الحوثيون يكسرون النفوذ السعودي في اليمن

خالد شبكشي

الحوثيون الزيديون، أو أنصار الله، كانوا هدفاً للحملات السعودية العسكرية والسياسية والمذهبية؛ ولكن لأن كلّ قوة لها أفول، فإن أفول النجم السعودي قد بدأ منذ زمن في أكثر من بلد ومنطقة، وها نحن نشهد نموذجاً من تجلّياته في اليمن الذي أجهضت السعودية ثورته، وأرادته ضعيفاً غير مستقر أمنياً، بحيث يبقى معتمداً عليها دائماً.

كان هناك كتاب قد صدر قبل سنوات يحمل اسم (السعودية تبتلع اليمن) للمهندس يوسف الهاجري، وقد أُعجب به علي صالح أثناء طرد مليون يمني من السعودية أثناء حرب الكويت ١٩٩١، كونه يتحدث عن نفوذ وهابي واسع في اليمن يعضده نفوذ سياسي لآل سعود، ويغطى بالأموال.

اليوم تغيّرت المعادلة. فالنفوذ الوهابي الأساس والذي معقله دمّاج تم إنهاؤه، وكان السعوديون قد جعلوا صعدة مركزاً له وليس صنعاء او مدنا أخرى. واستقدموا الآلاف من السلفيين من كل أنحاء الدنيا ليتعلّموا وفق المذهب الوهابي، وليتدرّبوا على السلاح وليتمددوا نيابة عن ال سعود تمهيداً لتغيير مذهبي ساحق، حيث أن الرياض لا تعتقد بدوام النفوذ السياسي ما لم يعضده نفوذ مذهبي، سواء كان الأمر داخل البلاد أو خارجها. لقد تمّ إجلاء المقاتلين السلفيين من دمّاج، واعتقلت السلطات اليمنية بعضاً منهم، كونهم مقاتلين أجانب. واقتادت آخرين الى السجون من المستشفيات، وهو ما أدّى الى تحريض سعودي على قناة وصال لمهاجمة المستشفى العسكري في صنعاء، والذي تمّ في وقت لاحق انتقاماً. 

وأما النفوذ السياسي، فكان آل الأحمر، رأس حربته ولأكثر من نصف قرن، وقد اعتبروا شيوخ مشايخ حاشد، ولكن تمّ كسر هذا النفوذ مؤخراً بضربة عسكرية موجعة في محافظة عمران على يد الحوثيين، ما قاد الى تفرّق القبائل عن آل الأحمر، وظهور نقد كبير لهم كانوا محصّنين منه حين كانوا أصحاب القرار بلا منازع، وأصحاب المال يأخذونه من الرياض، ويوزّعونه على القبائل ورؤوسها. الآن أُتيحت الفرصة لتلك القبائل التي هُضمت وأصبحت مهيضة الجناح، لتنتقم لنفسها، ولتعيد التوازن من جديد داخل قبيلة حاشد نفسها.

والمدهش ان الرياض هذه المرّة لم تستطع حتى أن تجأر بالألم.

لم تصدر بياناً ولا تعليقاً رسمياً على ما جرى، بل بلعت الموسى بصمت مطبق.

ليس لدى الرياض ما تهدّد الحوثيين به، فلا قدرتها العسكرية تُخيف، بعد أن تمّ تجربتها قبل سنوات في حرب سعودية مفتوحة، انتهت بخسارة مهينة، وبسيطرة حوثية على ٢٧ موقعاً داخل الأراضي السعودية نفسها. فإذا كانت الرياض قد فشلت في حملتها العسكرية تلك وكان الى جانبها الجيش اليمني والقبائل الموالية وحتى شراذم القاعدة شاركت في تلك الحرب؛ فكيف بها اليوم تستطيع أن تشنّ حرباً عسكرية على الزيدية (وهم يشكلون نحو نصف السكان اليمنيين) ولديهم من القوى العسكرية والتحالفات القبلية، أكثر مما كان لديهم سابقاً؟

يستحيل على الرياض أن تشنّ حرباً على الحوثيين. فهي ليست غير راغبة، بل غير قادرة أصلاً على القيام بها.

