السعودية والإرهاب العالمي

شبـكــة بنـدر الإرهابية!

محمد السباعي

نشر موقع (غلوبال ريسيرتش) في 11 كانون ثاني (يناير) الجاري مقالاً للبروفسور جيمس بيتراس، قال فيه بأن لدى السعودية كل الرذائل ولا فضائل لها كدولة نفطية مثل فنزويلا. وإن البلاد تحكم من قبل ديكتاتورية عائلية التي لا تتحمل أي معارضة وتعاقب بشدّة مناصري حقوق الانسان والمعارضين السياسيين. مئات المليارات من مداخيل النفط تخضع تحت سيطرة الطغيان الملكي..تعتمد النخبة الحاكمة على شراء أسلحة الغرب والقواعد العسكرية الأميركية للحماية. وإن ثروة الدولة مهدورة لجهة إشباع نهم الاثراء للعائلة المالكة في السعودية. تموّل النخبة الحاكمة النموذج المتعصب، المتخلف من الاسلام، أي المذهب الوهابي.

وفي مواجهة المعارضة الداخلية من قبل المواطنين المقهورين والأقليات الدينية، فإن الديكتاتورية السعودية تنظر الى التهديدات والأخطار من كل الجوانب: الحكومات الأجنبية خلف البحار، والعلمانية، والقوميين والشيعة، وداخلياً، الوطنيين السنة المعتدلين، والديمقراطيين، ومناصري المرأة، وداخل الأجنحة الملكية، والتقليديين، والحداثيين. في رد فعل على ذلك، قامت بتمويل وتدريب وتسليح الشبكة الدولية للارهابيين الاسلاميين الموجّهين ناحية مهاجمة، والغارة على، وتدمير الأنظمة التي تعارض النظام الديني الديكتاتوري السعودي.

إن العقل المدبّر لشبكة الارهاب السعودي هو بندر بن سلطان، الذي يحتفظ بروابط عميقة وقديمة وعلى أعلى مستوى مع المسؤولين السياسيين والعسكريين والاستخباريين. وقد تدرب بندر وحصل على عقيدة قتالية في قاعدة ماكسويل الجوية وجامعة جون هوبكنز وعمل في منصب سفير سعودي الى الولايات المتحدة لأكثر من عقدين (1983 ـ 2005). وفي الفترة ما بين 2005 ـ 2011 كان الامين العام لمجلس الأمن الوطني وفي 2012 تم تعيينه مديراً للاستخبارات العامة. في مرحلة مبكرة أصبح بندر منغمساً بعمق في عمليات ارهابية سريّة تعمل بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي أيه. ومن بين (العمليات القذرة) العديدة التي قام بها بالتعاون مع السي آيه أيه خلال الثمانينات، حوّل بندر 32 مليون دولار لجماعات كونترا النيكاراغوية المتورّطة في عمليات إرهابية للإطاحة بالحكومة الثورية الساندستية في نيكاراغوا. وخلال عمله كسفير كان بندر ضالعاً بصورة فاعلة في حماية العائلة المالكة بسبب علاقاتها بهجمات 9/11. الشك بأن بندر وحلفائه في العائلة المالكة كان على علم مسبق بالتفجيرات من قبل الارهابيين السعوديين (11 من أصل 19)، مردّه الى المغادرة المفاجئة للأمراء السعوديين عقب العمل الارهابي مباشرة. وثائق الاستخبارات المركزية الأميركية بخصوص روابط بندر ـ السعودية هي تحت نظر/مراجعة الكونغرس.

في ضوء وفرة التجارب والتدريب في إدارة العمليات الارهابية السرية، المستمدة من عقدين من التعاون مع وكالات الاستخبارات الأميركية، كان بندر في موقع لتنظيم الشبكة الارهابية العالمية الخاصة به في الدفاع عن النظام الطاغوتي الملكي السعودي المعزول، والمتخلف، والهزيل.

