ما وراء الابتسامة: سعود الفيصل يهين أمير قطر وساطة كويتية لم تنجح

جولة عابرة أم معركة مفتوحة؟

محاولة إعادة إنتاج الوصاية السعودية!

محمد السباعي

خلاف قطري سعودي؟!

لا جديد في الأمر، فهو يعود الى أكثر من عقدين على الأقل وأبعد من ذلك أيضاً حيث الاتهامات خلف الكواليس بين الدوحة والرياض على قاعدة (التخطيط لقلب نظام الحكم) لا تتوقف منذ عقود، ودعم هذا الجناح في الأسرة ضد آخر..ولكن لم يصل في أي يوم الى المستوى الذي وصل إليه الآن، حيث التلويح بتدابير جزائية ذات طبيعة عسكرية واضحة.

ربما من المرات القليلة التي تفصح فيها إدارة جريدة (العرب) اللندنية عن موقف سياسي ممالىء للسعودية ومعادي للحكومة القطرية، وربما تكون المعلومات التي أوردها معد التقرير لا تخلو من موقف شخصي وإن كانت على درجة كبيرة من الخطورة ولا يمكن أن تلقى هكذا جزافاً لو لم تكن (جهة ما) رسمية وأمنية أرادت أن تطلق حزمة من الأخبار المحمّلة على لغة تهويلية..ومعلومات من هذا القبيل يراد لها عادة أن تكون (رسالة) للجانب القطري.

رواية (العرب) الليبية سابقاً السعودية والعراقية البعثية حالياً، كما جاء في تقرير في 19 شباط (فبرابر) الماضي منسوبة الى (أوساط سياسية سعودية) رغم أن ما يلي من معلومات تشي بأن الأوساط ليست سوى جهات في العائلة المالكة. تقول الرواية بأن مسؤولاً سعودياً سلم أمير قطر رسالة عاجلة من الحكومة السعودية (تتضمن مراجعة الرياض لعلاقتها مع الدوحة، وأن تغييراً كبيراً قد يتسبب في تجميد هذه العلاقة).

وتنسب الصحيفة الى المسؤول السعودي أن التوتّر في العلاقة مع الدوحة ناجم عن (عدم وفاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتعهده المكتوب، والذي وقعه في القمة الثلاثية التي احتضنتها الرياض حول إيقاف استخدام الأراضي القطرية للقيام بأعمال تسيء لاستقرار في كل من مصر والسعودية). هنا يتداخل كلام المسؤول السعودي مع المصدر الذي هو في أغلب الظن (الأوساط السياسية السعودية) بأن (أن المملكة وضعت قائمة من الإجراءات، من بينها إغلاق الحدود البرية ومنع استخدام المجال الجوي السعودي في عمليات النقل من وإلى قطر). ومنها أيضاً (تجميد رخصة الخطوط القطرية التي فازت بها لتدشين خطوط نقل جوية داخلية بين المدن السعودية. وتجميد اتفاقات تجارية جرى التوقيع عليها منذ عام 2006).

وعلى عهدة (العرب) فإن أسباب غضب الرياض من الدوحة تتلخص في:

1ـ رصد دعم قطري للحوثيين في اليمن.

2ـ أحد أفراد الأسرة الحاكمة القطرية موّل عناصر إخوانية سعودية.

3 ـ استخدام الأراضي القطرية في أعمال تسيء لاستقرار مصر والسعودية.

وما لبثت (العرب) أن صعّدت من مصادرها بحيث وصلت الى حد نسبة كلام الى مصدر سعودي مقرّب من قصر الملك عبد الله، والذي نقل عنه قوله بأن (الملك عبدالله بن عبدالعزيز كشف لبعض زوار قصر اليمامة عن غضبه من التوجهات القطرية المناوئة لأمن المنطقة واستقرارها، والمتعارضة مع مصالح مجلس التعاون الخليجي، وخاصة لجهة علاقات الدوحة مع أطراف لا تضمر الخير لأمن الخليج واستقراره).

