بنات الملك معتقلات منذ 13 عاماً

كرة ثلج تتدحرج وتعرّي الملك وسياسته

عمر المالكي

اعتصمت السيد العنود الفايز، الزّوجة السّابقة للملك (السعودي) عبد الله بن عبدالعزيز، أمام السّفارة السّعوديّة للمطالبة بإطلاق سراح بناتها الأربع المحتجزات منذ ١٣ عاماً، وبتوفير الرّعاية الطبيّة لهن. وقد حضر مكان الإحتجاج العديد من القنوات الفضائية العربية والدولية، والعديد من الصحفيين العرب والأجانب لتغطية الإحتجاج النادر.

وكانت العنود الفايز قد أوضحت بأنّ بناتها ممنوعاتٌ من الخروج لقضاء أبسط الحاجات، بما في ذلك منعهن من توفير الأدوية اللازمة، وناشدت العالمَ للتدخّل من أجل إنقاذهن من العزلة التّامة التي يفرضها النّظام، مشيرةً إلى محاولة الأخير التّعتيم على قضيتها الإنسانيّة وإفشال مساعيها للتّواصل مع الأمم المتّحدة، عن طريق استخدامه للمال والنفوذ السّياسي في الغرب.

وكانت العنود قد أطلقت حملة تحت شعار #FreeThe4 لتحقيق هذه الغاية؛ فيما رأى مراقبون ان الإحتجاج امام السفارة السعودية ومن قبل زوجة الملك السابقة، يحرج العائلة المالكة، والملك عبدالله شخصياً، الذي يحب ان ينظر اليه في الغرب كنصير للمرأة ومدافعاً عن حقوقها؛ كما يكشف الإحتجاج عن خروج الصراعات الداخلية الى السطح بسبب تعنّت الأمراء واستهتارهم بحقوق المواطنين، حتى وصل الأمر الى العائلة المالكة نفسها.

فإذا كانت سلطة العائلة المالكة تعامل أفراد من العائلة بهكذا قسوة، فكيف ستكون طريقة تعاملها مع باقي المواطنين؟

هذا ولازالت قضية الأميرات الأربع، تأخذ حيّزاً كبيراً من الرأي العام المحلي والعربي والدولي؛ وقد خرجت البنات عن صمتهن، كما والدتهن، وأجرين مقابلات تلفزيونية مع محطات تلفزيونية بريطانية وعربية، بل أن قناة نبأ السعودية المعارضة أجرت مقابلة مطولة مع جواهر وسحر عبر سكايب، شرحتا فيها اوضاعهن وتطلعاتهن، ودور اخوتهن (وزير الحرس متعب؛ وعبدالعزيز وكيل وزارة الخارجية) في تعقيد المسألة؛ كما ابدت الفتاتان دعمهما لحقوق المرأة في السعودية، بل وتأييد الحراك السياسي في المنطقة الشرقية/ القطيف والمستمر منذ ثلاث سنوات.

المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش، وبعد تضخم القضية اعلامياً، اعتذرت عن تقاعسها في الدفاع عن المحتجزات الأربع، وقال آدام كوغل بأن القضية لم تصل الى المنظمة إلا بعد خروجها الى العلن، في حين تؤكد مصادر أخرى مقربة من العنود الفايز، بأن معلومات عن القضية قد ارسلت الى تلك المنظمة الحقوقية منذ عامين على الأقل.

أمنستي أنترناشيونال، ومقرها لندن، تتفادى هي الأخرى التعرض للعديد من القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، وتغطياتها للشأن الحقوقي بل ومقارباتها لذلك الشأن تكاد تجعلها فرعاً من وزارة الخارجية البريطانية، وفي الغالب هناك ذرائع بأن امكانيات العفو الدولية مسخّرة لقضايا أكبر وأكثر الحاحاً كاليمن، التي عادة ما تُدمج من الجهة الإدارية مع ملف السعودية.

وكانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي تلقت للسنة الثانية دعماً من السعودية مقرراً له ان يستمر لخمس سنوات، بخمسة ملايين دولار، اكتفت هي الأخرى بالقول أنها أخذت علماً بما جرى للأميرات الأربع، وأنها تحقق في القضية الى جانب قضايا أخرى قد تستغرق أشهراً طويلة.

