسي: توحيد صفوف المعارضة السورية من أجل الخروج بموقف موّحد في المفاوضات المقبلة، لأن غياب هذا الوفد يجعل السعودية مجرد راعٍ لطرف دون بقية الأطراف، وأنها عاجزة عن ضبط الملف السوري وإملاء شروطها..

السعودية لا تزال تصر على الحصول على المزيد من المهل، ولا تزال مقتنعة أن بإمكانها تحقيق مكاسب ميدانية قبل الذهاب الى جنيف 2..

المشكلة في جنيف 2 تبقى في الاجابة على السؤال الدائم: هل تملك المعارضة القدرة على الالتزام بقرار وقف اطلاق النار، بحسب البند الاول من بنود جنيف 1.. فالتشتت في ولاءات المجموعات المسلّحة على الأرض: الجيش الحر، داعش، النصرة، جيش الاسلام، الجبهة الاسلامية وغيرها، وهذا التشتت كاف لإفشال جنيف 2. لنتذكر عصيان داعش لأوامر زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي اعتبر النصرة وحدها صاحبة الولاية في سوريا، ونزع مشروعية داعش، ومع ذلك واصلت الاخيرة عملها وتجنيدها ولم تكترث لأوامر الظواهري، فكيف يمكن لها أن تلتزم بمقررات يشارك في صوغها الصليبيون والروافض والعلمانيين..الخ من المدرجين على قائمة الاعداء لأهل التوحيد!

المعارضة السورية طلبت من الايرانيين والروس وغيرهم ألا يترشح بشار لانتخابات 2014، ولكن واجهت رفضاً مطلقاً، والسبب وراء طلب المعارضة كما تنقل مصادر مقربة منها هو الخوف من فوز بشار في الانتخابات خصوصاً بعد تبدّل المزاج العام في سوريا نتيجة الاقترافات المتكررة للجماعات القاعدية المدعومة من قبل السعودية، والتي يخشى منها أن تفقد السوريين الأمان بعد أن كانوا يبحثون عن الديمقراطية، فتصبح الخسارة مزدوجة، الامن والحرية معاً..

الانعطافة التركية والقطرية حيال الأزمة السورية بدت واضحة وإن كانت انعطافة ناقصة، كما هو الحال بالنسبة للأميركيين والاوروبيين بعد أن توصّلت هذه الاطراف الى قناعة بأن الحل في سوريا ليس عسكرياً وإنما سياسي..ولكن هل موعد جنيف 2 بات مؤكداً؟

تفيد المصادر من طرفي النظام والمعارضة في سوريا بأن 22 كانون الثاني ليس مؤكّداً، والغرض من إعلانه من جانب الامم المتحدة هو حشر جميع الأطراف من أجل الاستعداد للتوصل الى موعد نهائي وحاسم لتسوية الأزمة بعد انسداد كل الآفاق..

ايران قبلت المشاركة في جنيف 2 ولكن على قاعدة رفض التزامها ببنود جنيف 1، وحجتها في ذلك أنها غير ملزمة باتفاق لم تكن طرفاً فيه، فهي سوف تكون ملزمة بمقررات جنيف 2 ان كانت طرفاً فيها..

يقال بأن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، عرض على الرئيس الايراني حسن روحاني خلال زيارته لنيويورك لالقاء كلمة بلاده في اجتماع الامم المتحدة في أكتوبر الماضي، المشاركة في جنيف 2، وقال له بأن مقعد دولتكم بات محجوزاً في جنيف 2، فكان رد روحاني فاتراً، وينطوي على عدم اكتراث..

في الموقف الأميركي، ثمة ثبات على رفض فتح حروب جديدة، لأسباب اقتصادية بدرجة أساسية، وأن أولويات أميركا باتت في مكان آخر، وحتى اقتصادياً فإن عين واشنطن على الصين ودول الشرق الأقصى، ولذلك فإن واشنطن هي الأخرى ليست حريصة بقدر كبير على انعقاد جنيف 2، لأنه لم يعد مصلحة أميركية كبرى..

لابد من الاشارة الى أن الاتفاق الايراني ـ الدولي على الملف النووي، عزّز من خيار جنيف 2، وقد كانت المعارضة قبل ذلك تسعى لتحقيق مكاسب على الأرض..أما بعد الاتفاق فإن جنيف 2 هو السبيل الوحيد لانقاذ المعارضة نفسها التي شعرت بأن الطريق مسدود ولا خيار انفراج آخر يمكن التعويل عليه.

نقلت مصادر عن المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي قوله أنه ليس من الضروري أن يسفر جنيف 2 عن نتائج ملموسة وقرارات نهائية، ولكن مجرد انعقاده لالتقاط الصور يعتبر نجاحاً في حد ذاته، لأن ما يلي ذلك هو الأهم خصوصاً تشكيل لجان تتولى مناقشة الملفات الخلافية..

في الميدان لا تبدو السعودية مرتاحة، بل على العكس هناك تخوّف من جنون سعودي يقوده بندر في توسيع دائرة الخراب والفوضى من أجل تحسين وضعه الميداني في سوريا، وهناك تخوّف من ارتفاع وتيرة العنف في العراق ولبنان واليمن من أجل تعويض الخسارة الفادحة في سوريا..

يحكى عن اجتماع جمع رئيس الاستخبارات العامة بندر بن سلطان، ووزير الداخلية محمد بن نايف، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله بحضور الملك، وكان الاجتماع صاخباً، حيث واجه بندر انتقادات شديدة بسبب اجتهاداته وخروجه عن الخطة المرسومة للتعامل مع الأزمة السورية، وأنه قاد المملكة الى معركة خاسرة بسبب اجتهاداته وعدم إبلاغه كل شيء يعرفه عن سير المعارك والأوضاع الميدانية، ولو فعل ذلك لربما قرر الملك وقف التوغل في الأزمة السورية.

الصفحة السابقة