وتمضي الصحيفة في الرجوع الى المصدر السعودي الذي أبلغها بأن (المخابرات السعودية رصدت دعما قطريا للحوثيين في اليمن، وأن المملكة قدمت ملفا للوسيط الكويتي يحتوي على أدلة واضحة على هذا الدعم، ويتضمن أيضا معلومات عن رعاية قطرية مالية لعناصر إخوانية سعودية، وتمويل عبر أحد أفراد الأسرة القطرية الحاكمة وبعلم من القيادة في الدوحة). وعلى المرء أن يتوقف لبعض الوقت عند معلومة سرية خاصة حين تكون فيها (المخابرات السعودية) طرفاً.

ولفتت الصحيفة الى أن وزير الدولة السعودي مساعد العيبان قام بجولات مكوكية، في محاولة أخيرة، لوضع دول خليجية في صورة كاملة حول الموقــف السعودي المرتقب من قطر.

ما يلفت في الخبر أن صوغه جاء بطريقة إيحائية وكأنها تعبّر عن الهوية السعودية للكاتب بل والميول السياسية والنفسية التي تكاد تغمر حروف الخبر، وهذا يظهر بوضوح في المقطع التالي: (وسلط المصدر الضوء على أن أمير الكويت طلب من الرياض إرجاء الإجراءات المزمع اتخاذها ضد الدوحة، إلى حين قيامه بوساطة قوية، لكن جهوده حتى كتابة هذا الخبر لم تكلل بالنجاح، لكون القيادة القطرية دأبت على قطع الوعود بتغيير سياساتها، بل وتوقع في حضرة الملك عبدالله على تعهدات مكتوبة، دون أن يلمس السعوديون أية خطوات جديــة تترجـــم إلى تحرك في اتجاه التغيير، والتخلي عن دعم الحركات المتطرفة).

بحسب رواية (العرب) ولكن هذه المرة بحسب مراقب خليجي قد يكون صانع الخبر نفسه، فإن السعوديين يفرّقون بين أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ونجله الشيخ تميم، أمير قطر الحالي. يقول (المراقب الخليجي!) بأن المشكلة ليست في موقف الأمير تميم، بل يؤكد أن الأخير (حريص على التعاون مع الخليجيين، لكن تدخلات والده المتكررة، وضغطه على ابنه، ورعايته لملف الإخوان في قطر، ودعمه لهم يضعف من قدرة تميم على القيام بما تمليه عليه واجباته كأمير وقائد للبلاد).

تنفيذ التهديد

بيانان ناعمان رغم سخونة المعركة.. بيان ثلاثي سعودي إماراتي بحريني صدر في 5 آذار (مارس) الجاري يطلق أول شرارة حرب كان وزير الخارجية السعودي سعود الفييصل قد توعّد بشنها على الجارة الصغيرة قطر في حال قررت عدم الالتزام بالتعهد الخطي الذي وقّعه أميرها الشيخ تميم آل ثاني في الرياض في 23 تشرين الثاني الماضي بوساطة أمير الكويت صباح الأحمد. وتضمن التعهد الخطي التوقف عن دعم الاخوان المسلمين، وعدم ايواء قيادتهم المصرية والسعودية، والتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، وعدم القيام بأي عمل يسيء لاستقرار السعودية والبحرين والامارات من خلال دعم أفراد محسوبين على تيار الإخوان، أو جماعات معارضة تسعى للتغيير في هذه الدول.

كلمات البيان الثلاثي جاءت ناعمة، بمقدمة طويلة حول مبدأ التعاون، المفردة التي تكررت كثيراً قبل أن يختم بقرار سحب السفراء من الدوحة.

البيان لفت الى عنصر كان مفقوداً في تحليل العلاقات الخليجية، وهو الخلفية التي تأسست عليها الاتفاقية الأمنية الخليجية، والتي أريد منها (الاتفاق على مسار نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة)، أي بمعنى آخر، إعادة إنتاج الوصاية السعودية داخل إطار مجلس التعاون الخليجي، وهو بالدقة المحور الذي يدور حوله الخلاف بين قطر والسعودية على وجه الخصوص.