على صعيد آخر بدأت أصوات عديدة تتحدث عن احتمال تصعيد القمع بحق بنات الملك، خاصة بعد ظهورهن العلني المتحدي على شاشات التلفزة، وقد يعمد النظام الى قطع آخر وسيلة تواصل لهن مع العالم، وربما نقلهن من الى مكان آخر لإخماد كرة الثلج والتساؤلات الكبيرة التي تطرحها القضية وفي مقدمتها: اذا كان ملك الإنسانية يعامل بناته اللاتي من لحمه ودمه هكذا، فكيف به سيعامل بقية المواطنين؟

روثنا بيغم، باحثة في هيومان رايتس ووتش، عبرت عن رأيها مع زميلها آدم كوغل بشأن قضية الأميرات في مقالة حملت عنوان: (سواء كنّ أميرات أم فقيرات.. الطريق الطويل لحقوق المرأة السعودية)، فقالت أنه بمجرد انكشاف حبس الملك لبناته الأربع.. سارعت الرياض لاحتواء الاضرار الناتجة، فروجت احدى شركات العلاقات العامة البريطانية العاملة لحساب السعودية بأن الأخيرة ستصدر بياناً مهماً عن حقوق المرأة السعودية. لكن «البيان المهم» لم يأت أبدا.

بدلا من ذلك، أبلغ رئيس هيئة حقوق الإنسان بالحكومة السعودية، د. بندر العيبان، مجلس حقوق الإنسان عن الخطوات الصغيرة التي اتخذتها الحكومة تجاه حقوق المرأة.

وتقول بيغم، ان السلطات السعودية وظفّت استراتيجية حماسية خلال العامين الماضيين، بالكثير من البيانات الصحفية والقصص الخبرية التي تتناول أموراً تحدث «لأول مرة» فيما يخص المرأة السعودية، مثل قصة أول محامية، أول رئيسة تحرير، أول نائبة وزير، وعضوات بمجلس الشورى، وغيرها من الأمثلة. بحيث تستخدم تلك المكاسب الصغيرة لإخفاء أوجه القصور الرئيسية في قضايا كبرى متعلقة بحقوق المرأة.

وترى بيغم ان حبس وإخضاع بنات الملك عبد الله للإقامة الجبرية انتزع الاهتمام الدولي لكونه ينطوي على اسم أقوى رجل في المملكة. لكن في الواقع فكل الرجال في السعودية ـ ليس فقط بالنسبة للنخبة الحاكمة ـ يسمح لهم بممارسة السيطرة الكاملة على تحركات ذويهم من النسوة البالغات. إذا ما اختاروا تقييد حركة المرأة، فليس واضحا ما إذا كانت السلطات ستعتبر هذا الامر اعتداء.

وكان الدكتور العيبان قد قال إن (النساء في المملكة السعودية تلقين الدعم المباشر من الملك عبد الله، ويتم تشجيعهن ودعمهن من أجل حصول المرأة على المشاركة في جميع مناحي الحياة). إذا كان هذا الكلام صحيحاً، تقول بيغم، فالملك عبد الله ـ باعتباره أعلى سلطة في المملكة وولي أمر زوجاته وبناته غير المتزوجات ـ بحاجة إلى اتخاذ خطوات تتجاوز الخطوات الضئيلة المتواضعة؛ عليه أن يضع نهاية للوصاية الذكورية على النساء، بما في ذلك اشتراط موافقة ولي الأمر على سفر المرأة للخارج، وإلغاء الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات. أي شيء دون ذلك سيكون مجرد مسكنات في أحسن الأحوال، أو في الأسوأ: محاولة لإخفاء حقيقة أن السعودية لا تزال تمارس التمييز المنهجي ضد النساء. وفي النهاية، فإن الملك عبد الله بحاجة لإظهار جديته بشأن حقوق المرأة ـ ليس فقط كملك، لكن أيضا كأب وزوج).

الصفحة السابقة