شبكة بندر الارهابية

نقل بندر بن سلطان السعودية من نظام ضيق الأفق وقبلي يعتمد بصورة كاملة على القوة العسكرية الأميركية لبقائه على قيد الحياة، الى مركز إقليمي رئيسي لشبكة ارهابية ضخمة، وداعم مالي فاعل للديكتاتوريات العسكرية اليمينية (مصر) وأنظمة الاستزبان (اليمن)، ومتدخل عسكري في منطقة الخليج (البحرين). قام بندر بتمويل وتسليح شعاع واسع من العمليات الارهابية السرية، مستغلاً المحازبين الاسلاميين لتنظيم القاعدة، والمذهب الوهابي الخاضع للسيطرة السعودية وكذلك مجموعات مسلّحة سنية عديدة. بندر هو فاعل ارهابي براغماتي: يقمع القاعدة في الداخل ويموّل ارهابييها في العراق وسوريا، وأفغانستان وأماكن أخرى. وفيما كان بندر يمثل إحتياطاً طويل المدى للاستخبارات المركزية الاميركية، حظي مؤخراً بدورة مستقلة حيث المصالح الاقليمية للدولة الطغيانية تختلف عن مثيلاتها لدى الولايات المتحدة.

في السياق نفسه، وفيما كان لدى السعودية خصومة طويلة إزاء اسرائيل، فإن بندر قام بتطوير (تفاهم سري) وعلاقات عمل مع نظام نتنياهو، حول العداوة المشتركه إزاء ايران، وأكثر خصوصية في معارضة الاتفاقية المؤقتة بين أوباما ـ روحاني.

تدخل بندر بصورة مباشرة أو عبر بروكسيات في إعادة تشكيل الاصطفافات السياسية، وزعزعة الاستقرار في بلدان الخصم، ودعم ومد الذراع السياسية للديكتاتورية السعودية من شمال أفريقيا الى جنوب آسيا، ومن القوقاز الروسية الى القرن الأفريقي، أحياناً في سياق مع الامبريالية الغربية، وأحياناً أخرى لجهة تحقيق التطلعات التسلّطية السعودية.

شمال أفريقيا: تونس، المغرب، ليبيا، ومصر

قدّم بندر مليارات الدولارت لدعم الأنظمة الاسلامية اليمينية في تونس والمغرب، لضمان أن الحركات الداعمة للديمقراطية سوف تتعرض للقمع، والتهميش، والإفراغ..المتطرّفون الاسلاميون الذين يتلقون الدعم المالي السعودي يتم تشجيعهم لدعم الإسلامييين المعتدلين في الحكومة عبر اغتيال القادة الديمقراطيين العلمانيين وقادة النقابات التجارية الاشتراكية في المعارضة. سياسات بندر تتوافق إلى حد كبير مع تلك التي لدى الولايات المتحدة وفرنسا في تونس والمغرب، ولكن ليست في ليبيا ومصر.

الدعم المالي السعودي للارهابيين الاسلاميين والتنظيمات المتحالفة مع القاعدة ضد الرئيس الليبي القذافي كانت في نفس خط الحرب الجوية للناتو. على أية حال، فإن التباينات ظهرت عقب دعم الناتو لنظام يحمل سمات الليبرالية الجديدة ضد القاعدة المدعومة من السعودية والعصابات الارهابية الاسلاموية وضد مسلحين قبليين. تمويل بندر للمتطرفين الاسلاميين في ليبيا كان مدعوماً لناحية تمديد عملياتهم العسكرية في سوريا، حيث يقوم النظام السعودي بتنظيم عملية عسكرية واسعة لاسقاط نظام الأسد. النزاع الداخلي بين الناتو والمجموعات المسلحة من قبل السعودية في ليبيا اندلعت على نطاق واسع وأفضت الى مقتل السفير الأميركي وعملاء السي آي أيه في بنغازي. اسقاط القذافي لم يعزز نفوذ بندر لدى الجماعات المسلحة التي دخلت في حمام الدم القائم والفوضى، فقد أصبحت هذه الجماعات ممولة ذاتياً عبر سرقة البنوك، وبيع النفط وافراغ صناديق الخزانة المالية المحلية أي بما جعلها مستقلة نسبياً عن سيطرة بندر.