ثم إن الرياض لم تعتد أن تواجه معارك خارجية بدون الأجنحة السلفية المتطرفة (وكلها كذلك)، وهذه الأجنحة القاعدية أو الصحوية أو الرسمية الموالية كلّها تعيش أزمة في علاقتها مع الدولة بعد أن فتح آل سعود النار عليهم بسياساتهم وقراراتهم، وبعد أن استنفذوا أغراضهم منها. يحتاج آل سعود الى وقت لترطيب العلاقات قبل أن يستفيدوا من الجنون الوهابي في حرب أخرى خارجية غير سوريا والعراق القائمة حالياً.

زد على ذلك فإن الرياض لم تعتد ـ بسبب سوء التخطيط والتنظيم ـ أن تمسك بملفات ساخنة عديدة في وقت واحد. فهي مستنزفة سياسياً وذهنياً في معركة مع الإخوان في مصر وغير مصر؛ وهي مستنزفة في معركة مع النظام في سوريا كما مع أحد أجنحة القاعدة (داعش) وتحاول ان لا تخسر كل بيضها هناك. وهي مستنزفة وقلقة من أية تداعيات إقليمية ـ محتّمة الحدوث ـ إذا ما نجح الإتفاق النووي بين ايران والغرب. وهي ـ اي الرياض ـ مشغولة البال على البحرين، والتصدّع في بناء مجلس التعاون الخليجي. يشعر آل سعود بأنهم غير قادرين على اعطاء الاهتمام الكافي لكل هذه الملفات وغيرها، وها هي قضية اليمن تزداد سوءً ولكن ما باليد حيلة! خاصة بالنسبة لطاقم سياسي ملكي عدد أفراده قليليون، وقدرتهم الجسدية محدودة وهم في أرذل العمر، كما أن قدراتهم الذهنية مصابة احياناً بالعطب، ولهذا كله هناك فإن إضافة مشكلة الحوثي على ما في مشاكل اليمن الأخرى فوق طاقة الأمراء، لذا لا يمكنهم إلا إبداء الأسف، وبلع الموسى بصمت وذلّة!

لم يعد أمام الأمراء إلا أن يدركوا تغيّر موازين القوى في اليمن؛ وأن ينفتحوا على الجميع قولاً وفعلاً، وليس بالمزاعم فحسب. فالزيود ليسوا طارئين، وقد حكموا اليمن ألف عام تقريباً، منذ القرن العاشر الميلادين وحتى القرن العشرين بشكل متواصل، اي حتى قيام الثورة اليمنية عام ١٩٦٢. اما الحديث عن (تطويق صفوي) للمملكة؛ واستعراض عضلات فارغة؛ وشتائم طائفية، فإنه لا يغيّر من واقع الحال على الأرض.

نعم.. كل ما فعلته الرياض هو تسطير بضعة مقالات شتائمية تحذّر من الحوثيين، وكأن الأخيرين عصابة تضمّ العشرات! في حين تنادى الإخوان السعوديون (الإخواسلفيون) نصرة لآل الأحمر الذين تغطي قبيلتهم حزب الإصلاح؛ ومعهم القاعديون؛ واتفقوا مع موظفي النظام السعودي وأدواته من صحفيين وغيرهم، ليخرجوا علينا بهاشتاقين: #الحوثي يبتلع اليمن، و #الحوثيون قادمون، فماذا أنتم فاعلون؟. والغرض: إعلان النفير بعد الخسائر الفادحة، وضرباً لطبول حرب سعودية، لا يستطيع حكام الرياض شنّها بعد أن أدّبتهم الحرب السابقة!

تلقّى الحزب المناطقي النجدي النكسة بانصعاق، فالأغلبية الساحقة من المواطنين لم تهتم بخسارة آل الأحمر، وحدهم النجديون الأقلويون القابضون على السلطة في المملكة من استشعر الخطر مضاعفاً وكانت الخشية صريحة في كتاباتهم: (تذرّر الحكم النجدي المتغطّي بالسلفية الوهابية).

الصفحة السابقة