توقف البيان الثلاثي عند اللقاء المنعقد في الكويت في 17 شباط (فبراير) الماضي برعاية أميرها الشيخ صباح الأحمد والذي حضره أمير قطرالشيخ تميم فيما حضر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. فماذا جرى في اللقاء؟

مصادر خليجية ذكرت بأن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بدا موتوراً طيلة اللقاء، وتجاوز حدود اللياقة في التخاطب مع رئيس دولة، فقام بتوجيه اتهامات مباشرة لقطر بأنها تهدّد أمن السعودية ومصر بدعم (الإخوان) وإن قطر تحوّلت الى مأوى لكل من يريد القيام بأعمال تضر بالاستقرار في مصر ودول الخليج، بالاضافة الى اتهامه لقطر بدعم الحوثيين في اليمن. أبقى سعود الفيصل نبرة خطابه مرتفعة في حضور أميري الكويت وقطر ووزراء خارجية دول المجلس، ثم تلى قائمة تدابير عقابية ضد قطر في حال عدم التزامها بالتعهد، ومن بينها: سحب السفراء، وإغلاق الحدود البرية، ومنع الطائرات القطرية من استخدام المجال الجوي السسعودي، وإلغاء عضوية قطر من مجلس التعاون الخليجي، ومن الجامعة العربية بالاتفاق مع مصر.

مصادر سياسية مقرّبة من السعودية حمّلت أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مسئولية ما جرى، بسبب وقوفه الى جانب الاخوان حتى بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فيما التزمت الدوحة الصمت حيال التصعيد الاعلامي السعودي الذي سبق قرار سحب السفراء. وكان أمير الكويت قد طلب من الرياض تأجيل قرار تنفيذ التدابير العقابية الى ما بعد قيامه بوساطة لتسوية الخلاف.

لم يشأ القطريون الوصول بالخلاف الى نقطة الانفجار، وفي الوقت نفسه عدم قبول منطق الإملاءات، وإلزام الدوحة بما ينبغي ان تكون عليه سياتها الخارجية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى، ومواقفها من القضايا السياسية الإقليمية والعربية والدولية. وهذا ما حاول البيان الناعم الصادر عن مجلس الوزراء القطري والذي وضع الخلاف في إطاره المحدد، وقال (لاعلاقة للخطوة التي أقدم عليها الأشقاء في المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة والبحرين بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها ، بل باختلاف في المواقف حول قضايا واقعه خارج دول مجلس التعاون ).

ما يجدر الإلتفات إليه أن الخلاف السعودي القطري لا يقتصر على المعلن من أسباب وردت في البيان الثلاثي، فثمة قضايا خلافية عميقة تعود الى 1913 حين قرر عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، إلحاق قطر بإقليم الإحساء، بعد إحتلاله، ولم يعترف عبد العزيز بحدود قطر الا بعد عامين بضغط من بريطانيا العظمى عبر وكيلها السياسي المعتمد. وبالرغم من توقيع الاتفاقية الحدودية بين قطر والسعودية سنة 1965 إلا أن الأخيرة أرسلت صبيحة 30 أيلول 1992 كتيبة عسكرية للسيطرة على مركز الخفوس الحدودي، على خلفية تجمع قبلي في المناطق المتنازع عليها بين البلدين، حيث يتوزع أفراد قبيلة مُرّة في هذه المناطق. وبعد إحباط الانقلاب العسكري في قطر عام 1995، كشفت الحكومة القطرية عن تفاصيل تتعلق بتورّط السعودية في الانقلاب بالتعاون مع بعض أفراد القبيلة، وأدى إلى إسقاط جنسية وتهجير المئات من قبيلة آل مرة.

فترات متقطّعة من الهدوء بين الدوحة والرياض، ما تلبث أن تشهد انتكاسة وتوتراً حاداً، كما حصل بعد بث قناة (الجزيرة) برنامج تلفزيوني في عام 2002 عن تاريخ السعودية باستضافة شخصيات سعودية وخليجية وجّهت انتقادات صرحة للملك عبد العزيز، فأدى الى سحب السفير السعودي في الدوحة حمد صالح الطعيمي مدة ست سنوات. وعادت العلاقات بين الرياض والدوحة الى طبيعتها بعد زيارة قام بها أمير قطر السابق الشيخ حمد الى السعودية ولقائه بولي العهد الأسبق الأمير سلطان في آذار (مارس) 2008، وتم تعيين سفير سعودي جديد في الدوحة.

وخلال فترة القطيعة بين الرياض والدوحة، عقدت الأخيرة تحالفات واسعة مع سوريا وايران وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان ونجحت في أن تصبح لاعباً إقليمياً فاعلاً حيث رعت أكثر من مشروع مصالحة، لبنانية، ويمنية، وفلسطينية، وعربية فيما كانت السعودية تتمسّك بما تعتقده حقاً حصرياً لها في إدارة السياسة الخارجية الخليجية.