في مصر، طوّر بندر، بالتنسيق مع سارائيل ( ولكن لأسباب مختلفة) استراتيجية لتقويض نظام الاخوان المسلمين المنتخب ديمقراطياً والمستقبل نسبياً برئاسة محمد مرسي. بندر والديكتاتورية السعودية دعمت مالياً الانقلاب العسكري وديكتاتورية الجنرال السيسي. الاستراتيجية الاميركية باتفاقية تقاسم السلطة بين الاخوان المسلمين والنظام العسكري، تضم المشروعية الانتخابية الشعبية والنظام الموالي لاسرائيل والناتو قد سقط. وبمساعدة بقيمة 15 مليار دولار ووعود بالمزيد، قدّم بندر للمؤسسة العسكرية مصدراً مالياً وحصانة اقتصادية إزاء أية عقوبات مالية دولية. المؤسسة العسكرية قامت بقمع الاخوان المسلمين واعتقلت وهدّدت بإعدام قادتهم المنتخبين. ونزعت قانونية قطاعات من المعارضة الليبرالية اليسارية، والتي كانت تستعملها كمبرر لمصادرة السلطة. وفي دعم الانقلاب العسكري، أزال بندر منافسه، أي النظام الاسلامي المنتخب ديمقراطياً، والذي وقف على النقيض مع الطغيانية السعودية. وقام بتأمين نظام يتماثل ذهنياً مع النظام السعودي في بلد عربي رئيسي، بالرغم من أن الحكام العسكريين أكثر علمانية، وموالين للغرب، واسرائيل، وأقل عدائية للأسد أكثر من نظام الاخوان المسلمين. نجاح بندر في تزييت الدواليب للإنقلاب المصري أمّن حليفاً سياسياً ولكن يواجه مستقبلاً غير مأمون.

انبعاث حركة جديدة شعبية مناهضة للديكتاتورية سوف يستهدف العلاقة السعودية. أكثر من ذلك، فإن بندر أضعف وحدة الدولة الخليجية الضعيفة: قطر دعمت مالياً نظام مرسي وقدّمت له خمسة مليارات دولار للنظام السابق.

شبكة بندر الارهابية ثابتة في تمويل الارهاب على مدى طويل، وتسليحه، وتدريبه، ونقل عشرات الآلاف من المتطوعين الارهابيين الاسلامويين من الولايات المتحدة، وأوروبا، والشرق الأوسط، والقوقاز، وشمال أفريقيا وأماكن أخرى. أصبح إرهابيو القاعدة في السعودية، (شهداء الإسلام) في سوريا. وعشرات العصابات المسلّحة الاسلاموية في سوريا دخلت في منافسة للحصول على الأسلحة والأموال السعودية. قواعد التدريب مع الولايات المتحدة والمرشدين الأوروبيين والتمويل السعودية قد تشكّلت في الأردن، وباكستان، وتركيا. وقد موّل بندر الجماعة الارهابية المسلحة المتمرّدة الرئيسية، وهي الدولة الاسللامية في العراق وبلاد الشام (داعش) للقيام بأعمال عبر الحدود.

تجاوز حدود: بندر يهدد بوتين

وفيما يقوم حزب الله بدعم الأسد، قام بندر بتوجيه المال والسلاح لكتائب عبد الله عزام في لبنان لتفجير جنوب بيروت، والسفارة الايرانية، وطرابلس. وقدّم بندر 3 مليارات دولارت للجيش اللبناني على قاعدة تخصيب حرب أهلية جديدة بينه وبين حزب الله. وبالتعاون مع فرنسا والولايات المتحدة، ولكن بمزيد من التمويل ووتيرة أكبر من التجنيد للعناصر الارهابية الاسلاموية، فإن بندر اضطلع بدور قيادي وأصبح الموجّه الرئيسي لجبهة هجومية عسكرية ودبلوماسية ضد سوريا، وحزب الله وايران. بالنسبة لبندر، فإن الصعود الاسلامي في سوريا سوف يقود الى اعتداء اسلاموي سوري في دعم القاعدة في لبنان بهدف انزال الهزيمة بحزب الله على أمل عزل ايران. طهران سوف تصبح حينئذ هدف الهجوم السعودي الاسرائيلي الاميركي. استراتيجية بندر حالمة أكثر منها واقعية.

بندر يباين واشنطن: الهجوم في العراق وايران

السعودية كانت مفيدة بدرجة كبيرة ولكن في بعض الاحيان تكون زبوناً خارج السيطرة بالنسبة لواشنطن. وهذه هي الحال خصوصاً منذ تولي بندر ادارة الاستخبارات: احتياطي استراتيجي للسي آي أيه لفترة طويلة وقد حظي في أوقات بالحرية بأن يفيد من خدماتها، خصوصاً تلك الخدمات التي تعزز موقعه داخل تركيبة السلطة السعودية. على سبيل المثال، فإن قدرته على تأمين صفقة الأواكس بالرغم من معارضة الأيباك أكسبته نقاط تميز. كما قدر بندر على تأمين مغادرة عدة مئات من الامراء السعوديين المرتبطين بتفجيرات 9/11، بالرغم من حالة الطوارىء التي عاشها الأمن الوطني عقب التفجيرات.

وتتواصل تجاوزات بندر وتبايناته الخطيرة مع السياسة الاميركية. فقد مضى للأمام، وبنى شبكة إرهابية خاصة به، وموجّهة لإيصال الهيمنة السعودية الى أقصى حدودها ـ حتى حين تصادمت مع البروكسيات الأميركية، وزبائنها، والعمليات السرية.

وفيما التزمت الولايات المتحدة بدعم نظام المالكي في العراق، فإن بندر يقوم بتقديم الدعم السياسي والعسكري والمالي للإرهابيين السنة (داعش). وحين تفاوضت الولايات المتحدة على (الاتفاقية المؤقتة) مع ايران، أعلن بندر معارضته واشترى دعماً. فقد وقعت السعودية اتفاقية تسليح بقيمة مليار دولار خلال زيارة الرئيس الفرنسي هولاند، في مقابل المزيد من العقوبات على ايران. كما عبّر بندر عن دعمه لاستعمال اسرائيل لنفوذها في الكونغرس، لتخريب المفاوضات الاميركية مع ايران.

كما تحرّك بندر خارج نطاق تسليمه لمدراء الاستخبارات الاميركيين. فعلاقاته الوثيقة مع الرؤساء والنافذين في الولايات المتحدة وأوروبا في الماضي والحاضر قد شجّعوه على الانخراط في (مغامرات كبيرة). فقد زار الرئيس الروسي بوتين لاقناعه بالتخلي عن دعمه لسوريا، مستعملاً العصا والجزرة: صفقة شراء أسلحة بعدة مليارات بالالتزام بالتخلي عن الاسد، والتهديد بإطلاق الارهابيين الشيشانيين لتقويض أولمبيات سوتشي. لقد أحال أردوغان من حليف للناتو يدعم معارضي بشار الأسد من المعتدلين إلى تبني داعش المدعوم من السعودية. بندر تجاوز الجهود الانتهازية لأردوغان لجهة توقيع عقود النفط مع ايران والعراق، ومواصلة الترتيبات العسركية مع الناتو ودعمه السابق لنظام مرسي في مصر، في سبيل تأمين دعم انتقال سهل لعدد كبير من الارهابيين المدربين من قبل السعودية الى سوريا وربما الى لبنان.

قام بندر بتقوية روابطه بطالبان في باكستان وأفغانستان، وتسهيل وتمويل المقاومة المسلحة ضد الولايات المتحدة، وكذلك تقديم عرض للولايات المتحدة للمغادرة.

المنطقة الوحيدة التي تقوم فيها السعودية بتدخل عسكري مباشر هي في الدولة الخليجية الصغيرة، البحرين، حيث قامت القوات السعودية بقمع حركة مناصرة للديمقراطية في تحدٍ مع الطاغية المحلي.

بندر: الارهاب العالمي على أسس محلية مريبة

بدأ بندر بعملية انتقال استثنائية في السياسة الخارجية السعودية وعزّز من نفوذها العالمي. وجميع ذلك نحو الأسوأ. وكما هو حال اسرائيل، حيث الحكم الرجعي يتولى السلطة ويقلب النظام الديمقراطي، فإن السعودية تظهر في المشهد بحقائب من الدولارات لدعم النظام. وحيثما تظهر شبكة الارهاب الاسلامية لقلب النظام القومي، العلماني، الشيعي، يمكنها الاعتماد على التمويل والتسليح السعودي..