على أية حال، فإن الخلاف بين الرياض والدوحة ما لبث أن تفجّر مجدداً على خلفية تباين المواقف حيال العدوان الاسرائيلي على غزة في كانون الأول 2008 ـ كانون الثاني 2009، وسعي قطر الى عقد قمة عربية طارئة في الدوحة لجهة تشكيل موقف عربي مشترك والضغط على مجلس الأمن الدولي لإرغام الاسرائيليين لوقف العدوان، ولكن السعودية قاطعت القمة.

وفي أيار 2010 تحسّنت العلاقات بين البلدين واستجاب أمير قطر السابق، الشيخ حمد، لطلب الملك عبد الله بالعفو عن عدد من السعوديين المتورّطين في المحاولة الانقلابية التي وقعت عام 1995.

ومع بدء الربيع العربي، بدا ما يمكن وصفه بتحالف الضرورة بين قطر والسعودية وبقية دول مجلس التعاون عموماً في مواجهة تداعيات الحراك الشعبي الذي كان يقترب من تخوم الخليج. ومع اندلاع الأزمة السورية شهدت العلاقة القطرية السعودية مرحلة غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في سياق مشروع دعم المعارضة بكل أشكالها لاسقاط النظام، في وقت كانت فيه قطر تواصل دعمها لحكومة (الاخوان) في مصر، ولم يكن ذلك مرضياً للسعودية والامارات.

يبقى معطيان هما الأخطر في ملف العلاقة السعودية القطرية، الأول قطري عبارة عن تسريب مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في كانون الثاني 2011 حول فكرة تقسيم السعودية، حيث تحدث الوزير السابق حمد عن خطة (إنهاء السعودية على يده وأن قطر موجودة وستدخل يوماً الى القطيف والشرقية..وأن الملك عبد الله مسكين مجرد واجهة وأن الحاكم الفعلي هو سعود الفيصل وأنه منتهي وستقسم بعده السعودية الى عدة مناطق). ووصف النظام السعودية بأنه (نظام هرم). وكشف عن أن (أمريكا و بريطانيا طلبتا منه تقريراً عن الوضع في السعودية و اعربتا له عن نيتهما في الإطاحة بالنظام الملكي هناك إلا أنهم يتخوفون من البديل الذي سيكون إسلامياً غير مرغوب فيه).

المعطى الآخر، هو التصريح الاستفزازي الذي أطلقه رئيس الاستخبارات العامة في السعودية بندر بن سلطان حين وصف قطر بأنها مجرد (300 شخص وقناة، وهذا لا يشكل بلداً)، وجاء ذلك في وقت قررت فيه السعودية انتزاع الملف السوري من القطريين والأتراك معاً، ثم جاء تخطيط وتمويل الإنقلاب العسكري في مصر بغطاء شعبي في 30 حزيران (يونيو) 2013 ليسدد ضربة قوية لحليف قطر، أي (الإخوان)، ودخول الحكم الجديد في مصر في خلافات مع قطر على خلفية وقوفه مع الرئيس المخلوع محمد مرسي وحكم الاخوان عموماً..

الخلاف السعودي القطري أخذ أبعاداً جديدة، خصوصاً بعد خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ يوسف القرضاوي في جامع عمر بن الخطاب في الدوحة بعد اعتكاف دام ثلاثة أسابيع، والتي عرّض فيها بالموقف الاماراتي إزاء ما يجري في مصر بعد إطاحة حكم (الاخوان)، والذي أضاف عنصراً جديداً في الخلاف السعودي القطري.

مهما يكن، فإن الخلاف السعودي القطري أخذ أبعاداً جديدة، خصوصاً بعد خطبة الجمعة التي ألقاها الشيخ يوسف القرضاوي في جامع عمر بن الخطاب في الدوحة بعد اعتكاف دام ثلاثة أسابيع، والتي عرّض فيها بالموقف الاماراتي إزاء ما يجري في مصر بعد إطاحة حكم (الاخوان)، والذي أضاف عنصراً جديداً في الخلاف السعودي القطري.

الصفحة السابقة