وقد استعمل بندر التقنيات الحديثة في الارهاب لفرض النموذج السعودي للنظام الرجعي في النظم القريبة والبعيدة التي تضم سكان مسلمين.

المشكلة أن العمليات العسكرية عبر الحدود بحجم كبير تتصادم مع نمط الحكم الهادىء لدى بعض أمراء العائلة المالكة. فهم يريدون أن يتركوا وشأنهم في زيادة مئات المليارات من الدولارات التي يجمعونها من بيع النفط، واستثمارها في العقارات المربحة حول العالم، وجلب نساء تحت الطلب في واشنطن ولندن وبيروت.. حتى الآن، فإن بندر لم يتعرّض لتحدي داخل العائلة المالكة توقفه عند حدوده، لأنه كان حذراً في إبداء الاحترام للملك والدائرة الضيقة القريبة منه. فقد اشترى وجلب رؤساء الحكومات الغربيين والشرقيين، والرؤساء، وشخصيات على درجة كبيرة من الأهمية إلى الرياض لتوقيع صفقات والحصول على هبات لدعم العائلة المالكة.

في الواقع، أن بندر بن سلطان هو وارث بن لادن، وقد قام بتعميق وتنظيم الارهاب العالمي. شبكة بندر الارهابية قتلت الكثير من الضحايا الأبرياء أكثر من بن لادن. ذلك، بطبيعة الحال، متوقع، حيث أنه بعد ذلك كله يمتلك مليارات من الدولارات من الخزينة السعودية، ويحصل على التدريب من السي آي أيه، والمباركة من نتنياهو.

السي آي أيه وبندر وراء تفجيرات روسيا

لم يطل الوقت من أجل توجيه أصابع الاتهام للسعودية في قضية تفجيرات فولغوغراد، فثمة رسالة واضحة حملها بندر بن سلطان الى الرئيس الروسي بوتين في لقائه الأول من أجل الضغط عليه لتخليه عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد كتب بيل فان أوكن في (جوبال ريسيرتش) في 31 ديسمبر الماضي حول الموضوع، وقال بأن التفجيرات الارهابية التي وقعت في جنوب مدينة فولغوغراد الروسية وقتلت 32 شخصاً وما يقرب من 70 جريحاً، أدّت الى حملة أمنية واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.

وكان توقيت الهجوم في ذروة السفر عشية رأس السنة الجديدة، والعطلات الأكثر أهمية في روسيا. وذكرت السلطات الروسية بأن القنبلة تم تفجيرها في حشد من الناس أمام أجهزة الكشف عن المعادن للمحطة. وحدّدت (موسكو تايمز) مشتبها به في تفجير انتحاري وهو مسعف اعتنق الإسلام و غادر منزله للانضمام للمتشددين الاسلاميين في داغستان .

انفجرت القنبلة من خلال عربة معبأة بالقرب من حافلة خلال ساعة الذروة الصباحية، وتطايرت الجثث، وأجزاء من الأجساد والملابس في الشارع. وتم الإبلاغ عن خمسة عشر الذين قتلوا في التفجير الثاني، مع ما يقرب من 30 آخرين بجروح.

فلاديمير ماركين، المتحدث باسم لجنة التحقيق الاتحادية في روسيا، قال لوسائل الاعلام ان التفجيرين متطابقان، ما يشير إلى مصدر مشترك في الهجمات. وقال في اشارة الى القنبلة الموضوع في عربة باص: (أنها مثل القنبلة التي وضعت في محطة السكك الحديدية، وكانت معبأة بشظايا. وقد تبين وجود عناصر متطابقة في القنبلتين، ما يؤكد النظرية القائلة بوجود ارتباط بين الهجومين. فمن الممكن أنها كانت على استعداد في نفس المكان).

وفي حين لم تُعلن أيُ جماعة مسؤوليتها عن الانفجارين، لكن الانتحاري المشتبه به في الهجوم على محطة القطار أعلن ولاءه لإمارة القوقاز، وهي جماعة إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة النشطة في الشيشان وداغستان وأوسيتيا الشمالية وأماكن أخرى في المنطقة. ولم تعلن المنظمة مسؤوليتها عن الهجمات الإرهابية السابقة، بما في ذلك هجمات مارس 2010 وتفجيرات مترو موسكو الذي أودى بحياة 40 شخصا على الاقل و التفجير الانتحاري فبراير 2011 في مطار موسكو الدولي التي خلفت 37 قتيلا آخر.

كانت فولغوغراد نفسها مسرحاً لإحدى الهجمات الإرهابية السابقة التي حدثت في أكتوبر الماضي، حيث قامت امرأة من داغستان بتفجير نفسها في حافلة ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص.

دوكو عمروف، الأمير المعلن لإمارة القوقاز، بثَّ شريط فيديو يدعو في يوليو الماضي أتباعه الى (بذل قصارى الجهد) لعرقلة اولمبياد سوتشي مع جولة جديدة من الهجمات.

و الهدف المعلن للمنظمة هو خلق دولة مسلمة منفصلة في جميع أنحاء شمال القوقاز. وقد شهدت المنطقة حالة من الاضطراب مع تفكك الاتحاد السوفييتي و إعادة الرأسمالية في عام 1991. منذ ذلك الحين ، شهدت الشيشان حربين (1994-1996 و 1999-2006)، راح ضحيتها نحو 80 ألف شخص، معظمهم من المدنيين .

فولغوغراد، المعروفة سابقاً باسم ستالينغراد، موقع المعركة الضخمة التي حولت المد ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية قبل 70 عاماً، فرضت حظر التجول في أعقاب التفجيرات، كما تم تنفيذ تدابير الأمن في جميع أنحاء البلاد في وقت مبكر من احتفالات رأس السنة الجديدة. في سانت بطرسبرغ، وتمَّ الغاء عرض الألعاب النارية المخطط لها في المدينة الثانية في روسيا.

أثارت التفجيرات دعوات لحملة القانون والنظام من وسائل الإعلام الروسية، فضلا عن مكافحة التحريض المعادية للمهاجرين المسلمين. وقد فرّقت الشرطة مظاهرة نظمها القوميون الروس في فولغوغراد في أعقاب هجمات يوم الاثنين، وقال المحتجون أنهم هدف آخر لهجمات إرهابية.

ونقل برافد رو وهو عقيد سابق في مكتب الأمن الفيدرالي الروسي قوله (علينا أن نفعل ما يفعله الأمريكان. فلا بد من مراقبة كل شخص).

كومسومولسكايا برافدا، وهي صحيفة التابلويد المؤيدة للحكومة، قدمت تقريراً تطالب فيه ليس فقط عقوبة الإعدام على المتهمين لتنظيم الهجمات الإرهابية، ولكن سجن أسرهم كذلك وذكرت: (نحن لا يجب أن نترك أي خيار متوفر ونعلن عدم التسامح بشأن الإرهابيين وأفراد أسرهم)، كما جاء في المقال .

لقد وضعت الهجمات الأخيرة على المحك تأكيدات حكومة الرئيس فلاديمير بوتين أنها قادرة على تأمين الألعاب الأولمبية الشتوية المقرر أن تجرى في غضون ستة أسابيع في منتجع سوتشي على البحر الاسود على بعد نحو 435 كيلومتر الى الجنوب من فولغوغراد . فهناك خطط تقضي بنشر نحو 30 ألف من قوات الشرطة والجيش وتحول بلدة يقطنها نحو 345 ألف نسمة إلى قلعة مغلقة بصورة كاملة، مع منطقة أمنية تمتد 60 ميلا على طول ساحل البحر الأسود و 25 ميلا في الداخل.

أثارت التفجيرات تصريحات ( التضامن) والتعازي من جانب إدارة أوباما في واشنطن وكذلك حكومات ديفيد كاميرون وفرانسوا هولاند في لندن وباريس من جانبها، وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن الهجمات في روسيا كانت من نفس الطابع مثل تلك التي نفذت في الولايات المتحدة وسوريا والعراق وليبيا وأفغانستان، ونيجيريا، وغيرها من البلدان . فإنه بالمثل دعا ضمنياً للانتباه إلى الدعم الذي يقدم للعناصر الارهابية خارج نطاق إعلان (التضامن) مع موسكو حيث يطلق العنان لهم ضد حكومات ليبيا وسوريا.

(إن موقف بعض السياسيين و الاستراتيجيين السياسيين، الذين لا يزالون يسعون لتقسيم الإرهابيين الى طيبين وسيئين، استناداً الى الأهداف الجيوسياسية الحالية، بات من الواضح مؤذياً)، وذكّر بيان الوزارة بأن (الإرهاب هو دائما الجريمة والعقاب لذلك يجب أن يكون لا مفر منه).

وكانت هناك تكهنات مفتوحة في الصحافة الروسية بأن أحدث الهجمات الارهابية هي أعمال الأنظمة التي تدعمها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط انتقاماً لنجاح دبلوماسية موسكو في تحويل واشنطن من التدخل العسكري المباشر لاسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا .

(ليس هناك شك في أن الأنظمة السلفية في الخليج، وفي المقام الأول المملكة العربية السعودية، التي تتولى دعم الإرهاب الإسلامي في روسيا لها صلة بما يجري).، وكتب كيريل بينيدكتوف في صحيفة إزفستيا أن (روسيا هي الآن قوية بما يكفي لتقوم بتدابير غير ودية تجاه الأنظمة التي تقوم باستخدام الطابور الخامس الوهابي من أجل زعزعة استقرار الوضع في بلدنا).

وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 400 من الإسلاميين الروس، معظمهم من شمال القوقاز، يقاتلون حالياً مع (المتمردين) الذين تدعمهم الولايات المتحدة في سوريا. وحذّرت حكومة بوتين بأن عودتهم إلى روسيا سوق يشكل تهديداً أخطر وأكبر من الهجمات الإرهابية.

وفرضت التفجيرات اهتماماً متجدداً لجهة المناقشة التي جرت في يوليو الماضي بين بوتين والأمير بندر بن سلطان، رئيس مخابرات النظام الملكي السعودي المدعوم من الولايات المتحدة ، والتي كانت بمثابة القاعدة الرئيسية لدعم المتمردين الاسلاميين في سوريا .

وفقا لرواية المناقشة التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام، طالب بندر بأن تقوم الحكومة الروسية بإنهاء كل الدعم لنظام الأسد في سوريا . في المقابل ، قدّم بندر استراتيجية مشتركة للطاقة لدعم أسعار النفط و حوافز أخرى. الأهم من ذلك، قال الأمير السعودي لبوتين أنه يمكن ضمان عدم وقوع هجمات إرهابية من شأنها تعطيل أولمبياد سوتشي .وقال بندر:

(أستطيع أن أعطي لكم ضمانة لحماية دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في مدينة سوتشي على البحر الأسود في العام المقبل)، وقال بندر (يتم التحكم في المجموعات الشيشانية التي تهدد أمن الألعاب من قبلنا).

في ذلك الوقت، زعم بندر أنه يتكلم ليس فقط بإسم المملكة العربية السعودية، ولكن أيضا باسم حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة.

رفض بوتين الصفقة المقترحة، معلناً بأن الدعم السعودي للإسلاميين الروس غير مقبول. ورد أنه تعهد بأن روسيا ستوجه (ضربة عسكرية واسعة النطاق) ضد معسكرات تدريب الإرهابيين. بعض المحللين فسّر التصريح على أنه بمثابة تهديد بعمل عسكري ضد المملكة العربية السعودية نفسها .

بالنظر إلى أن الأمير السعودي إدّعى أنه قادر على تحويل شمال القوقاز الى ساحة إرهاب وإيقاف هذا الصنبور، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كما أثارتها التفجيرات الاخيرة هو ما إذا كان النظام الملكي السعودي، الذي يعمل إما بالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزية أو بشكل مستقل، هل أعطى الآن الضوء الأخضر لهذا النوع من الهجمات المروعة التي شهدتها فولغوغراد، إنتقاماً للانتكاسات التي تعرض لها الوكلاء في سوريا.

الصفحة السابقة